أحتفالية القيامة على الانترنت بانورانا القيامة
منتديات بخديدا |
ويحدِّثونك عن الفِصح الاستاذ الفنان باسم حنا بطرس
لا أدري، ولا أعتقد أني سأدري، هل هي حال تفريجٍ أنْ نكتبَ في سياق الخواطر، بعيداً عن اللجوء إلى النَسخ من الأدبيات الإيمانية؟ فإنْ كانت الحال كذلك، فلتكُن، طالما الهدف واحد ومشترَك عند الجميع.
شُموع الفِصح
سأوقِد للفِصْحِ أحلى الشُموعْ وأُغمِضُ عَيْني بقلبٍ خَشوعْ وأجلسُ وحدي أُطيلُ الصلاة وأحـلمُ أنْ يلتقيني يسـوع وأحـلمُ أنْ يلتقيني يسـوع
ونجدد إعلانَ شهادَتِنا بأعلى صوتنا عشيَّة سبت النور صارخين { إنقضى صومُ المسيحِ بالسلامْ – والمخلِّص خلَّصَ العالَم وقامْ }
هكذا تقول الأنشودة التي ردَّدناها من أيام طفولتنا ولما تزال تُسمَع مرنَّمَةً في جميع كنائسنا إحتفاءً بقيامة الفادي المخلِّص، التي صارت شهادة إيمانٍ للمسيحية في كل زمان ومكان.
وتتوالى الكتابات في هذا الموسم الفريد من نوعه والعظيم في مكانته، ببناءات استقائيَّة من الكتاب المقدَّس والأدبيات المسيحية، إستذكاراً لمجد الربّ في بلوغ ذروة رسالته شامخةً على الصليب الذي كان عاراً فأصبح صليب الفداء شرفاً للإنسانية جمعاء.
هكذا، إذاً، هي الحال اليوم، والإنسان يعيش عذابات العصر العاتي وما عاد يجد لها خلاصاً. فيجد في الفصح فسحةَ زمنٍ لعلَّه ينفُذُ عبرها نحو بارقة الخلاص فيأمن حالَه، ويتوسَّم عودة المحبة والسلام بين البشر.
الفِصح في تقاليد الترتيل المجتمعي
لعلَّها من أجمل التقاليد إنشغال الجماعة المسيحية في حشدٍ من الفعاليّات التي تتوالى أسبوعيًا من بدء الصوم الكبير لغاية بلوغ ذروة المجد في قيامة الرب المخلص. إنها، كما أسمَيتُها، تقاليد ترتيل مجتمعية، مؤسَّسة على مرتكزات الإيمان.
إفتتحتُ موضوعتي هذه بنشيدٍ غير معروف على مساحة الترتيل الكنسي: إنه نشيد (شموع الفِصح). لهذا النشيد قصة: كانت مجرَّد صدفة أنْ إتصل بي تلفونيّاً واحد من معارفنا في بغداد، ليبلغني بأن الشاعر (راسم المرواني) قد كتب قصيدةً بتأثيرات وجدانية خاصة عن يسوع والفصح، بأمل أنْ يصار إلى تلحينها وإنشادها في الكنائس. فقلت له بدون تردد: أهلاً بالقصيدة وصاحبها. فكان أن وضعتُ لها لحناً وتم إنشادُها من قبل جوقتَي كنيسة مار بثيون في البلديات، أيام راعيها الصديق الجليل الأب بطرس حداد، وكنيسة مار إيليا الحيري في الأمين، أيام راعيها الراحل الصديق والزميل الأب فيليب هيلايي. واليوم صار إنشاد هذه التراتيل تقليداً عند جوقة كنيسة مار أدَّي الرسول في نيوزيلندا.
إليكم النص الكامل للقصيدة
الفِصْح، القيامة .. الإحـتفال الأعظـم
تحتفل البشرية في إستقبال العام الجديد بكل أشكال البهرجة فرحاً وغبطة وتيمُّناً بحلوله كعامٍ جديد يُضاف إلى روزنامة الحياة العامة. ومنه تتحرَّك الأيام متسارعة عبر محطات زمنية لتقترب من زمن صوم الباعوثا؛ وهنا تتحرك عقارب الزمن بتؤدَّة لتعلن بدء الصوم الخمسيني. وتتخذ الحياة المسيحية منحىً جديداً من الإحتفالات بهذا الموسم الكريم.
ففي أماسي أيام الجمعة من كل أسبوع، تُقام رياضة درب الصليب، التي يستذكر المؤمنون فيها بشيء من الواقعية وعبق الأجواء الخاشعة والألحان المشاعرية، مراحل الدرب التي تبلغ ذروتها عند إرتقاء المخلِّص الفادي قمَّة الخشبة، وهو يصرخ غافراً بأعلى صوته (أبتاه، أغفر لهم لأنهم لا يدرون ما يفعلون) ومن بعد يعلن إنتصارَه العظيم على الموت بنشيده الرائع (ها قد تمّ).
تقرُّباً من زمن إنقضاء أيام الصوم، تتفتَّح أزاهير الورد في إحتفالية أحد السعانين، لتُعيد مشاهد خروج الشعب بأكمله مستقبلاً إبن داؤد بالهلاهل والزغاريد وأغصان الزيتون وسعف النخيل:
أوشعنا لربِّ الجنود
ويبدأ السير الحثيث في سباق مع الوقت المتبقي لقيامة الرب، فتحتشد الفعاليَّات طيلة الأسبوع الأخير من الموسم، ليأتي يوم الخميس، فيُحتفَل بـ (الفِصْح) في أجمل حُلَّتِهِ، حين قام الرب منحنياً بغسلِ أقدام تلاميذه الواحد تلوَ الآخر. إنه التواضع الجمَّْ. فيشترك جمعُ المؤمنين المحتشد داخل الكنيسة حول مائدة المسيح، تناولاً لجسده ودمه المقدَّسَين.
وتقترب عقارب الساعة لاهثةً، لتبدأ مراحل الفداء الخلاصي العظيم. وتبلغ ذورتها عصرَ الجمعة التالية، جمعة الآلام، الجمعة العظيمة، بكامل طقوسيّاتِها؛ فتتوقف الحياة مؤقَّتاً عند صرخة المخلِّص (ها قد تمّْ).
مواقع الأحداث في الأراضي المقدَّسة كان ذلك في صيف العام 1965، حين ذهبنا بسيارتنا الخاصة إلى لبنان، ومن هناك توجَّهنا إلى فلسطين، أيام كانت مرتبطة إدارياً بالأردن؛ إنني في مثل هذا اليوم أستذكر مشاهد مواقع الأحداث تلك، وبخاصة مراحل درب الصليب التي تقام مراسمها أسبوعياً، بلوغاً القبر المقدَّس.
هنا أتوقف عند القبر المقدس قليلاً: هنالك ثمة ثلاثة مواقع للقبر المقدس. موقع داخل كنيسة القيامة، ومقبرة ذات ثلاثة لحود منقورة في سرداب في الكنيسة ذاتها. أما الثالث فيقع خارج أسوار القدس، في (بستان القبر المقدس). وكل من هذه المواقع تنتمي إلى فئة من الطوائف. لا يهمني الأمر، لمعرفة أيٍّ منها هو الصحيح، لكن المهم أن نجعل من (قلوبنا) قبراً للفادي المخلِّص. وكما كان في نشيدنا القائل: (تعالَ بيننا – أقِم عندنا – وخذ من قلوبِنا لك مسكِنا)
ويأتي فصل الختام وهكذا نستقبل ليل السبت لنحتفل فيه بالنور البهيّ، إنه سبت النور، حين يعلو صوت الكاهن معلناً:
هكذا أحتَفِل بالفِصح، فليكُن إحتفالُنا به مهرجاناً للترتيل المجتمعي. قام المسيح حــقَّاً قام.
|