فنانونا السريان الاستاذ الفنان باسم حنا بطرس يعد الملف خصيصا لموقع بخديدا
نسرين جورج
إطلالة شفافة، في تحليق نحلةٍ طائرة تئِزُّ كملكةٍ تمنح عاملاتها من النحل شهداً عسليَّاً، وهي تروح وتجيء متحدِّثةً بعذوبة الصوت، ورشافة الحركة، مع كلِّ مَن تحلَّق حولها من الأطفال. إطلالة إعتدنا نحن الكبار متابعتها من خلال الشاشة الصغيرة للتلفزيون العراقي: في برنامجٍ شدَّ إليه الأطفال الحلوين، وغير الأطفال من الأكبر سنّاً. تلك كانت سندريلا الشاشة الصغيرة، نسرين جورج عبد الأحد، صاحبة برنامج (سينما الأطفال). إنها اليوم تعيش في بقعة الطبيعة الجميلة الخلابة، نيوزيلندا، تتابع معارفَها في هذا البلد القصيّ، وتمارس شيئاً من إختصاصها الذي تحب: مرشدة في حضانة للأطفال. أتراها تتحرَّق الطفولة، وهل أنها تعيش طفولتها اليوم؟
مع نسرين جورج، وقفة قرأت عنها عبر كتابات متعددة، إخترتُ منها تقول سهير القيسي، طبيبة الأسنان ومن ثم الإعلامية المتألقة: ومن المواقف التي جعلتها تعشق مهنة "البحث عن المتاعب"، تقول سهير: أثناء الدراسة الابتدائية اختارتني المذيعة العراقية الشهيرة آنذاك نسرين جورج حتى أكون من ضمن الأطفال الذين تتعاون معهم في برامجها بعد أن التقت مجموعة من المتفوقين في حي الكرخ ببغداد وكنت من ضمنهم واذكر أنني كنت أكثر الأطفال مناقشة وحديثا معها ومع الكاميرا مما حدا بها إلى اختياري". هذه هي – إذاً – نسرين جورج نقلاً من دبي - العربية.نت
وإختياري الآخر للشاعر الفنان يوسف الصائغ: قال جهينة على صفحته (إشارة) في جريدة الثورة بعددها 5599 في 17 أيلول 1985 برنامج يستحق التنويه. منذ زمن وأنا أنوي الكتابة عن برنامج تلفزيوني يجري تقديمه بهدوء وتواضع في التلفزيون الساعة الرابعة من عصر كل خميس، إسمه على ما أعتقد سينما الأطفال. ولست أدري إن كان الكبار يتابعون هذا البرنامج ولكنني واثق من أن الأطفال الذين يتوجه إليهم يتابعونه باهتمام وشغف. ثم في الوقت نفسه يفيدون منه إلى حد ملحوظ.... لكنني مدين بأن أعترف أنني رغم سنواتي الخمسين، أعتبر نفسي من بين جمهور الكبار الذين يحرصون على متابعة الأفلام التي تقدمها سينما الأطفال. ولأنني كذلك فقد تعودت أن أصغي باهتمام إلى مقدمة البرنامج وهي تحاور يوفها من الأطفال قبل عرض الفيلم على المشاهدين محاولة أن تستثير فيهم روح التذوق والتفكير والحوار والنقد والمناقشة. ولابد من القول مقدما أن مقدمة البرنامج على امتدادا تجربتها إستطاعت أن تطور من أسلوب التقديم وأن تصل إلى مستو مفرح بحيث صارت مناقشتها للفيلم المعروض مع ضيوفها من الأطفال متعة إضافية يلذها أمثالي من الكبار. وهم يستجلون قدرات هذا الجيل الجديد ووالطاقات التي ينطوي عليها إذا ما أُحسِن التعامل مع هذه القدرات والطاقات. جهينة. أما أنا، فأقول: كنتُ في فترة التسعينات أعمل وأسكن في خارج العراق، وعندما كنتُ آتي إلى بغداد بين الحين والآخر، أشاهد من بين مشاهداتي لبرامج التلفزيون، برنامج سينما الأطفال؛ في الحقيقة كان إهتمامي بمشاهدة الفيلم، لأني درجتُ على المشاهدة السينمائية يومياً ومنذ صغري في صالات السينما ببغداد؛ لكن تركيزي إنجذب إلى الحديث والحوار اللذي تقيمه معدَّة ومقدِّمة البرنامج مع الأطفال المحتشدين داخل صالة أستوديو التسجيل (وهي: نسرين، ذاتها) وأستكشف أسلوبها في التحدُّث إلى عقليّات الأطفال الطريَّة حول الفيلم المختار، ومن كل جوانبه، وهي تنطلق بعفوية وهدوء في رحاب الحوار، فتستخلص من الأطفال إجابات أو تعليقات على الفيلم، وكأنهم (الأطفال) أكبر من حقيقة عمرهم كي يستوعبوا فكرة الفيلم والأحداث الجارية فيه. سألتُ عنها (مَن تكون نسرين جورج)، أتراها إبنة المصور التلفزيوني الرائد جورج رزوقي (منذ البدايات الأولى للتلفزيون العراقي): لكنها ما كانت إبنة هذا المصور الراحل، بل إبنة عائلة تهتم بالثقافة والسينما، وبحكم عمل والدها فقد كان على العائلة التنقُل من مدينة إلى إخرى بحسب طبيعة عمله الوظيفي. وكان الفيلم السينمائي، أيام كانت دور السينما في العراق، وبغداد على وجه الخصوص، ملتقى العوائل وبخاصة في فترة العرض الليلي الثاني. فانشدَّت منذ صغرها إلى الشريط السينمائي، تحاول إستكشاف جوانب الصناعة السينمائية. في سنٍّ مبكِّرة، إنشدَّت وشاركت ببرنامج (عالم الأطفال) الإذاعي لعمّو زكي، الأول من نوعه تلك الفترة. كما شاركت في فعاليات مدرستها، فأخذت تشعر بمَيلٍ نحو الإخراج المسرحي والسينمائي. إنجذبَت نسرين منذ صغرها نحو الفن، فماذا تفعل؟ كانت منذ أيام إبتدائيتها تستمع إلى الأقراص الفونوغرافية (إسطوانة الكرامافون – الحاكي) لمصنفات موسيقية مختلفة، ثم إلتحقت بالمعهد الأهلي لرقص البالية، لمؤسستِه ورائدته (مدام لينا)، السيدة التي كانت الأولى في مضمار تعليم رقص (البالّيه - Ballet) في بغداد. وذلك قبيل تأسيس مدرسة الموسيقى والبالية بعقد من الزمن. والظريف في المسألة أن كانَ هناك ثمة مخزن في الكرادة الشرقية لبيع الفساتين والملابس والأحذية الخاصة برقص البالية؛ فكانت مدام لينا تأخذ الراقصين الصغار من الجنسين، إلى مسرح قاعة الملك فيصل الثاني (قاعة الشعب)، لتقديم عروضٍ لمناسبة عيد ميلاد مليك البلاد. ونَما تذوُّقُها للموسيقى تدريجياً وتشارك بشكل تلقائي في ترديد ما تسمعه من ترتيل في الكنيسة، وتقلِّد هذا المغني وتلك المغنية، وتتموَّج مع ثنايا الألحان طرَباً عفويّاً. لكن المحطة المهمة في سَيرها الفنّي، عند دخولها كلية الفنون الجميلة (التي كنا نسميها أكاديمية الفنون الجميلة) في قسم الإخراج المسرحي، دارسةً باهتمام المواد المقررة، لتتخرج بالتالي حاملةً درجة البكالوريوس في الفن. وكان دخولها معترك الفن من خلال الشاشة الصغيرة للتلفزيون، والذي من خلاله عرفناها معدَّة ومقدِّمة برنامج سينما الأطفال، تطل على جماهير المشاهدين وهي تعي خطورة وقوفها أمام الكاميرا، بثقةٍ مذهلة في التحكُّم مع الكاميرا بلا وجلٍ أو خوف. لا أدَّعي أني إلتقيتُها سابقاً، حتى كان مجيؤنا إلى نيوزيلندا، فعرفنا من بعد أن نسرين جورج موجودة في هذا البلد أيضاً. فكان أمراً طبيعياً أنْ إلتقيناها وصارت صديقة العائلة. نتحدث كثيراً عن الفن بشكل عام، وعملها في التلفزيون، الذي جعل منها نجماً معروفاً عند جماعتنا العراقية هنا في أوكلند، وبخاصة البعض من الشباب الذين كانوا يوماً أطفالاً مشاركين في برنامجها التلفزيوني – سينما الأطفال. هذه هي نسرين، معنا في نيوزيلندا لتكسب صداقات جديدة من مجتمع أطفالٍ جديد
باسم حنا بطرس أوكلند في 11 تشرين الثاني 2005.
|