د. فيصل إبراهيم المقدادي
(مفتاح) العاني في ليبيا
(يا خشيبة نودي نودي
وديني على جدودي
وجدودي بطرف عكا
يعطوني ثوب وكعكة
والكعكة وين أضمها
أضمها بصنيديقي
والصندوق يحتاج مفتاح
والمفتاح عند الحداد
والحداد يحتاج فلوس
والفلوس بجيب العروس
والعروس بالحمام
والحمام يحتاج قنديل
والقنديل في البئر
والبئر يحتاج حبيل
والحبل عند القصاب
والقصاب يحتاج...
......... الخ )!!
.. قد اعطت زخماً جميلاً للفعل المسرحي واسهمت في تألق
الملحن والموسيقي: (يوسف سيرقيوة) ومغنيتها الرئيسية ممثلة
دور (حيرة).. نجلاء الأمين. ان امتياز المسرحية يتلخص في
تركيز فعلها بهدفها: (طلب الطفل) وعدم رضوخ البطلة: (حيرة)
للعوائق، فقد عاشت الممثلة دورها ملء جوارحها لذا كانت
مقنعة بفرحها وحزنها مما ساعدها على اضفاء قيمة حقيقية في
علاقتها بـ: (حيران) وحيران الذي مثله ابداعياً: (الصالحين
المقصبي) هو الاخر قطب شعبي قلق لايريد طفلاً ما دام
خائفاً على مصيره في عالم بلا ضمانات مثله تلقائياً واسبغ
على جو المسرحية صدقاً فنياً ومرونة ضرورية ومنذ البداية
يختار المخرج لـ: (حيرة وحيران) اجداداً من ممثلين تتراوح
دعوتهم بين الجد والهزل بثلاثة ممثلين شباب: (فرج ميزون،
نسيم الشريف ونزار الهنيد) جسدوا ادوارهم باتقان وعلى الضد
من دعوة (الاجداد) تقف دعوة (نوار) الذي مثله: (صلاح
العوامي) الطاقة المعطلة التي لم يستفد منها لا (يوسف
العاني) المؤلف ولا: (منصور سيرقيوة) المخرج أهمل كي يبقى
يوزع النصائح غير المقنعة وغير الجادة بمباشرة تواجه:
(حيرة وحيران) لأن: (يركضوا) للحاق بالمفتاح الحقيقي...!!
بعد تاكدهما من فراغ الصندوق، وقد التبس التأليف في اكثر
من موضع خاصة بين دوري: (نوار والراوية) والدور الاخير
(الراوية) الذي مثله الفنان (عبدالسلام شليمبو) جاء ثقيلاً
على المسرحية ولم يكن صعباً لو جرى دمج فني لدوري:
(الراوية ونوار) في شخصية واحدة لخفف عن المسرحية عبئاً...
اما ممثل دور: (الحداد) الفنان: (ناجي عبداللطيف).
فقد سجل حضوراً جيداً يمكن ان يكون الافضل مما هو عليه
لتمتعه بشروط الممثل القدير، ان دور (الحداد) بحاجة الى
لمسة اخراج اكثر جدية، ونفس الشيء بالنسبة لدور (الراعي)
الذي مثله الفنان (عبدالرحيم عبدالمولي) ذلك لأن دوريهما
ذو دلالات هامة في الصراعات الحديثة بمسرح (يوسف العاني)
لقد حاولت الفنانة ممثلة دور (الوصيفة) فائزة ابراهيم
المنصوري بمجهود كبير ان تلامس جوهر الشخصية ونجحت بان
تمسك ببعض خيوطها لحداثتها في التمثيل اولا ولصعوبة
الدور-خاصة في مشهد اللقاء الاول مع (نوار) ومحاولة
اغرائه.. اثناء الحديث عن العروسة..الخ! وبشكل عام فان
لفائزة شجاعة ادبية ممتازة والقاء سليم وحضور شكلي ناجح في
المسرح، والعمل في تنويع مراكز الاهتمام التي تتوزع على:
(المهد،المطر،وحمل حيرة) انما تخدم دعوة (نوار) اللاحقة
للتماسك الذاتي ضد عوامل الحيرة والكفاح المستمر الذي عبر
عنه بدعوته لحيرة وحيران للركض، لوناً ونغماً وفعلاً
وشكلاً، ويثري جو المسرحية ويجدد نية المتلقين في متابعة
احداثها وتصاعد صراعاتها والتحول التام عن حكايات القدماء
ووعودهم والدعوة (للتحديث) و (الاعتماد على النفس) وهذا
بدوره يؤدي الى تنظيم التسلسل المنطقي لبناء المسرحية نحو
نهايتها والتأكد من خطل الدعوات (التراثية) في زمن الحضارة
الحديثة المعقدة وضرورة الكفاح فيها (الركض) ضد عوامل
الحيرة والقلق التي تهدد على الدوام الحياة الطبيعية
للاسرة، ان بعض (التشتيتات) في توزيع تسلسل المشاهد على
خشبة المسرح قد خلق (احياناً) اعتقاداً مفاده ان المخرج قد
غالى في الاشكال الجمالية على حساب معاني السعادة الفنية،
وقد يختلف المشاهدون في تحديد اية سعادة، الا اننا نعتقد
مؤكدين من انه لاشيء اكثر من روعة وتناسق هذه المسرحية وان
روعتها تخللت كل مشهد وموقف في حياة الشخصيات وما تمهده
للمواقف التالية من خلال ماتثيره تلك المواقف من شجون
واحساس بالرغم من التفاوت في مستوى التمثيل للعديد من
الذين مثلوا ادوارهم، ومع ذلك فانهم جميعاً قد اشتركوا في
المعايشة الجيدة والمحافظة على حركة المسرحية وايقاعها
وتركت في الذاكرة شيئاً من اصرار دعوتها في ضرورة كفاح
الانسان نحو الافضل (بطرق اكثر صحة) بمعالجة فنية، وانها
بلاشك مبادئ عظيمة جمعت ابداعات (يوسف العاني) ورؤيا
المخرج (منصور سيرقيوة) الليبي وكوكبة من فناني درنة.
|