المعجزة في زمن العجز حضور كنيسة العراق الدائم في عمل الخلاص في أجواء إضطراب الحال في العراق الجريح، كان لكنيسة العراق، كما دأبها دائماً، حضوراً في العمل الخلاصي، وكنَّا نحن الذين سيأتي ذكرهم في هذه {الشهادة} شهوداً لحادثةٍ تتابعت فصولها في سباق مع الزمن اللاهث: إنقاذاً لنفس مدنفة تلهج لنيل الزوّادة الأخيرة قبل حلول الرحيل. بدأت فصول القضيَّة هنا في مدينة أوكلند (نيوزيلندا)، حين إتصل بي هاتفياً صديق عزيز هو الأب جورج بوصادر (خوري إرسالية مار جاورجيوس الأنطاكية الأرثوذكسية في نيوزيلندا) لزيارتنا في البيت، وكان الوقت مساءً؛ أهلاً وسهلاً بكم أبانا. فحضر بمعيَّة زوجته الخورية ميري، فقُمنا زوجتي (سامية) وأنا بالترحيب بهما بما يليق. جلسنا نتبادل الأحاديث، مع تناول الشاي وبعضاً من المعجَّنات. قال أبونا جورج: جئتُك لتساعدنا في إمكانية قيام كاهن من بغداد لزيارة السيدة المدنفة (نعمَت جوزيف ملكَم)، وهي خالة الخورية ميري، ومنحها زوّادة الرجاء الأخيرة قبل رحيلها من هذه الدنيا. فكَّرتُ هُنيهة، بمن أتصل، فالكنيسة العراقية كنيستي ورجالها آبائي وأخوتي تربطني بهم أجمل علائق المودَّة والإحترام. ناهيك عن تلكُّؤ سُبُل الإتصال إنْ لم تكن معدومة في معظم الوقت. هكذا، كان عليَّ أنْ أفعل شيئاً؛ فجلستُ إلى الكمبيوتر، لأستنطقه نداءً إلى بغداد كنيستي، فكان هذا النداء بالبريد الإلكتروني: نـــداء أنقل لكم رجاء صديقنا الحميم الأب جورج بوصادر (راعي الكنيسة الأنطاكية الأرثوذكسية في أوكلند - نيوزيلندا)، لإسعاف قريبته في بغداد (سيدة مسنَّة تعاني من حالة صحية متدهورة، مرض السكري، مبتورة الساق، وهي الآن في حالة إحتضار. تشعر بحاجة ماسَّة إلى المشحة. تسكن في حي القادسية ببغداد (العنوان أدناه)، حيث لا يوجد كاهن أو كنيسة قريبة في المنطقة لإسعافها. الإسم: نعمَت جوزيف ملكَم تسكن في حي القادسية ببغداد وذكرنا في النداء العنوان الكامل وأرقام التلفونات.
فكَّرتُ: بِمَن أتصل ولمَن أرسل النداء؟ أرسلتُ النداء إلى أبينا المحترم الخورإسقف بيوس قاشا، خوري رعية مار يوسف للسريان الكاثوليك في المنصور ببغداد، وكذلك إلى الأخ الكريم الأستاذ هلال كبَّارة، مدير إدارة مجلة (نجم المشرق) الذي رجَوتُه إقامة الإتصالات اللازمة....فكان السباق للوصول إلى دار السيدة المدنفة، بشكل سيناريو غير مُعَدّ مسبقاً. تهلَّل وجه أبينا جورج وعقيلته، ووعدتُهم خيراً بمتابعة الموضوع بشكل حثيث. في اليوم التالي، بتوقيت نيوزيلندا، جاءني البريد الإلكتروني يحمل رسالة من أبينا الخور أسقف بيوس قاشا، يقول فيه:
حضرة الأخ العزيز باسم حنا بطرس الموقر سلام بالرب يسوع استلمت رسالتك الإلكترونية البارحة مساءً وفي تمام السابعة من يوم 8/11/2005 ولم أستطع أن أردّ الجواب لعدم توفر الخطوط الهاتفية. عزيزي: من عادتي إنني أزور يومياً عدداً من العائلات عصراً، وبينما أنا في زيارة لأحد أبناء الرعية الذي احترق بيته وهو يسكن في حي الخضراء، رنّ الموبايل وكان على الخط السيد هلال كبارا الذي أخبرني بأن هناك نداءاً عاجلاً من السيد باسم حنا بطرس وهو أن هناك مريضة قريبة للأب جورج بوصادر وهي بحاجة ماسة إلى نيل سر المشحة، فقلتُ له لم يتصل بي أحد في هذا الشأن، فقلتُ له هب لي رقم الهاتف فاتصلت وأخذت العنوان وخرجت مسرعاً إلى بيت المريضة، ورغم أن الطريق كان مغلقاً بسبب الحالة الأمنية التي تواجدت في تلك الساعة، وجدتُ طريقاً فرعياً يخرجني من منطقة حي الخضراء ومشحتُ المريضة... وبعدها اتصلت بالسيد هلال وقلت له أنا في رسم الخدمة ولبَّيتُ النداء ومنحتُ السر المقدس، وعدتُ بعدها إلى الكنيسة... كم أنا فرح بإتمام رسالتي الكهنوتية رغم ظروف الحياة الصعبة في هذا البلد الجريح، ما علينا إلا أن نداوي الجروح لا أن ننهزم منها. في الختام تحياتي وأتركك أيها الأخ العزيز في حماية الصامت الكبير ـ مار يوسف البتول. محبك وأخوك الخورأسقف بيوس قاشا. ^^^ وهكذا كان الفوز العظيم في هذا السباق الماراثوني مع إنغلاقات الامل في زمن العجز!
أبلغتُ أبانا جورج بما تم إنجازه لنسيبته المدنفة. فلهج قلبُه قبل لسانه بآيات الشكر لله تعالى، وإلى الخوري بيوس والصديق الوفي هلال؛ ليرسل إليهما فوراً الرسائل الآتية:
قدس الأب بيوس قاشا، الجزيل الإحترام والتقدير والشكر، لا يمكننا وصف شعورنا لدى سماعنا بما قمتم به؛ ونشعر بأن ملك السلام كان يبتسم عليكم وأحاطكم بنوره وظل جناحيه... أطال لكم العمر والصحة والعافية وأدامكم عاملين بكرمه... ألمهم أنكم "في مثل ظروف البلد الحرجة، أقول: إنها معجزة ربّانية أنْ أتمتم إسعاف هذه المريضة المدنفة. لا أدري كلاماً أكثر لأضيفه، فإذا تعذَّر على الإستاذ باسم أن يزيد فليس بي كلاماً أزيده. بالرغم من بعد المسافات، نتضرع وندعوا من أجل العراق الحبيب وسلامة شعبه. ونطلب ان يعضد ويحفظ ويرفع شأن كنيسته في العالم أجمع وأن يحفظكم أيها العاملون والمتحملون المصاعب. لتكن بركة الرب يسوع المسيح ونعمته معكم، كل حين. الأب جورج بوصادر إرسالية مار جاورجيوس أوكلند نيوزيلند
777777777 وأردفها برسالة إلى الأستاذ هلال كبارة، قال فيها: أخانا الأستاذ هلال گبارا الجزيل الإحترام والتقدير والشكر، لا يمكننا وصف شعورنا لدى سماعنا بما قمتم به؛ ونشعر بأن ملك السلام كان يبتسم عليكم وأحاطكم بنوره وظل جناحيه... أطال لكم العمر والصحة والعافية ودامكم عاملين بكرمه... تأكَّد بأننا نثق بالكهنة ولذلك طلبنا من أخينا العزيز باسم أن يتصل كما يراه مناسباً بسبب معرفته ووسعة إطلاعه. كما ورد في خطابكم للأخ العزيز باسم، إبنة المريضة تشعر بضيق الحياة وبسبب شعورها بالخوف من المستقبل والظروف؛ لعلها لم تخابر مباشرة لكن أحد أفراد العائلة قام بالإتصال كما رُوي إلينا. المهم أنكم "في مثل ظروف البلد الحرجة، أقول: إنها معجزة ربّانية أنْ أسهمتم بإسعاف هذه المريضة المدنفة. لبالرغم من بعد المسافات، نتضرع وندعوا من أجل العراق الحبيب وسلامة شعبه. ونطلب أن يعضد ويحفظ ويرفع شأن كنيسته في العالم أجمع وأن يحفظكم أيها العاملون والمتحملون المصاعب. لتكن بركة الرب يسوع المسيح ونعمته معكم والعائلة وأسرة نجم المشرق، كل حين.
فصل الختام وتحرَّك الوقت متسارعاً، لتهدأ نفس السيدة المدنفة براحةٍ تامَّة، راضيةً مرضيَّة، شاكرةً نعماء الرب الذي حلَّ جسدَه في نفسها، لتُغمضَ عينَيها في الرقدة الأبدية. فكان رحيلها بهدوءٍ وصمتٍ وأمان. ففي اليوم التالي، وافاني البريد الإلكتروني برسالتين؛ الأولى من أبينا الفاضل الخور أسقف بيوس، قال فيها:
الاخ العزيز والغالي باسم حنا بطرس الموقر سلام بالرب يسوع لقد استلمت رسالتك الالكترونية اليوم مساء .شكرا وألف شكر للمشاعر الطيبة التي تضمَّنتها لي انا الضعيف. فانا لا استحق. لست الا عبدا بطالا وما اعمله ليس الا محبة بالمسيح الذي احبَّني ووفاء مني لمحبته . عزيزي باسم يُحزنني ان ابلغك واعلمك بان السيدة شاريتيه بشوري قريبة الاب جورج بوصادر قد انتقلت الى الاخدار السماوية عصر هذا الاربعاء وفي حوالي الرابعة عصرا وستقام الدفنة اليوم الخميس في تمام الواحدة ظهرا .والتعازي تقبل في قاعة كنيستنا في المنصور الجمعة والسبت . تعازينا القلبية لك وللاب جورج بوصادر واختم تعزيتي بما قاله يسوع: من آمن بي وإنْ مات فسيحيا . ستجد في موقعنا مار يوسف الخبر وفي باب أخبارنا. في الختام تحياتي ودمت في حماية مار يوسف البتول الصامت الكبير.
محبك واخوك الخورأسقف بيوس قاشا
777777777 وجاءت الرسالة الآتية من الفاضلة آن مطلوب، ختاماً لفصول هذه الملاهثة مع الزمن:
العزيزان الغاليان باسم وسامية بطرس المحترمان سلام بالرب يسوع... أقدم لكما وللأب الفاضل جورج بوصادر تعازي القلبية بوفاة السيدة الفاضلة المرحومة شاريتيه بشوري، أسكنها الله سماءَه الخالدة، ووهبها الراحة الأبدية في علياء سمائه. عزيزي وأخي الفاضل باسم: لقد تلقيّتُ نبأ وفاة السيدة شاريتيه مساء أمس من الخوري بيوس قاشا، وفور مجيئة اليوم صباحاً إلى الكنيسة قمتُ بإدراج الخبر على صفحات موقعنا في باب أخبارنا... وهذا أقل واجب نقدمه تجاهكم وتجاه مشاعركم الطيبة لنا. كما أود إعلامك يا أخي العزيز باسم أن الأب جورج بوصادر قد أرسل رسالة شكر إلى الخوري بيوس ولكن مع الأسف لم نتمكن من فتحها فلم تظهر باللغة العربية، فإذا كان بالإمكان إرسالها لنا مرة ثانية أو على شكل attach file ليتسنى لنا قراءتها وإجابة الأب الفاضل عليها... مع وافر شكرنا وتقديرنا. إبنتكم المحبة آن مطلوب. وكان للأستاذ هلال كبَّارة فصل الختام في رسالته الجوابية الآتية: حضرة الفاضلين الأب جورج بوصادر والاستاذ باسم حنا بطرس جزيلي الاحترام سلامًا وتحية بالرب يسوع : رسالتيكما المؤرختين في 9/11/2005 قبل كل شيء اقول لقد اخجلتم تواضعنا، وما قمنا به ليس هو سوى عمل بسيط ومن صميم واجباتنا المسيحية، ننتظر منكم المهمات الثقيلة لخدمة مؤمنينا في الكنيسة قي أي بلدٍ كانوا ولأي طائفة ينتمون. وشكرًا لكم ايضًا خصوصًا وأنكم أول الساعين في هذه المسألة والخدمة. الرب يمنحكما وعوائلكما الصحة والعافية. وليمنح الجميع القوة والمثابرة لخدمة مؤمني الكنيسة. ودمتم لمحبِّيكم في نجمكم المشرقي
اخوكم هلال هرمز كبارا ملاحظة: ارجو ايصال نسخة من الرسالة إلى الأب الفاضل جورج بوصادر ... مع محبتنا
أحقاً كانت معجزة في زمن العجز: المعجزة في زمن العجز حضور الكنيسة في عمل الخلاص
|