نيوزيلندا، أيلول 2003
حديث الرسائل، نبع الذكريات، سيلٌ لا ينضب!
هكذا صار للرسائل أدبها الخاص، وأصبحت مصدراً من بين مصادر كتابة التاريخ، أي تاريخ كان.
واليوم، حين نطالع ما يُكتب ويُنشَر على صفحات الجرائد والمجلات فيما يتعلق بحركة الموسيقى في العراق، تأريخاً ومتابعةً، يساورنا شيء من القلق على صحة ما يقال، أو الحذر منه. في الأقل على مستوى القارئ المهتم.
لكن مطالعة ما يكتبه جيل الروّاد المؤسسين من الذي درسوا وعملوا ومارسوا الموسيقى طيلة عقود من الزمن، أطال الله في عمرهم وغزير عطائهم، أقول: إن ما يتحدث به مثل أولئك الروّاد له نكهة خاصة قلَّما نتحسس بها في كتابات الآخرين، وبخاصة عند الأجيال اللاحقة.
ومن هذا المنطَلَق، وبما أمتلك شخصياً من علاقة متميزة مع روادنا العراقيين من الموسيقيين، الذين عملوا بكل طاقتهم في تنشيط الحركة الموسيقية العراقية داخل وخارج العراق.
أتناول اليوم واحداً من تلك الرموز؛ أعني به الفنان – المهندس – الإنسان فؤاد ميشو (1)، لنقرأ سويةً عن بعض نشاطه الثمانيني – نسبةً إلى عقد الثمانينات من عمره المديد – في بلاد كانت له بلاد الغربة، وصارت عنده وطناً ثانياً بعد تغرُّبٍ عن وطنه الأم.
April 2005
%%%%%%%%%%
وكما تعلم، لقد تعلمت لفترة وجيزة العزف على العود على يد الشريف محي الدين حيدر (2). وحيث كان جميل بشير (3) صديقاً حميماً لي عند مجيئه من الموصل إلى بغداد، الذي كان يمتلك معرفةً عالية في موسيقى الشرق الأوسط (4)؛ لذلك أعجبتُ كثيراً بمعرفته الواسعة في الموسيقى الشرقية (5)، فأخذنا نعزف سويةً. وتطور الأمر بنا حين شكَّلنا جوقة موسيقية بما كان يعرف بـ (التخت الشرقي) (6) ضمَّ إضافةً إليّ شخصياً، كلاً من سلمان شكر، وجيد إبراهيم، جمال سري، ساجد إبراهيم، داؤد (7). في العام 1946 صار لنا حفلة أسبوعية نقدمها من خلال إذاعة بغداد (8).
ونظراً لخلفيتي في الموسيقى الكلاسيكية، فلقد توقفت عن العزف في تلك الجوقة حرصاً على الإلتزام بدقة الدرجات الصوتية – النغمية المكتوبة من قبل مؤلفي الموسيقى الكلاسيكية عند عزفها (9).
في وقت سابق، إنضممتُ إلى غانم حداد وسالم حسين وأحمد الخليل (10) في جوقة تخت لعزف الموسيقى الشرقية عند الأصدقاء.
وكما تعلم، لدي إهتمام بالمقام العراقي والموشحات والأدوار والطرب (11). لذلك قمتُ بعزف مقطوعة (حجاز كار كرد) على الكلارنيت (12) وهي من مؤلفات أستاذي حنا بطرس الموسيقية (13) وسجلتها على شريط كاسيت أرسلته إلى صديقنا منير الله ويردي (14)؛ لقد عزفتها من ذاكرتي مع غيرها من القطع التي تعود للفترة 1937 أو 1938، لأني لا أملك المدونَة الموسيقية لها (14).
قبل أيام كان لدينا مهرجان كبير في مدينة (Knoxville) أقيم تحت إسم (مهرجان بلاد ما بين النهرين)، حيث عزفتُ على العود عدداً من المقطوعات والأغاني العراقية.
كنتُ قد عزفتُ سابقا على العود والكمان ً مع بعض الموسيقيين العراقيين في ديترويت.
وقبل سنوات، عزفت على العود وغنيتُ مع حامد السعدي في لندن، مقام {أورفه} وبعض الأغاني العراقية. كانت أمسية بديعة حيث كان يعزف معنا كلٌّ من باهر وصهيب أنجال الحاج هاشم الرجب (15). وقد حضر الحفلة عدد من الإنكليز والأميركان.
فيما يتعلق بالموسيقى الكلاسيكية، فأنا عضو في المجلس الإستشاري لمدرسة الموسيقى في جامعة (Tennessee) تينيسي. وعملي فيها تطوُّعي فخري، حيث إنتهى الفصل الدراسي في الأوبرا هنناك. وقد منحتُ جائزتين تقديريتان تكريماً لإسهاماتي هناك.
كما أني أقيم حفلات موسيقية في بيتي دعماً لأوركسترا وأوبرا مدرسة الموسيقى.
من بين زملائي هناك الدكتور ديفد برونيل، فاي آدمز والدكتور نوثنكتون، إضافة إلى غيرهم من أساتذة البيانو والكمان والكلارنيت والجلو والغناء الأوبرالي.
نحن نعزف في بعض النوادي من أجل دعم مدرسة الموسيقى لهذه الجامعة. فحفلاتنا تقام في المدارس والكنائس وبعض البيوت الخاصة.
هكذا هي الحياة؛ إنشغال دؤوب: لكني أعيش كل لحظة فيها!.
فؤاد ميشو.
{}{}{}
إنها رسالة بسيطة ومباشرة وواضحة؛ وهي – بذات الوقت – تقودنا إلى التنقيب في بواطنها، فنسلِّط الضوء على كنوزها المعلوماتية. هنا أتابع تسليط الضوء هذا من خلال مسلسل الهوامش التالية، المستنبَطة من سياق الرسالة ذاتها.
1؛ فؤاد ميشو، وأشقاؤه لويس وناظم وآلبير وفاروق من الذين درسوا الموسيقى في معهد الفنون الجميلة، والثلاثي فؤاد ولويس وناظم كانوا من بين صفوف مؤسسي الفرقة السمفونية العراقية ضمن معهد الفنون الجميلة فترة الأربعينات، التي تُعَرف اليوم بالفرقة السمفونية الوطنية العراقية؛ إنهم بذلك يشكِّلون واحدةً من بين العوائل التي مارست الموسيقى إلى جانب إختصاصهم المهني.
2؛ محي الدين حيدر: يحمل لقب (الشريف) لإنتسابه للعائلة الهاشمية المالكة في العراق. كان عازفَ عودِ بارعاً، درَس على يديه كبارعازفي العود العراقيين أمثال جميل ومنير بشير، غانم حداد، وغيرهم، وكان عازف جلو (فيولونسيل) مجيداً، درس على يديه هاكوب قيومجيان ولويس ميشو وباسم حنا بطرس. تولَّى عمادة معهد الفنون الجميلة منذ العام 1937 لغاية مغادرته العراق عام 1948.
3؛ جميل بشير: دخل المعهد الموسيقى (هكذا كان يُعرَف إبان تأسيسه العام 1936)، كما عند فؤاد ميشو وغانم حداد، وتتلمذ على محي الدين حيدر (في العود) وجميل سعيد (الكمان). وهو الإبن الأكبر لعائلة بشير: إذ كان أبوه (بشير القس عزيز) من قدامى عازفي وصانعي آلة العود في الموصل وشماساً قديراً في كنيسة السريان الأرثذوكس، وكذلك شقيقاه منير (عازف العود الشهير) وفكري (عازف كمان ومدير مدرسة الموسيقى والبالية ببغداد).
4؛ موسيقى الشرق الأوسط: أراد صاحب الرسالة التعبير عن وسع مساحتها لتشمل موسيقى الأقوام المتعايشة في البلاد المحيطة بالعراق، بما تمتلك من خصوصيات ثقافية عِرقية وقومية، لكنها تجتمع في البنية المقامية للموسيقى الشرقية.
5؛ الموسيقى الشرقية: كانت الأوساط الموسيقية في البلاد العربية تقسِّم الموسيقى إلى قسمين، الموسيقى الشرقية التي تعني ما ورد في الهامش 4 أعلاه، والموسيقى الغربية للكلاسيك والرقص. قبل أن يأتي الزمن فيحدد الصفات القومية الإنتمائية لكل موسيقى، فأخذنا نقول موسيقى سريانية، موسيقى عربية، موسيقى كردية، موسيقى خليجية، وهكذا.
6؛ التخت الشرقي: مفردة لغوية ظهرت فترة الحكم العثماني مأخوذة من (المنصَّة الخشب التي كان الموسيقيون يجلسون عليها) لتعني فرقة الموسيقى التقليدية، غير الفولكلورية، والتي كانت تضم عازفاً واحداً لكل من: العود، القانون، الناي، الكمان، الرق، والطبلة. وتطوَّر الأمر بها لتضم عازفاً للجلو. عازفو التخت، في العادة، من الموسيقيين المقتدرين، وهم يقومون أيضاً بغناء الردّة الجماعية مع المغني.
7؛ من قدامى طلبة معهد الفنون الجميلة في الموسيقى الشرقية، سلمان شكر (الذي درس العود على محي الدين حيدر) وجمال سري (الذي درس القانون على نوبار ملخصيان – أستاذ قانون أرمني من تركيا- في المعهد، إضافةً إلى تخرجه في كلية الحقوق ليمارس عمله كمحامي في بغداد).
8؛ حفلة الإذاعة: كان البث في (محطة بغداد للإذاعة اللاسلكية) مباشراً حَياً على الهواء منذ تأسيسها في العام 1936، قبل دخول أجهزة التسجيل إليها في العام 1948. لذلك كان الحفلات الموسيقية والغنائية والتمثيليات والأحاديث تقدم كلها مباشرةً وعلى الهواء، كما أسلفنا. من هنا جاء تسمية الحفلة الإذاعية للفعاليات الفنية.
9؛ بعض الموسيقيين من عازفي الموسيقى (الغربية) تحولوا لعزف الموسيقى (الشرقية)، الأمر الذي يؤثر جدِّياً في دقَّة الدرجات الفيزياوية للنغمات المعزوفة؛ فاختار بعضهم العزف الشرقي وترك الموسيقى الغربية، والبعض الآخر الإبتعاد عن عزف الموسيقى الشرقية، كما هي الحال مع عبود عبد العال (عازف الكمان اللبناني) وجميل بشير.
10؛ كما أشرنا أعلاه، فإن من قدامى الذين درسوا الموسيقى في المعهد غانم حداد (مع فؤاد ميشو منذ تأسيسه العام 1936)، سالم حسين (عازف القانون والشاعر والملحن المعروف)، وأحمد الخليل (الذي دخل المعهد في العام 1947 ليدرس لسنتين معي الجلو عند محي الدين حيدر، لكنه تفرَّغ لدراسة العود بضع سنوات بدون أن يُكمل الدراسة): هو الملحن والمغني والعازف الكردي البغدادي المعروف.
11؛ (موسيقى الطرب) صفة تنفرد بها الموسيقى العربية عن غيرها من الثقافات الموسيقية الشرقية في العالم. هذا لا يعني أن الثقافات الموسيقية الأخرى تفتقر إلى الطرب.
12؛ الكلارنيت، آلة نفخ هوائية مصنوعة من الخشب الأبنوس، يُثبَّت في فتحتها العليا ماسكة لريشة النفخ (وهذه مصنوعة من القصب المسقول بعناية فائقة، كأداة تزمير). وقد عرفتها موسوعة العلوم الموسيقية باللغة العربية بـ (اليراع)، وأسماها الأتراك بـ (القرنيطة). تفرَّع عنها آلة الساكسفون. درس فؤاد ميشو، ومنير الله ويردي، وصباح حنا بطرس، وناظم ميشو، العزف على الكلارنيت في معهد الفنون الجميلة على يد الوالد حنا بطرس، قبل مجيء أستاذ بريطاني في العام 1947.
13؛ حنا بطرس، مؤسس المعهد الموسيقي في العام 1936، الذي تحوَّل إلى معهدٍ للفنون الجميلة في العام 39 – 1940، وعمل فيه مديراً ومدرِّساً لآلات النفخ الهوائية. وقاد أول أوركسترا وترية للمعهد في حفلتها على حدائق الكلية الطبية الملكية ببغداد العام 1941. إشتهر بتلحين الكثير من الأناشيد الوطنية والقومية (وطني أنت لي، موطني وغيرها) وألف عدداً من الكتب الموسيقية العلمية، والمقطوعات الموسيقية.
14؛ منير الله ويردي، مهندس، ومن قدامى الذين درسوا الكلارنيت على يد حنا بطرس، له مساهمات مهمَّة في السعي لتأسيس الفرقة السمفونية في العام 1948. مقيم في النمسا حيث ما يزال يعزف مع مجماميع رباعية وخماسية.
15؛ باهر الحاج هاشم الرجب (عازف قانون بارع، تخرج في معهد الدراسات النغمية ببغداد)، وشقيقه صهيب (عازف جوزة بارع)؛ كلاهما من أنجال المرحوم الحاج هاشم محمد الرجب الذي عمل عازف وأستاذ السنطور في معهد الفنون الجميلة فترة نهاية الخمسينات. تفرَّغ الحاج الرجب لأكثر من ثلاثة عقود في البحث الموسيقي، وخصوصاً في تحقيق مخطوطات الموسيقى العربية).
{}{}{}{}
وهنا يأتي فصل الختام: ألستُ محقاً بالقول (حديث الرسائل، نبع الذكريات، سيلٌ لا ينضب!)، والنبع الصافي لأخينا فؤاد ميشو، تجري مياهه سواقي لإرواء الجفاف الحاصل في الحياة الثقافة عراقياً وعربياً وعالمياً؟
إنها واحدة من الإسهامات الرائدة لأبي سمير، أدام الله قدراته في حمل مشعل المعرفة منيراً ليزيل ظلمة أيام الجفاف الحالكة.
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
فؤاد ميشو يكتب لي من أميركا فيقول: وددتُ برسالتي هذه أن أعطيك عن نشاطاتي الموسيقية في أميركا.
Dear Bassim:
Just wanted to give you more information about my music activities in the music field in the USA. As you know I studied Oud with ELSHARIF MOHILDIN HAYDER for a short period. Jamil Bashir was my close friend when he came to Baghdad from Mosul and his knowledge in the Middle Eastern music was very high. Therefore, I was impressed with his knowledge in the Middle Eastern music and we played together. Then we formed TAKHIT BAGHDAD AL SHARQI (Salman Shukur, Wajid Ibrahim, Jamal Sirri, Sajid Ibrahim, Daoud and me). In 1946, we had a weekly radio program in Baghdad. I stopped playing with this group because my background in the classical music did not help me to play without abiding with the accuracy of the music as it is written by the composers. In the past I have met with Ghanim Haddad, Salim Hussien, Ahmed Khalil to play Middle Eastern music in our friend’s houses. I think you are aware of my interest in the IRAQI MACAMS, as well as the Muwashahaat, Adwaar and songs. I sent Munir Allehwerdi a cassette tape of me playing the clarinet, which was a piece written by Hanna Petros. The name of the piece was Hijaz Kaar. I have memorized these pieces since 1937 or 38 (I don’t have the music).
A few days ago we had a great festival in Knoxville under the name of Mesopotamia (between the Two Rivers) and I played solo on the Oud with Iraqi songs, etc. As I have mentioned before I have joined some Iraqi musicians in Detroit, Michigan and I play the Oud and the Violin. A few years ago I joined Hamid El Saadi in London and played the Oud and sang URFA MAQAM and other songs. It was a lovely party. Bahir & Suhaib Hashin El Rajab joined us that evening.. Also, there were Americans, Iraqis & British attending the party.
Concerning the classical music; I’m at the present time with the Advisory Board of the School of Music at University of Tennessee. This is a voluntary position and I just completed my term on the board with the East Tennessee Opera. I was given two awards for my participation. I give concerts in my home to benefit the Symphony, Opera and the School of Music. There are many great musicians who come and play at these benefits. Some of those are Dr. David Brunell, Fay Adams and Dr. Northington on the piano and the professors of violin, clarinet, Cello and opera singing.
My friends and I also play for clubs to benefit the School of Music in the University. We play as well for schools, churches and private homes.
So you see I stay very busy, but loving every minute of it.
Fuad Mishu