أعلام من ارض الرافدين
الشماس كوركيس ميخائيل عيسى - قرية مار ياقو
تمهيد
في بقعة جميلة من شمال العراق ومابين جباله الشماء نشات قرية صغيرة ببيوتها كبيرة برجالها فقد انجبت واعطت الكثير من المفكرين والادباء والقادة تحدى ابنائها كافة الظروف خلال عهود خلت . دارت في بيادرها معارك كبيرة وكثيرة واهلكتها الفتن وويلات الحروب ودمرت بيوتها واحرقت كنائسها لطمس هويتها لكنها انتصرت على الجميع بقوة شفيعها ماريعقوب و بايمان شعبها ووفائهم لتربتهم المقدسة انها قرية مار ياقو زهرة الجبل الابيض كما اطلق عليها لقب عش النسور من مشاهيرها الخوري يونان توما بيداويذ والقس جبرائيل سليمان والقس يوسف توما والقس حنا قاشا والشاعر داويذ دانيال كورو و الشهيد ميخائل عيسى رئيس القرية وابنه الشماس كوركيس الذي كان معلما لدى الاباء الدومنيكان والعقيد جرجيس هومي الذي كان ضابطا في الجيش العراقي والسيد كوريال هومي والاستاذ حنا سليمان بولص كما تمتلك القرية أقدم سجل عماذات في المنطقة منذ عام 1844 ميلادية
لقاء مع السيد يعقوب كوركيس عيسى اذار 2009 –مشيكن
من طريق الصدفة وعندما كنت جالسا ذات يوم في قاعة كنيسة مارتوما الرسول بعد نهاية القداس التقيت السيد يعقوب كوركيس ميخائيل عيسى واذا بالحديث يشدنا الى الماضي وهو يملي على مسامعي تلك الايام الحلوة التي عاشها في ارض الرافدين وفي بقعة جميلة من شمالنا الحبيب الا وهي قرية مارياقو زهرة الجبل الابيض وبدأ يحدثني عن ابنائها ومن جملتهم والده كوركيس وجده ميخائيل ولتعلقي الشديد بمثل هذه المواضيع رايت انه من المناسب تدوين كل ذلك ونشره على صفحات الانترنت فطلبت منه ان يقوم بكتابة مايتذكره عن تلك القرية ويجلب بعض من الصور التاريخية التي يحتفظ بها والكلام للسيد يعقوب
أود أن أقول وبكل فخر واعتزاز اننا نمتلك تراث عريق وواجب علينا ان نعتز به فقد تركوا لنا المخطوطات وباللغة الكلدانية قسم منها مترجم من الانكليزية والفرنسية وهي عبارة عن قصص دينية واخرى ادبية وها انا احكي لكم من خلال هذه المقالة والتي ساعدني على انجازها هذا الشاب الغيور في هذه الكنيسة والذي اصر على اظهارها بالشكل المناسب .لقد توفى والدي الشماس كوركيس ميخائيل في بغداد (عرصات الهندية ) بتاريخ 22 شباط 1966 لقد كان جدي ميخائيل ومن بعده والدي وكلاء للاباء الدومنيكان (دير القديس عبد الاحد ) في قريتنا مار ياقو .لقد كان الاهالي في قرى شمال العراق ومن جميع القوميات والمذاهب متعطشون لتثقيف ابنائهم طالما الاباء الدومنيكان فتحوا تلك المدرسة مجانا للتعليم .فكان الكثير منهم يرسل ابنائه للانظمام الى القسم الداخلي واليكم القصة
الشماس كوركيس ميخائيل عيسى
ولد الشماس والمترجم كوركيس ميخائيل عيسى في اليوم التاسع من شهر كانون الثاني من العام 1897 في قرية مار ياقو التابعة لمحافظة دهوك وهو ابن الشهيد ميخائيل عيسى رئيس قرية مار ياقو ووكيل الاباء الدومنيكان الذي اغتاله الاتراك في عام 1919
كان الشماس كوركيس من عائلة عريقة في الشرف والنسب ومنذ نعومة أظفاره أنعكس على درس الفضائل وكان والده قد ادخله عام 1904 في مدرسة الاباء الدومنيكان وقد تعلم العلوم المختلفة فقد اتقن اللغات . السريانية -العربية -التركية -الكردية -الانكليزية والفرنسية ودرس التاريخ والجغرافية والحساب وكان لديه الالمام بامور الطب التي تعلمها من الاباء الدومنيكان في نفس قريته
انهى دراسته بتفوق وعندما اكتشف رئيس الدير ذكائه خلال فترة الدراسة قام بتعينه استاذا ومديرا للمدرسة يعلم اللغات الفرنسية والانكليزية حيث كان يلتحق في المدرسة اعداد كبيرة من ابناء المنطقة من شمال العراق ومن كافة القوميات .
في عام 1920 وبعد استشهاد والده اصبح الشماس كوركيس مسؤولا عن القرية ووكيلا عن الدير بالاضافة الى اهتمامه بشؤون العائلة فعمل بكل جد ونشاط فكان شخصا رائعا يحمل الكثير من الصفات الحميدة حريصا على تعليم ابناء وطنه العلوم المختلفة بالاضافة الى الاهتمام بامورهم الصحية مما تعلمه من خدمة الطب خلال دراسته عند الاباء الدومنيكان فكان يداوي الجرحى ويوصف الادوية المختلفة ويركب الوصفات الطبية من الحشائش التي تكثر في شمالنا الحبيب وكان يلقب بـــ كوركيس افندي لدى السلطات الحكومية
وبعد نشوب الحرب العالمية الثانية اضطر الاباء الدومنيكان الى ترك الدير والعودة الى باريس بسبب دخول فرنسا الحرب الى جانب دول المحور فتم تسليم كافة المهام اليه فخدم الدير والقرية بكل امانة واخلاص .وبسبب الاوضاع الغير المستقرة التي بدات تعم شمالنا الحبيب بدأ اهالي القرية بالهجرة وارسال ابنائهم الى المدن الكبيرة مثل بغداد والموصل فقرر الشماس كوركيس ايضا ارسال ابنائه الاربعة ميخائيل –عبد الاحد –البير ويعقوب الى الموصل للحصول على المزيد من التعليم ومن ثم ايجاد فرص عمل افضل وهكذا استقر الحال بهم في بغداد غير ان الشماس كوركيس لم يغادر القرية حتى عام 1960 وذلك عندما اصبح الوضع سيئا للغاية
وبسبب تركه لقريته وهوائها العليل وتفكيره العميق بها وما اصابها فقد ادى ذلك الى اصابته بمرض القلب فسافر الى فرنسا والمانيا للعلاج ولكن المرض داهمه بشدة عام 1966 وتوفى في 22 شباط من العام نفسه على اثر ذلك ودفن في فناء كنيسة مار يوسف في الخربندة عن عمر يناهز 69 عاما
قام الشماس كوركيس بترجمة عدة قصص من اللغة الفرنسية والانكليزية الى السورث وبخط يده فقد ترجم قصص لكبار الادباء في العالم قصص لشكسبير (قصة روميو وجوليت ) ( ماكبث) ( تاجر البندقية ) وغيرها الكثير لدرجة أن اهالي القرية كانوا يسمعون لهذه القصص وللكثير من ارشاداته ونصائحه ويسردوها لابنائهم خاصة ايام الشتاء الطويلة فكان بحق مدرسة لابناء بلدته .لديه الكثير من المؤلفات والمجلدات بخط يده وبلغة السورث محفوظة في الدير
حياته الاجتماعية
الشماس كوركيس افندي هو الابن الوحيد لـــ ميخائل عيسى وكان له ستة اخوات وقد تزوج 17 من مسكنتة بنت توما بولص رئيس قرية شيوز لينهي بذلك الخلافات التي كانت مابين ابناء قرية مار ياقو وقرية شيوز خلال تلك الفترة وحدث ذلك كله بسبب ذكاء والده ميخائيل وانعمهم الله باربعة ابناء وثلاث بنات ميخائيل –عبد الاحد – البير – يعقوب ( مشيكن ) - ماري –برناديت وجوليت
من هو ميخائيل عيسى
http://www.maryako.de/165.html http://www.maryako.de/index.html
ميخائيل عيسى هو رئيس قرية مار ياقو ووكيلا عن الاباء الدومنيكان في الدير .كان دمث الاخلاق ذو بال طويل نال شهرة لدى شيوخ القبائل الكردية ورؤساء البلدات المسيحية مما جعله محبوبا لدى الجميع من ابناء المنطقة كان يتميز بالشجاعة وحبه لابناء وطنه في عام 1919 وعندما بدأت قوات الجندرمة التركية تغادر العراق امام تقدم القوات البريطانية عمت الفوضى جميع البلاد فكانت القوات التركية تحاول اقتياد ابناء القرى لخوض المعارك امام الجيوش القادمة وعندما دخلت القوات التركية الى قرية مارياقو لاقتياد ابنائها لم يكن هناك سوى كبار السن لان الشهيد ميخائيل كان قد اوعز الى الجميع بالهروب والبحث عن مكان أمن لحين هدوء الاوضاع فقام قائد الجندرمة وطلب اليه ان يرافقهم الى الدير للبحث عن الهاربين فقامت القوات التركية بتفتيش جميع غرف الدير غير أن احدى الغرف لم يتمكنوا من فتحها فقام احد الجنود باستخدام القوة وكسر الباب حيث أن الشماس كوركيس وابن عمه كانوا قد اختبئو دون علم والده في هذه الغرفة وكانوا طيلة تلك الفترة يتلون صلاة الوردية المقدسة وعند عجزالجندرمة عن ايجاد اي شخص وفتح باب هذه الغرفة اصطحبو رئيس القرية ميخائيل عيسى الى ديوان بيته وبكل شراسة وغضب انهالو عليه بالضرب على راسه بعصا من حديد وبعد ثلاثة ايام من تلك الحادثة والجريمة البشعة بحقه توفى بسبب النزيف الذي حدث في راسه فانتقل الى الملكوت السماوي لينال اكليل الشهادة دفاعا عن ابناء بلدته ووطنه
قرية مار ياقو
تقع قرية مار ياقو في قلب الجبل الابيض وهي تشرق على سهل دوبان ( السليفاني )ترتفع القرية 1200 قدم عن مستوى سطح البحر وهبها الله جمالا طبيعيا خلابا وهي تبتعد عن دهوك حوالي 25 كم اسم القرية جاء من اسم دير ماريعقوب الرائي حيث بنيت القرية الى جانب هذا الدير وماريعقوب هو شفيع القرية ويحتفل بتذكاره في يوم الاثنين بعد عشرين يوما من عيد القيامة هناك عددة تسميات للقرية منها (قشفر) وهي كلمة كردية تعني ( قس طار ) .واصل الكلمة جأءت من اسطورة قديمة باللغة الكردية وكان رجال الحكومة في دهوك يطلبون من المسؤول عن القرية المرحوم كوركيس عيسى أن يسرد لهم عن معنى أصل الكلمة (قشفر) فكان بكل صراحة يسردها لهم وهم يقهقهون من الضحك على القصة العجيبة .
أجرى اللقاء : بشار بهنام باكوز حنونا – أذار 2009 – مشيكن
|