عراقي أنا رغما عن قيصر
اميل حبش تعتبر مسرحيات شكسبير من المعادلات الصعبة و المهمة التي تعالج الصراعات والقضايا الاجتماعية في المكون الإنساني وهي لاتخص منطقة معينة ولا جيل معين ولربما تتكرر أحداثها ودلالاتها بأزمنة مختلفة لذا ترى إن شخوصها تأخذ صفة التواجد في أشكال ومسميات أخرى في كل مكان وزمان ولعل هذا مايميزها ويجعلها مقروءة على مدار الزمن.كان شكسبير يرقب الحياة بعين ثاقبة تستطيع أن تخترق الحواجز الإدراكية لتصل إلى مكنونات العقل الباطني وبالتالي يراقب من الداخل ما ينجلي في حياة شخوصه في الخارج ووفق ما يضمرون في دواخلهم من نوايا ثم يسجل ذلك في مسرحياته لتخدم غرضا معينا في فكره هو, ولقد استطاع هذا الكاتب العبقري ان يدهش كل من قرأ مسرحياته بهذا الأسلوب المتميز, ففي مسرحية يوليوس قيصر يصور شكسبير قيصر بأنه احد القادة العظام الذي جلب النصر والمجد لروما إلا انه كان مغترا بنفسه لدرجة انه فكر أن ليس هناك من يصلح لقيادة روما سواه وهذا ما جعل عدد من السياسيين يخططون لاغتياله بما فيهم بروتوس ربيب وصديق قيصر الذي دخل بصراع في نفسه بين حبه لقيصر وحبه لبلده روما وكان أروع مشهد في المسرحية ذاك الذي يُقتل فيه قيصر في مجلس النواب بسلسلة من الطعنات على يد غرمائه الثوريين واخرهم بروتوس ليقول قيصر جملته الاخيرة ((حتى انت يا بروتوس)) ثم يلفظ انفاسه ويموت. لقد استطاع حب بروتوس لبلده روما ان يطغى على حبه وتقديره لصديقه قيصر رغم انه كان من الممكن ان يستفيد بوجود صديقه في سدة الحكم ليحصل على الألقاب والجاه والمنصب ولربما كان سيخلفه على سدة الحكم لكن هذا كله تلاشى عندما فكر فيما سيؤول إليه بلده من خراب تحت نير استبداد ودكتاتورية قيصر في الحكم, وما أشبه ما نمرَ به الآن بما مر به بروتوس من صراع, فبيننا من هو مشتت بولائه ما بين مصلحته الشخصية او مصلحة بلده او من يحركه لذلك تراه يعيش في صراع فكم منا يغلبه حبه للعراق على حبه لمن يدعمه من وراء الحدود وكم منا يفضل مصلحة بلده على مصلحته في التملق إلى حاكم أو شخص مسؤول أو حزب معين لعله يتوسد كرسيا في مجلس النواب لينام ويترك المياه لتجري من تحت كرسيه غير عابئ بمصلحة بلده وشعبه . الكل يعلم أن العراقيين ليسوا بالعملاء وحاشا ان يكونوا ناكري جميل لوطنهم فهم ومنذ قديم الزمان مخلصون لعراقيتهم ولبلدهم رغم اختلاف مذاهبهم ودياناتهم من أيام السومريين والبابليين والاكديين والآشوريين و بعدهم العرب من أهل الحيرة والمناذرة وكل من شرب من مياه دجلة والفرات فمن يسأل عن تبعية او مذهب او ديانة ابو تمام و الفراهيدي و اسحاق بن حنين و الجاحظ او هل هناك من يشكك بعراقية الأب انستاس الكرملي أو احمد سوسة او الوزير حزقيال بن ساسون (اول وزير للمالية والذي كان يحاسب الملك شخصيا عن كل فلس يصرفه ) او الطبيب كمال السامرائي والكثير غيرهم ممن نسبه كان من خارج العراق كالخوارزمي او الخراساني او جبرا ابراهيم جبرا هؤلاء عملوا وأغنوا العراق والعلم والتاريخ من هذه الأرض الكريمة التي أعطت للإنسانية كثيرا ألا وهي ارض الرافدين النجيبة , إن العراقيين جبلوا على خدمة وطنهم برغم اختلافاتهم المذهبية والعقائدية وما ذلك الا رد الجميل لهذه الأرض المعطاء بخيرها وما سياسة التفرقة المذهبية والطائفية المصدرة لنا من وراء الحدود والتي راح ينتهجها البعض الا سحابة زائلة ليعود العراق البراق ليسطع ويعمي ببريقه بصر وبصيرة كل من يضمر له الشر بعون الله. · مقال نشر في جريدة البينة الجديدة
|
|