أحبوا أعدائكم
كانت الشوارع مقفرة، ولا يسمع فيها إلا زئير الرصاص والقذائف. ولم يبقى من سكان ذلك الحي إلا القليل من العائلات، ومن جملتهم نبيل مع أفراد عائلته. أحس نبيل في تلك الليلة بشعور غريب يتسلل إلى نفسه، وبدى عليه القلق، وخيل لديه أن هذه الليلة لن تكون كبقية الليالي. وفكر أن ينسل مع عائلته تحت جناح الظلام ويتوارى في مكان ما. ولكن إلى أين ؟ نظر إلى زوجته، وكأنه ينتظر منها جوابا، ثم استقرت عيناه على ولديه الصغيرين. فسألته زوجته ما الذي يزعجك؟ أجاب نبيل : لست أدري. وسرعان ما دوت اصوات الصواريخ والانفجارات تعلو وسط الليل. قال نبيل : أشعر بحاجة عميقة الى الصلاة. أجابة زوجته وانا كذلك . وفجأة، اذ بهما يسمعا صوت طرقات قوية تنهال على باب المنزل، قال لزوجته: أسرعي خذي الاولاد وانزلي الى القبو. تزايدة الطرقات على الباب. ودوى صوت يقول: افتح الباب بسرعة قبل ان ننسف المنزل على رؤوسكم. فتح نبيل الباب وهو يرتجف، وإذ بثلاثة رجال مسلحين يدخلون، وقبل أن ينطق بكلمة، ضربه أحدهم بعقب بندقيته على كتفه راميا إياه على الارض وهو يقول: هات كل ما تملك وإلا قتلتك. تطلع اليه نبيل محاولا أن يجيبه، لكنه لم يقوى على الكلام. خاطب ذلك المسلح زملائه طالبا منهم قلب المنزل رأسا على عقب، بينما بقي الثالث مصوبا بندقيته اليه. أغمض نبيل عينيه وراح يصلي طالبا من الله ان يبهر ابصارهم فلا يكتشفون القبو حيث زوجته وولديه. لم تمر دقائق قليلة، حتى حمي غضب المسلحين إذ لم يعثرو على ما كانوا يبغونه، فابتدآ يطلقان الرصاص على السقف وزجاج النوافذ، ثم لفا السجادة الوحيدة وانسحبوا من المنزل، بيد أن الرجل الذي كان مصوبا البندقية نحوه قال له قبل أن يغادر المنزل: خذ مني هذه التحية. وأطلق عليه رصاصة كادت تقضي على حياته لكنها مرّت قربه محدثة خدشا طفيفا في ذراعه. زحف نبيل على بطنه حتى بلغ باب القبو ففتحه ببطء وهمس؟ سلمى، أأنتِ بخير. أحس بخطوات تسعى اليه في العتمة، ورن في أذنيه صوت زوجته: أأنتَ بخير؟ نعم لا تخافي، ابتدأت زوجته تجهش بالبكاء، بينما حاول نبيل أن يخفف عن زوجته وولديه رعبهما بالرغم من حالته هو. ومرت لحظات، لم يتمكن أحد منهما أن يتكلم. قطع ذلك السكون صوت رشاشات وزخات رصاص قريبة من المنزل، وفجأة هيمن الهدوء إلا من ضربات خطى متثاقلة بطيئة قرب الباب. وبدت صدى أنات معذبة. التفت نبيل إلى زوجته وهمس: أعتقد إنه جريح، ربما يجب أن نساعده. لا أرجوك، لا تفتح الباب يكفينا ما أصابنا الليلة. ولكن... ... لا تفتح الباب، أرجوك. أخذ نبيل يهدئ من روعها وقال: يجب أن أفتح الباب وأساعد هذا الجريح.- قد يكون عدو، ربما، لكنه عاجز وبحاجة إلى مساعدة. فتح نبيل الباب ببطء، فشاهد رجلا قرب العتبة، مغمى عليه، فانحنى ليحمله، وسرعان ما أخذته رعدة، إذ رأى إنه ذاك الذي أطلق عليه الرصاصة منذ لحظات. لكنه لم يقدر أن يتخلى عنه إذ كان ينساب اليه صوت يقول "أحبوا أعدائكم". أدخله الى المنزل، ولم يخبر زوجته بأمر هذا المسلح، بل تناوبا السهر عليه طول الليل وهما ينظفان إصابته حتى بزوغ الفجر. أفاق الرجل من غيبوبته، وحالما أدرك من حوله، ساد عليه الرعب، وصاح قائلا أرجوك لا تقتلني. وضع نبيل يده برفق على كتفه وقال: لا تخف، لن يصيبك مكروه في هذا المنزل. لم يدري ذلك الرجل ماذا يجيب، إذ أحس بأن قوة ما خارقة تعقد لسانه. فهل يمكن لمخلوق أن يحسن إلى شخص اطلق النار عليه لقتله ؟ شعر نبيل بما يدور في ذهن هذا الرجل، فطلب من زوجته لتحضر كباية من العصير. لم يتمالك ذلك الرجل نفسه، فسأل بصوت مرتجف: ولكن لماذا؟ لماذا تعتني بي؟ إنك تهتم بإسعافي، وانا قد نهبت بيتك وحاولت قتلك؟ صمت نبيل قليلا : ثم أردف قائلا: لقد علَّمني المسيح أن أحب هكذا. أخي وأختي، إن محبة المسيح علّمت هذا الإنسان أن يحب عدوه... عندما يُقبل الإنسان إلى المسيح ويطلب منه أن يغفر خطاياه ويحدث تغييرا في حياته... يصبح خليقة جديدة، ويظهر الثمر الحقيقي في حياته... ليساعدنا الرب يسوع في هذه الأيام أن نعيش مسيحيتنا ونعكس صورة المسيح على الآخرين. الله يحبك ويريدك أن تتصالح معه، وهو مستعد أن يغفر كل خطاياك. أطلب منه من كل قلبك فهو بانتظارك! فتصبح إنسانا جديدا في المسيح.
|