طلال نعمت

لأعزائنا الصغار

رسامات

عيون بخديدا

Museum متحف

أرشيف الاخبار

فنانونا السريان أعلام

أرشيف الموضوعات

الخلاص في الكتاب المقدس

نقل بتصرف من كتاب عقائد مسيحية

-       خلاص الله في مجرى التاريخ، وفي الأزمنة الأخيرة :

فكرة أن الله يخلص المؤمنين به مشتركة في كلّ الأديان. والعهد القديم يركز عليها فنجد كثير من الأشخاص يحملون اسم "الله يخلص" مثل: يشوع، وأشعيا، وإليشع، وهوشع... ويصبغ الاختبار التاريخي هذه الفكرة بلون خاص، لأنها مرت ككل المفاهيم الأساسية بمراحل تطور ونمو.

أ ) الاختبار التاريخي:

يظل دائماً حدث "الخروج"  هو الحدث الأهم الّذي اختبر فيه الشعب الخلاص من العبودية (خروج14)، و(مزمور106/8)، و(أشعيا 63/ 8-9). ولكن الله يُنقذ شعب إسرائيل من مواقف حرجة، عن طريق إرسال نبي أو قائد يقودهم للنصر، فيختبر الشعب من خلال النصر خلاص الله (مل18/ 30-35). فنجد الله يخلص بني يعقوب من خلال يوسف، وقبل ذلك يخلص نوح من الطوفان، (تكوين 7/23)  راجع أيضاً: شاول، وداود النبي، وجدعون، وشمشون، وإستير...  “توكلوا على الله فهو ينقذهم...” وبالتالي اختبر الشعب من خلال التاريخ "الله المخلص" الّذي لا يتركه أبداً.

ب) وعود أخر الأزمنة:

هناك ثقة من الشعب أن الله سيتدخل دائما عندما يمرون بأزمة، ولكن لأن الشعب مرّ في تاريخه بحروب كثيرة كان أقواها السبي البابلي بدأت فكرة الله الّذي سيرسل "المخلص" تظهر رويداً رويداً حتى أصبحت “رجاء كلّ الشعب”، وكأن الشعب كله أصبح في انتظار لهذا "المخلص"، راجع: (ميخا 7/7)، و( صفنيا3/15)، و(أشعيا33/ 22 ، 45/15،21)، و(باروك 45/22). ويظهر ذلك من خلال التنبؤات المتعلقة بالأيام الأخيرة، فتصف خلاص إسرائيل بطرق شتى وأساليب مختلفة مثل: العودة إلى الأرض (إرميا 31/7). وإرسال المسيا المنتظر (إرميا 23/ 6). وصورة الرعية والراعي الواحد (حزقيال 34/ 22). وإفاضة الروح على الشعب (حزقيال 36/ 29). كما توجد رسائل عزاء تتكلم عن الخلاص (أشعيا 43/ 4، 45/ 22).

 

ج) ثقة المصلي في الله المخلص:

يؤمن المصلي بأن الله مخلص من ليس له رجاء (يهوديت 9/11)، وذلك لأنه إله خلاص (مزمور 51/16 ، 79/9). ولذلك تقوم كلّ الصلاة على كلمة “يارب ارحم/ يارب خلّص” (مزمور 118). ولأن ثقة الشعب في الله ليست ثقة وهميّة بل مؤسسه على الاختبار التاريخي نجد أن بعض المزامير تتكلم عن الخلاص وكأنه شيء حدث ( مزمور 96/2)، بينما تعبر مزامير أخرى عن رجاء الأمم بفرح. وخلاصة القول إن الشعب الإسرائيلي مشى شيئاً فشيئاً نحو رجاء العهد الجديد.

 

ثانياً : الخلاص في العهد الجديد:

1- الخلاص عن اليهود أيام المسيح:

سيطرة فكرة المسيا المنتظر على الشعب بعد انقسام المملكة أي بعد موت سليمان، ولاسيما بعد الحروب والصراعات التي دخلها الشعب الإسرائيلي مع الأمم المجاورة، وبعد خبرة السبي المؤلمة، ولكن ظهر مع العودة من السبي ثلاث أحزاب في إسرائيل هم: الفريسيون، والغيوريون[1]، والصدقيون، والأثينيون[2].

2- يسوع المسيح مخلص البشر:

يظهر يسوع كالمخلص من خلال أعماله وتعاليمه ، لأن يسوع لم يطلب الإيمان فقط ولكن الإيمان بشخصه. ورغم أن المسيح لم يطلق لقب المسيا على ذاته (لما يحوط باللقب من لبث سياسيّ) إلاّ أنه نادى “بالغفران” وبحب الله الشامل وغير المشروط للجميع ولا سيما للخطأة.

وللخلاص الّذي يقدمه المسيح وجهان الأوّل: “انتهاز الفرصة المقدمة” (لوقا13/3،5). والثاني: “الدخول من الباب الضيق” (لوقا 13/23). فالتجرد شرط أساسي للحصول على هذا الخلاص (متى 10/39) ، (لوقا9/14)، (يوحنا12/25). وقد قدم المسيح ذاته كتحقيق لهذا (عبرانيين5/17) ، (يوحنا12/17). وخلاصة القول أن من يحتفظ بحياته لا ينال الخلاص ولكن من ينهج نهج المسيح فيقدم حياته يخلص.

3- إنجيل الخلاص:

وعت الكنيسة منذ البداية أنها “جماعة خلاص”، وذلك انطلاقا من إيمانها بالمسيح القائم والممجد، بالمسيح "المخلص". ومن ثمَّ ربطت دائماً بين الخلاص والإيمان بالمسيح. واعتبرت أن الخلاص لم يعد بعد المسيح موضوع انتظار بل موضوع إيمان، يعاش في الواقع (1بطرس1/3).، (فليبي2/9)، وهذا ما شدد عليه القديس بطرس عندما تكلم في عظته عن أن لا خلاص بدون الإيمان بالمسيح الّذي تجسد ومات وقام من بين الأموات في اليوم الثالث، حيث “ليس بغيره خلاص” (أعمال4/12)، وحيث أن الله هو الّذي رفع المسيح وجعله رئيساً ومخلصاً (أعمال5/32).

وعندما أرسل المسيح رسله ليبشروا بإنجيل الخلاص نادوا قائلين: “آمنوا باسمه فتنالون الخلاص”. ولكن يجب أن نوضح أن الخلاص لا يُمكن أن يفرض بل يقدم مجانا وينتظر أن يقبل.

وخلاصة القول على الكنيسة أن تتذكر دائماً أنها نالت الخلاص من المسيح، وأنه مهمتها ورسالتها تكمن في تقديم هذا الخلاص للآخرين، عن طريق التأكيد على أن المسيح هو المخلص، وهو الخلاص بذاته.

وخلاصة القول أن المسيح لم يكن فقط المخلص بل الكاشف الأعظم عن "سر الله"، هذا السر العظيم في المحبة والذي يظهر من خلال حب المسيح وتعاليمه وخلاصه من الخطيئة، وهنا يجب الإشارة إلى أن خلاص الله أشمل من الخطيئة، فالخطيئة حدث عرضي، أي أن الخطيئة ليست هي الدافع للخلاص بل المحبّة.

فالله الّذي خلق الإنسان خلقه لينعم بالتأله، ولكن التأله هو هبة تعطى وليس هبة تغتصب، حيث أن الإنسان غير قادر بذاته على أن يحقق ذاته أو غاية وجوده "التأله"، أي الاشتراك في حياة الله، ومن هنا ينشأ موضوع الصليب.

ــــــــــــــ

[1]  هم جماعات صغيرة (شلل)، هدفهم الإستقلال والحصول على الحرِّيَّة بسحق الرومان. وكانوا ينالون تأييد الكثير من الشعب، وكان يعقوب من بينهم.

[2] هم جماعة كالرهبان حالياً، لهم قوانين خاصة، ومراسيم طقسية الخاصة. وحياتهم الرهبانيّة تتميز بالصرامة الشديدة، وكانوا يحيون على انتظار المسيا المخلص. لديهم إيمان قوي بأن لهم دور في تشكيل التاريخ العالمي، من حيث أنهم الممهدين لمجيئ المسيا المنتظر (يعملون على إعداد الطريق للرب). ويقول بعض الدارسين أن يسوع تردد على هذه الجماعة في بداية حياته.

  · لصليب المسيح علاقة بمشيئة الآب (عبرانيين10/7).

    · لصليب المسيح قيمة ذبائحيّة

  · لصليب المسيح علاقة بقيامته (فيلبي2).

  

فإرادة الله هي إدخال الإنسان في حياته، وكأن الإنسان مخلوق متجه نحو الله، وكماله متعلق لا محالة بأمانته لهذا الاتجاه. وبالتالي فالسبب التجسد هو "الحب" وليس "الخطيئة".

وهنا يجدر الإشارة إلى أن الفكر الوثني يعتبر أن اتجاه الإنسان إلى الله يهدف إلى إرضاء هذا الإله، أما المسيحي يتقدم نحو الله لأن الله لمسه (صاحب المبادرة)، ولأنه أحبه ولأنه يكتشف أن الله كماله مرتبط بجوابه الحر على هذا الحب المقدم والمجاني والذي ينتظر الجواب. (أفسس5/2،25)، (غلاطية2/20)، (2كورنثوس8/9)، (يوحنا13).

والصليب لا يفهم إلاّ إذا اقترن بالمحبة الكاملة، حيث أن الصليب ليس هدفاً في حد ذاته إنما هو وسيلة لإشراك الإنسان في حياة الله (2بطرس1/3).

والقديس بولس يؤكد أن المسيح هو آدم الجديد، وأن هدف الله من التجسد والفداء والصليب هو أن يصير الإنسان كلّ إنسان على شاكلة الابن، ومن ثمّ فالمسيح هو الوسيط الوحيد للخلاص، من حيث أنه الغاية الأخيرة لكل إنسان  "الله اختارنا في المسيح قبل إنشاء العالم"، أي "التطعيم" كما يقول القديس بولس.

إذن الخطيئة لا تفسر الفداء ولكن تجعل التجسد فدائياً.

تدبير الله هو تدبير حياة: حياة لا تفرض على الإنسان بل يختارها الإنسان حرّاً (تثنيّة30/19-20)، الحياة هي الهدف من التجسد (يوحنا10/10)، والحياة هي “البنوّة الإلهيّة”، أي الاشتراك في حياة الله ذاتها، وذلك كنعمة وهبة.

تدبير الله هو تدبير محبّة: الله أراد من البشر أن يغدو أبناء له بمحبّة فيّاضة، وكان تجسد الابن هو الوسيلة التي يتم من خلالها هذا الهدف “التبني”. (أفسس1/3-1، 5/30)، و(كولوسي1/18).

وبالتالي فالإنسان ليس مفعولاً به في عمليّة الخلاص بل فاعل مشترك مع الله، يشترك في حياة الله وأبوته وسيادته، من خلال عمله في التدبير الإلهي.