لأعزائنا الصغار

رسامات

عيون بخديدا

Museum متحف

أرشيف الاخبار

فنانونا السريان أعلام

أرشيف الموضوعات

سمير يعقوب

فـــــكرةٌ بســيطة

 قراءة لمسرحية "فكرة بسيطة" للكاتب الالماني Peter Retter

إعداد وإخراج : سمير يعقوب

تقــــــــــــــديم : فرقة "Courage  " مورناوـ المانيا

     ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 في عالم تسوده الفوضى ويسوده العنف

في عالم تحكمه الالة وتتـنازعه مصالح الاشرار

يأتي صوت المحبة فيه مخنوقا ، ضعيفا من العسير سماعه للوهلة الاولى ، لكنه مايلبث ان يتعالى ويتعاظم لينتشر صداه في كل مكان .

 

 توقف القطار لوهلة .. إنفتحت بواباته العديدة وآندفعت الى الخارج هياكل بشرية تتسابق مع ذاتها.

كان الرجلُ يتطلعُ الى تلك الحركة الرتيبة البارده

ــ هنالك شئ ما مفقود !

أدهشهُ حال البشر وهم يلهثون تحت سطوة التكنولوجيا الحديثه .

ساورهُ الخوف من سعي البشر المحموم لبناء برجٍ بابلي آخر!

 

أخرجت هي هاتفها النقال فمَن تنتظره لم يأتي بعد .

كان الحزن قد غطى ملامح وجهها الجميل

غير أنها للحظة تناست حزنها وتمتمت بصوتها الناعم

ــ هالو حبيبي .. كيف أنت ؟

ــ مشغول !

  جاء صوته جافا لاحياة فيه

ــ هل تأتي اليوم ؟

ــ لا.. لاوقت لدي !

ــ منذ زمن وأنا أفتقدك ..

ــ .................

ــ هل تأتي غداً ؟ .. أو ربما بعد غد ؟

  على حين غرةٍ وعبر الهاتف النقال ، إنطلق صوته متهللاً ، ضاحكا وهاتفا

ــ إنها تعمل .. إنها تعمل !

ــ مَـن ؟

ــ الماكنة

  مع هتافه وضحكه الهستيري كان هدير ماكنة عملاقة ينطلق هو الاخر

ــ إنها تعمل !

ــ ولكن متى تاتي ؟

ــ إنها تعمل !

ــ وأنا .. والبيت ؟

ــ لاوقت لدي !

تباعد صوتهُ ، إبتلعه هدير الماكنه ، أما هي فقد تحطم في داخلها شئ ما    والدمعة التي حبستها طويلا وجَدَتْ طريقا للخروج .

ــ اللعنة على الاشياء .

 

كان الرجل يشاهد ما يجري ، كان هو الاخر يبكي

فتح ذراعيه ، أراد ان يطوقها ويمنحها ما تبحث عنه

ــ أنا .. البيت

إندفعت ما بين الزحام ، تلاشت من أمام ناظريه ، أراد اللحاق بها لكنه كان يرتطم بالاجساد البشرية الباردة التي اندفعت خارجة من بوابات القطار التالي .

فجأة تـناهى الى سمعه صوت سيارة الاسعاف إقترب الصوت ثم توقفت

السيارة .. كانت هي قد تعرضت الى حادثة دهس .

سكت صوتها .. والبيت ، لكن صوت الماكنة العملاقة مازال يأتي هادرا .

وقفَ وسط الزحام ، أطلق صرخته التي غطت هدير الماكنة

ــ الى اين ؟

توقف الجميع لوهلة .. مغيّبيـــــن

لم يكن بآستطاعة أحد أن يجيب فالكل لايدري الى أين

شهق الرجل ، مسح دمعته الاخيرة وأدرك أن البشرية بحاجة الى التعقل والى المزيد من المحبة والدفء .

 

من هنا جائت فكرته البسيطة .

كان قد قرّر ان يساهم شخصيا في تغيير هذا الواقع البشري فتراه في أيّام الآحاد والعطل ياخذ قوته اليومي ويقف لساعات طوال في ساحة البلدة وعلى شاطئها حيث الصيادون يرمون شباكهم في قاع البحر .

ــ عناقٌ مجاني

كان ينادي طوال الوقت ليُسمِعَ الجميع ، عارضا على المارة عناقهُ ، رأس ماله الوحيد .. كل ذلك بالمجان !

لم يمضي وقت طويل حتى ذاع صيتُ الرجل واصبح حديث الناس

إمتدت فكرته لبلدان جديدة ، ساحات أكبر وشواطئ أُخرى

ــ عناق مجاني .. صغيرا كنت أم كبير ، رجلا كنت أم إمرأة

كان العرض لطيفا ، جميلا وسهلا جداً

حقيقة مجردة في زمن لاتصدق فيه الحقائق المجردة

هم إعتبروه مجنونا و قوبلت فكرته بشك رهيب وغرابة كبيرة وخلقت له أعداءاً شديدي البأس والبطش .

في مساء يوم ممطر وعاصف ، إلتقاه الشرطي في ساحة البلدة وآدعى أنه يحمل ضده بلاغا بآسم الشعب !

ــ ماتنادي به هنا .. هو عمل خارج القانون والاعراف ومناف للاخلاق ، يدعو الى الفلتان الامني ويجعل بسطاء الناس ياخذون فكرتك على محمل الجَد مما سيؤدي الى تباطئ حركة العصر والتأثير سلباً على كمية الانتاج وبالنتيجة تفاقم حالة الفقر في العالم !

 

كان الاتهام أكبر من أن يستوعبه ، ألقى نظرة الى الخلف عسى أن يكون الشرطي يُحدّثِ شخصا آخر غيره ، لكنه .. كان هو المقصود .

هو لم يصنع يوما قنبلة يرهب بها من عادوه

كان سلاحه بِضعُ كلمات إختزل بها نتاج ما كان وما سيأتي من حضارات .

لكنه .. كان هو المقصود

وضعوا أغلالا في يديه ، ساقوه الى المحكمة ومن ثمة الى الجبل !

 

حسناً ... لقد مات الرجل

وبقي صدى صوته يغطي كل المساحات وكل الأفئدة ، فكرته البسيطة تُعطي على الدوام إنطباعا مثيرا للتفكير والتأمل

ــ عناق مجاني .. صغيرا كنت أم كبير ، رجلا كنت أم إمرأة

أتسائل ! هل كان سيترجم فكرته البسيطة هذه لو علم أن الثمن سيكون حياته ؟

وأتسائل ايضا ، هل كان الامر سيقلل من آلامه لو عرف بأن فكرته البسيطة !!

قد غيّرت شيئا بالفعل ؟ من يدري .. ربما يعرف !

في ساحة البلدة ، على الشاطئ وفوق الجبل يلتقي في كل عام آلاف البشر لاحياء ذكراه

يحملون أزهارا ، يوقدون شموعا ... ويتعانقون .