Museum

متحف

فنانونا السريان

فن

رياضة

أدب

أعلام

أرشيف الاخبار

منتديات السريان

بريد القراء

موارد السريان

السريان

عن النواطير   نمرود قاشا

عائلة آل كذيا .. وشعلة الميلاد في قره قوش

 شعلة الميلاد في التأريخ

يحتفل شعبنا عشية عيد ميلاد ربنا يسوع المسيح ظهر يوم 24 كانون الأول بإيقاد شعلة الميلاد "التهرا"[1]. وتتكون من حشائش وأشواك يتم جمعها ووضعها في ساحة الكنيسة، حيث يحوم حولها المؤمنون والإكليروس بمراسيم خاصة. مجموعة من الشمامسة بزيهم الكنسي حاملين الشموع حول الشعلة وعلى إيقاع الصنوج والألحان السريانية الرائعة، يعقبهم بعد ذلك الكاهن المحتفل حاملاً "الصليب الحي"[2]، بعد ذلك يقومون بإيقاد الشعلة.

إن هذا التقليد يأتي للتعبير عن البهجة التي حملها الطفل يسوع للبشرية، وقد يكون لزيارة الرعاة للمغارة ليلة الميلاد "إذ جمعوا حطباً وأوقدوه لأن الطقس كان بارداً"[3] أحد الأسباب التي تعود الى أصل هذا التقليد. وتكون نار الشعلة هذه ترمز إلى النار التي كان يصطلي عليها الرعاة خلال سهرهم. ومهما يكن من أمر فإن هذه الرتبة موغلة في القدم وقد تكون عادة وثنية مارسها الفرس قديماً احتفالاًً بعيد إلههم (الشمس) وإن الكنيسة تبنت هذا التقليد وذلك "لإبعاد المؤمنين المهتدين عن عاداتهم الوثنية وإستقطابهم الى المسيحية"[4] إن النار تعني الغلبة والدفء والضياء وهو النور الذي يبدد الظلام.

وهكذا تأتي مقولة المسيح بغلبة النور على الظلمة "أنا نور العالم، من يتبعني فلا يمشي في الظلام، بل يكون له نور الحياة"[5].

وبعد أن تخمد نار الشعلة، إعتاد البعض على تخطي هذه النار ذهاباً وإياباً للتبرك ونوال المراد "وهذا الطقس يمارسه اليزيديون أيضاً فيتخطون النار التي توقد في عيد بلندة"[6]. وهناك تقليد توارثه الخديديون أثناء إيقاد شعلة الميلاد هي أنهم يراقبون إتجاه دخان الشعلة، فإذا كان إتجاهها جنوباً حيث دير مار بهنام فهذا يعني إن موسم الأمطار جيد، أما اذا كان اتجاه الريح شمالاً فيكون مصدر إزعاج أو نحس لهم. كذلك يقومون بأخذ الرماد المتبقي من الشعلة حيث ينثر على رؤوس الأطفال وكذلك المحاصيل الزراعية أو في الحقول وذلك للتبرك.

ومهما يكن من أمر هذا التقليد، فهم يكررون في هذا اليوم ما دونه البشير لوقا قبل ألفي عام "أبشركم ... ولد لكم اليوم مخلص"[7].

 

 عائلة آل كذيا

آل كذيا ... واحدة من العوائل التي تشكل جزءً من بخديدا "قره قوش" منذ مئات السنين، وانصهرت مع العائلة الكبيرة وإن مجرد الإنتماء لهذه المدينة يشعرك بالزهو، وكيف لا، ولم يسجل التأريخ بحقها (بعون الله) أيّة مثلمة لأنها بلدةٌ "يصعب أن تراها تبرأ من عللها، إنها جرحٌ مفتوح، فلهذا فإنها لن تموت، على الرغم من عللها والبثور الظاهرة في جسدها"[8]. ولكن رغم كل هذا خرجت منتصرة من كل هذه المحن، قوية، ثابتة، تمتد جذورها في الأرض رسوخاً لأنها تعاملت مع نفسها والآخرين بنفس الصدق.

آل كذيا، جذر في هذه الأرض، عاشوا تأريخ هذه البلدة بكل تفاصيلها. في الماضي القريب عندما قررت "العائلة الكبيرة" بناء كنيسة تحتضن مؤمني البلدة، ساهمت هذه العائلة كغيرها بالمال والعمل وقدّمت كل ما تجده يساهم بإضافة طابوقة أو حجر لهذا البناء الشامخ، فكانت تقسم واردها السنوي من (المحصول) رغم محدوديته الى جزء يذهب الى (المال العام) بينما يبقى القسم الآخر (مونة) لما يتبقى من السنة. فكانت قطرات العرق التي نضحت من: بهنام، ميخا، بولا، تاتو، عبوش، شمعون، وحنا كذيا وآخرون غيرهم تختلط مع عرق كل الخديديين.

 

 آل كذيا والنذر

قبل عيد الميلاد بأسبوع أو أكثر، تكون هذه العائلة قد دخلت في صراع مع الزمن. وذلك لأن عليها أن تهيء مادة الشعلة وتنقلها الى ساحة الكنيسة، بحيث تكون جاهزة للإيقاد أثناء الإحتفالية الخاصة بها. هذا التقليد المتوارث الذي إنتقل من جيلٍ الى آخر لا يمكن تحديد بدايته بالضبط ولكنه بالتاكيد يزيد على اكثر من مئتي عام لأنه عند الإستفسار من السيد (ايشوع متي بهنام كذيا)[9]، مواليد 1924 يؤكد بأن والده لا يتذكر أيضاً أصل وبداية هذا النذر. في اليوم الذي يتم فيه الخروج الى الحقول لغرض جمع (مادة التهرا) يتجمع المكلفون بهذه المهمة بعد أن يكونوا قد هيأوا العدة اللازمة لهذا العمل من دواب و(شخرَ)[10] ومناجل وفؤوس، وقد إرتدوا أفضل ما لديهم من ثياب والتي تُرتَدى عادةً في المناسبات الدينية والأعراس.

 

 

Text Box: الخطوة الأولى، الانطلاقة وعلى أنغام الصنوج
ولا ننسى بأن العديد من عوائل بخديدا تشارك "آل كذيا" في هذه المهمة إما تبركاً بهذا العمل أو نذر لديهم أو إيمانهم بأن مشاركتهم قد تحقق أمنية لهم تمنوا تحقيقها كأن يرزقهم الله بطفل مثلاً أو الشفاء من علّةٍ ما.

يتحرك الموكب هذا على أصوات الصنوج ترافقه تراتيلٌ دينية وصلوات وفي مقدمتها أهزوجة تتكرر كل عام بعد الإنتهاء من العمل تقول:

 

يــا ربنا .. يــا ربنا يـــا الله

إحنا عبيـــــدك كــلُّنا يا الله

جبنــــالـــــك الغــلّـــــــيـة

دِكلنّا مرحبــــــا يــا اللـــــه

 

وهذه الأهزوجة تعبّر عن الشكر لله الذي مكنهم من تحقيق ما كُلفوا به، ألا وهو هذا النذر، ولكن (ترتيلة العذراء):

 

بشمـا دبـــابــا وبـــرونــا

وروح قدشــــا محيونـــــا

طلاثـا قنومـي بخا كيـانـا

هــــوي لأودوخ عايانــــا

 

لمؤلفها "داؤد كَورا" تأخذ قسطاً من مسيرة الموكب لما تتضمنه من معانٍٍ إيمانية إضافة على أنها قابلة على الترتيل بالتناوب بين الرجال والنساء.

 

حوارات

              

 

ايشوع متي كذيا، إثنان وثمانون عاماً يحملها هذا الختيار. سألته عن أصل هذا النذر وذكرياته عنه فأجاب:

لا يمكن تحديد تأريخ هذا النذر، ولكنه بالتأكيد يعود الى منتصف القرن الثامن عشر، حيث أن العديد من العوائل القره قوشية نذرت أن تقدم خدمة للكنيسة فمثلاً عائلة (آل عطاالله) كانت تجلب نبات "ريخا د أمون" الذي يتم تقديسه وتوزيعه للمؤمنين في عيد "العنصرة" أما (آل سوني) فكانوا مكلفين بجلب "أغصان الزيتون" التي يتم توزيعها في "عيد السعانين". فعائلتنا أخذت هذه المهمة على عاتقها، فكان عليها توفير مادة الشعلة قبل أسبوع من المناسبة، حتى في حال كون الظروف الجوية غير مناسبة. وعن نوعية هذه المواد والأماكن التي تتوفر فيها أجاب:

مواد الشعلة تتكون من (عارون، كسُب، خأتا، أزمي، قُزّح) وهي نباتات برية تكثر في الأراضي التي لا يمكن زراعتها والوديان.

 

                     

يلدا كرومي حنا كذيا/ مواليد 1937            

 

في موسم – هذا العام 2005 شارك أولاده وأحفاده في جلب مادة (التهرا) ولم تمنعه ثِقل السنين من المشاركة.

سألته، هل هناك سنة معينة يتذكر بأنهم لم يستطيعوا الإيفاء بهذا النذر؟

اجاب: نعم، حدث هذا في عام 1910 (ونقلاً عن والدي) ونتيجة لكون الأمطار استمرت للأسبوع الذي يسبق عيد الميلاد لم نتمكن فيه من جلب مادة التهرا، ولكن حدث في ليلة 23/ 24 كانون الأول حَلُمَتْ جدتنا مريم (بيزوتا) بأن هناك شخص ما يحاول أن يكتم أنفاسها ومستفسراً منها عن السبب الذي دعا (آل كذيا) عدم قيامهم بالنذر، وفي الصباح أخبرت أهلها بهذه الرؤيا، وعندها قرروا أن يتم تجميع الشعلة لذلك الموسم من البيوت بما كانوا يخزنون من شعلة التنور والتبن.

هذه الحادثة حفزت (آل كذيا) أن يتهيأوا للحدث قبل فترة مناسبة ورغم كل الظروف.

 

 

 ببي متي القس حنا/ مواليد 1939.

تذكر بأن (آل كذيا) جميعهم كانوا يشاركون بهذه المهمة في احتفال يشبه العرس، وان واجبهم ليس إيصال المادة الى ساحة الكنيسة فقط وإنما الذهاب إلى مكان الإحتفال قبل يوم واحد ليتم ترتيب الشعلة بالشكل المطلوب، ليقوم ساعور الكنيسة بعد الإنتهاء من هذه المهمة بتوزيع الشموع للعوائل المشاركة وذلك للتبرّك.

 

 


[1]- التهرا: أو (ةىرا) وهي كلمة سريانية تعني العجب والانبهار والاندهاش أو الحيرة.

[2]- الصليب الحي: الصليب الذي يحتوي بداخله على قطعة من خشب صليب المسيح الأصلي.

[3]- لوقا 2/ 20.

[4]- مجلة نجم المشرق العدد 36 لسنة 2003م.

[5]- يوحنا 8/ 12.

[6]- عبد الرزاق الحسني: "اليزيديون في حاضرهم وماضيهم"/ 1968.

[7]- لوقا 2: 11.

[8]- مجلة العائلة/ العدد – 33 لسنة 2005 د.يوسف الطوني.

[9]- مقابلة خاصة مع السيد ايشوع متي كذيا بتاريخ 15/ 11/ 2005.

[10]- شخرَ: آلة من الخشب، على شكل حرف (8) توضع على ظهر الدواب تستعمل لنقل محصول الحنطة والشعير بعد الحصاد بالمنجل من الحقل الى البيدر.