لأعزائنا الصغار

رسامات

عيون بخديدا

Museum متحف

أرشيف الاخبار

فنانونا السريان أعلام

أرشيف الموضوعات

الأخ يوسف يونو عجم الراهب .. الرهبنة الأنطونية  الهرمزدية الكلدانية

سر الشخصية

المقدمة: نتطرق كثيراً في أحاديثنا الى موضوع الشخصية فنصنف الناس بقولنا فلان ذو شخصية قوية والاخر ذو شخصية ضعيفة أو ليس لديه شخصية، ولكننا غالباً لا نعرف ماذا نعني بمصطلح ( الشخصية ) المبهم، أو قد يكون لدينا عنهُ فكرة معينة خاصة بنا. فمثلاً نعتقد بأن الإنسان السلطوي هو ذو شخصية قوية والإنسان المسامح شخصيته ضعيفة. ولهذا جاء عنوان المقال (سر الشخصية) لكي ينبهنا بأن لا نستعجل في أحكامنا في هذا الموضوع. وذلك لان الشخصية هي أعمق وأغلى وأجمل بُعد في الإنسان. ولهذا من المستحيل أن يكون الانسان بلا شخصية كما يدعي البعض. فقد قيل عن الانسان بأنه حيوان ناطق، وحيوان اجتماعي، أما نحن فنقول ان الانسان هو حيوان ذو شخصية.

    وفي مقالنا هذا سنركز على الشخصية باعتبارها سرّ. وسنبين لماذا هي سرّ انطلاقاً من المفهوم المسيحي لها، وذلك بعد ان نتعرف عليها وعلى أهم نظرياتها ونموها وعلاقاتها وأساسها بشكل مقتضب.

1- الشخصية: "مصطلح الشخصية هو لاتيني الأصل مشتق من لفظة (Persona) وتعني القناع أو الوجه المستعار الذي يلبسه الممثل المسرحي إما لإظهار بعض الصفات الصارخة فيه أو لإخفاء تشويه ما في وجهه لكي يقوم بدوره المسرحي بشكل موفق. أما عند كارل كوستاف يونغ فهذه اللفظة تعني القناع الذي يتحتم على الفرد أن يلبسه ليستطيع أن يلعب دوره بنجاح على مسرح المجتمع"[1]. والشخصية هي من أهم المواضيع التي يدرسها علم النفس (كلمة علم النفس) (Psychology مشتقة من كلمة يونانية تعني دراسة العقل أو الروح. واهم ما يدرسه علم النفس هو السلوك والعمليات العقلية)[2]ويطلق على هذه الدراسة علم الشخصية) Personalogy (. وقد  طرحت تعاريف كثيرة ومختلفة للشخصية من قبل علماء النفس، حتى ان "أحد علماء النفس أحصى ما يقارب من خمسين تعريفاً للشخصية مما يدل على عمق وتعقيد هذا المفهوم. ولكن بإمكاننا ان نعرف الشخصية ) Personality ( بالعموم بأنها مجموع الخصائص الفردية والذاتية والجسمية والعقلية ونزعاته السلوكية والعاطفية والأخلاقية التي تميزه عن غيره تميزاً واضحاً"[3].

2- دراسة الشخصية: لقد ظهرت نظريات مختلفة في دراسة الشخصية، والتي اعتمدت على أدوات مختلفة لقياسها مثل المقابلات والملاحظات والتجارب  المضبوطة والاختبارات الشخصية والاختبارات الموضوعية الاسقاطية. والنظريات الشخصية هي: 1- النظريات النفسية الدينامية للشخصية: وأهم علماء هذه النظرية هو سيجموند فرويد (1856- 1939) صاحب التحليل النفسي، الذي قال بأن الشخصية لها ثلاث مكونات وهي (الهو، الأنا، الأنا العليا). وتتطور الشخصية بحسب رأيه عبر أربع مراحل وهي: (الفمية، الشرجية، القضيبية، التناسلية). وأكد بأن الانسان لديه وعي بعدد قليل فقط من الأفكار والذكريات والمشاعر والرغبات، أما العدد الآخر فهو يمثل مرحلة ما قبل الشعور (الوعي) وهي مدفونة تحت الوعي. ويمكن أن تستدعى بطريقة التداعي الحرّ. وقد نقح تلاميذ فرويد نظرياته حيث قللوا من العوامل الجنسية وأكدوا على التأثيرات لاجتماعية على الشخصية واللاشعور الجمعي والمشاعر الدونية… 2- النظريات الظاهراتية للشخصية: تركز على فهم الذات بطريقة كلية وتعتبر تحقيق الذات الدافع الإنساني الأول. 3- النظريات الاستعدادية في الشخصية: تركز على الصفات التي تبدو مستقرة ومستمرة، فنظريات السمات تؤكد على السمات وخصائص فريدة بينما نظريات النمط تؤكد على مجموعة من السمات يعتقد أنها مرتبطة ببعضها. 4- النظريات السلوكية للشخصية: تركز على السلوك الملاحظ ومحدداته البيئية، فالمهم عندها ما يفعله الناس.

          هذا الطرح للنظريات الشخصية يبين كم هي واسعة ومعقدة دراسة الشخصية. ويجدر بالذكر بان هناك خلافات في دراسة الشخصية يمكن حصرها بهذه الأسئلة: هل نظرية واحدة شاملة في الشخصية مرغوبة؟ هل السمات مفاهيم مفيدة؟ تحت أي ظروف يكون الناس متسقين؟ هل هناك تبرير لقياس الشخصية؟[4]

3- المسيحية والشخصية: تعطي المسيحية أهمية كبيرة للشخص مهما كان، وذلك لانه مخلوق على صورة الله ومثاله. وهنالك أمثال كثيرة في الأناجيل تعبر عن هذا، مثل مَثل الخروف الضال والابن الضال والدرهم الضائع. فالفرد في ديانتنا له قيمة وأهمية خاصة عكس الفلسفة اليونانية التي كان اهتمامها بالكليات. وفي هذه الفقرة سنقدم نظرة مسيحية للشخصية باعتماد على مؤلفات الاب جان باول اليسوعي[5].

          إن الشخصية هي وليدة التفاعل بين الوراثة والبيئة. وكل شخصية هي فريدة من نوعها، ولهذا يقال: (خلقك الله وكسر القالب). والشخصية ليست متكاملة جامدة مستقرة بل هي في حالة نمو وتطور مستمر نحو الأفضل أو الاسوء باعتماد على التأثيرات الوراثية والبيئية. ونظرة الانسان الى ذاته لها دور كبير في تكوين الشخصية. ونظرته إما تكون إيجابية وفيها يتمتع الفرد بصحة نفسية ويحقق شخصيته بشكل صحيح، أو تكون سلبية، وفيها يواجه الفرد مشاكل نفسية كثيرة مثل عقدة الذنب، عقدة الدونية، القلق وغيرها. وتظهر في حياته مواقف سلبية مثل الانتقاد، الخجل، ازدراء الذات، الغضب. أما الإدمان فهو محاولة لهروب من الذات. وان عدم الثقة بالذات وبغضها هما المرض الأكثر انتشاراً بين أبناء البشر. وهنا علينا ان نميز بين الأنانية ومحبة الذات، فالأنانية هي عكس محبة الذات، فالأناني في عمقه يكره ذاته ويحاول أن يعوض عن نقص الحب بالأنانية. ويؤكد علماء النفس بان محبة الذات ضرورية لتحقيق شخصية ناضجة ومتزنة. وقد جاء على لسان ناطق باسم عيادة شهيرة للعلاج النفسي في نيويورك: "لو أحب الناس أنفسهم بطريقة صحيحة، وما أبغضوا ذواتهم وحزنوا لما هم عليه، لو كان بإمكانهم ان يحبوا الطفل في ذواتهم بدل ان يحتقروا الضعف فيهم، لأنخفض عدد الذين يؤمون الى عيادتنا الى نصف ما هو عليه".

          ومثلما قبول الذات ومحبتها ضروريان في تكوين شخصية ناضجة، كذلك علاقة الفرد مع الاخر ضرورية. فالصداقة والصدق والانفتاح على الاخر لابد منهم لتكوين الشخصية، ولكن هذا الطريق لا يخلو من المخاطر والصعوبات. وان اعمق علاقة هي علاقة المحبة. وفيها يخرج الإنسان من أنانيته ويكشف ذاته بحقيقتها للاخر. ومن الضروري في تكوين شخصية مستقلة ان يحقق الفرد التوازن بين الاتكالية والاستقلالية، بين الانبساط والانكماش، أي ان يحقق التوازن بين الداخل والخارج في علاقاته.

          فإذن دون المحبة لا يمكن ان نحقق شخصية ناضجة، لان المحبة هي أساس الشخصية. والمحبة ليست فقط شعور بل هي قرار والتزام وهي بلا شروط، وفيها يحس الانسان بقيمته وقيمة الاخر. ويعتبر ربنا يسوع المسيح أعظم وأروع شخصية في تاريخ البشرية لانه أحب وبذل نفسه من أجل أحبائه.

الخاتمة: من خلال هذا العرض لمفهوم الشخصية يمكننا ان نعتبرها سرّ، وذلك لان علماء النفس لم يتوصلوا الى تعريف واضح وموحد لها. ولان هنالك نظريات مختلفة عنها. وكذلك لان كل شخصية هي فريدة من نوعها.، وهي أعمق بُعد في الإنسان. وبما ان الانسان هو سرّ فالشخصية أيضاً هي سرّ. وبما ان علم النفس يقول بان الانسان الأمور التي يعيها(يشعر بها) هي أقل بكثير من الأمور التي لا يعيها، فانه لا يمكنه ان يكتشف شخصيته بالتام والكمال. وأخيراً بما ان أساس الشخصية هو المحبة وهي أعظم سرّ فان الشخصية هي كذلك أيضاً. ولكن كون الشخصية سر لا يمنع من ان يدرسها علماء النفس بل بالعكس عليهم ان يتعمقوا أكثر بدراستها. ولكن على الانسان ان  لا يصدق الابراج والقهوة وقراءة الكف والجمل العامة… التي تحدد شخصيته، لان هذا أمرٌ مستحيل.

 

الأخ يوسف يونو عجم الراهب .. الرهبنة الأنطونية  الهرمزدية الكلدانية


 

[1] -الاب بشار وردة المخلصي، ملزمة الإنكرام، كلية بابل، بغداد. ص 6.

[2] -راجع ليندا دافيدوف، موسوعة علم النفس، الجزء الخامس (الشخصية)، ترجمة د. سيد الطوب و د. محمود عمر، الدار الدولية للاستثمارات الثقافية، مصر، الطبعة الثانية، 2000. ص 5.

[3] -لونا يوآرش، مقال بعنوان الشخصية ثمرة التفاعل بين الوراثة والبيئة، مجلة قيثارة الروح، العدد 4 - 1999. ص 85.

[4] -دافيدوف، الشخصية، ص 147- 208.

[5] -سلسلة مؤلفات الاب جان باول اليسوعي، ترجمة بولس الصياح، دار المشرق، وهي:( حب بلا شروط، سر البقاء في الحب، لماذا أخشى أن اقول لك من انا، لماذا أخشى أن أحب، السعادة تنبع من الداخل، كمال الإنسان في ملء الحياة…).