"إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟" (متى 46:27)

(إليك، يا رب، نصرخ)

 

 

مقدمة:

          في ظل الظروف الراهنة التي نعيشها من عالم مليء بالأزمات والضيق والألم والخوف والاضطرابات، وكل صباح تطلّ علينا أخبار جديدة من مآسٍ غريبة لم يسبق لها مثيل من قتل وحروب.. الخ، وفي هذه الحال يتساءل معظم الناس بدهشة واستغراب: "إذاً لماذا الحكومات؟ لماذا القوانين؟ لماذا المال؟ لماذا العلم؟ لماذا قوات الأمن حتى لماذا الأديان؟ هل عجزت هذه كلها عن تخفيف وطأة الشر في العالم؟ أم هل أخطأ البشر في تشخيص الداء ووصف الدواء!؟

ونحن في زمن آلام ربنا يسوع المسيح وقيامته المجيدة دعونا نصرخ كلنا الصرخة التي صرخها يسوع المسيح قائلاً: "إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟"(متى 46:27)، فنقول إلهنا إلهنا لماذا تركتنا لماذا تركت شعبك؟ ولكن ربّ سائل يسأل هل الله يترك شعبه أو هل يترك أولاده المتألمين هل يترك خليقته تتألم؟ أقول أن هذا شيء مستحيل كيف يتركنا ونحن خليقته وهو خالقنا.

نعم هكذا صرخ المسيح قبل أن يموت صرخ الكلمات الأولى من المزمور 22 إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟ حيث يعلم كل من يقرأ إنجيل متى ومرقس بأن هذا المزمور 22 يتواصل ليؤكد الخلاص النهائي للمزمر. حيث يصرخ المزمر إلى الله ليسمعه وهذا الصراخ هو صراخ الخروف الضال الضائع، صراخ الخاطئ المتألم. ويبقى هذا الصراخ متجهاً إلى الله أبونا.

أُصغوا إلى صرخة يسوع التي توحِّد بين شتى أنواع البؤس البشري وكل ما في الكون من حزن وغمّ وضيق في أيامنا الموحشة هذه وأسمعوا صراخ هذا الإنسان المقاوم للشر والموت. أصغوا إلى العصفور الجريح .

في صرخة يسوع التي يوجهها إلى أبيه إيمان حقيقي! ألا يحتاج إلى ثقة عظيمة كل من أراد أن يبلغ الناس عن ألمه؟ وهل يستطيع المرء أن يكشف عن ألمه أمام إيّ كان؟ يسوع كان يعرف الله الذي وجه إليه سؤاله الأليم، وكان يعرف أن الله لن يتخلى عنه لأنه الأب.

أقول إن مشكلة الإنسان هي في داخله! نعم أن الشر هو من صنع الإنسان وليس من صنع الله أن الله لا يريد للإنسان الشر ولكن الخير وحده الله  حاضر في كل مكان ويرى كل ما يحدث في العالم من الشر (شر الإنسان) وهو في انتظار الإنسان كي يعود إليه من خلال الصلاة.

صراخي هو صلاتي

          في الصلاة نتوجه إلى أبينا ونصرخ إليه واثقين بأن يكون في صميم عالمنا، يساعدنا على إتمامه، ويقدَّم للإنسان السعادة التي يبحث عنها حيث نتضرع إليه صارخين بأن يفيض علينا ملئ محَّبته.

          إن واظبنا نحن الصارخين المحتاجين، إلى دعائه في ظلمة ليالينا من بلد الظمأ سوف يجري من أعماقنا نبعاً من الرجاء وعندما تستيقظ قلوبنا على صوت الله الحي، نجد ينبوع السعادة، وعندما ترتفع أيدينا تسبيحاً لله الحي، نجد الأمل في الأيام المقبلة.

          حيث تضعنا الصلاة في ترقب ذلك اليوم وفي انتظار كلمة الله التي ستكون كلمته الأخيرة: "لذلك هم أمام عرش الله يعبدونه نهاراً وليلاً في هيكله. والجالس على العرش يحل فوقهم. فلا يجوعون بعدُ ولا يعطشون ولا تأخذهم الشمس ولا الحر البتة، لأن الحمل الذي في وسط العرش يرعاهم ويرشدهم إلى ينابيع ماء الحياة ويمسح الله كل دمعة من عيونهم". (رؤيا القديس يوحنا 7/ 15-17).

           إذا ألقينا بأنفسنا في هذا الزمن الحاضر، فالسرور الذي نجده فيه يرفعنا إلى البحث عن فرحٍ صافٍ، والبؤس الذي نلتقيه يجعلنا تتمنى فرحاً في مكانٍ آخر، أن نؤمن هو أن نحيا بجرأة ونريد كذلك أن يحيا الآخرون بجرأة.

 

 

 

 

حيث بالصراخ اكتشفت مريم ومرتا الأيمان، لأن شقيقها لعازر مات، فكان على يسوع، الذي اشتهرت عجائبه، أن يحضر ويمنع الموت عنه. "لو كنت هنا يا رب، لما مات أخي". بهذا اللوم توجهت إليه مرتا وهي على حق، لأن لومها هو لوم الواثق... "لكن أعرف أن الله يعطيك كل ما تسأله! ". ويجيب يسوع: "سيقوم أخوك". يقدر إيماننا، النابع من قلب اللوم الذي نوجهه، أن يعيد الحياة إلى الآخرين، وأننا لنعلم بان لعازر خرج من القبر حياً (يوحنا 11/38-44).

          لا تستجاب صلواتنا دوماً كما نحن نتمنى. بيد أن الله لا يرفض روحه القدوس. ٌول أنا دائماً أن الطلب الصحيح ليومنا الحاضر هو: "أرسل إلينا، يا رب، روحك ليغير قلوبنا المتحجرة" إن أعظم نعمة ننالها لمن نحبهم هي الروح الإلهي الذي يشعل قلوب من يستسلمون إليه.         

ودائماً يجيبنا الله في ضيقنا بكلمات تطمئننا. إننا لسنا دائماً مستعدين لقبول الطمأنة التي يقدمها الله، ولكن أحياناً تأتي الطمأنة الإلهية ككأس ماء بارد يروي عطشنا ونفوسنا الجافة المشققة. يقول الله: " أنا لست كالباقين. لن أنساك. حتى إن نسيك والداك، أو هجرك شريك حياتك، أو رفضك أصدقاءك. أنا لن أتركك، (طوبى لك يا فقير يا من تسيل الدموع من عينيه والدمُّ من قلبه! لأنك رفضتَ المشاركة في الظلم، الله يراك، الله يراك، ويشعر بك).

أنا وحيد ومتروك يا إلهي، أعزَُ الناس لي تركوني...

ولكني مؤمن بأنكَ لن تتركني أبداً أبداً يا إلهي

إليك أصرخ، أصرخ، يا إلهي فأسمع صرختي

إليك أصرخ يا إلهي! فأستجب لي...

 

 

 

 

 

 

 

                                   

 

 

 

 

 

 

 

 

 

                  

 

الأخ يوسف يونو عجم الراهب

الرهبنة الأنطونيّة الهرمزديّة الكلدانيّة