Museum

متحف

فنانونا السريان

فن

رياضة

أدب

أعلام

أرشيف الاخبار

منتديات السريان

بريد القراء

موارد السريان

السريان

 

"أُسلكوا بالروح (...). إن كنتم تَنْقادون بالروح فلا تكونون في حكم الشريعة" (غل 5، 16-18)

   كيارا لوبيك  

 

"إنّما دُعيتم إلى الحرّيّة" (غل 5،13). هذا ما أعلنه الرسول بولس إلى مختلف الجماعات المسيحيّة في غلاطية. كلماته تردد صدى كلمات يسوع حين قال انّه سيجعلنا "أحراراً حقّاً" (يوحنّا 8، 36).

ولكن، أحراراً من ماذا؟ لقد تحرّر أهل غلاطية من توجيهات وفروض شريعة موسى، وهذه الحرّية شملت في ما بعد المسيحيّين أجميعن. لا بل حُرّرنا من الخطيئة ونتائجها، أي من خوفنا، ومن بحثنا المستمرّ عن مصالحنا، ومن قيودنا الثقافيّة، وتقاليدنا الاجتماعية المتّبعة... لذا نحن أحرارٌ حين نحترم قواعد التصرّف الاجتماعي والدينيّ المسيحيّ، فلا نشعر بأنّها مفروضة علينا من الخارج.

بالنسبة إلينا هناك شريعة جديدة، "شريعة المسيح" (غل 6،2) كما يدعوها بولس، وهي مطبوعة في صميم قلوبنا، وتزهر من داخل الإنسان, الذي أصبح إنساناً جديداً بفضل محبّة المسيح. إنّها "شريعة الحرّيّة" (يع 2، 12)، شريعة تعطينا في الوقت عينه القوّة اللازمة لكي نُطبّقها. فنحن أحرارٌ لأنّ من يقودنا هو روح المسيح الحيّ فينا.

من هنا تأتي هذه الدعوة:

 

"أُسلكوا بالروح (...). إن كنتم تَنْقادون بالروح فلا تكونون في حكم الشريعة"

 

في زمن العنصرة هذا نعيش من جديد حدث حلول الروح القدس على مريم والتلاميذ المجتمعين في العلّيّة. ويُفيض هذا الروح، بألسنة من نار، محبّة الله في قلوبنا (روم 5، 5). فالمحبّة هي الشريعة الجديدة.

الروح القدس هو محبّة الله التي تملأنا فتحوّل قلوبنا، وتُفيض فيها محبّة الله نفسها وتُعلّمنا كيف نتصرّف محبّةًً بالآخر.

المحبّة هي التي تحرّكنا، وترشدنا لنواجه الأحداث والخيارات التي نحن مدعوّون للقيام بها. المحبّة تُعلّمنا كيف نميّز ما هو الخيرٌ فنتمّمه، وما هو الشرُّ فنتجنبّه. المحبّة تدفعنا إلى عمل كلّ شيء بهدف تحقيق خير الآخر.

نحن لسنا مُسَيَّرين من الخارج، بل إن هدايتنا تكون من خلال الحياة الجديدة التي وضعها الروح القدس في داخلنا. فقِوانا وقَلوبنا وعقولنا, وكلّ قدراتنا باستطاعتها أن "تسلك بالروح" لأنّ المحبّة قد وحّدتها ووضعتها في تصرّف مخطّط الله علينا وعلى المجتمع.

نحن أحرارٌ في أن نحبّ.

 

"أُسلكوا بالروح (...). إن كنتم تَنْقادون بالروح فلا تكونون في حكم الشريعة"

 

"إن كنتم تنقادون بالروح..". هناك دوماً خطر بأن يُعيق أمرٌ ما الروح القدس من أن يملك كلّيّاً على عقلنا وعلى قلبنا. باستطاعتنا مقاومة صوته وإرشاداته لدرجة أنّنا قد "نُحزِنه" (أف 4، 30) وحتى أن "نُُطفِىء" حضوره فينا (1 تس 5، 19). فغالباً ما نُفضّل اتّباع رغباتنا بدل رغباته هو، ونتمّم إرادتنا عوضاً عن إرادته.

ما العمل إذاً لكي ننقاد لذلك الصوت الذي يُحدّثنا في داخلنا؟ وإلى أين سيحملنا؟

يذكّرنا بولس نفسه بذلك في آيات ذكرها في الرسالة ذاتها: إن الشريعة الجديدة كلّها، أي شريعة الحرّيّة, تتلخّص في أمرٍ واحد وهو محبّة القريب. عمليّاً, ينصح الرسول بولس من يريد أن يكون حرّاً بأن يصبح عبداً للآخر، أي أن يضع نفسه في خدمة الآخر (غل 5، 13-14). فذلك الصوت في داخلنا, أي المحبّة, يدفعنا إلى الانتباه لمَن هو بقربنا والإصغاء إليه وتلبية حاجاته.

قد يبدو الأمر غريباً، ولكنّ كلّ كلمة حياة تقودنا في النهاية إلى المحبّة. وهذا ليس بأمر قسري بل هذا هو منطق الإنجيل!

فنحن نكون مسيحيّين حقيقيّين فقط إن كنّا في المحبّة!

 

"أُسلكوا بالروح (...). إن كنتم تَنْقادون بالروح فلا تكونون في حكم الشريعة"

 

لنترك الروح يقودنا على دروب المحبّة. ونصلّي له قائلين:

أيها النور والفرح والجمال.

يا من تجذب النفوس، وتُشعل القلوب وتُلهِمُها أفكاراً عميقةً تتوق للقداسة بعزيمة واجتهادٍ لا مثيل له.

يا من تُقَدّس الكل. فمع أنّك تعصفُ بالنفسِ وتقلِبُ الحياة إلا أنّكَ لطيفٌ تهُبُّ كالنسيمِ العليل وما أقلَّهُمُ الذين يشعرون بك ويُصغونَ إليكَ، فانظر يا روح اللهِ إلى ما في نفوسنا من غِلْظَةٍ وصلابة، واجعلنا من عابديك الطَيِّعين. فلا يمرّ يومٌ دون أن نتضرّع إليك ونشكرك ونعبدك، دون أن نحبّك ونعيش كتلاميذِكَ الأوفياء.

فاستجب إلى هذه النعم التي نطلبها!

 

حزيران 2006

 

مع الشكر للأخ أركان هابيل