كلمة الحياة

كيارا لوبيك

كانون الأول 2005

‏‏

“أعدّوا طريق الربّ، واجعلوا سبل إلهنا في الصحراء قويمة”. (أشعيا 3،50)

        إنّها صرخة رجاء، تلك التي أطلقها أشعيا وسمعها شعب إسرائيل المنفيّ في بابل، في ما بين النهرين، منذ 50 سنة.

لقد أرسل الربّ أخيراً رسولاً يعلن التحرّر والرجوع إلى الوطن. كما في عهد العبوديّة في مصر، تقدّم الله شعبه ليوصله إلى أرض الميعاد. فالمطلوب إذاً إعادة تأهيل الطرق وملء الحفر، وتمهيد الأقسام الوعرة، تماماً كما كانوا يفعلون حين يقوم ملك بالتوجّه إلى إحدى مقاطعات ملكه.

        وبعد خمسة قرون، أعاد يوحنّا المعمدان، من على ضفّة نهر الأردن، هذا الإعلان السارّ للنبي أشعيا ولكن، هذه المرّة، المسيح بنفسه هو الآتي.

 

“أعدّوا طريق الربّ، وإجعلوا سبل إلهنا في الصحراء قويمة”

في كلّ سنة، إذ ننتظر قدوم عيد الميلاد، نسمع الدعوة تلك. الله الذي أظهر منذ الأزل رغبته الحارّة بأن يكون وسط أبنائه “يأتي ليسكن في ما بينهم” (يوحنا 14،1). وهو اليوم أيضاً واقفٌ أمام الباب يدقّ لأنّه يرغب بالدخول و “تناول العشاء” معنا (أنظر رؤيا 20،3).

ونحن غالباً ما نشعر بالرغبة في لقياه، في أن يكون إلى جانبنا في مسيرة الحياة ونكون مغمورين بنوره. ولكي يتمكّن من الدخول إلى حياتنا، علينا أن نزيل الحواجز من طريقه. فليس الأمر أن نجعل الطريق قويمة، بل أن نفتح له قلبنا.

لقد عدّد يسوع بذاته بعض العوائق التي تغلق قلبنا أمامه: “السرقة والقتل والزنى والفجور، والطمع، والشرّ، والغش والعهر والتجديف والكبرياء والحماقة...” (مرقس 21،7-22).

في بعض الأحيان قد يكون هناك حقدٌ تجاه الأقارب أو المعارف، أو أحكام مسبقة عنصريّة، أو لامبالاة أمام حاجات مَن هم بقربنا، أو عدم انتباه ونقصٌ في المحبّة ضمن العائلة.

أمام الحواجز العديدة التي تمنع لقاءنا بالله، ها إنّ الدعوة تصلنا من جديد:

 

“أعدّوا طريق الربّ، وإجعلوا سبل إلهنا في الصحراء قويمة”

كيف باستطاعتنا عمليّاً أن نعدّ له الطريق؟

حين نطلب الغفران في كلّ مرّة نلاحظ فيها أنّنا أقمنا حاجزاً يمنع الشركة معه. إنّه فعل حقّ وتواضع صادق أمام الله, نُظهر أنفسنا له كما نحن، معبّرين عن ضعفنا وأخطائنا، وخطايانا.

إنه فعل ثقة نعترف من خلاله بمحبّته لنا كأب “رحوم وكبير في المحبـّة” (أنظر مزمور 8،103). إنّه تعبير عن رغبتنا في التحسّن والبدء من جديد دائماً.

قد يكون المساء، قبل أن ننام، الزمن الأنسب لكي نتوقّف قليلاً وننظر إلى اليوم الذي عشناه ونطلب منه المغفرة.

يمكننا أيضاً أن نعيش بشدّة وبوعي أكبر بداية إحتفال الإفخارستيا حين نطلب معاً الغفران لخطايانا.

ومن ثمّ يشكّل التقرّب شخصيّاً من سرّ الإعتراف مساعدة كبرى لنا، لأنّه سرّ غفران الله. إنّه لقاء مع الربّ الذي بإمكاننا أن نعطيه كلّ الأخطاء التي ارتكبناها. فننطلق من جديد، مُخَلّصين، ولدينا القناعة بأنّنا قد تجدّدنا، فرحين لأنّنا اكتشفنا من جديد أننا حقّاً أبناء الله.

إن الله ذاته وبواسطة رحمته، هو من يزيل كلّ عائق و”يُعدّ الطريق” ويعيد علاقة المحبّة من جديد مع كلّ واحد منّا.

 

“أعدّوا طريق الربّ، وإجعلوا سبل إلهنا في الصحراء قويمة”

هذا ما اختبرته لويزا Louisa. كانت حياتها مليئة بالشقاء، مع أصدقائها، مع المخدّرات، مع الإنحراف الأخلاقي. حاولت أن تصعد نحو القمّة من جديد إلى أن توصلت الى التحرّر من إدمانها على المخدّرات. لكنّ تلك الحياة تركت بصماتها فيها من دون رجعة. وبعد زواجها المدني السريع، ها أنّ أولى عوارض مرض السيدا تظهر فيها. فتركها زوجها. ووجدت لويزا نفسها وحيدة، حاملة ثقل فشلها. إلى أن التقت بمجموعة من المسيحيّين يعيشون كلمة الله ويشاركون بعضهم بالإختبارات حولها. فاكتشفت عالماً كانت تجهله حتّى تلك اللحظة. والآن وقد تعرّفت على إله آب، إله محبّة، لم يعد باستطاعتها أن تحتفظ لنفسها بخطاياها، وآمنت بمغفرته. فتغيّرت حياتها وفتح الغفران أمامها طريق فرح لم تعشه قط في السابق، حتّى وسط الألم والمرض. وعلى وجهها زهّر جمالٌ لا يُشوّهه تطوّر مرضها. فتعجّب الأطبّاء من السلام الذي تعيشه.

لقد بدأت تختبر ولادة جديدة.

وفي يوم موتها، أُلبِسَت ثوباً أبيض كما طلبت هي. لقد أعدّت الطريق للّقاء الأخير، للسماء.