قصة للاعماق                                                   الأخت آمال الدومنيكية

 

Museum

متحف

فنانونا السريان

فن

رياضة

أدب

أعلام

أرشيف الاخبار

منتديات السريان

منتديات بخديدا

موارد السريان

السريان

 اليدان المصليتان

في القرن الخامس عشر، وبالقرب من مدينة Nuremberg الألمانية، كانت تعيش عائلة مؤلفة من 18 ولد. بالكاد كان رب تلك العائلة يستطيع إشباع عائلته هذه، فكان يعمل ساعات طويلة كل يوم ليؤمن معيشتهم. وبالرغم من حالة الفقر التي كانوا يعيشونها، كان لدى اثنان من أولاده حلم في أن يصبحان يوما ما، من أشهر الرسامين. لكن من أين لهذا الفقير أن يرسل أولاده ليتلقيا العلوم في كلية الفن.

كانت رغبة هؤلاء الولدان شديدة جدا، فطالما افتكرا في وسيلة تؤهلهم لعمل كهذا، وأخيرا بدت لهما خطة مناسبة. اتفقا بأن يلقيا قرعة بينهما، فمن خسر، يذهب ليعمل في المنجم، وبالإيراد الذي يحصل عليه يتولى دفع قسط أخيه في كلية الفن حتى يتخرج. وحينما يتخرج، يبدأ الأخ برسم لوحات ويبيعها، أو حتى أنه يعمل في منجم ومن إيراده يسند أخيه كيما هو أيضا يتلقى فنون الرسم في كلية الفنون.

وفي يوم أحد، وبعد أن عادا من الكنيسة القي هذان الشابان القرعة، فكان نصيب ألبرتأن يدرس في كلية الفنون، بينما ذهب أخوه  ألبرت ليعمل في المنجم. ولمدة 4 سنوات، كان ألبرت يسد كل احتياجات أخيه الذي ذهب ليتعلم.

بدأ هذا الشاب يلمع في كلية الفنون، فبدت لوحاته، وكأنها تتكلم، وفاقت مهارته حتى على أساتذته، فكان لامعا جدا، وفي حين تخرجه، كان قد ابتدأ يتلقى مكسبا لا بأس به، عوضا عن لوحاته الباهرة. لدى تخرجه وعودته، صنع له والده حفلة عشاء افتخارا به وتكريما له... أثناء العشاء، والكل تعمه الفرحة والبهجة،  وقف ألبرت أمام الجميع، ماسكا بيده كأسا وقال: إن هذه الكأس هي لأخي الحبيب، الذي قضى هذه السنين الأربعة يعمل بكل اجتهاد من أجل أن يؤمن لي هذا الامتياز أن أذهب لأتعلَّم ... وها الآن يا أخي قد حان وقتك لأن تذهب أنت، وأنا سأتكفل بكل مصاريفك ... فكما كنت أنت وفيّ معي في وعدك، فها أنا أيضا سأكون وفيّ لك في وعدي لتحقق آمالك.

اتجهت كل العيون على ألبرت ... لكن لم يتكلم بشيء، بل كانت الدموع تنسكب من عينيه وهو يهز رأسه، وإبتداء يجهش بالبكاء ... وهو يقول كلا يا أخي، كلا يا أخي. وقف ألبرت، ونظر إلى أوجه الجميع، تلك الأوجه التي أحبها كثيرا... ثم بسط يديه المرتجفتان، وقال بصوت خفيف ... كلا يا أخي... لقد فاتني الأوان .... إن أربع سنين في المنجم، تركت أثار رهيبة على هاتان اليدان ... فلم يبقى فيهما عظم لم ينكسر، وكل عقدة فيهما، متصلبة من جراء المرض والورم الأليم ... فبالنسبة لي ... لقد تأخرت.

إن هذه التضحية، جعلت  ألبرت يرسم هذه اللوحة الشهيرة... يدا أخيه التي تشوهت بسببه، واحدة مقابل الأخرى، وهما مرفوعتان وكأن شخص يُصلِّي ... إن هذه تذكار لكل واحد منا، بأنه ليس من إنسان ناجح في الحياة إلا وهناك من أحبه وضحى في سبيله ... أما التضحية العظمى، فكانت من نبع المحبة.