لأعزائنا الصغار

رسامات

عيون بخديدا

Museum متحف

أرشيف بغديدا هذا اليوم

فنانونا السريان أعلام

أرشيف الموضوعات

 

ألى أخي الكبير صديقي الغالي الراحل الياس يوسف سيفو

سافر شرق السماوات ...الى الفردوس

نصّ :شاكر مجيد سيفو

    اليك يمشي الكلام بقبعّة بيضاء يرفع لك راية الصباحات الزرق مع زقزقات الغسق ونواح الحمام وحزن هديله ، وشجن العصافير ، يا أيّها المورق في الرجاء الأخضر ، خضرة يأسكَ آمتدت من اليأس الى تعاويذ الخضر واقصد شفيع مدينتك –بغديدا- مار بهنام الشهيد.. وحدك ذهبت الى الفردوس ..  اتذكر ايام زمان كنت تأتي بثيابك البيضاء مثل ملاك  من القوة البحرية في أم قصر ,تأتي ملاكاً أبيض مع الملائكة الى دارتنا في (محلة السمقو) أو الى محلة مرحانا ، حملت البياض الى كلّ مكان في قلبك ومنه الى العالم ، وجعلت للزمان مرسماً لبراءتك يزف لك ضحكتك ، ضحكاتك مثل مرايا العشب ، وضحكات المياه عليه ، ولخارطة الضحكة نسجت من أضلاعك لها براءة القديسيين ومهر الأرض,, من أم قصر حتى سهول بغدبدا ، كان سمير ينقل صوتك في نشيد الوطن سمييييييييييييييير سمييييييييييييييييير الى أين ذهبت ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ لماذا ذهبت بعيداً ؟ ألم تتسعك غرف البيت الجديد ؟ تعال الى نحيب شقيقاتك ، تعال الى غصْنٍ شعري تعلّق بصفيرةٍ لقصيدة –إنهاء- تعال الى ضحكة أبيك التي تشبه ضحكة الماء في دورة البراءة ، في نشيد الزيتون الخالد ، من هنا مرّ أبوك الى الجندية ،كان جّدك يعمل في سوق الغزل ينسج له عباءة الحياة لنصف قرن فقط ، فاختار الموت صديقاً له  وكنا نعمل معا هناك  أيام اضراب عمال الشخاط  في شارع الجمهورية 1959  . تعال يا سمير خذْ كفّ النخلة من ذراع العشّار ، كم مرّةً مرَّ أبوك من هناك حمل المنديل مع الدمع في ذكرى أمّكَ التي رقدت هناك ،  أتتذكر  حين  جاؤوا بها في صندوق البراءة الى بيتنا القديم في محلة مرحانا عام 1980- ، يا صديقي يا أخي يا سمير؟؟ : من فرط ما كنت أصيح عليك ، آنكسرت أسنان السين في حلقي فأصبتُ بالخرس ، أصبتُ مرتينْ ، مرّةً حينما الرمز اخي  الياس يذهب  الى الرماد ، والعالم ظل في رماده وآقصد عندما ذابت خضرته في مرآة الماء ، وأخرى عندما اكتشفت بأنَّ-البلاد حضيرة حرامية – طلبوا مني أن أزف للسنابل أمي ، وأترك الباب مفتوحاً للصوص ، لكنني أحرقت خضرتي تحت زهرة اللّوز ببارود الشعر وأعطيت لظلّي أسماً ، أعطيتُ لأخي وآبن عمي الياس قامة الحرف السماوي كي يجيء من الفردوس ويطرد الظلام من على قامة النخلةِ في العشار تارة وأخرى من قامة شجرة الزيتون الوحيدة في باحة كنيسة مرحانا ، هذي التي يرقد تحتها جدّك العظيم-يوسف- : سمير تعال خذْ للبلاد من نحيبها على جنازة أبيك هديلاً ، لا تهجر الكلمات الخضراء فهي صديقاتنا ، سنعطي لها المناديل والدمع مّرة واحدة في جنازة الراحل" الخضرالياس "، تخرج ظلالنا أمامنا ، ونحن نتلفت على أرواحنا ، أجسادنا نائمة أو غافية مثل حمائم قبة الرّب  في بغديدا، أسالني عن الذكريات يا سمير تعال آهبط سلالم السماء ، خُذْ منها نبضَ المطر كي توصلها للشجرة ، كم كان أبوك يُحبّ تلك الشجرة ، ذات صيف قائض ذهبنا معاً الى الاب شربل عيسو  وأخرج لنا دفترا عتيقا  حيث عثرنا فيه  على اسماء لنا قديمة كان أبوك يبحث عنها ليل نهار من 1856,  أسماء كثيرة  من سيفو وحتى نرام سين حفيدي السومري الجميل : اليوم يا آخي صرت غريباً عن الذكرى والذكريات ، صرت غريبا عن سلالم السماء –عن دياري التي سرقوا منها يائي ، هل ستكتب في شاهدةٍ بكندا آسم أبيك على لوحِ الخلق ؟ هل ستبقى بعيداً كلَّ هذي الحياة ؟ أين أنت يا أخي ؟  هل سيكتب عمك حنا أبو بسام درسا في الرياضة الروحية مع الأب توما عزيزو؟  الأرض تنمو في جسدِ الخوخ هناك ؟ هل ستنمو الأرض هنا في جسد الخوخ أيضاً ؟ سمير أجبني  أين أنت ؟ هل تحبّون الفلافل والعنبة مثلما نحن نأكل أصابعنا  في لذائذها هنا ؟ هل سيأتي أبوك من الفردوس ليقرأ لنا  رواية مائة عام من العزلة لماركيز أو حكاية الشهيدين بهنام وسارة؟؟ أقول مئة عام وأعني الحياة بمئة ثانية ، كان عندما يمشي في شوارع بغديدا تسلّم عليه حتى الحمائم ، ومن فرطِ براءتها وبراءته كان يبكي في السَّرّ.. كانت الاشجار والمياه والعصافير تمشي معه ، ترافقه أينما ذهب ، واليوم يا عزيزي يا سمير –رحل- وترك اصدقاءه ترك كلمة خضراء في قاموس الأبد ، لم تبق لنا سوى الذكرى ، كان في تابوته يضحك ، هذا ما قاله الأصدقاء ، سافر الى الربّ في رحلةٍ سماوية مع صديقه القمر .... ماذا تريد أنْ أكتبَ لكَ يا سمير ؟ ماذا تريد أَنْ أْْسطّر لأبيك وظلُّه العالي يرفّ في كل نقطة من نقاط بغديدا ، وفي كلّ نقشةٍ من نقشاتِ قمصانكم في كلّ نبضة من نبضات قلوب شقيقاتك.. لا أستطيع أكثر من هكذا نص يا اخي .. أذن سألمّ أوراقي واعتذر للرّب .. سأعتذر له  أنه يسمعني مثلما كان يسمعني –دائما في الأمسيات الشعرية ..عندي من الأرغفة والسمكِ الكثير لأشبع قصائدنا.. سيعود شيخنا المحبوب الجميل بطلّته الشيب الجميل ، مع نفحة قصيدةِ القيامة ، سيعود مع السحاب والنخل والأصدقاء ، فلا تذهب بعيداً يا أخي ، هل يجرحك النهار هناك ؟ هل النجوم جارحة هناك ؟ هل هذا هو هواء الحزن كلُّه ، خذْ لك منه قامةً لكَ .. أتعلم بأن ّ قامة الهواء  كانت  تنحني له وتعتذر كلما أصطدمت بقامته، تحيةً لطلعته السماوية ، لكن الهواء هنا حامضي في أيلول في ترنيمة الأسبوع الدميم في بكاء الطفولة والأمهات ونحيبهنّ الطويل  ،  الهواء هنا حامضي ولا نعلم صنف دمه ، لا نعلم كيف نسلّم له قاماتنا ، يا أخي ، الصمت فاجع هنا ، والبلاد كلهّا شغب شغب شغب  ، يسرقون جلد الحياة من خارج معطفها ..يسرقون حتى الغيم من ظهرِ السماء . هنا النسيان عافيةً ، لكننّا كيف ننسى ونحن الذين ختمنا  الحياة حتى برضابنا على لوح الخلق ، لتشعّ الدنيا كي تأتي ، ويأتي الى الحياة ثانية شيخنا الجليل – الياس – سيأتي ببوصلة الصدق والمروءات بعيداً عن هواء المدن المالحة ، سيأتي ليقرأ لنا كتاب الحياة والبنفسج والبيبون والسنديان ، سيأتي ليشكر الربّ و الطبيعة والفجر وأغنيات العراق القديم سيأتي ليحدثنا عن قصص الشهداء ، طارت روحه هناك مثل حمام طفولتك ، فتشابهت الأسماء والفراشات والملصقات في – ساحة التحرير – صعدتْ اعناق البرتقال من شرفةٍ له في – المشتل – هناك مكث قليلاً ، عندما حاورته أنتَ.. والى ترابٍ في حدقتيّ العراق ذَهبت أسأل وأبحث ، سال الدّمُع موجات وموجات.. سافر شرق السماوات ,, الى الفردوس . ولم يأخذ أحدا معه................

 

الخميس : 22/9/2011 بغديدا