بغديدي كما فتحت عيني عليها        الدكتور سامي نوح كرومي

Museum

متحف

فنانونا السريان

فن

رياضة

أدب

أعلام

أرشيف الاخبار

منتديات السريان

بريد القراء

موارد السريان

السريان

 

ولدت في بغديدي في يوم عيد القديسين بطرس وبولص الذي يصادف يوم 29حزيران وكان ذلك عام 1946بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وفي بيت يقع في وسط بغديدي القديمة قرب قنطرة بيت اينا . وكانت لا تتجاوز في بنائها وبيوتها الكنائس التي تحيط بها بدءا من كنيسة ماريوحنا الى كنيسة ماركوركيس ثم كنيسة بشموني التي كانت بعيدة نوعا ما وكانت في العراء ثم كنيسة مارزينا فكنيسة الطاهرة واخيرا كنيسة ماريعقوب.

 

كنيسة الطاهرة و بيت الراهبات

 

وكانت ازقة بغديدي مبلطة بالحجر المدور وهو المسمى بالصمان وذلك لتجنب توحل الزقاق عند سقوط الامطار . لقد كان السير على هذه الاحجار مزعجا جدا لانه غير مستوي تحت القدم وعند تحويل القدم وارتكاز وزن الجسم على القدم الملامسة للصمان تنزلق هذه القدم لتستقر بين صمانين وكانت حوادث السقوط تتكرر وخاصة عند هطول الامطار لان طبقة الطين التي تتكون على سطوح هذه الاحجاركانت كالصابون والتي تاتيها بارجل الحيوانات والفلاحين الذين يخرجون لتفقد اراضيهم وبعضهم لزراعتها كانت تنقل كميات من الطين تنتشر على كل الازقة المبلطة بهذه الطريقة .وان اول شارع مبلط بالاسفلت هو الشارع الذي يمر من امام كنيسة مارزينا والى كنيسة مار كوركيس ثم تلته بعدئذ وعلى فترات متفاوتة شوارع اخرى حتى احاطت بالمدينة القديمة جميعها . اما الازقة الداخلية فقد اقتلع ما كان يعبدها من صمان وبلطت بالصب بالاسمنت الذي لم يكن موجودا سابقا .

 

 

  قنطرة بيت اينا

 

كان يوجد في بغديدي بركتان تتجمع فيهما مياه الامطار احداهما قرب كنيسة مار كوركيس وقد تحولت الى حديقة او متنزه بعد ردمها . اما البركة الثانية فقد كانت في الجهة الثانية من بغديدي وموقعها قرب كنيسة الطاهرة خلف دار الكهنة حاليا . وكانت هاتان البركتان تستعملان للغسيل فكانت النساء تاخذ غسيلها مع قطعة خشبية ذات وجه عريض وقبضة مدورة (خطورته) تضرب بها قطعة القماش بعد وضعها على حجر عريض لاخراج الاوساخ منها فلم يكن الصابون متداولا كما ان البيوت كانت خالية من التاسيسات الصحية والماء الذي يصل الى الدور بالانابيب .وكان الاطفال والصبيان يتعلمون السباحة فيها وقد حدثت حوادث غرق متعددة فيهما مما اضطر الاهل الى تشديد الرقابة على ابنائهم وخاصة في فصل الصيف لمنع مثل هذه الحوادث.

 

 

  كنيسة بشموني

 

كانت كنيسة بشموني متميزة عن كل الكنائس الاخرى في انها تقع على تلة على اطراف القرية (انذاك) .ولبشموني واولادها الشهداء السبعة عيد سنوي اذا لم تخنني الذاكرة فانه يقع يوم 15 تشرين الاول من كل سنة ويقوم اهالي بغديدي وجماعات وافراد من المناطق المجاورة بزيارة الكنيسة لان الجو في تشرين يكون شبيها باجواء الربيع في اعتدال درجة الحرارة .

 

في داخل الكنيسة كان يوجد جدار تظهر عليه اطياف وصور مشوشة متحركة يقال انهم اولاد بشموني وكانت هذه المسألة تشغل بال الكثيرين بين مؤمن مصدق بانها بشموني واولادها وبين مشكك في ان ذلك لا يعدو عن كونه ظاهرة طبيعية نتيجة وجود هذه الكوة التي تلعب دور العدسة في الكاميرات الحديثة ووجود الجدار بالصدفة على بعد مناسب لسقوط الضوء الذي ينفذ من الكوة ليرسم صورا مصغرة مقلوبة غير حادة المعالم للزوار الذين يتواجدون على التلة بملابس العيد الملونة الزاهية . لقد كانت قصة هذه الخيالات مثار نقاش وجدال ولكنها بقيت بالتاكيد قرونا عديدة باعثا للايمان والتدين بحيث ان النذور كانت تقدم للقديسة بشموني من كلتا الطائفتين الكاثوليكية والارثوذكسية .

 

لقد شهدت اياما تاريخية لا تنسى من تاريخ بغديدي .فلقد شهدت قلع الصمان وتبيله بالصب الاسمنتي كما شهدت قبله تاسيس انابيب اسالة الماء وتوزيع الماء على الدور وكان المرحوم عبدو محل رجاء كل الناس في ان يوصل الماء اليهم قبل غيرهم وقد عمل الرجل ومعه اولاده وابن اخيه الذي توفي في حادث سيارة ليل نهار ورغم ان ذلك لم يكن مجانا لكن الرجل اسدى خدمة كبيرة لابناء بخديدي وعوائلها ونسائها خاصة .رحمه الله وبارك في ذريته.

 

وشهدت ايضا دخول الكهرباء الى بغديدي وانتهاء عهد انارة الشوارع بالفوانيس حيث كانت تتوزع بعض المصابيح النفطية في بعض الازقة وكان المنور في وقت الغروب يوميا ياتي حاملا سلمه وعدته في تنظيف زجاجة المصباح وملء مستودعه بالنفط الابيض لكي يستمر مشتعلا طوال الليل . وكان احيانا يبدل الفتيلة الشريطية القطنية عنما تكونا قصيرة الى الحد الذي يمنع اشتعال المصباح طيلة فترة الظلمة.

 

 

شهدت ايضا تبليط اول  شارع رئيسي والذي كان يمر امام مدرسة المكتب الذي كنت طالبا فيه ورايت لاول مرة في حياتي المكائن الثقيلة المستعملة في هذه الاعمال مثل الحادلات والكريدرات واثارت هذه المكائن فضولي بحيث كنت اتاملها طويلا وخاصة الاجزاء الهايدروليكية لانها كانت تلمع فتخطف البصر .

 

 

ومن المؤسف حقا انه لم يكن في ذلك الزمان كاميرات او بالاحرى مصورين لتوثيق مثل هذه الامور وربما تتوفر لدى البعض مثل هذه الصور وفي هذه الحالة فان عرضها اليوم سيكون خدمة كبيرة للاجيال التي لم ترى بغديدي كما كانت قبل نصف قرن .