((القيامــــة))

صفاء جميل بهنان

لولا القيامة لم يكن ولما كان ثمة ايمان بالمسيح وما كلنا اليوم مسيحيون . والقديس بولص أكد هذه الحقيقة بقوله

(( إن كان المسيح ما قام ، فتبشيرنا باطل وإيمانكم باطل )) اكور 15/14 . والتكلم عن القيامة ليس سهلاً ، بل فيه صعوبة كبيرة ، كونها عمل الله الفريد الذي لم يره أحد ، وتقبله الرسل بالإيمان ، أي أنه كشف سماوي خاص لهم كما كتب ما بولص (( وكشفه الله لنا بالروح )) اكور 2/10 . ولا أريد هنا أن أتناول الروايات الإنجيلية وما فيها من إختلافات عن حدث القيامة !! وأملي أن لا يساء فهمي ! فتلك حقيقة ولكن الجوهر واحد وهو إعلان البشرى لجميع الناس مفادها أن الله أقام يسوع من بين الأموات .

فالرسل بعد أن تلقوا هذه الحقيقة الكبرى المفاجئة ، أعلنوها صراحةً للناس رغم كل الإضطهادات التي لاقوها ، وطلب منهم السكوت ، إلا أن لسان الكنيسة الناطق بإسم الجماعة ( بطرس ) كان يقول لهم ( هل الحق عند الله أن نطيعكم أم أن نطيع الله ؟ أما نحن فلا يمكننا إلا أن نتحدث بما رأينا وسمعنا ) إع4/20 . لم يكن يومذاك أي إنجيل مدون ، ولا هم تأبّطوا كتاباً للمناداة والكرازة . ونعرف أن ثقافتهم بسيطة  ،ولكنهم بعد العنصرة إستولى عليهم روح يسوع القائم فصارت لهم طاقات كبيرة وكثيرة للمناداة بالقيامة   التي غيرت مجرى حياتهم كلياً بعد أن كانت تعيسة منذ صلب معلمهم  يسوع . فخاب رجاؤهم لأنهم ظنوه ملكاً أرضياً ، وربما سرى في تفكيرهم الإعتقاد اليهودي بأن المسيح يملك ولا يموت (( فأجابه المجمع : علًمتنا الشريعة إن المسيح يبقى الى الأبد ، فكيف تقول : لابد لابن الإنسان أن يرتفع )) يو 12/34 . كما أنه لم يكن للتلاميذ علم بأن المسيح سيقوم من الموت لولا الكشف الإلهي لهم بعد القيامة … وإلا لأحاطوا – بقبر يسوع حتى يبصروا كيف تكون القيامة ، وليس هناك أيّ إنجيلي يذكر لنا هذا . لكن الذي نعرفه ونشاهده هو نشوء جماعة مسيحية بدأت تزداد عدداً وتنتشر في مناطق شتى رغم ما تعرضوا له من الإضطهاد والقتل والتعذيب وغير ذلك من المحن والمصاعب . وها هو شاؤل ( بولس ) مثالاً متكاملاً في المعادلة … مضطهد بارز يتحول الى تلميذ ورسول للرب يسوع ، لا بإرادته بل بقدرة يسوع الناهض الذي سيطرة عليهم بلطف . أصبح هذا القديس أول كاتب مسيحي وقبل الإنجيليين ، ولنقرأ إعترافه (( أنا الذي جدّف عليه واضطهده وشتمه فيما مضى ، ولكن الله رحمني )) ايتم1/13 . ومن حسن حظ كنيستنا كان بولس فيلسوفاً كبيراً وله قدرة الإقناع بالمذهب الجديد ومستعيناً بالكتب المقدسة (( إن يسوع هو المسيح وقد أقامه الله )) … وعندما نقول اليوم في صلاتنا (( قام كما في الكتب )) فالمقصود هو العهد القديم وليس الجديد كما إستشهد بذلك بولس والتلاميذ ، إذ لم يكن في حينه إنجيل مكتوب.اليوم وبعد ألفي سنة على هذا الحدث ، نحاول نحن أن نفهم النصوص المكتوبة وما تعنيه . نشكر لأن هنا وهناك علماء جندوا ذواتهم لخدمة كلمة الله فأصبحوا لها شارحيين مكنوناتها للمؤمنين . لكن المشكلة العسيرة حالياً تكمن في وجود البعض أو العديد من الأشخاص لاتروق لهم تلك التفاسير وهذه الآراء ، فهم يريدون البقاء منغلقين على أنفسهم وكتلهم الضعيفة ، والتعامل مع الحرف الذي منعنا عنه مار بولس (( الحرف يميت والروح يحي )) 2كور3/6 .

أقول ، وهو المعتقد الصائب ، أنه لا يجوز لنا جعل قيامة يسوع كإحياء جثة ، مثلما حدث ووردذكره في العهدين القديم والجديد وعلى أيدي إيليا واليشاع ويسوع وبولس وبطرس لأن ذلك خطأ كبير وتشويه لمعنى القيامة الحقيقي . لكن يسوع يختلف كلياً  بقيامته عن اولئك كما قال بولس (( ونعلم أن المسيح بعدما اقامه الله من بين الأموات ،لن يموت ثانية،ولن يكون للموت سلطان عليه))رو6/9 أي إن يسوع ما زال حياً في الكنيسة والمؤمنين ومع العالم وسيبقى هكذا((أما يسوع فهو هو بالأمس واليوم والى الأبد))عب 13/8.وعندمانقول((قام في اليوم الثالث))لا نقصد تسلسلاً زمنياً (اليوم وغد – وبعد غد)،بل إن الدينونة بدأت بقيامة يسوع أو ما نسميه(القيامة العامة)،أي إن الله بعدما لاحظناه صامتاً تجاه صلب يسوع،تدخل في لحظة حاسمة وإقامة.ولربما إستاء البعض من هذا الكلام وكأنه هدم لكيان الكنيسة والمسيح معاً.

وأقول لهم أن ظلوا متمسكين بحرفية اليوم الثالث،لماذا يبقى في القبر ثلاثة أيام؟ وماذا كان يفعل خلالها؟لابل إذا دققنا في الحساب الكّمي للزمن بين ساعة الصلب عصر الجمعة وساعة القيامة فجر الأحد ،فلا تتجاوز الفترة أكثر من 36 ساعة فقط.

هلموا أيها الأخوة لنتصفح وندرس نصوص الأناجيل بعقلية متفتحة وموضوعية.فهذه النصوص دونت قبل الفي سنة بلغة غير لغتنا وفي حضارة وبيئة غير حضارتنا وبيئتنا الحالية.ولأن الوشائج الإيمانية حاضرة بيننا ،فبمقدورنا التحاور والتفاهم.ولا تنسوا إن يسوع عندما كان يتحدث مع التلاميذ،كان يفسر لهم كلامه على إنفراد لانهم لم يكونوا – يفهموا أقواله.واليكم بعض الأدلة على ذلك:

1.((فلما قام من بين الأموات تذكر تلاميذه هذا الكلام)):يو2/21.

2.((وما فهم التلاميذ في ذلك الوقت معنى هذا كله،ولكنهم تذكروا بعدما تمجد يسوع))يو 12/16.

3.((بعد قليل لا تروني،ثم بعد قليل ترونني وأنا ذاهب الى الأب.وتساءلوا :ما معنى هذا القليل؟نحن لا نفهم ما يقول))يو 16/17 – 18.

وهناك آيات أخرى في الأناجيل الإزائية الثلاثة بهذا الصدد – فلا عجب إن قلنا إننا بحاجة الى التفسير ،خاصة وإن المسافة الزمنية طويلة جداً بيننا وهذه النصوص التي بين أيدينا.

إن الميت الذي يخرج من القبر ،يعرفه أهله وأصدقاؤه وأعداؤه وكل من له معرفة سابقة به.ولست هنا أضرب الأخماس في الأسداس!!.فالدليل في انجيل يوحنا عن موت وإحياء لعازر(يو 11/39)بعد خروجه من القبر عرفوه،وأراد بعض اليهود أن يقتلوه لأنه أصبح آية للأيمان بيسوع.ويا حبذا لو راجعتم الأصحاص/11من إنجيل يوحنا.

جسد يسوع لم ينتن(يتفسخ)كجسد لعازر،ولم يبقى في القبر أربعة أيام.عندما قام ،لماذا لم يعرفوه؟لا تلاميذه ولا النساء المرافقات،وكلهم قضوا معه أياماً جميلة لثلاث سنوات وأكثر…لا أتمنى أن تتذمروا أو أن تعتبرونني صياداً في الماء العكر!!لا أستطيع أن أجعل الجبل يتمخض ويلد فأراً!!...فها هي أدلتي على عدم معرفة يسوع بعد قيامته مباشرة،ومن البيبليا:

1.((فلما رأوه سجدوا له ولكن بعضهم شكوا))مت 28/27.لماذا الشك؟هل يعني إن يسوع تغير؟

2.((ظهر أولاً لمريم المجدلية…فذهبت وأخبرت تلاميذه…فما صدقوها…وظهر بهيئة أخرى لأثنين من التلاميذ…فرجعا وأخبرا الآخرين .فما صدقوهما…))مر16/9 – 14.

هل نستطيع أن نتجاسر ونقول إن الكذب كان متفشياً بين التلاميذ!!معاذ الله وحاشاهم،فهناك إذن تفكير لاهوتي عميق خلف هذه الترائيات…

3.لو 24 (بتصرف):النساء اللأتي رافقن أخبروا التلاميذ بأنهن رأوا يسوع وظن الرسل أنهن واهمات فما صدقوهن…

4.((أنت وحدك غريب في أورشليم فلا تعرف ما حدث في هذه الأيام))لو 24/13.هذا نص من رواية تلميذي عماوس .تكلما مع يسوع ولم يعرفاه…كيف يكون ذ1لك؟.إن رواية لوقا هذه هي صورة من أروع الصور اللأهوتية المسيحية التي ينبغي أن نحفظها عن ظهر قلب لأن فيها لحمة القيامة بمانيها المفعمة ،ولا سيما كسر الخبز.

5.((وبينما التلميذان يتكلمان ظهر هو نفسه بينهم وقال لهم السلام عليكم.فخافوا وأرتعبوا وظنوا إنهم يرون شبحاً))لوقا 24/36.لماذا الخوف والظن ؟أين عشرة ثلاث سنوات؟

6.يو 20/14((قالت (مريم المجدلية)هذا والتفتت وراءها،فرأت يسوع واقفاً،وما عرفت أنه يسوع.فقال لها يسوع :لماذا تبكين يا إمرأة؟ومن تطلبين؟فظنت أنه البستاني.فقالت له إن كنت أنت أخذته يا سيدي،فقل لي أين وضعته))عجباً!!كيف ترى يسوع ولا تعرفه،مع إنها قادمة للبحث عنه،ويسوع نفسه يتكلم معها؟فهل صوته أيضاً؟…

7.يو/21 (بتصرف):ظهر يسوع لسبعة من التلاميذ…ناداهم ولم يعرفوه.وفي الصباح وقف على الشاطىء ،فما عرفوا إنه يسوع…

لماذا لم يعرفوه؟…

مهما أطلنا لا نستوفي الموضوع حقّه.وربما في الإستزادة بعض الفائدة.لنقرأ لو 23/39 – 43 وخاتمته تقول((ستكون اليوم معي في الفردوس)).لا توجد تسمية(لص اليمين)،وربما أخذت من صور يسوع وهو ينظر الى اليمين…المهم محادثة اللص مع يسوع ،وجواب يسوع له.هل يعقل إن اللص الذي أكتشف حقيقة يسوع وغفرانه،دخل الفردوس قبل يسوع؟لأن الحوار تم الجمعة ،ويسوع لايقوم حتى الأحد!!كيف نتعامل مع هذه الحروف؟الحرية متروكة لكل شخص نحن لم نؤسس ايمان الكنيسة الأم(أورشليم)،ولا نتلاعب بكرازتها((آله آبائنا أقام يسوع))أع 5/30.لم يقولوا :قام كما شاء أو بقوته لانه لم يكن يلعب دوراً مرسوماً له وكأنها مسرحية!؟قال بطرس: ((مات…ليقربكم الى الله …ولكن الله أحياه في الروح))أبط3/18.وقال بولس: ((خوّله الله أن يظهر…للشهود…))أع 10/41. كان جسد يسوع القائم(جسماً روحانياً)وهذه العبارة تسلمها بولس من الرب ((أنا من الرب تسلمت ما سلمته اليكم))أكور 11/23 لا يستطيع كل إنسان أن يعرف يسوع الحي مثل لعازر.وإلا لذهب يسوع بعد القيامة الى القادة الرومان وكهنة اليهود وخاطبهم:انتم صلبتموني ولكني رجعت اليكم ثانية!!فهذه مغالطة.

الترائيات كتبت على ضوء القيامة وتعني إن يسوع ما زال حياً بروحه معنا وفينا بالإيمان بقيامته وقيامتنا معه والتي أثبتها لنا الرسل العظام والشهداء الأبرار…((هنيئاً لمن آمن وما رأى))يو 20/29.لا نستغرب القول إن الترائيات جاءت أجوبة لأسئلة المؤمنين عن حدث يسوع وكيف تم التعرف عليه بعد القيامة.هدفها إنك ان لم تستطع التعرف على يسوع ،فما هو الأن أمامك ومعك فتعرف عليه وتمسك به حتى النهاية.

من لا يقبل هذه الأفكار وغيرها،عليه أن لا يتهجم على الأخرين ولو بكلمة بذيئة.فيسوع ذاته لم يشتم أو يتهجم على أي من الذين حاورهم ورفضوه ،واكتفى بقوله لهم((لو كنتم تصدقون موسى لصدقتموني لانه كتب فأخبر عني))يو 5/26وهناك درس أخر لنا من ميخائيل رئيس الملائكة الذي لم يتجرأ على إدانة إبليس بكلمة مهينة عندما خاصمه وجادله في مسألة جثة موسى،بل قال له: ((جازاك الله))ان التهجم وإتهام الآخر أمر مذموم ومحاسب عليه في الآخرة((كل كلمة فارغة/باطلة /يقولها الناس ،يحاسبون عليها يوم الدين،لانك بكلامك تبرر وبه تدان))مت 12/ 36 – 37.

يبقى أمامنا،وقبل فوات الآوان،إن نلتزم بهذه الخصال الحميدة من معلمنا ورسله.ونكون بذلك معبرين عن عمق الحب الذي فينا وغناه تجاه الغير.

وإن كان هذا الموضوع صدمة للبعض، فما بالهم لا يتأنّون يوماً ويقتربوا بايمان صادق وعميق ،الى الكتاب المقدس بعهديه ويدرسوه جيداً كي ينزع القناع…ولا نستطيع فعل ذلك بأنفسنا ما قال بولس: ((ولا ينزع هذا القناع إلا الاهتداء الى الرب))2كور 3/16.فلنشد أحزمتنا ونسلم أنفسنا ليسوع((رسول إيماننا ورئيس كهنتنا))عب 3 / 4…ونتوجه ببساطة ووداعة الى الله القدير مع يشوع بن سيراخ وهو يدعو: ((تضرع الى العلي ليهديك الى الطريق المستقيم)) 37/15.

 والشكر لله دائماً لانه خلقنا من العدم              

وأعطانا الحياة مجاناً