((القضاء والقدر في الكتاب المقدس))

  صفاء جميل الجميل

          قد يتفاجأ البعض من عنوان هذا المقال،لأنّه يجمع بين طرفين متناقضين في المفهوم المسيحي. والكاتب مهما كان أتّجاهه، يحاول البحث في المصادر وخاصة الكتب المقدّسة ليجد فيها مايدعم فكرته أو رأيه. وفي النهاية قد لايكون موفّقا" في عمله هذا فيصبح رأيا" شخصيا" مجرّدا" لا أكثر ولاأقل. والانسان بعقله الصغير ومهما أوتي من ايمان وعلم،لايمكنه الوصول الى فكر الله ولايحق له أن يسأل عن أفعال الله ((فمن يسألك:ماذا فعلت؟أو يعارض حكمك))-الحكمة12/12، كما أنّه ليست له دراية به سبحانه ((فالقدير فوق متناول فهمنا))-أيوب37/23. ولو تصفّحنا الكتاب المقدس لوجدنا آيات عديدة تؤكّد على كون كل الامور والاشياء في هذه الحياة مقدّرة مسبقا" ومكتوبة على الانسان!!!...  ولكن هذا الامر ظاهري فقط،لأنّ احداث الكتاب المقدّس دوّنت بعد وقوعها وعبّر عنها بهذه الصيغة لأنّها حصلت ولايمكن تغييرها بعد ذلك فبانت لهم وكأنها مكتوبة قبل حدوثها وبطريقة ارتآها الله ذاته. الاّ أننّا لاننسى أن نذكر هنا أنّ خالقنا له العلم المطلق بكل ماحدث ويحدث ((قبل أن خلق الكون كان يعرف كل شيء))-سيراخ23/20.

          وسنبيّن فيما يلي الآيات التي تظهر حتمية القضاء والقدر،وكتبت متأخرّة بعد الاحداث، ثمّ نورد بعض الآيات التي لاتوافق القضاء والقدر :-

ونكتفي بهذه الآيات التي يظهر فيها أن كل شيء معدّ سلفا"، فلاجدوى من العمل والايمان لأنّ الانسان قبل ان يولد مقدّر ومكتوب له وعليه كل شيء، فيصبح بلا أرادة ووجوده كوجود الدمى التي تحرّكها الخيوط والاصابع الفنّية...!!! وهذه الحالة مخالفة للعقل والمنطق ولايمكن القبول بها لأنها تنفي عدالة الله ،وتناقض ارساليته للأنبياء والقديسين، ويصبح سبحانه سببا" للشرور والمآسي التي تنخر جسد البشرية منذ قايين وهابيل والى يوم يشاء أن يغيّر أو يوقف ماكتبه في هذا الصدد الدموي المأساوي...!!؟... والحقيقة التي يجب أن ننقاد اليها هي عكس هذه المعايير السلبية وسنورد البراهين على هذه الحقيقة لأننا لانتعامل مع حرفية الكتاب،بل مع روحه ومعانيه المنشودة والتي استهدفها الكتّاب الملهمون بالروح القدس والايمان المنير.

          وفي الآتي آيات وبراهين تخالف فكرة القضاء والقدر وتدعو الى نشاط انساني وجهد يباركه الله أحتراما" للذّي خلقه على صورته ومثاله!!! وبأمكان كل انسان يتمتع بوعي ذاتي مناسب أن ينظر الى خارطة البشرية ويقارن بين كافة شعوبها ليكتشف أنّ الله يعزّز العقول والجهود الانسانية التي تبدع وتبتكر وتخلق كلّ مايخدم البشرية في كل الاوقات والاماكن :-

وهكذا تكون كلمة الله هي التي تجعله يتفاعل مع الاحداث لكي يقرر مصيره...وكلمة الله هذه ليست ببعيدة،بل هي في قلـب

الانسان ((فلا هي في السماء ليقولوا :من يصعد لنا الى السماء فيتناولها ويسمعنا اياها فنعمل بها. ولاهي في عبر البحر ليقولوا من يعبر لنا هذا البحر فيتناولها ويسمعنا اياها فنعمل بها. بل هي قريبة جدا" منكم في افواهكم وقلوبكم لتعملوا بها))-تثنية30/12-14. لذا يبقى القرار بيد الانسان حسب مايختار ويراه مناسبا"((فقرار الانسان يؤدي الى احدى النتائج:الخيرأوالشر،الحياة أو الموت))-سيراخ3/17-18. وهناك نصّ كتابي آخر يوضّح كيفية زيادة عدد سنوات العمر والعيش الرغيد وبقرار من الانسان ذاته ((كثيرون هلكوا في الشراهة،ومن يتجنبها تطول حياته))سيراخ37/31. فكل شيء منوط بالانسان واعماله واقواله ((من يضبط فمه يحفظ حياته))أمثال13/3.  والابتعاد عن كل اشكال المعصية والخطيئة يؤجّل موت الانسان لوفاءه لخالقه ((الموت والحياة في يد اللسان))أمثال18/21. وعبّر القديس يعقوب عن اللسان بأنه نار.  

          وأن كان البعض يعتقد واهما" بأن كتاب العهد القديم ليست لنا به أيّ صلة!!! وواقع الحال الكتابي يثبت لنا أنّه لولا العهد الكتابي القديم لما وجد العهد الكتابي الجديد !!! فالاثنان متواصلان ومتكاملان ويسوع الرب أكّد ذلك بقوله ((لم آت لأنقض، بل لأكمّل))-متى5/17 ... وفي الاسطر التالية سأستند الى نصوص العهد الجديد التي لها صلة بموضوع هذا المقال :-

فيسوع عند بدء رسالته يتوجه بالنداء الاول الى جميع البشر بقوله ((توبوا ، لأن ملكوت السماوات أقترب))متى4/7. لماذا هذه الدعوة الى التوبة أن كان كلّ شيء مقدّر ومكتوب ؟!!... ونلاحظ يسوع يطلب من المتجمهرين حول المرأة الزانية التي جلبوها اليه،قائلا" لهم ((من كان منكم بلاخطيئة فليرجمها بحجر))-يوحنا8/7...ثمّ قال للمرأة :توبي ولاتعودي الى الخطيئة ثانية.  وكان بمقدور يسوع أن يقول لتلك المرأة :هذا قدرك منذ البدء،أن تكونين زانية!!! ويقول للجمع:أنها ليست مذنبة لأنّه مكتوب عليها هذا !!!...

((1-2))

 

  والاكثر من هذا،أن نتسائل : ما الفائدة من المعجزات التي أنجزها يسوع كأحياء الموتى وشفاء المرضى وأخراج الشياطين وغيرها.. كان بأمكانه أن يقول لهم:لاشفاء لكم،فهذه أقداركم كتبت عليكم سلفا" ولن تمحى !!!... وللتعمق في هذا المضمار وفي العهد الجديد بالذات لتأكيد حقيقة التعابير الايمانية ومعانيها الكبيرة والواسعة جدّا"، نشير الى مثال القديس بولس الرسول ((شاؤول)) وظهور يسوع

له ودعوته ليكون تلميذا" له،حيث يجيبه شاؤول/بولس ((ماذا تريد أن أفعل يارب))-اعمال9/6.  ألم يكن بمقدور شاؤول/بولس أن يقول ليسوع : أتركني لحالي!!! حيث نعرف جميعنا كيف كان موقفه من المسيحيين الاوائل ((فأما شاؤول،كان ينفث صدره تهديدا" وتقتيلا" لمذهب الرب))-أعمال9/1، أي لم يكن مؤمنا" بافكار يسوع،ولكنه بعد الدعوة والاهتداء قال بولس ((ولكن الله بنعمته اختارني وأنا في بطن أمي فدعاني الى خدمته))-غلاطية1/15...  

 

          وهكذا يثبت لنا الكتاب المقدس أنه لامكان للقضاء والقدر في الايمان المسيحي ... والقول المأثور الذي تتناقله الالسن ((مامكتوب على الجبين تراه العين))، لايستند الى حقيقة ايمانية،ومن أراد الايمان بالقضاء والقدر فهو حرّ في ذلك والامر متروك له لأنه شأنه الفردي الخاص به الى الحدود التي تسمح له بأن لايؤذي غيره ... وأنا شخصيا" أكرّر القول ((أن ارسال الله للرسل والانبياء يكون بلاجدوى أن كان كل شيء مقدّر ومكتوب على الناس منذ ولادتهم وحتى مماتهم))...

 

والشـــكر للرب دائما"...