مسيحيون أم نصارى

صفاء جميل بهنان

يبدو أن هاتين الكلمتين مترادفتين ولا فرق بينهما، لانهما تعطيان معنى واحداً.لكن الحقيقة عكس ذلك والفرق بينهما شاسع كفرق السماء عن الأرض. فإن أردنا معرفة الصواب ينبغي الرجوع الى المنبع الذي منه نستمد إيماننا الصحيح وليس الموروث أنه الكتاب المقدس، ففي قرائتنا له نجد إن يسوع دعى الناس الى الايمان بالله الواحد الأحد، وبشر بملكوته، وتمم الشرائع((ما جئت لأنقض ،بل لأتمم)) مت 5/17، وفسرها تفسيراً عملياً أزال عنها الغبار((أنتم في ضلال أذ تجهلون الكتب المقدسة وقدرة الله))مر 12/24.لم يطلق أية تسمية، بل أكتفى بالقول ((أتبعني، أجعلك صياد بشر)) مت 4/19، أو ((من لا يحمل صليبه ويتبعني فلا يستطيع أن يكون لي تلميذاً)) لو 14/27.

والسؤال يطرح نفسه من أين جاءت هاتين التسميتين علينا وإلينا؟ وأيهما أصح؟

ليس باليسر الإجابة بعجالة فلا بد من الإحاطة بالأمور. إن خلاصة الإيمان المسيحي أنبعث من القيامة التي كشفت للرسل سر الكتب المقدسة ويسوع القائم من الموت. فبعدما بشر يسوع بملكوت الله، أصبح الرسل يبشرون بيسوع المسيح الذي بقيامته حل الملكوت بيننا وقبل صعود يسوع الى السماء كما أورده لوقا في أعمال الرسل سأل التلاميذ الرب ((يا رب أفي هذا الزمن تعيد الملك الى إسرائيل)) نلاحظ وجود كلمة إسرائيل ولا يوجد تسمية للمسيحين. لأن يسوع ما جاء لينقض بل ليكمل ولإيضاح الفكرة أكثر نذكر ما قال بطرس الرسول في رسالته الى المؤمنين بالرب يسوع ((أما أنتم فنسل مختار وكهنوت ملوكي وأمة مقدسة وشعب أفتتاه الله لإعلان فضائله)) 1 بطرس 2/9. أي هنا الإستمرارية لعهد الله الذي قطعه لإبينا إبراهيم ((وتراءى الرب لابرام وقال: ولنسلك أهب هذه الأرض))تكوين 12/7 وقد فسر هذه الآية الرسول بولس تفسيراً صحيحاً في رسالته الى أهل غلاطية ((فكيف بوعد الله لأبراهيم ولنسله؟ هو لايقول ((لأنساله))بصيغة الجمع.بل ((لنسله)) بصيغة المفرد أي المسيح)) غلاطية 3/16. والناس الذين قبلوا هذه البشرى إنضموا الى الرسل فكونوا جماعة متحدة ((وكانوا يداومون على الإستماع الى تعليم الرسل والحياة المشتركة وكسر الخبز والصلاة)) أع 2/42، وأطلقوا على أنفسهم عدة تسميات وهذا ما سنكشفه في الآيات التالية:

((وكان الرب كل يوم يزيد عدد الذين أنعم عليهم بالخلاص)) أع 2/42.

((وفي تلك الأيام كثر عدد التلاميذ)) أع 6/1.

((بلغ عدد المؤمنين من الرجال نحو خمسة ألاف)) أع 4/4.

((- شاول يعتقل الرجال والنساء الذين يجدهم هناك على مذهب الرب)) أع 9/22.

((وأضطهدت مذهب يسوع حتى الموت)) أع 22/4.

((- حنانيا يارب أخبرني كثير من الناس كم أساء هذا الرجل الى قديسيك في أورشليم)) أع 4/12.

((وفي إنطاكية دعي التلاميذ أول مرة بالمسيحيين)) أع 11/26.

نلاحظ هنا عدة تسميات ، وكلها ستتلاشى وتتمحور ضمن أسم واحد أقرب للواقعية يشيع بين المؤمنين وغيرهم الى اليوم، والأدلة هي:

((ولكن اذا تألم لأنه مسيحي، فلا يخجل بل ليمجد الله بهذا الاسم)) أبط 4/16.

((قال أغريباس لبولس: أبقليل من الوقت تريد أن تجعلني مسيحياً)) أع 24/28.

وهكذا ثبت الى اليوم أسم (المسيحيين) كنار على علم، أكثر شهرة جاءت الى المسيح (من مسح بالزيت) الذي كان اليهود ينظرونه ((أعرف ان المسيا (أي المسيح)) يو 4/25.

في كل هذه الآيات أو الأعداد لم نجد كلمة (نصارى). فمن أين أتت؟ ومن أطلقها إذن؟

إنها أطلقت لأول مرة من قبل محامي يهودي أسمه ترتلس على القديس بولس.هذا المحامي خارج حضيرة المسيحيين وعدوها اللدود كان يؤمن بالقضاء عليهم ((وجدنا هذا الرجل مفسداً يثير الفتن بين اليهود في العالم كله وزعيماً على شيعةالنصارى)) أع 14/15. وهذه أول صرخة معادية أعلنت بحقنا ويشير اليها المعجم بأنها كلمة إحتقار.

وبكل ثقة وإطمئنان، أقول إن هذه التسمية (النصارى) ليست لها أية صلة بوجودها وإيماننا ويجب رفضها قطعاً. والذي يطلقها علينا، يستوجب منا تعليمه بعدم عائديتها الينا لا من قريب ولا من بعيد، وكفى القول ((إننا مسيحيون)) وهو الأسم الحسن الذي نحافظ عليه الى الأبد لصفائه وخصوصيته لنا فقط. وأن قيل إنها نسبة الى (يسوع الناصري)، فهذا خطأ أشنع من سابقه حتى وإن كان واللأسف يردد في طقوسنا يوم السعانين (قوموا يا جميع النصارى) فالمنبع الصحيح أسمى من الموروث الخاطىء. فنحن مثلاً، قره قوشيين نسبة الى قره قوش، وغلاطيون نسبة الى غلاطية، وإن قيل لنا ناصريون الى يسوع الناصرة من الناصرة، فنقبل بذلك للمجاملة!!!

ختاماً أقول :يجب أن نصحوا من الخمر التي أسكرتنا،ونعلن الحقيقة في هذا الموضوع كما في جميع الأمور الأخرى،فنعود الى يسوع بقوله ((تكون الرعية واحدة والراعي واحد)) يو 10/16، والى مهندس الكنيسة مار بولس بقوله ((رعية واحدة من أجل بيت الله)) أف 2/9. وعلينا نفض الغبار والقشور عن كل كياننا المسيحي ليبقى فينا ولنا الجوهر وحدة الذي يجمعنا ويوحدنا ويقودنا ويضيؤنا ويقيمنا للحياة والملكوت في الأرض والسماء.وإن العيون والأذان لا تكفي للبصر والسمع ، فلا بد من القلوب والأرادة والأفكار والألسن

والشكر دائماً لله الذي خلقنا