ميــلاد يســوع

صفاء جميل بهنان

قبل نهاية كل سنة بثمانية أيام ،وهي الفترة النورانية في زمن البشرية ، نتوجه الى كنائسنا لنرى فيها مغارات تضم أيقونة صغيرة ترمز الى يسوع، وحولها رعاة غرباء قدموا ليسجدوا – لهذا الطفل . كما نجد عدداً من الحيوانات بجانب الطفل وكأنها  - تحاول تدفئة المكان وتحمي الطفل من البرد . علماً  أن كل هذه المشاهد لا ذكر لها في الأنجيل ( متى ولوقا ) اللذين يوردان رواية ولادة يسوع  …

نبقى مكتوفي الأيدي ونطيل النظر ونتأمل كيف وماذا حدث ؟ وما أن نصحوا حتى يتجلى لنا قول القديس بولس : (( فلما تم الزمان ، أرسل الله ابنه مولوداً لإمرأة )) غل 4 / 2 … إنها بشرى سماوية جاء بها ملاك الرب بقوله : (( اليوم! ولد لكم في مدينة داؤد مخلّص هو المسيح الرب )) لو 2 / 1 . والسؤال يطرح نفسه علينا : ماذا تعني لنا هذه البشرى هذا اليوم ؟. يجب أن لا نرى أية غرابة في السؤال !! فالمغالطة الكبرى هي أن نجعل ميلاد يسوع حدثاً ماضيأ ولم يبقى سوى ذكرى متميزة للإحتفال فقط … قصد لوقا لم يكن كذلك في كلمته (( اليوم )) …

إنّ الميلاد هو حدث جوهري في إيماننا يدعونا الآن وكل يوم أن نتفاعل معه ونعيشه واقعاً حقيقياً كونه سر الخلاص للبشرية جمعاء ، وللذين يؤمنون بالذات كما صرح بولس الرسول . (( ولما بلغ الكمال صار مصدر خلاص أبدي لجميع الذين يطيعونه )) عب 5 / 9 . بالميلاد الرباني تربطنا أواصر  إيمانية تدفعنا بغيرة عميقة لإعادة حساباتنا في الحياة ، أي أن نجعل يسوع المخلّص في كل لحظة معنا وفينا كما يقول يوحنا : (( ها أنا واقف على الباب أدقه، فإذا سمع أحد صوتي وفتح الباب ، دخلت اليه وتعشيت معه وتعشى هو معي )) رؤ 3 / 20 . وهنا يكون للعيد معنى ونتجرأ القول ( ولد لنا مخلّص ) لأنه يعيش في وجداننا ونستطيع رؤيته في كل إقتسام. ( أينما إجتمع إثنان أو ثلاثة بأسمي، أكون هناك بينهم ) مت 18 / 5 . وكذلك نراه بعيون الإيمان حين نساعد الآخرين بما يحتاجونه ولو كان ذلك بابتسامة أو تحية وعلى قدر امكاننا (( الحق أقول لكم : كل مرة عملتم هذا لواحد من اخوتي هؤلاء الصغار فلي عملتموه )) مت 25 / 40 الولادة العجيبة هي منبع إيماننا تحفزّنا للتيقظ والسهر لمواصلة مسيرنا مع يسوع  وخلف خطى الرعاة المبشرين القادمين من أقاصي الأرض والذين سجدوا ليسوع بعد أن رأوه. ونحن كذلك تستطيع أن نراه كما رآه أولئك الرعاة بالإيمان، لأن رؤية عيون الإيمان أقوى وأوضح وأعمق من رؤية عيون الأجساد إستناداً لما قال يسوع: (( من أحبني أحبه أبي وأنا أحبه واظهر له ذاتي )) يو 14 / 1 ومهما استرسلنا في الكتابة، لا نستطيع إيفاء حق هذا الموضوع ونقول مع الرسول بولس: (( الحمد لله على عطيته التي لاتوصف )) 2 كور  9 / 15 .

والشكر دائماً لله الذي خلقنا من العدم وجاء بنا الى الوجود واعطانا النعمة التي لاتحصى .