صباح الكاتب

المجموعة القصصية الأولى للقاص الخديدي المبدع صباح كريم الكاتب ، صدرت عن مكتب الفيء للطباعة والاستنساخ في الموصل عام 2000 . صمم غلاف المجموعة الفنان موفق الطائي واخرجها فنياً د. بهنام عطاالله .

ضمت المجموعة بين دفتيها (32) قصة قصيرة بـ (49) صفحة من القطع المتوسط ، من قصصها : صورة ، مرايا، رحيل لآخر ، صفحة حوادث ، عيون ، الارجوحة ، رواية ، امتحان ، ممثل كوميديا ، لوحة رومانسية وغيرها . تناول المجموعة بالنقد والتحليل عدد من الأدباء والكتاب ، نشرت  اغلب ما كتب عنها في الصحافة العراقية .

متابعة نقدية

تقنيات ..

(فضاءات الصمت)  وشعرية القص

 د . بهنام عطاالله

عن كتاب (إضاءات في الشعر والقصة ، الجزء الأول 2002)

   قاص شاب شكلت القصة القصيرة عنده عالم خاص . وبالرغم من كونه مقل في النشر ، إلا أن سمة الابتكار وصناعة الدهشة لدى المتلقي واضحة عنده ، من خلال بصماته التي تركها على سطور مجموعته الأولى ( فضاءات الصمت) .

   تعكس نصوص القاص انفعالاته الهادئة والصامتة . فمن خلال عنونة المجموعة نستطيع القول انه حاول التلاعب ولأول وهلة بملفوظاته التي كانت إحدى سمات العنونة ، والتي كتب في مدخلها : (متسع كبير لما تحمله الروح ، عالم زاخر بالمشاعر، بالمتناقضات، بالفكر، هو ما تحمله الروح ، يجتمع الكل في جمجمة مليئة مغلقة، انفعالات ، هفوات ، تعقل، أحلام ،تبعاً لما يمليه القلب حاسوب بشري بالمعنى العصري ..لا يمتلك إلا مفتاحاً واحداً .. هو سيدي القلم ) . ص3

   لقد استطاع القاص صباح الكاتب وعلى مساحة القص التوغل بعيداً في تشعبات القصة القصيرة والقصيرة جداً ، متمكناً من أدواته الفنية مسيطراً عليها ، فهو يمتلك مخيلة إبداعية خصبة ، يحاول من خلالها ابتكار قواعد جديدة في كتابة القصة القصيرة ، فقصصه تتوخى الركاكة ، ذو بنية فنية معبرة تنشط من خلال جمالية السرد ، يطرح من خلالها مناحي الحيــاة المختلفة السلبية منها والإيجابية :( ظننت بأنه افرد ذراعيه وحطم الإطار الخشبي قد عاود ذلك الحنين إلى .. وإلا لماذا خرج من الصورة ) . قصة صورة ص5

   تؤكد قصص المجموعة بمجملها على ذائقة القاص وانتمائه إلى جيل التسعينات ، فهو يعالج إشكاليات دقيقة ضمن تقنيات سردية خاصة به ، يحاول إدراجها أمام المتلقي والإفصاح عنها بشعرية القص . إذ يأخذ الإيقاع شكلاً بنيوياً يؤسس عليه قصاصته لتشكل صورة شعرية هي أشبه بالصورة الفوتوغرافية  المرصودة من خلال عدسة الكاميرا بكل دقة وبعيدةً عن الترهل والزوائد :(كان ثاقب النظر إلى كل شيء .. وكأن عينيه زجاجتان علقتا في جبهته عنوة- لا تحفل بما ترى- وحين رفع طرفه إلى قرص الشمس أحنى رأسه خجلاً .. ثم مجبراً ..اغمض .. ) . قصة وقح ص19

   والنص عنده يحاول أن يتوغل في حثيثات الهموم اليومية الخاصة والمنتقات ، فهو يلملم فضاءاته في بؤر صغيرة ما تلبث أن تشع منها نوى تتشظى نحو عوالم القاص وإرهاصاته النفسية :(مثل يد النحات تلمست وجهه الغض ثم سارت بتأنٍ وعناية على شاربه المفتول ولحيته الناعمة-نبرات لينة- شفتين ساخنتين ارتشاف .. أخفضت رأسها .. طالعتها ثمرتين ناضجتين للتو) قصيدة نضوج ص18 .

   إن التلاحم المفترض بين الشكل والمضمون وعلاقتهما بالتجربة الجمالية ، تؤدي إلى إدراك المتغيرات لدى المتلقي ، وهي التي تشكل إحدى توظيفات القاص صباح الكاتب . فالمهيمنات الساقطة هي تعبير عن فيوضات لغوية متراكمة تنحرف نحو الوعي الشامل ، التي هي سمة خطابه القصصي ، من خلال الانزياح الفعال الذي هو جزء من ثقافته ومرجعياته المتراكمة التي تشكل نوعاً من الأنساق اللغوية مهمتها الأساسية الإدراك والفهم واستيعاب المعنى .

* نشرت المقالة في جريدة(القادسية) ، صفحة ثقافة ، العدد (7639) الأحد 12 ك2 2003 . وفي كتاب (اضاءات في الشعر والقصة) ، الجزء الاول ،الصادر عام 2002 .