الأستاذ عبد الرحمن الخياط ( 1918-2005)

 

 

قابلت الرؤساء : قاسم وعارف والبكر كما قابلت الرئيس السوري شكري القوتلي ووزير الدفاع المصري المشير عبد

 الحكيم عامر 

قصة السفر إلى تركيا وسوريا ولبنان بـ 23 ديناراً فقط

أصدرت وزملائي المعلمين أول نشرة مدرسية مطبوعة عام 1963 بعنوان السنابل

حدث حريق كبير في مدرسة قره قوش الابتدائية الأولى بعد أن استلمت إدارتها بأيام ، وقيد الحادث ضد مجهول

 

حوار مع الأستاذ عبد الرحمن الخياط اجراه : نمرود قاشا

صوت بخديدا

موطني .. موطني الجلال والجمال والسناء والبهاء في رباك

بهذه الكلمات المفعمة بحب الوطن ، كانت تصدح حناجر طلبة مدرسة قره قوش الابتدائية الأولى . كان ذلك في نهاية أيلول 1959 ، ومنذ ذلك الحين استمر التقليد الجميل ليوم الخميس من كل اسبوع يوم رفع العلم

كنت أترقب بانبهار الطريقة التي تجمع فيها الطلاب والمدرسين في خطوطٍ متقابلة تمثل مربع ناقص ضلع ،بهدوئه المعهودة وبعصبيته التي يهابها المعلمون قبل الطلبة ، متخذاً من منتصف الساحة مكاناً له ، وبالعصا التي نادراً ما تفارقه ، خاصة في مناسبة كهذه لانها جزء من (القيافة ) كما يسميها العسكر بعصا التبختر

 انه عبد الرحمن حنا الخياط مدير مدرسة قره قوش الأولى الابتدائية ، هذا الإنسان والمربي الفاضل ، الذي التقيته الآن وبعد (45) عاماً من اللقاء الأول ، وبمساعدة زميلي حنا عبد الرحمن نجله الذي استعنت به في ترتيب هذا اللقاء

وقبل أن نشرب فنجان القهوة في داره ، همست في إذن الأخ حنا بأن يسمح لنا الأستاذ عبد الرحمن بتقليب بعضٍ من أوراقه الخاصة . فإذن اطلعوا على سيرته الشخصية

انه من مواليد قره قوش عام 1918 ولكن هوية الأحوال المدنية تؤكد بان مواليده 1922 مضيفة ثلاث سنوات على عمره الحقيقي ، كما حصل معي ايضاً ، حيث احتفل مع زوجتي ووالدتي في يوم 15 تموز بعيد ميلادي ويشاركني في هذا الاحتفال ربع العراقيين

أنهى دراسته الابتدائية عام 1934 ، وتخرج من الخامس الإعدادي – كان آخر صف في المرحلة الإعدادية- عام 1939 ، عندها دخل الدورة التربوية المسائية في الموصل ليتخرج منها معلماً عام 1941

 حيث كانت مدرسة مار توما الابتدائية في الموصل محطته الأولى ، التي اجتازها داخلاً في هذا العالم الجميل والمتعب

كما يتذكره جيداً تلاميذ مدرسة عقره الأولى والتغلبية ومدرسة قره قوش والحمدانية الثانية – كما سميت فيما بعد- نعم سبعة عشرة عاماً قضاها معلماً قبل أن يستلم إدارة مدرسة قره قوش الأولى الابتدائية عام 1958 ، وبقى في هذا المنصب حتى إحالته على التقاعد عام 1983 .فإذن هذا الإنسان الذي  قضى (42) عاماً من عمره بين (قدوري بزاز) و(واحد زائد واحد يساوي اثنان) ، أقول 42 ربيعاً مفعماً بالحب لوطنه اولاً ، الذي لا ينازعه حب ، ولتلاميذه ثانياً ، والذي لا يغادر غرفة الدرس إلا بعد أن يطمئن ان المادة التي يدرسها قد استوعبها الطلبة ، مؤمناً بان الرسالة المكلف بحملها يجب أن يؤديها بكل أمانة ودقة ومسؤولية مكان اخاً واباً ومربياً

ربما أسهبت بعض الشيء في هذه المقدمة ، التي أجدها ضرورية في الحديث عن أحد أعمدة التربية والتعليم في بخديدا ، وكذلك أرجو أن يتسع صدر زميلي ورئيس التحرير د. بهنام عطاالله ، وان يدع مقصه جانبا ، لان أي تقطيع في هذا الموضوع سيحوله إلى مقابلة لا تختلف عن المقابلات التي تجريها بعض الصحف .. أقول بعض الصحف مع كل الحب

أستاذي العزيز عبد الرحمن ، تحدثت في بداية هذا الموضوع عن يوم (رفع العلم) .. هل كنت تهيأ المواضيع التي تريد طرحها أمام الطلبة ؟ وما هي النقاط التي تركز عليها ؟

- إن حديثي في هذا اليوم يكون ارتجالي دائماً ، ويتركز حول العديد من النقاط منها : الحالة الاجتماعية والالتزام بالدوام والاجتهاد والأخلاق وأهمية العلم لضمان المستقبل

ما هي الثوابت التي تعتمدها في علاقتك مع الهيئة التعليمية والطلبة؟

- إن المبادئ التي اعتمدها هي التواضع والاحترام المتبادل والاهتمام بالمصلحة العامة والخاصة وتقديم النصائح والإرشادات. ما هو رأيك بالمستوى العلمي للطلبة في الخمسينات من القرن الماضي وفي الوقت الحاضر ؟

- كان المستوى العلمي في الخمسينات من القرن الماضي جيداً جداً أما حالياً فغير جيد (علمياً) بالنسبة للمعلمين وكذلك الطلبة

ما هو شعورك وأنت تلتقي بطلابك وهم يتبوؤن مراكز هامة في الدولة والمجتمع ؟

أحس بفرحٍ لا مثيل له ، مع شعور بالسعادة والرضا ، خاصة وان العرق الذي كان يتصبب أثناء الدرس أثمر عن آلاف من الرجال المفكرين ،الذين توزعوا في جميع مفاصل الحياة .. تبني وتعلم وتدافع عن الوطن

لو طلب منك يا أستاذ- أن تتحدث عن طلبة القرن الواحد والعشرون .. ماذا تقول لهم ؟

أقول لهم بأن مستواكم العلمي غير جيد ، وأنكم لا تقومون بواجباتكم المدرسية على اكمل وجه وتقبلكم للعلم قليل جداً ، فضلاً عن ضعف الاحترام المتبادل بين الطالب ومعلمه قياساً إلى طلبة الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي

أثناء فترة عملكم كمعلم ثم كمدير كنت تمارس التدريس فضلاً عن الإدارة .. ما هي الدروس التي كنت تفضلها ؟

حقيقة كان لدرسي الرياضيات والتاريخ أهمية كبيرة بالنسبة لي وكانا الأقرب إلى نفسي فكنت ارغب بتدريسهم دائما

رأيك بالمناهج الدراسية الحالية ؟

إنها مناهج ضعيفة جداً قياساً بالمناهج الدراسية الماضية

لكي لا نرهقك يا أستاذ- سيكون هذا سؤالي الأخير.. أرجو أن ‘تعرف وباختصار هذه المفردات

المعلم : المربي الحقيقي للطلاب بعد العائلة

رفع العلم: احترام وحب الوطن وعلو شأنه

درس التربية الوطنية: تنمية الأخلاق واحترام الغير والالتزام بالحقوق والواجبات

الإدارة : مكان لتوجيه المعلمين والطلاب توجيهاً وطنياً واخلاقيا

ً

انتهت المقابلة ووضعت أوراقي جانباً ، ولا زال القلم بين أصابعي .. فقلت لزميلي حنا لم نخرج بشيء جديد من هذه المقابلة وكأننا طبقاً المثل القائل ( يا زيد .. كأنك ما غزيت) ، خاصة وقد وعدت‘ هيئة التحرير بان المقابلة لن تكون اعتيادية .. ابتسم أستاذ عبد الرحمن وقال : أنا مستعد لأي سؤال تطرحه الآن .. وبعد أن أعطى الضوء الأخضر قلت له : يا أستاذ نحن لا نريد أن نثقل عليك اكثر لان حالتك الصحية لا تسمح بذلك أطال الله في عمرك- ولكنني اطلب منك أن تحدث القارئ عن بعض الامور التي لا زالت عالقة في ذهنك بعد خدمة قاربت النصف قرن . بعد فترة هدوء بدأ مضيفنا يستعرض مجريات بعض الذكريات التي مرت به ، وليعذرني القارئ عن تفاصيل الامور ، لأنني لم أدونها أثناء الحديث ، وكذلك لم اسأله عن التفاصيل وانما تركته يسترسل ما يتذكره دون أن اقطع سلسة أفكاره .. فقال من الشخصيات التي التقيت‘ بها : الزعيم عبد الكريم قاسم والرئيس عبد السلام محمد عارف والرئيس احمد حسن البكر .. كما التقيت برئيس الوزراء طاهر يحيى في عهد الرئيس عبد الرحمن محمد عارف وبعض الوزراء

قابلت الرئيس السوري السابق شكري القوتلي

قابلت في الخمسينات وزير الدفاع المصري المشير عبد الحكيم عامر

حضرت مأدبة غذاء أقيمت على شرف وزير التربية التركي

تم تعيني بمنصب نقيب المعلمين لدورتين

شاركت في سفرة أقامتها جمعية المعلمين (نقابة المعلمين) إلى تركيا وسوريا ولبنان وذلك لمدة شهرين ضمت (50) معلماً ، وقد بلغت تكاليف السفرة للفرد الواحد حينها (23) ديناراً فقط

أصدرت‘ وزملائي المعلمين في مدرسة قره قوش الابتدائية الأولى أول نشرة مدرسية مطبوعة بعنوان (السنابل) عام 1962 ، احتوت على كلمة الإدارة ، وكلمة مجلس الآباء والمعلمين لرئيس المجلس المرحوم رفوعطاالله ونشاطات اللجان المدرسية والأعمال اللاصفية الرياضية والفنية والنشيد والموسيقى والخطابة وغيرها ، ومحاورة بين فارس الصف والتلميذ الكسلان فضلاً عن نبذة تاريخية عن مدارس قره قوش وأخبار ونشاطات المدرسة

شب حريق كبير في مدرسة قره قوش الأولى الابتدائية بعد استلامي لإدارتها بأيام جاء على معظم محتوياتها ، ولم يعرف سبب الحريق فقيد الحادث ضد مجهول

نشرت‘ مقالة عن احتفالات أهالي قره قوش بمناسبة الذكرى الأولى لانبثاق ثورة 14 تموز عام 1958 في جريدة الفجر الجديد

أخيراً نشكر الأستاذ والمربي التربوي عبد الرحمن الخياط لسعة صدره واجابته على أسئلة جريدتنا . نطلب له من الله الصحة الدائمة والعمر الطويل

 

هوامش مهمة

تأسست مدرسة قره قوش الابتدائية بتاريخ 1 /9 /1919 ، وقد استلم إدارتها الأب منصور توما دديزا حتى تاريخ 12 / 3 /1938

شغلت المدرسة بناية أهلية عائدة للمرحوم عبوش سكريا

تناوب على إدارة المدرسة (17) مديراً

اختلفت تسميات المدرسة على النحو التالي : مدرسة قره قوش الابتدائية ، مدرسة الحمدانية الثانية ، مدرسة قره قوش الأولى.

انشطرت عن مدرسة قره قوش سبع مدارس ابتدائية

استلم الأستاذ عبد الرحمن الخياط إدارة المدرسة للفترة من : 13 /1 / 1958 – 12 /2 /1968 ثم من 31 /8 /1968 – 30 /6 / 1983 أي انه استلم إدارتها بحدود (26) سنة

 

كلمة النعي من الدكتور صبري عبد الرحمن

للوالد الراحل الفاضل (بابي) عبد الرحمن الخياط

 وداعا يا أعز الناس .. وداعا يا والدي ويا أستاذي العزيز

وأخيرا غادرت في الرحلة التي لا عودة فيها, سنفتقدك جميعا, أفراد عائلتك، اقربائك، اصدقائك، تلاميذك وكل محبيك. وجودك بيننا كان خيرا وبركة من الرب ولكن ارادته فوق كل شي

حياتنا وذكرياتنا معك كانت جميلة ورائعة وستبقى صورتك الجميلة مقترنة بأجمل ذكرياتنا وخاصة ايام الطفولة والشباب والتي هي عادة من اجمل ذكريات الانسان

كنت ابا ومعلما مثاليا، احببت ابنائك وتلاميذك وتمنيت لهم جميعا النجاح والموفقية، كنت عادلا ونزيها، لم تفضل ابنائك على الطلاب الاخرين وهذا كان عين الصواب

كنت صارما وجادا في عملك وفي بيتك ايضا، لكن هذا كان يخفي وراءه  قلبا كبيرا مليئا بالحب والطيبة والنية الحسنة. كان قلبك خاليا من الحقد والكراهية والغيرة

كنت تحترم كل الناس ولم تكن تتردد ابدا في ابداء المساعدة لمن احتاجها او سألك عنها.

لم اسمعك يوما تتكلم بكلام غير لائق عن احد من الناس او تبدي حقدا او كراهية تجاه احد.

كنت ابي النفس ناكرا لذاتك. لم تضع مصلحتك الشخصية في المقدمة يوما ما، لا في عملك ولا في بيتك. لم تكن تشغل غيرك بهمومك ومتاعبك اذا كان لديك منها شي لانك كنت لا تريد ازعاج الاخرين، وكان هذا حالك حتى اواخر ايامك

كنت قدوة حسنة لتلاميذك واصدقائك ومثلا اعلى لأبنائك.

علمتنا الكثيرالكثير،  ان نحب الناس ونحترمهم ، ان لا نتجاوز على حقوق احد وان لا نتعالى على احد وان نتجنب المباهاة لانك كنت تمقت هذه الصفات

والأهم من كل هذا، وهو لك كنز ثمين،

ان ايمانك بالرب كان قويا جدا وعلمتنا ان نكون نحن ايضا كذلك

دعاك الرب الى جواره على عجل. لم يمهلك طويلا بعد تشخيص مرضك. و لم يترك الفرصة لبناتك اللواتي فارقنك منذ عشر سنوات لزيارتك ولتوديعك الوداع الاخيرولكنها ارادة الرب ونحن راضين بها كل الرضا. لم يدعك تتألم لانك لا تستحق ذلك، لم تنطق كلمة الشكوى من الالم ولو مرة واحدة حتى اليوم الاخيروكل الذين كانوا حواليك في الايام الاخيرة استغربوا  لذلك. لكن هذه نعمة عظيمة من نعم الرب يعطيها لمن يحبهم ولا يدعهم يتألمون

ان رضا الرب عنك هو كنزك الابدي العظيم، وهذا هو عزاؤنا الوحيد.

 

 

رثاء من السيد عبد الله جبو كجو الخياط

 

 

 

محبك عبد الله جبو كجو الخياط