نوري إسكندر: الفنان، الموسيقار، الشماس السرياني

أعداد: باسم حنا بطرس

فنان وباحث في علوم الموسيقى: أوكلند في تشرين أول 2004.

 

عرفتُه للمرَّة الأولى في العام 1994 عند إنعقاد مؤتمر للمجمع العربي للموسيقى في دمشق (1)، حيث شاركتُ بأعماله بصفتي باحثاً ورئيساً لوفد العراق؛ تعلَّقت أنظاري إلى شخصٍ ممتلئ مربوع القامة، في عمرٍ مقارب لعمري: وعند الإعلان عن إسمه (نوري إسكندر) لتقديم بحثه للمؤتمر، إنجذبتُ لأستمع إلى بحثه عن (الموسيقى السريانية) المدعوم بتقديم أعمالٍ موسيقية من مؤلفاته، من قبل فريق من تلاميذه من حلب، تناولت التراث الموسيقي السرياني بأسلوب فني رفيع.

 

وكان لإنجذابي هذا إليه أمران: الأول كونُه شخص ذا مسحةٍ إنسانية هادئة ومريحة، والثاني – وهو الأهم –  أني وجدتُ فيه مصدراً ومرجعاً للموسيقى السريانية، التي تدخل صلب إختصاصي كباحث خبير في الموسيقى الكنسية الشرقية. هنا كان فعل الجذب تجاه بعضنا.

 

إليكم نبذة قصيرة عن نوري إسكندر:

- ولِد في مدينة حلب السورية، سنة 1938، حيث نما وترعرع بين أحضان البيئة الثقافية الحلبية، ونمت لديه مداركُه الفنيّة النابعة من معين ألحان كنيسته السريانية، لتتغدى مواهبُه المبكِّرة من هذا النبع الثر، على مستوى مشاركاته منذ صباه في الخدمة الكنسية، لتمتلئ نفسه وتتشبع تدريجياً بهذا الجنس العريق من الموسيقى.

- عند إنتهائه من مرحلة الدراسة الثانوية إلتحق بالدراسة الموسيقية العليا في المعهد العالي للموسيقى العربية في القاهرة (2) حيث درس علوم الموسيقى وفنونها الأدائية وبخاصة على يد أستاذه الراحل جورج ميشيل.

-        تخرج في المعهد حائزاً على درجة البكالوريوس. ليعود من بعدها إلى حلب معلِّماً فأستاذاً للموسيقى فيها.

-       لقد شعر بضرورة العمل لخلق أساليب لحنية جديدة مغايرة للأساليب الشائعة، المتمثلة بالتراث الموسيقي. يبني فيها تصوراته في التطوير ذاتياً بالإستناد إلى علوم التأليف الموسيقي، وتطويعِها في تعدديّة الأصواتل على الدرجات النغمية الشرقية، بمعنى ما يُعرف بـ (ربع الصوت) التي تستند عليها ألحاننا السريانية بشكل أساس..

 

وهكذا كان الأمر معه في هذه المسيرة، بدءً بألحان مستقاة من الفولكلور السرياني القديمة، فكتب فيها أعمالاً جميلة، من بينها (أو حبيبو حبيبو) و (زيلقي فرسي) و (لوتيحفوخ)، وغيرها. 

في العام 1973 شارك نوري إسكندر في أول مهرجان تخصصي للموسيقى السريانية أقيم على القاعة الكبرى لقصر اليونسكو في بيروت، بتقديم  عدد من مؤلفاته في موسيقى الفولكور السرياني  لكنها مبنية بأساليبه الحديثة والمكتسبة للطابع الثقافي. 

وكما أسلفنا، فقد كتب نوري إسكندر الكثير من الأعمال الموسيقية المستقاة من مثل هذه الأعمال الفولكلورية، والتي كان في مقدمتها (برقانا – الخلاص) بشكل أوبريت سرياني. وعمل موسيقي آخر للكمان المنفرد بمصاحبة خماسي الآلات الوترية (2)، وآخر لثلاثي العود والوتريات (3)، وأعمال أخرى للأفلام السينمائية. إضافةً إلى المناهج التعليمية للدراسات الموسيقية. 

تصنَّف المسرحيَّة الغنائيَّة (قلعة حلب) التي كتبها سنة 1997، من بين أشهر أعماله الموسيقية الكبيرة، تمثلت فيها الأغاني الشعبية السورية التي تبرز في أساسياتها ألحان الترتيل السرياني. 

أما بما يتصل بالموسيقى الكنسية، فقد كتب الكثير، وفي مقدمتها يأتي (بيث كازو – كنز الترانيم) للكنيسة السريانية، إستخدم فيه الأوزان الإيقاعية لمدرسة (تقليد) أديسـّا. إنه عمل إبداعي جميل وكبير وثَّقَ لمزايا وخصوصيات الموسيقى الكنسية السريانية.  

إنه جهدٌ دائم الحركة .. إنه نبضٌ لا يهدأ له حال .. إنه التكريس الأبدي للقضية الموسيقية .. إنه مدرسة موسيقية بحدِّ ذاتها .. لا يهدأ له بال، علاقاته صارت ذا حالٍ متميزة مع كل أقرانه من رجال الإكليروس والخدمة الليتورجية من مختلف الملل والحلل، والعَلمانيين ومراكز البحث لأصول الموسيقى السريانية. 

تولّى إدارة المعهد الموسيقي إبّان تأسيسه في مدينته حلب، المدينة التي يسكنها بشكل دائم. جعل من الموسيقى شغلَه الشاغل، يناجيها فتناجيه، يعشقها فتبادله عشقاً. إنها القضي الموسيقية التي أرادها وخطط لها. (4).

 

الهوامش:

(1)    المجمع العربي للموسيقى هيئة أكاديمية موسيقية تابعة لجامعة الدول العربية، مقره الدائم بغداد، تأسس بمبادرة من مؤتمر الموسيقى العربية الثاني المنعقد في بغداد عام 1964، عرضها الباحث الموسيقي العراقي زكريا يوسف توماشي، وتم إعتمادها من قبل الجامعة العربية في العام 1969.

(2)    الخماسي الوتري يضم عازفاً واحداً لكل من الآلات الآتية: كمان أول، كمان ثانٍ، فيولا، نشيللو، وكونترباص.

(3)    ثلاثي العود والوتريات، يضم عازف عود منفرد إلى جانب عازف واحد لكل من الكمان والفيولا والتشيللو.

 

اشاركنا مرة أخرى بأعمال مؤتمر للموسيقي العربي عقد في دمشق في العام 2000، فكانت خير فرصة لي أن ألتقي صديقي وزميلي الأستاذ نوري إسكندر، الذي دعاني لزيارته في حلب. وبعَيد إنتهاء أعمال المؤتمر توجهت إلى حلب، التي لم أكن قد زرتها سابقاً، وقضيتُ معه يوماً كاملاً زرتُ بيته وتعرفتُ إلى عائلته، وتفقدتُ مكتبته الشخصية، كما زرنا خلاله المعهد الموسيقي الذي يديره، حيث أهداني قرصاً مدمجاً (CD) توَّجه بكلمة الإهداء التالية:

 

إلى الأستاذ العزيز باسم حنا بطرس

للذكرى والمحبة وإلى موسيقى أفضل

حلب في 10/3/2000

المخلص نوري إسكندر

المحتويات: كونشيرتو عود وأوركسترا الحجرة للمعهد العربي للموسيقا

عود سولو: موسى إلياس، قيادة: جورج هيرابيديان، تأليف: نوري إسكندر.