مشاركات نسرين عبدالرحمن الخياط
القديس يوحنا الذهبي الفم أيقونة يونانية للقديس يوحنا الذهبي الفم
لُقب القديس يوحنا بطريرك القسطنطينية من سنة
398-407 م بيوحنا الذهبي الفم أو يوحنا فم
الذهب
CHRYSOSTOMOS
وهي كلمة يونانية
ΧΡΥΣΟΣΤΟΜΟΣ
تتألف من مقطعين أو كلمتين
CHRYSOS
أي (الذهب) ثم
STOMOS
الصفة المشتقة من
STOMA
أي (فم)، وذلك اعترافا
بفصاحته وبلاغته وجمال أسلوبه وعبارته، وقوة
كلماته، وتأثير عظاته معنى ومبنى. واعظ المسكونة الأول الذي صان عقله نقيا من الأهواء وصار مماثلا لله بعدما امتُحن بالتجارب كالذهب في النار وهو الآلة الملهمة من الله والعقل السماوي وعمق الحكمة والكارز بالتوبة ونموذج المؤمنين والملاك الأرضي والإنسان السماوي وهو كذلك خزانة أسرار الكتب واللسان الذي بمحبة بشرية رسم لنا طرق التوبة المتنوعة وهو أيضا أبو الأيتام والعون الكلي الحماسة للمظلومين ومعطي البائسين ومطعم الجياع وإصلاح الخطأة وطبيب النفوس الحاذق الكلي المهارة كل هذه الباقة من الصفات التي قلدت الكنيسة بها قديسها العظيم إنما تدل على مكانته المميزة فيها وعلى الدور الهام الذي لعبه في حياتها. حياته ولد في أنطاكية بين سنة 345 و349 (لعدم معرفة الوقت المحدد للولادة) كان والده سكوندوس قائد القوات الرومانية في سورية، وتوفى في عنفوان شبابه اي بعد ولادة القديس يوحنا وله اخت تكبره، ووالدته القديسة أنثوسا كرست حياتها لتربية ولديها، تربية مسيحية حقيقية. فقال بها الفيلسوف ليبانيوس الوثني: (ما أعظم النساء عند المسيحيين). ملامحه: كان قصيرالقامة، أصلع الرأس، نحيلا غائرالخدين والعينين، عريض الجبين أجعده وكان صوته عذبا لكنه ضئيلا. لم تكن حياة الذهبي الفم هادئة ولا سهلة، فقد كان ناسكا وشهيدا. نسكه وأعماله البطولية لم تتحقق في الصحراء بل في فوضى العالم على مقرأ البشر وعلى العرش الأسقفي. استشهاده كان أبيضا بلا دماء. أنهى حياته في السلاسل وفي المنفى وتحت الحرم والظلم ومضطهدا من المسيحيين من أجل إيمانه بالمسيح والإنجيل الذي بشر به على أنه كشف وقانون حياة. درس يوحنا اللغة والبيان في مدرسة الفيلسوف ليبانيوس أشهر فلاسفة عصره ورئسي مدرسة أنطاكية. فأجاد القديس يوحنا اليونانية التي ساعدته كثيراً في مواعظه وشروحاته. وقال ليبانيوس لتلاميذه مادحاً إياه: لقد كان في ودي أن أختار يوحنا لإدارة مدرستي من بعدي ولكن المسيحيين سلبوه منا، لقد أصبح قارئاً في الكنيسة في سنة 367 م. ونال سر العماذ في الثامنة عشر من عمره ودرس الفلسفة على يد انذورغاثيوس في أنطاكية أيضاً. وكان أكثر أصحابه المقربين باسيليوس الذي أصبح أسقف فيما بعد، وزين له حياة القداسة، وأقنعه ببطلان الحياة الدنيا، وأبرز له تفاهة الأرضيات بإزاء السمائيات، وزوال الزمنيات بإزاء الأبديات، فأصغي إلى نصائح صديقه. وتنبهت فيه تعاليم أمه (أنثوسا) التي أرضعته إياها مع لبن الرضاعة، فتشددت روحه، واعتزم على أن يتبتل منقطعا لخدمة الله في أحد الأديار، فعلمت أمه بذلك، ومع ابتهاجها بتقواه ومسيرته في طريق الكمال المسيحي، إلا أنه آلمها أن يتركها وحيدة، وهي التي بذلت في سبيله حياتها، فأخذت تبكي متضرعة إليه أن يرجئ أمر رهبنته حتي تُوفي أيامها وتنتقل إلي العالم الآخر، فبكي لبكائها، واقتنع بكلامها، وعدل مؤقتا عن مفارقتها، وبقي معها في البيت عابدا، وكان لا يخرج إلا لعمله ثم يعود إلى عكوفه مستغرقا في الأسهار والأصوام والصلوات. في هذه الأثناء رسمه البطريرك ملاتيوس (360-381) شماسا برتبة (قارئ) للفصول الكنسية (أناغنوستيس) وظل يخدم مع البطريرك مدة ثلاث سنوات ثم في عام 386 حصلت رسامة يوحنا الكهنوتية على يد البطريرك فلافيانوس. وحدث أن توفي اثنان من أساقفة الكرسي الأنطاكي، فكان طبيعيا أن تتجه الأنظار إلي (يوحنا) وإلي صديقه (باسيليوس) الذي كان قد انتظم في سلك الرهبنة. ولما كان يوحنا يعرف ما اتصف به باسيليوس من فضائل، فقد استدعاه إليه، فلبى دعوته وترك صومعته ونزل إليه، فأخذ (يوحنا) يلح على باسيليوس بقبول الرسامة، فاعتذر باسيليوس بحرارة وشدة، ولم يثنه عن رأيه إلا وعد من صديقه يوحنا بأن يقبل هو أيضا السيامة الأسقفية بعد أن يقبلها باسيليوس، وهكذا نجح يوحنا في رسامة باسيليوس أسقفا علي مدينة (رافانه) بالقرب من أنطاكية. أما يوحنا نفسه فلما جاء دوره للسيامة هرب منها واعتزل في أحد الأديرة البعيدة، فأرسل إليه صديقه باسيليوس يؤنبه على تخليه عن وعده له وخيانته لعهده معه، فكتب إليه (يوحنا) لا خطابا بل كتابا، في عظمة سر الكهنوت وجلاله، من أعظم ما خلفه لنا آباء الكنيسة من تراث أدبي روحاني لاهوتي. بعد وفاة أمه عاش في رهبنة مشتركة مدة ست سنوات توّحد بعدها في إحدى المغاور ولدرجة نسكه وتقشفه مرض واضطر للقدوم إلى أنطاكية للمعالجة التي بقي فيها بتدبير إلهي. ولما كان النسك بالنسبة ليوحنا هو توجه روحي أكثر منه تنظيم معين للحياة اليومية وهذه الحالة يمكن تحقيقها أولا بواسطة التخلي ونكران الذات، وعبر الحرية الداخلية والاستقلال عن الظروف الخارجية وشروط الحياة في العالم هكذا عاش ناسكا طيلة حياته باستقلال عن مكان وجوده. لهذا لم يحث الناس على الانسحاب من العالم وترك المدن بل كان يرغب بتحويل الحياة فيها لتتوافق مع مبادئ الإنجيل صليت كثيرا في هذه السنوات أن تختفي الحاجة إلى الأديار وهذا لأنني سأكون قادرا أن أجد حتى في المدن صلاح ونظام الأديرة فلا يطلب أحد ثانية الهروب إلى الصحراء. أيقونة روسية للقديس يوحنا الذهبي الفم
نتيجة مرسوم إمبراطوري بفرض ضرائب إضافية اهتاج الشعب في إنطاكية وحطم كثيرا من تماثيل الأسرة الحاكمة الأمر الذي كان يعاقب عليه بالموت. برز يوحنا في هذه المحنة كبطل محام عن الشعب ورافع لمعنوياته إذ وقف إلى جانب المؤمنين حتى تبددت هذه السحابة الثقيلة التي كانت قد جثمت على صدورهم لأسابيع طوال. لقد تجلت في هذه الظروف الصعبة مقدرته على الوعظ والتهدئة والإرشاد كما وأقنع البطريرك فلابيانوس بطريرك أنطاكية بأن يسافر إلى القسطنطينية لجلب العفو عن الشعب بعد ان كان قد زوده بالكلمات التي سيقولها في حضرة الإمبراطور ليحنن قلبه ويستعطفه.
وبقي يوحنا في انطاكية يقوي الشعب ويعزيهم
ويزرع في نفوسهم الأمل حتى عاد البطريرك مع الإعفاء ولكن
هذه الأزمة أنهكت يوحنا وجعلته يلازم الفراش طويلا. بعد وفاة نكتاريوس رئيس أساقفة القسطنطينية سنة 397 سارع الكثيرون لمحاولة ملء الكرسي الشاغر لكن صيت يوحنا الذي كان قد فاح في كل إرجاء الإمبراطورية وسبقه إلى القسطنطينية جعل العيون ترتقي إليه. هكذا اختطف بالحيلة من إنطاكية وتمت رسامته في القسطنطينية سنة 398 م ذاك الذي كان يكره أن يكون في موقع سلطة بات الآن في سدة السلطة الأولى. ذاك الذي كان يكره الترف وجد نفسه محاطا بمظاهر الفخامة وسكن قصرا. ذاك الذي كان نصير الفقراء وراعيهم وجد نفسه محاطا بالأغنياء وعلية القوم. فماذا كان يمكن أن تكون النتيجة؟ صراع مرير وسيرة واستشهاد. فهو ما لبث أن حمل على حياة البذخ والترف وتقوى الأغنياء المصطنعة المرائية. وقد التزم الفقر الإنجيلي وأخذ يزيل معالم الترف من المقر الأسقفي. باع ما كان داخله وحول الأموال لبناء المستشفيات ومضافات الغرباء ومآوٍ للفقراء. ولما كان الذهبي الفم رجل الله، وخادم المسيح بالحقيقة، وكان يفهم مهمته البطريركية جيدا، ولم ينحرف عن هذا الفهم متمثلا بسميه القديس يوحنا المعمدان الذي ظل طوال حياته أمينا لرسالته حريصا علي أن يقنع لنفسه بدور صديق العريس، ولم يطمع في أن يختار العروس لشخصه، لذلك كان على ذهبي الفم أن يختار الاختيار الصعب: أن يكون كسيده المسيح إلي جانب الفقير واليتيم والمظلوم وقد كلفه ذلك ثمنا باهظا. فكان عليه أن يقف ضد الملك والإمبراطورة الطاغية الظالمة المستبدة، وكل أجهزة المملكة وسطوتها وقدرتها الساحقة...وهذه المواجهة لم تتأخر ومما سرع فيها تصرفاته وعظاته التي أدت إلى تباين المواقف بشأنه وكثر الحاسدون له والمنافقون ضده وخاصة بين صفوف الأغنياء وجماعة القصر الملكي. هذا اثر كثيرا على علاقة يوحنا بهم وخاصة علاقته بالإمبراطورة افدوكسيا التي في أول مرة وافقت على نفيه هز المدينة زلزالا جعلها تشعر بأن الله غاضب عليها فأقنعت زوجها الإمبراطور باستعادة يوحنا. هذه العودة ليوحنا كانت قصيرة لأن الإمبراطورة أقامت لنفسها تمثالا فضيا على عمود من الرخام مقابل كنيسة الحكمة المقدسة. هذا الأمر أثار حفيظة يوحنا الذي قال في عيد استشهاد القديس يوحنا المعمدان: ها هي هيروديا ترقص من جديد وتسخط من جديد، ومن جديد تطلب رأس يوحنا. أنا عارف أنه فور انتهائي من هذه الموعظة ستطلب سالوما (افدوكسيا) رأس يوحنا، ليس المعمدان، بل يوحنا أسقف القسطنطينية. أما أنا فالموت لا أخافه، بعد هذه القصة عزمت الملكة على التخلص نهائيا من يوحنا الذي رغبة منه بعدم تحميل الشعب المؤمن نتائج غضب الملكة سلم نفسه إليها فنفته إلى قرية منعزلة اسمها كوماني في بلاد البنطس حيث عندما وصل إلى مشارفها أسلم الروح ناطقا بآخر كلماته: "المجد لله على كل شيء".
كان ذلك في 14
أيلول من العام 407 للميلاد. تم نقل رفاته بعد 13 سنة من
رقاده في 27 ك2 من العام 438 للميلاد. يقول: إن قلبي يذوق فرحا لا يوصف في الشدائد، لأنه يجد فيها كنزا خفيا. فيجدر بك أن تفرحي معي، وتباركي الرب، لأنه منحني نعمة التألم من أجله. كما أنه كتب إلى أحد الأساقفة معبرا عن موقفه من تهديد ونفي الإمبراطورة له قائلا: عندما أخرجوني من المدينة لم أكن قلقا بل قلت لنفسي: إذا كانت الإمبراطورة ترغب في نفيي فلتفعل، للرب الأرض بكمالها. إذا كانت ترغب في تقطيعي إربا فحسبي أشعياء مثلا. إذا كانت ترغب في رميي في المحيط فلي يونان النبي. إذا ألقيت في النار فالفتية الثلاثة لاقوا المصير عينه. ولو ألقيت للوحوش ذكرت دانيال. إذا كانت ترغب في رجمي بالحجارة فاستفانوس، أول الشهداء، ماثل أمام عيني. عريانا خرجت من بطن أمي وعريانا أترك العالم. وبولس الرسول يذكرني: لو كنت بعد أُرضي الناس لم أكن عبدا للمسيح.
اجتمع يوماًالأمبراطور أركاديوس ورجال حاشيته لينظروا في أمر القدّيس يوحنا الذهبي الفم ودار بينهم هذا الحديث: قال الأمبراطور: أريد أن أنتقم من هذا الأسقف، كيف؟ قال الأوّل: لننفه بعيداً إلى الصحراء. وأجاب الثاني: بل لنصادر أمواله فيصير عاجزاً عن عمل أيّ شيء. واقترح الثالث: بل لنحسم الأمر نهائيّاً، وندبّر مؤامرة لاغتياله. أمّا الرابع وكان واحداً من الذين بكّتهم القدّيس على خطاياهم، فأجاب الأمبراطور بنبرة صوت لا تخلو من الحقد، وقال: لن تقدر هذه السبل جميعها على أن تؤلم يوحنّا. لو طردناه خارج الإمبراطوريّة لشَعَرَ بقرب الله، في الصحراء، كما هنا. وإذا صادرنا أمواله، فنحن نأخذ أموال الفقراء، إذ ليست له أموال تخصّه. وإذا وضعناه في السجن، وثقّلنا يديه بالسلاسل، فسوف نراه مبتهجاً يسبّح الله. وإذا دبّرنا مؤامرة لقتله، فإنّنا بهذا نفتح له أبواب السماء. أيّها الإمبراطور، هل حقّاً تريد أن تؤلم هذا الأسقف؟ ادفعه إلى الخطيئة. إنّني أعرفه جيّداً، هذا الإنسان لا يخشى شيئاً، في العالم، سوى السقوط في الخطيئة.
أعمال القديس يوحنا كتابات ليتورجية ومع الابحاث عظات في الكتاب المقدس عظات في العقيدة والحياة الرسائل تحتفل به الكنيسة القبطية في 26 من تشرين الثاني ويحتفل به الروم الأرثوذكس والموارنة في 13 من تشرين الثاني. وتعيّد له الكنيسة اللاتينية في 27 كانون الثاني وهو اليوم الذي يعيد فيه الروم الشرقيون لنقل جسده الطاهر إلى القسطنطينية والبعض يعيّد له في 31 أيلول. هكذا لا تحتفل الكنائس بعيده في يوم رقاده حفاظا على عدم تغييب أهمية هذا القديس وخدمته الليتورجية الرائعة طالما يصادف يوم رقاده عيد رفع الصليب الكريم المحيي.
دعاء للقديس يوحنا الذهبي الفم
يقال على عدد
ساعات الليل والنهار الأربع والعشرين تابوت القديس يوحنا الذهبي الفم في Komani, Georgia
جمجمة القديس يوحنا الذهبي الفم ويده اليمنى محفوظة في دير الفاتوبيذي
جمجمة القديس يوحنا الذهبي الفم ويده
اليمنى محفوظة في دير الفاتوبيذي
Βατοπαίδι
في الجبل المقدس آثوس
في اليونان،
ككنزٍ مفيضٍ نعماً وبركات.في جمجمة القديس، لا تزال أذنه
باقية غير منحلّة رغم مرور القرون الستة عشر على رقاده.
يروى أنها الأذن التي بها سمع القديس الكلمات الإلهية، كما
شهد تلميذه بروكلوس الذي رأى بولس الرسول يلقنه فيها تفسير
تعاليمه ورسائله.
--- ا رئيس أساقفة حلب للروم الأرثوذكس المطران بولس يازجي تحدث عن الاحتفال بالذكرى المئوية 16 لرقاد القديس يوحنا فم الذهب ولقاء الصلاة المشتركة الذي جرى في إنطاكيا إحياء لهذه الذكرى، ومن أجل السلام في المنطقة. الجدير ذكره أن البابا بندكتس السادس عشر قد وجه رسالة احتفالا بذكرى مرور 1600 سنة لوفاة الذهبي الفم، أحد كبار آباء الكنيسة، قال فيها إن الكنيسة كلها تكرم القديس يوحنا فم الذهب لشجاعة شهادته في الدفاع عن الإيمان الكنسي، وسخاء خدمته الرعوية، مذكرا بأنه تحدث دوما عن وحدة الكنيسة المنتشرة في العالم، وسُمي أيضا "بمعلم الإفخارستيا."
بشفاعته مع جميع القديسين أيها الرب يسوع المسيح إلهنا، ارحمنا وخلصنا. آمين
نُقل بتصرف من الانترنيت ومنه موقع مطرانية الروم الارثدوكس
|