لأعزائنا الصغار

رسامات

عيون بخديدا

Museum متحف

أرشيف الاخبار

فنانونا السريان أعلام

أرشيف الموضوعات

نمرود قاشا

تحقيقات

 

الطريق إلى الدير 

 

القسم الرابع والأخير

 

 

ملخّص لما نشر

 

في الأقسام الثلاثة السابقة من هذا التحقيق نشرت مشاهدات كاتب هذه السطور عن دير مار متي، حيث زاره مع مجموعة من إعلامي بخديدا وإذاعة صوت السلام. بعد هذه المشاهدات أجرى لقاء موسع مع الأب الربان (أدي خضر أبلحد القس النعماني) احد القائمين على خدمة هذا الصرح الإيماني والثقافي والتاريخي العريق ،وقد تناول الحديث فيه عن تاريخ نشوء الدير ومراحله التاريخية والاضطهادات التي تعرض لها ودوره الثقافي والإيماني الكبير في نشر كلمة السيد المسيح له المجد، فضلا عن كونه ملاذاً لطالبي الدفء والإيمان وكذلك المراحل العمرانية في الخمسين سنة الأخيرة وفي هذا القسم والأخير نكمل مشوارنا الحواري مع الربان (أدي).

 


أبونا أدي، لقد تحدثت فيما سبق وبالتفصيل الموثق وبالتواريخ والأرقام مع ذاكرة حية ومتقدة، ليعطيك الله الصحة الدائمة – أبونا- فاعتقد لم نترك شارة أو واردة إلا ومرت تحت (عدستك) فأشبعتها تفصيلاً خدمة لتاريخ هذا الدير ولكن لم يبق لدينا إلا الحديث في موضوع واحد وهو ليس عن الدير ولكن يرتبط به تاريخياً وجغرافياً وإيمانيا، قبل أن نتحدث عن هذا الموضوع قد تكون هناك معلومات فاتتك وتجد بان تدوينها ضروري فعليه نعطيك الوقت الذي تجده كافياً لتعزيز المعلومات التي سبق وان ذكرتها فكلنا آذان صاغية لكلماتك يا أبونا.

 

الحقيقة – يا عزيزي – نمرود أنا أشكرك وكذلك الإخوة الإعلاميين معك ، أسئلتكم ومداخلاتكم دقيقة وموضوعية وعلمية وسؤالك الأخير هذا فعلاً وجدته ضرورة لإضافة معلومات فاتتني أثناء حديثي وطالما كانت رغبتكم ذلك فلا مانع لدي..

 

 

بالنسبة للآثار التي قلتم عنها (ما بقي لنا منها) هو أضرحة القديسين والمكتبة لان الدير وكما تعرفون قد مر في أزمنة قاسية وعصيبة جداً والى هجران لمدة أكثر من 150 عاما ً وقد فاتني أن أذكر لكم عن الفترة بعد سنة (480م) حيث تضعضعت أمور الدير تضعضع كلي وُهجر، وهناك العلاقات ما بين الإمبراطورية الفارسية والرومانية (البيزنطية ) كانت متدهورة جداً إلى سنة 628م، ولكن (مار خريستوفورس) السرياني جاثليق الأرض توجه إلى الموصل والدير وتسلق الدير وجَمعَ الرهبان ولمّ شملهم واختار منهم الراهب (كرماي) ورسمه مطراناً عاماً حتى لا تنقرض الرتب الكهنوتية في هذه الربوع، رسمه وخوله أن يرسم مطارنة وكهنة وقسوس ورهبان لكي تبقى المسيرة مستمرة، وبعد إذن هكذا فلم يبقى لنا من الشواهد التاريخية أضرحة القديسين (مار متي، مار زاكاي، مار ابرهوم والعلاقة غريغوريوس يوحنا ابن العبري) في القرن الثالث عشر ويعتبر دائرة معلومات القرن العشرين، لما كان له من علم واسع وعلوم ومعارف وثقافة عالية وكان محبوباً ويتجول بين الدير وبرطلة وتكريت وبغداد وأخيرا ذهب إلى أذربيجان (مراغة) لكي يبشر فوافاه الآجل سنة 1286 ونقل جثمانه إلى دير مار متي لكي َينظمُ إلى أضرحة سائر المفارنة ومن جملتهم (أخوه) برصوم الصفي وهكذا الدير الشيء ، والذي بقي لنا منه هذه الآثار العظيمة التي يفتخر بها كل إنسان ولا سيما قبر القديس مار متي الذي يؤمه الناس على اختلاف مذاهبهم ومللهم ونحلهم وينحنون أمامه ويذرفون الدموع لكي يعطيهم شفاعة بقوة الرب يسوع المسيح له المجد .

 

 

 

 

وماذا بشأن الزائرين ،يا أبونا؟

 

بالنسبة للزائرين لا زال الناس يأتون إلى الدير للتبرك والاستشفاء يؤمونه قسم كبير لتقديم النذور والبعض منهم لكي يشفوا من أمراضهم وغيرهم يطلبون من الله ليرزقهم أطفالا ً وقسم منهم يأتون للعماذ أو للاستجمام والراحة وذلك لموقعه الجميل . إن أسئلتكم جعلتني استعيد المعلومات التاريخية عن هذا الصرح.

 

شكراً جزيلاً أبونا الفاضل أدي، على السرد التاريخي والدقة في المعلومات أنا أحسدك عليها ، اقصد ذاكرتك متقدة دائما ً،فعمركم والشعرات البيض التي تضيء وجهكم الذي لا تفارقه الابتسامة وأسلوبكم السلس في الإجابة والمناسبة ، جعلنا نستمر في أسئلتنا إلى هذا الوقت المتأخر من الليل وأعطيتنا الفرصة رغم التزاماتكم الكثيرة..نحن ألان في المرحلة الأخيرة من أسئلتنا وهذه المرحلة هي بالحقيقة مجموعة أسئلة في موضوع واحد وهي بالتحديد عن قرية "ميركي" الجاثمة أسفل جبل الفاف (جبل شيخ متي) كل المدن والقرى التي أنشئت قرب الأديرة ،أو أنشئت الأديرة قربها لا بد وان ترتبط بعلاقة روحية إضافة إلى علاقتها الجغرافية والتاريخية والسكانية . سؤالنا عن قرية (ميركي)، هل تعرضت إلى المآسي حالها حال الدير؟ متى توطدت علاقتها بالدير، وما الوضع الحالي للقرية، اقصد كنسياً هل هناك رعية فيها؟.

 

 

 

 

أبرشية دير مار متي كانت تحتوي على عدة كنائس، كان هناك علاقة وطيدة بين دير مار متي وتكريت (مفريانية الشرق) لكل أبرشية لها كراسي ولكل كرسي مطران وكان (12 كرسياً، ست منها تابعة لأبرشية دير مار متي منها (المرج (مركا)، نينوى(الموصل)، أربل أو أربيل (حدياب)، نوهدرا(دهوك) والست الكراسي الأخرى تابعة لمفريانية تكريت وكان المطران دير مار متي سبق القصب في كتابة القوانين والأنظمة وكان له الحق في أن يجلس على يمين المفريان أو البطريرك وله الكلمة الأولى هذه الأبرشية بدأت تتقلص.

 

وحالياً أبرشية مار متي تتكون من: ميركي (التي تقولون عنها) وهي قديمة العهد أكثر من 150 سنة وحسب ما يخبرنا بعض الكبار في السن، بأن أهل ميركي نزحوا من قرية (قوب) وتقع شمال عقرة ولكن أصلهم تكارته، يبدو أن القارة الأخيرة للعثمانيين حيث هجروا من تكريت إلى قوب وسكنوا هناك وكان لهم أول قسيس يدعى "سلو"أي سليمان ولا زال أحفاده موجودين في بحزاني وبعشيقة، قديمة العهد هي ميركي وأول ما سكنها هم اليزيديون وكانوا يتعلمون مع الأمراء "الاغوات" وبعد ذلك هاجروا إلى بعشيقة وبحزاني بعد ذلك جاءوا أهل ميركي وسكنوا هذه المنطقة أول عائلة عشيرة مركاوية سكنت القرية هي عائلة بيت نعمان ثم سكنت بعدها عائلة بيت حِشكو هكذا يقولون لهم.

 

 

ألان ميركي قرية عامرة متطورة أهلها كرماء جيدون وطيبون ولهم كنيسة وكاهن وشمامسة وشماسات ، وهم ألان في أوج العز بالنسبة للروحانيات، فهم مؤمنون أتقياء يخافون الله، يقومون بخدمة الدير، أراضي الدير هي بيدهم فهم يستغلونها، أما البيوت فهي خاصة بهم وكذلك هو الحال بالنسبة لقرية (مغارة) المجاورة لميركي وكانت قديمة العهد وقد سكنها الاثوريون والأرض بعد هجرة الأرمن سنة 1948 سكنها الاثوريون ، وهي ألان قرية نموذجية فيها كنيسة (مار زاكاي) قس ميركي اسمه (زكا) يعقوب وهو من أهالي ميركي وكاهن قرية المغارة اسمه (بشارة صباح) من بحزاني ولديهم كنيسة على اسم (مار يعقوب) وهذا دليل واضح بان أهل ميركي هم أناس يتقربون إلى الله تقرب شديد وطيبون ويقومون بخدمة الدير خدمة جليلة يشكرون عليها وعلاقتهم مع الدير علاقة وطيدة جداً فهم ستروا ويسترون الدير في كل المراحل .

 

 

 

أما بالنسبة لبرطلة أيضا قديماً جداً وأصبحت في وقت ما مفرانية وقد ذكرها أيضا الرحالة ياقوت الحموي في معجم البلدان.

 

بعشيقة مدينة قديمة أيضا يرتقي عهدها إلى القرن الرابع الميلادي وهناك أيضا قرية الفاف أو (البركة) وقد أنشئت هذه القرية بعد 2003 عدد العوائل في قرية ميركي بحدود أكثر من (60) عائلة انتشر قسم منهم إلى قريتي المغارة والفاف وقسم الأخر منهم هاجر إلى برطلة وقره قوش وبغداد والموصل وهكذا بدأوا يتكلمون اللغة العربية كما هي الحال في قريتي بعشيقة وبحزاني.

 

وماذا عن أصل تسمية (ميركي)؟؟

 

تسمية ميركي يا عزيزي أرامية وتلفظ - ميركي، مركا، أو مركو) وتعني الأرض الخضراء الواسعة أو المروج الخضراء أو الأرض الخصبة ، والتي فيها نبات كثير وتلفظ بالسريانية الغربية (مركو) وبالسريانية الشرقية (مركا أو مركي)، أما في اللغة العربية فنجد هذه الكلمة بنفس المعنى فأصبحت (مرج) وجمعها (مروج)، ومعناها الأرض الفسيحة التي ينبت فيها العشب طوعيا ً أو يبذر بواسطة أو بتدخل الإنسان وقد سميت (ميركي) بهذا الاسم لأنها واقعة في منطقة مروج خضراء فسيحة قطعة منها.

 

 

 

*ولكن يا أبونا هناك قرية أخرى تحمل نفس الاسم تسمى (مركا) تقع على الشريط الحدود العراقي- التركي وهي تتبع إداريا إلى قضاء زاخو محافظة دهوك .

 

- نعم هذا صحيح قد تتشابه التسميات ثم تاريخياً هذه المنطقة كانت أبرشية يطلق عليها أبرشية (المرج) أو مركا.

 

* وماذا بخصوص تسمية بعشيقة وبحزاني؟

 

بعشيقة أو باعشيقة أو بحشيقة لفظة سريانية مكونة من مقطعين الباء وتعني (البيتاو بيث) و (عشيقا أو عشقا) وتعني العاشق أو المعشوق لتصبح التسمية بيت العاشق أو المعشوق أو بيت العشاق وذلك لحلاوة أجوائها وبساتينها.

 

أو تسمى أيضا (بيث شحيقي) أي بيت المسحوقين لان كلمة (شحق) السريانية تعني (سحق) من مصدر شحاقا أو معنى نكب أو ظلم أو فسد لتكون التسمية (بيت الظالم أو الفاسد أو المتشامخ) أو (بيت شاهاق) أي بيت اسحق نسبة إلى القلعة الموجودة في شمال شرق القرية (قلعة اسحق).

 

 

 

أما بالنسبة لقرية بحزاني، فأصل الكلمة (بيت حزووني) أي بيت الرؤى والمناظر الجميلة وكان فيها دير للرهبان على الرابية الطويلة  - ألان في حوزة الإخوة الأيزيديه - قتل فيه (برصوم النصيبيني) سنة  480 م . مار بارسهذي كان أول مطران لدير مار متي ومعه تسعون راهباً وألان أغلبيتها الساحقة من الإخوة الأيزيديه والباقي هم سريان أرثوذكس وعائلتين مسلمتين ويعيشون جميعهم في سلام وتآخي لا فرق بين هذا وذلك وكأنهم عائلة واحدة. كذلك هو الحال بالنسبة لبعشيقة وجميعهم مسيحيون ينتمون إلى الكنيسة السريانية الأرثوذكسية ورئيسنا هو قداسة مار اغناطيوس زكا عيواص حفظه الله وأدامه على الكرسي ألرسولي جالساً سعيداً ونتمنى له العمر المديد ومقره حالياً في دمشق سوريا.

 

 

 

 

*أبونا أدي خضر أبلحد شكراً جزيلاً لكم للمعلومات الدقيقة والتفصيلية التي أتحفتنا بها، هذه المعلومات هي بالحقيقة شهادة للتاريخ من خلالكم وان تخدموا هذا الصرح الإيماني الكبير لقد كان لقاؤنا معكم ممتع، رغم قطرات العرق التي زينت جبهتكم في هذا المساء البارد من شهر تشرين الأول 2007.

 

ونحن بدورنا نوجه ومن خلالكم شكرنا وتقديرنا العالي باسم إذاعة (صوت السلام) من بخديدا وهيئة تحرير مجلة (النواطير) وهيئة تحرير جريدة (صوت بغداد) للمعلومات التي قدمتموها لنا ،سنتمكن بعون الله من نشر هذه المعلومات لكي يستفيد منها القراء.

 

ومن خلالكم يا أبونا نقولها لسيادة المطران موسى الشماني والقائمين على إدارة هذا الدير ليمنحكم الرب الصحة والعافية والسلام لكي تكونوا رسل محبة وأمان أينما حللتم.

 

 

الحقيقة يجب أن أشكركم واحيي فيكم هذا الإصرار على نشر الحقيقة، أحيي فيكم حبكم لدقة المعلومة وكما أوضحت لي في بداية هذا اللقاء بأنكم تفضلون دقة المعلومة حتى تكونوا أمناء في نشر المعلومة الدقيقة لا أنسى أن أوجه شكري وتقديري لكل أهل بخديدا مدينة الإبداع والمبدعين مدينة الأصالة مع تمنياتي لكم بطيب الإقامة في ديركم دير الربان متى شفيعنا وشفيعكم.

 

صافحناه بقوة بعد جلسة استغرقت بحدود الساعتين خاصة وان عقارب الساعة تجاوزت العاشرة مساءً ولكنه كان مساءً جميلاً.

 

 

 

ممنون أبونا وبوش بشلاما

 

شلاما وحبا لكليخون عزيزي .. الرب يحفظكم ويبارككم.

 

تصوير متي كذيا

 

 

 

الطريق إلى الدير

 

القسم الثالث

 

ملخص ما نشر

في القسمين الأول والثاني من هذا التحقيق والذي شارك فيه مجموعة من إعلامي بخديدا ممثلة بـجريدة (صوت بخديدا) ومجلة (النواطير) و(إذاعة صوت السلام).

كاتب هذه السطور جاور الأب أدي خضر أبلحد القس (النعماني) احد القائمين على خدمة هذا الدير مضيفاً إليها مشاهداته لهذا الصرح الإيماني والثقافي الكبير.الزميل عدنان خضر اسطيفو سجل هذا الحوار لإذاعة صوت السلام وهذا القسم الثالث من هذا اللقاء .

أبونا أدي ، فيما مضى تحدثنا عن تاريخ نشوء الدير إيمانيا وعمرانياً وقبله كان الحديث عن صاحب الدير (القديس متى) وكذلك دور الدير الثقافي والإيماني في منطقة نينوى وما أصابه من نكسات نتيجة للوضع السياسي والحقب الزمنية التي مرت به ، ولكن رغم كل هذا وذاك بقي شامخاً ناشراً الضوء والدفء على محبيه وها نحن اليوم نتفيء بظله. سؤالي التالي يا أبونا أدي هو : من المعروف بان الكثير من الجغرافيين والرحالة مرورا على هذا الدير ومنهم الرحالة"ياقوت الحموي" في القرن الثالث عشر ، هل بالإمكان التحدث عن هذه الزيارة؟.

نعم ...يا عزيزي، أنا حاضر لكل أسألتكم ، وطالما أردتم التحدث عن هذه الحقبة أقول:

في مطلع القرن الثالث عشر ، قام ياقوت الحموي الجغرافي العربي الشهيد بزيارة الموصل ، التي كانت في تلك الأثناء مشهورة بمدارسها وعلمائها وعمرانها على عهد بدر الدير لؤلؤة ، حيث زار هذا الدير وقال فيه:"دير مار متى بشرقي الموصل على جبل شامخ ،يقال له جبل متى من استشرفه نظر إلى رستاق نينوى والمرج وهو حسن البناء،وأكثر بيوته منقورة في الصخر وفيه نحو مائة راهب لا يأكلون إلا جميعاً في بيت الشتاء أو في بيت الصيف المنقوران في صخرة ، كل بيت منهما يسع جميع الرهبان وفي كل بيت (20) مائدة منقورة من الصخر ، وفي ظهر كل واحدة منهن ( ُقباله) برفوف وباب يغلق عليها وفي كل ُقبالة آلة المائدة التي تقابلها من (غضارة ،وطوفرية،وسفرجة) ، لا تختلط آله هذه بآله هذه ، ولرأس ديرهم مائدة لطيفة على مكان لطيف في صدر الدير،البيت يجلس عليها وحدة وجميعها حجر ملصق بالأرض ، وهذا عجيب أن يكون بيت واحد يسع مائة رجل ، وهو موائده حجر واحد، وإذا جلس رجل في صحن هذا الدير ونظر إلى مدينة الموصل وبينهما سبعة فراسخ ووجد على حائط دهليزه مكتوبا ما يلي :

يا دير متى سقتْ إطلاُلكَ الديمُ

                           وانهلَ فيكَ على ُسكانِكَ الرهمُ

فما شَفى ِغلتي ماء على ظمأ

                           كما شفى َحرَّ قلبي َماءُكَ التبسمُ

ولكن معالم هذين البيتين قد اختفت ولا يعرف مكانهما بالضبط .

جميل هو وصف الشاعر للدير يا أبونا، ولكن كما اختفى مكان هذين البيتين- كما تقول- ولا يعرف  قائلهما أيضا ،فقد كان حال هذا الشاعر حال الكثيرين الذين مروا بالدير في فتراته المضيئة أو حتى المظلمة أحيانا عندما كان يهجر ،فكما كتبت في بداية هذا اللقاء بأنه كان مأوى للصوص وقطاع الطرق.

ولكن لطالما تكلمت بصدد الإحداث التي حصلت في هذا الدير لا بد من التطرق إلى حملات المغول والتتر كما حصل في فترة اجتياح (تيمورلنك) لهذه الديار.إذا ليس لديك مانع- يا أبونا- أن نتحدث عن هذه الفترة ، حتى ولو كان ذلك بشيء من الاقتصاد ، نعم تفضل ابونا.

بعد عام 1260م عانى الدير كثيراً من غارات المغول والتتر ومر بظروف قاسية جداً وصعبة ولكنه صبر على كل هذه الاعتداءات بشفاعة القديس مار متى ودعائه، وفي العقد الأخير من المئة الرابعة عشر ظهر تيمورلنك الطاغية فقد تضعضعت أحوال الدير في عهده وانتهى به الأمر إلى أن أمسى مأوى لبعض المجرمين الذين استوطنوه فترة من الزمن، ونتيجة لذلك تشرد الرهبان وظل الدير مهجوراً منسياً مدة تزيد على الـ (150سنة) أي من عام 1171 ومتى سنة 1187م ثم استأنفت فيه النشاطات الكنسية في شتى الميادين ، وبعد حين اخذ الدير يلمع ذكرة مرة أخرى بشكل خافت وضئيل في نهاية القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر، ثم بدأ يتوهج بعد سنة 1660م أي في العهد العثماني الثاني فتسلسلت أخباره ومن ثم حتى يومنا هذا ويسير سيراً طبيعياً خلال الفترة الواقعة ما بين (1833-1846) إذ تولاه الخراب على اثر غارة محمد باشا ميره كور وخلا من السكان اثنتي عشر سنة.

- لقد أعطيتنا من عبق التاريخ الكثير، فقد كانت إجاباتك كافية وواقعية ودقيقة ،فأنت يا أبونا أدي ذاكرة حية ومتقدة لذاكرة الدير، فعندما طلبنا وقبل أن نلتقي بك من سيادة المطران موسى الشماني حديثاً عن تاريخ هذا الدير العريق، وبعد أن صافحناه مبتسما قال:لديكم ذاكرة الدير الحية (أبونا أدي) فهو يحمل تاريخ الدير وفعلا كانت كلماته في مكانها فقد كانت إجاباتك فعلا ذاكرة لهذا الصرح الكبير..

أبونا أدي ننتقل بك ألان إلى التاريخ الحديث للدير، وبإمكانك أن تبدأ من أي فترة تريد ولتكن القرن الماضي وبالتحديد نهايات القرن العشرين هي الفترة التي نتحدث بها وعندما تجد بان الوقت يحاصرنا بإمكانك أن تتوقف عند أية نقطة،تفضل أبونا.

أما ألان.. وفي القرن الواحد والعشرون ،فقد قطع الدير شوطاً بعيداً في الأعمار والتقدم منذ سنة 1970 في القرن الماضي حيث بعد وفاة المثلث الرحمة المطران مارطيماثوس يعقوب موصلية ترأس الدير الأب العلامة الملفان(الربان اسحق ساكا) والمعروف حاليا باسم (المطران ماسيرويوس اسحق ساكا) فكان مديرا قديرا ومرشدا روحيا جيدا فقام بإدارة الدير،إدارة مرموقة جدا،حيث ازدهر في عهد الدير ازدهارا كبيرا جدا وعمل على جلب الكهرباء إلى الدير وأيضا إلى تبليط الشارع إلى أسفل "الطبكي" وقام بتعمير الدير تعميرا شاملا حيث جدده تجديداً كاملاً كان غيوراً، ورعاً ومرشداً روحياً فقد كان يؤمه الآلاف الزائرين ويسمعون إلى كلماته الروحية الرقيقة والعالية فقد كان محبوبا جدا والى يومنا هذا.

ثم بعد انتهاء رئاسته للدير،أطال الله في عمر طويلا،وبعد هذه الجهود الكبيرة والجبارة في تحسين الدير وتجميله ، استلم الدير نيافة الحبر الجليل (مثلث الرحمة مار ديوسقورس لوقا شعيا) مطران أبرشية دير مار متى سنة 1981، فهو الأخر قام أيضا بتدبير الدير وترميمه وتجميله وتحسينه وتجديده من كافة جوانبه داخلياً وخارجياً وحتى توفاه الله في سوريا سنة 1996 حيث قدم استقالته سنة 1995 .

هكذا خدم الحبر الجليل المثلث الرحمة (مار ديوسقورس لوقا شعيا) الدير والأبرشية وكان في عهده الدير عامراً ومزدهراً. وبعد ذلك عين المطران (موسى عبد الأحد الشماني) مطراناً للدير حيث استلم إدارة الدير منذ عام 1995.

- هل بالا مكان التحدث يا أبونا أدي على الترميمات التي شهدها الدير في الخمسين سنة الأخيرة، الجهات التي مدت يد المساعدة في تعمير الدير.

الحقيقة ،نحن نقولها للتاريخ نقدم الشكر الجزيل للأستاذ رابي سر كيس اغاجان الذي اهتم بالدير الاهتمام الكبير. ولكن من دون أن لا ننسى ما قدمته الدولة في عهد الرئيس السابق المرحوم (صدام حسين) للتاريخ أيضا يجب أن نذكر هذا حيث قام بترميم وتجديد كافة أنحاء الدير في عهد سيادة المطران سيرويوس اسحق ساكا، أيضا في عهد مثلث الرحمة مار ديوسقورس لوقا شعيا مطران الدير والأبرشية (1980-1984) حيث أمر في ذلك الحين الرئيس صدام حسين بترميم وتجديد كافة أنحاء الدير من الداخل والخارج ، حيث كلف تجديده في تلك الفترة مبلغ (451000) ألف دينار.إضافة إلى قيامه بتبليط الشارع من مفرق عقرة الجديد إلى الدير وكانت كلفته أكثر من (2500000) مليون في ذلك الوقت.

هكذا كان الدير يمر في مراحل تقدم وازدهار، حتى وصل إلى عهد رابي سر كيس اغاجان ، هذا الرجل المحسن والممتلئ قلبه بالأيمان والورع والحنان على الكنيسة والأديرة في كل مكان حيث نعتبره هبة الله من السماء إلى المؤمنين حالياً فنحن نثني على جهوده الجبارة ونتمنى له الخير والتوفيق والصحة والعافية والسلامة في كل وقت وحين لمبادرته ومساعدته للكنائس والأديرة وكافة المؤمنين. كذلك نتمنى لسيادة المطران موسى عبد الأحد شماني التوفيق والنجاح في أعماله.

- من هي عائلة الدير الصغيرة،اقصد من هم العاملون على خدمة هذا الدير وبالتالي القيام بالأمور الكنسية والطقسية وكذلك خدمة الزوار ؟

ألان في الدير ،ثلاثة رهبان،اثنتين منهما (الأب الربان أدي) وهو كاهن والأب الربان (عيسى الشماني) وهو كاهن أيضا ، ولدينا الراهب بولص بهنام وهو راهب مبتدئ إنجيلي وأيضا لدينا شماس اسمه وليد فيهم وكذلك لدينا الدير الكهنوتي يحتوي على ثمانية طلاب يدرسون ويتعلمون الأمور الدينية واللاهوتية لكي يكونوا أعمدة المستقبل ،كهنة المستقبل لرفع شأن الكنيسة.والأب الربان برنابا هو ناظر الدير الكهنوتي وهو يعتبر كمعاون للمطران..ومرة أخرى أرحب بكم أجمل ترحيب مع تمنياتي لكم بالخير أينما تذهبوا..

 

 

القسم الثاني

 

 

نشر في جريدة (صوت بخديدا) العدد 48 آذار 2008

 

ملخص ما نشر

في القسم الأول من هذا التحقيق نشرت مشاهدات عن زيارة قام بها مجموعة من إعلامي بغديدا من جريدة (صوت بخديدا) ومجلة (النواطير) ، فضلا ً عن كادر إذاعة صوت السلام .

كاتب هذه السطور حاور الأب الربان أدي خضر أدي ، احد الذين نذروا أنفسهم لخدمة هذا الصرح الإيماني الكبير .

الزميل عدنان خضر اسطيفو المذيع في إذاعة (صوت السلام) سجل هذا اللقاء صوتا ً.. وهذا هو القسم الثاني من اللقاء .

 

هذا الصرح الإيماني

الحقيقة يا أبونا أدي قاطعتك أو بالحقيقة قطعت سلسلة أفكار لسبب واحد بسيط هو انه أريد أن تلتقط أنفاسك بعض الشيء وذلك لكي أتحول بسؤال أخر وهو ... من هو القديس متى؟

لقد ولد قديسنا العظيم (مار متى) الناسك السرياني الأصل قرية (ابجر شهر) من أعمال ديار بكر(تركيا الحالية) في الربع الأول من القرن الرابع الميلادي . ترعرع في أحضان أسرة تقية فاضلة ثرية مع أختين فاضلتين وأخ اسمه (زكريا) ، ولما توفي والده وهو صبي التحق بدير في قريته هو دير "سركيس وباكوس". ولما نشأ على حب التقى في أحضان هذا الدير ردحاً من الزمن تركه قاصداً دير (زقنين) المعروف يومذاك بمكتبته الشهيرة ونظامه البديع وأساتذته الإعلام وهناك أرتشف قسطاً وافراً من العلوم والآداب الكنسية ولما أثار (يوليانس الجاحد) قيصر روما اضطهاده العنيف على الكنيسة المسيحية عامة سنة (361) غادر القديس الجليل (مار متى) مع أشهر الرهبان (زكا، دانيال،إبراهيم واسحق) وأكثر من 20 آخرين إلى كورة نينوى في الموصل ، لكن القديس مار متى انفرد في صومعة صخرية في جبل مقلوب وهي لا تزال ماثلة تحاكي الزمان حتى يومنا هذا وتقع إلى الجنوب الشرقي من الدير وتطل على الجنينة ، وذاع صيته في كل مكان وهكذا انتشر عبير قداسته وفاح أريج صباحه وتتلمذ عليه يده جمع غفير من الناس ولا سيما بعد تنصيره الشهيدين (مار بهنام وأخته سارة) ، التي شفاها من داء البرص ، ولما عرف والدهما الملك (سنحاريب) ملك بلاد اثور الآرامي السرياني الوثني بتنصرها أمر بقتلهما مع أربعين جندياً أيضاً ، وهم باكورة شهداء المسيحية في بلاد أثور ونينوى ، وعلى اثر هذا الحادث المروع أصيب الملك سنحاريب بصرع وجنون مرعب كاد يؤدي بحياته لو لم يظهر الأمير بهنام لوالدته في حلم في الليل قائلا ً لها أن تأخذ أباه إلى مار متى فينال الشفاء التام . وفي الصباح الباكر أخبرت الملك سنحاريب بهذه الرؤية وقصد الملك سنحاريب القديس مار متى وصلى عليه وشفاه من مرض الصرع فعاد معافى. ثم تطوع وشيد ديراً جليلاً كبيراً فخماً كان أية في الروعة والجمال وبلغ عدد رهبانة بضعة ألاف الرهبان ، الذين قطنوا فيه وتعين القديس مار متى أول رئيس له بتقواه وصلاحه وعفته وإيمانه وتوفي في أوائل القرن الخامس الميلادي شيخاً طاعناً في السن ( 411 م ) . ولا زالت معجزاته الخارقة تتعاقب بين الحين والحين حتى يومنا هذا.

الحقيقة يا أبونا أدي، انا أشكرك على السرد التاريخي الدقيق لتاريخ انتشار المسيحية في هذه الديار وكذلك دير مار متى هذا الصرح الإيماني الكبير ، وطالما أخذت الموضوع بتسلسله التاريخي اطلب منك أولاً أن تأخذ قسطاً من الراحة لأننا جئنا بدون موعد مسبق خاصة وان ثقل ألـ (68) سنة بدأت تبدو واضحة من خلال نبرات صوتك يا أبونا. جوابك على سؤالنا الأول شجعنا أن نستمر بموجب السياق الذي بدأت به وهو السرد التاريخي للأحداث ، اقصد تسلسل السرد وبدأنا إلى النقطة التي من المفروض أن نبدأ منها وهي بداية إنشاء الدير.

سؤالنا التالي يا أبونا، هو إن الدير في مرحلة نشوءه الأولى كان عبارة عن مجموعة قلايات او غرف خاصة للنساك ما هي المراحل التي مر بها الدير عمرانيا ؟

قبل أن اجيب على هذا السؤال ينبغي أن أعرفكم عن ارتفاع هذا الدير وموقعه . يبلغ ارتفاع هذا الدير العظيم (3400) قدم عن مستوى سطح البحر، يصعد إليه المؤمنون عن طريق جبل سيراً على الأقدام أو ركوب الحيوانات التي تسمى (الطبكي) ، أي المرتقى ، والطريق ملتوي كأنه ثعبان يحتوي على (32) استدارة. هذه هي الملاحظة التي أردت أن أوضحها لكم قبل أن أجيب على سؤالكم والمتعلق بالمراحل التي مر بها الدير )

الدير في مختلف العصور وعبر التاريخ

قبل أن ينشأ الدير كان عبارة عن صوامع وقلايات منقورة في الصخر عندما التجأ إليها القديس مار متى وسائر الرهبان كان كل واحد منهم  قد اختار له صومعة صغيرة من الصخر لكي يتعبد للرب يسوع المسيح ، ولان الجبل كان عال ٍ جداً وسمى بـ (جبل مقلوب) . سمي بهذا الاسم ، لان صخوره في منحدراته ومنعطفاته تكون مغايرة لبقية الجبال بالنسبة للتصفيف والتنظيف والتنسيق ولهذا سمي بجبل مقلوب ، هذا بالنسبة للرأي الأول.

وهناك رأي أخر يقول بان الجبال عادة تكون من إحدى الجهات سهلة التسلق أما من الجهة الثانية فتكون صعبة التسلق . أما جبل دير مار متى فهو صعب التسلق من كل الجهات شمالاً أو جنوباً أو شرقاً أو غرباً ، ولهذا أيضا سمي بجبل مقلوب ، لأنه يختلف عن سائر الجبال الأخرى. أما تلك الصوامع والقلايات التي كان يسكنها الرهبان فكانت منقورة في الصخر ، حيث كانوا يتعبدون فيها ليلاً ونهاراً، إلى أن بدأ الدير يتطور شيئاً فشيئاً ، ولا سيما بعد تأسيس الدير في أيام القديس مار متى بمعونة الملك سنحاريب ملك نينوى ونمرود (كالح) . سخر أكثر من (20) ألف عامل لبناء الدير وذلك بعد شفاءه من مرض الصرع (كما وضحت في حديثي سابقاً) فأراد أن يكرمه فقال له القديس مار متى : أن كنت تريد أن تكرمنا فأبني لنا ديراً أولا لكي يتمجد اسم الله وأنت يتخلد ذكرك في التاريخ ، ومن ذلك الحين بدأ الملك سنحاريب ببناء ذلك الدير وكان يساعده في ذلك القديس مار متى زاكاي ومار ابروهوم وبيث القديسين وهيكل الكنيسة إلى أن أصبح الدير بهذا الشكل الرائع والجميل الذي ترونه في هذه الأيام.

* أبونا هل بالإمكان أن نأخذ استراحة قصيرة ومن ثم نستمر هكذا ، إذا لم يكن لديك مانع او إذا تريد أن نكتفي بهذا القدر من الحديث على أن نواصل اللقاء يوم غد خاصة ونحن موجودون في الدير اليوم.

أنا مرتاح ، خاصة وان أسلوب حواركم معي جعلني أتعامل بموجب السياقات التاريخية للأحداث ، قصدي تسلسلها الزمني أما عن تأجيل اللقاء أو تكملته إلى يوم غد فأنا والحمد الله بخير ولا تجعلكم الشعرات البيض التي تزين وجهي وكأنني متعب الله أعطانا الصحة وهذا اللقاء جزء من الخدمة التي نؤديها للمؤمنين يومياً في الدير .

* الله يعطيك الصحة والعافية أبونا أدي وطالما كانت رغبتك في مواصلة الحديث إلينا ، إننا بدورنا أيضاً سنقوم بنشر نص هذا الحوار حتى ولو على شكل حلقات خدمة للمؤمنين ومتتبعي تاريخ هذا الدير العريق ، أما سؤالنا التالي فهو:

لقد كان الدير على مر العصور مركز إشعاع ديني وثقافي رغم المصاعب والمصائب التي مرت به من فارسية، ساسانية وعثمانية هل بالإمكان التحدث عن دور هذا الصرح الإيماني الكبير في نشر الثقافة الدينية والعامة؟

أولا ً : الدير عاش عبر العصور أزمنة سياسية مختلفة فارسية، ساسانية ، عربية ، مغولية في عهد تيمورلنك، عثمانية وأخيراً عربية مكتسباً شهرة كبيرة ملأت الأفاق وخاصة في العصر العباسي فكان الدير في هذه مرحلة المراحل التاريخية أولاً مركزاً هاماً للإشعاع الروحي والقديس مار متى كان من الرواد لنشر بشارة الخلاص والإنجيل المقدس في هذه الربوع حتى وفاته سنة 411م ، وهكذا اقتدى به جميع الذين خلفوه حيث حملوا لواء الإنجيل المبارك للشعوب الوثنية واليهودية وغيرها.

ثانياً: اهتم القديس مار متى الجليل بسلك الرهبنة وقوانينها لأنه من إبطال النسك والزهد والتقشف، ولا تزال تشهد على ذلك الصوامع والمغاور والكهوف المنتشرة في الجبل ، إذ بلغ عدد الرهبان في الدير في عصره الذهبي ما بين السنتين (400-480م) أكثر من سبعة ألاف راهب حسب ما أخبرنا به التاريخ الكنسي وهناك مصدر أخر يقول كان عددهم اثنا عشر ألف راهب منتشرين في الجبل والدير لان الكثيرين كانوا يتوافدون على الرهبنة في تلك الأثناء وذلك هرباً من بطش الحكام الوثنين ، الذين كانوا يظلمون المؤمنون المسيحيون في عهودهم.

ثالثاً: لقد أصبح الدير محجاً ومزاراً وبحكم موقعه الجميل ومكانته الدينية يؤمه الناس من كل مكان ومن مختلف المذاهب للتبرك بأضرحة قديسية الصالحين وخاصة ضريح القديس مار متى ومار غريغوريوس يوحنا ابن العبري العلامة الذائع الصيت في القرن الثالث عشر سنة (1126-1286)م ، حيث توفي في مراغة في بلاد فارس وثم نقلوا رفاته إلى دير مار متى ودفن في مدافن المفارنة.

* من المعروف تاريخياً- يا أبونا- بان الدير احرق ودمر بالكامل ثم هجر هل بالإمكان التحدث عن هذه المرحلة ؟ ثم متى عادت إليه الحياة الطبيعية؟ وما مصير الآف الرهبان والنساك الذين اتخذوه ملجأً ومكاناً للعبادة ، تفضل أبونا

نعم ، بعد مرور مائة سنة على تأسيس الدير ، أصيب بحريق هائل عام 480 على يد (برصوم النصيبني) النسطوري ، والذي جرى بالتعاون مع حكام الفرس الساسانين الذين هجموا على الدير ، وخربوا منه اجزاءً كثيرة واحرقوا مكتبته الكبيرة والثمينة وقتلوا العديد من رهبانه ولا سيما رئيس الدير المطران الشهيد (مار بارسهذي) الزاهد. وفي نهاية القرن الخامس عاد إليه بعض الرهبان الذين نجوا من الاضطهاد واستأنفوا الحياة النسكية بعد ذلك الخراب الشامل فرمموا الدير المحترق حتى برز اسمه مرة ثانية عالياً ساطعاً من جديد في عام 544 م ، مما جعله يواصل مسيرته التاريخية الروحية المقدسة بصورة منتظمة وخاصة في العهود العربية التي عقبت العهد الساساني ، فقد لقى الدير عناية خاصة في عهد الخلفاء الراشدين وخاصة في عهد الخليفة (عمر بن الخطاب) الذي على يزدجرد الأول ملك الفرس الأخير سنة 636م .

     في سنة 1171 ميلادية هجر الدير بسبب اعتداءات بعض الناس المجاورين له    وبقي مهجوراً حتى عام 1187 م ، وثم استأنفت فيه النشاطات الكنسية من جديد في شتى المجالات ، ومما لا شك فيه إن الدير كان في هذه المراحل والحقب مناراً للعلوم والمعارف بين فترات متقطعة.

* الله يعطيك الصحة والعافية يا أبونا ، ولكن كما هو معروف في الصحافة بان لا تختلف عن "التنور" فكلما أطعمت وقوداً تتطلب المزيد، اتفقنا في بداية اللقاء بان الحديث يكون مقتصراً على دير مار متى فقط ولكن "الدير" يا أبونا حالة خاصة ضمن حالات عامة يعيشها مسيحيو تلك الفترة فهل بالإمكان أن نسألك يا أبونا أدي عن وضع كنيسة المسيح في الفترة التي تحدثت عنها تاريخياً؟

إن الحقبة التي مرت على الكنيسة السريانية في القرن الخامس يمكن تقسيمها إلى قسمين، الأول قبل ظهور النسطورية والثاني بعد ظهورها ، وهذا الأخير يشمل الأحداث الدامية والآلام المريرة التي تجرعتها كنيسة المسيح المقدسة في هذه الفترة لقد كان النصف الأول من القرن الخامس قاسياً جداً على الكنيسة في مملكة الفرس من جراء الاضطهاد القاسي الذي زعزع كيانها في عهد (بهرام الخامس 420-438م) ورغم ذلك كانت الكنيسة تتقوى في الإيمان ، وترتب صفوفها فكثرت الكنائس في كل مكان وامتلأت الجبال والوديان والبراري بالصوامع والمناسك وانتشرت أنوار الإنجيل منتعشة في بلاد ملك الملوك ، وفي هذا الزمان كان الدير ذاهباً  ُصُعداً في التوسع والانتعاش الروحي وكثر فيه الرهبان والنساك وانتشرت المعابد والصوامع في (جبله الشاق) ، ولا زالت إلى ألان تشهد على تلك الأيام الغابرة وأثارها ماثلة للعيان تحاكي الزمان إلى ألاف.

لقد بلغ الدير شأناً بعيداً في الميادين الدينية والروحية والعمرانية والثقافية كافة.

كان النصف الثاني من القرن الخامس كارثة عظمى متواصلة الحلقات على كنيسة المسيح السريانية الفتية ، إذ انقضت المحن كالصواعق وهاجمتها فلول الظلم والطغيان وجيوش البغي والعدوان من كل صوب ، ففتكت بأبنائها فتكاً ذريعا من جراء التنكيل والتحريض والتقتيل ومنهم "أسقف نصيبين" برصوم سنة 480 ميلادية الذي أراد نشر كلمة المسيح ، فقدست بالدماء وعطرت بالقداسة والطهر والنقاوة منذ فجر المسيحية .

ولما كان هذا الدير العريق عضواً حياً فعالاً في جسم الكنيسة المضطهدة وتعرض لهذا الاضطهاد الشديد الذي قوض معظم أجزاءه لكونه معقل المجاهدين الذين تمسكوا بالحق وأراقوا في سبيله دمائهم الطاهرة.

أما الفترة التي امتدت من أواخر القرن الخامس إلى نهاية القرن الثامن فكانت فترة سلام للدير وان كانت الكنيسة قد قاست بعض الضيقات إلا أنها كانت في مأمن من الذبح والتقتيل وانتعش الدير وأعاد أمجاده السابقة التي أراد وأدها المضطهد الشرير برصوم النصيبيني النسطوري المارق ، وجددت فيه الدراسة اللاهوتية والعلمية وأخذت روح الانتعاش رويداً رويداً في سائر مرافق الحياة فيه.في الربع الأخير من القرن الخامس أصبح الدير كرسياً اسقفياً ثم مطرانياً وبهذا احتل مطرانه مكاناً رفيعاً في كنيسة المشرق ، وبعدئذ أصبح مقراً مفريانياً وذلك في القرن الثاني عشر وما بعده ومنهم العلامة المفريان (يوحنا ابن العبري) سنة (1226-1286).

* كثيرة هي النفائس والذخائر من بيوت القديسيين وأضرحتهم التي يضمها الدير ، لا بل هو بالحقيقة متحف يخلد تاريخ هذه المنطقة رغم ما أصابه من نكبات ومحن والتي تحدثت عنها – يا أبونا أدي- شئ من التفصيل ، ومن هذه الذخائر مكتبة الدير الشهيرة، فهيا بالتأكيد قد نالها الكثير من الأذى والتخريب الذي حل بالدير ونعرف أيضا بأنها تعرضت للحرق مرات عديدة ، هل بالإمكان أبونا إن نتحدث عن هذا الكنز الثقافي ؟

- بالتأكيد يا عزيزي لأهمية الدير الكبرى عقدت فيه عدة مجامع كنسية مهمة ، كما تخرج منه ثلاثة بطاركة وسبعة مفارنة وعدد كبير من المطارنة المعروفين بالتقوى والورع ، كما لا يمكن أن ننسى مكتبته الشهيرة التي حوت العديد من نفائس الكتب والمجلدات والمخطوطات الغالية الثمن ، التي امتدت إليها أيادي الناس الغادرين فصارت معرضة للحرق والضياع في تلك الأزمنة العصيبة .

ففي عام 1369م سطا بعض الناس على الدير ونهبوا واحرقوا كل ما فيه ومنها مكتبته الشهيرة ، وهكذا فعل (محمد باشا الراونذزي) حتى غدا الدير أثراً بعد حين لولا عناية الرحمن القدير التي حفظت لنا بعضاً من تراثه . أن لهذا الدير الجليل شهرة واسعة مستفيضة في كنيسة المشرق السريانية بشكل خاص والكنيسة السريانية الأرثوذكسية بشكل عام ، وقد رن صيته في كل الورى نظراً لقدسيته ولاحتوائه على الذخائر المقدسة ولشهرة معهده الكهنوتي ومكتبته النفيسة ومركزه المرموق ومكانته السامية في كنيسة المشرق ، إذ أدى دوراً مهماً على ساحة الكنيسة منذ تأسيسه حتى ألان .يشتهر الدير بمكتبته الفاخرة وبكنيسته التي تحمل اسم القديس (مار متى ) وتشمل على المذبح والهيكل ومدفن الآباء القديسين المعروف ببيت القديسين والمذبح قديم جداً ربما ارتقى قسم منه إلى القرن السابع الميلادي ، تكلله قبة كبيرة عالية تنطق ريازتها بتقاوم عهدها والقسم الأخر الذي يشكل واجهة المذبح ، حيث شيد عام 1858م أما الهيكل فجديد فقد شيد عام 1858 أيضا مع واجهة المذبح ، بيد إن جداره الشمالي وضع على أساس قديم جداً ، وأهم جزء في هذه الكنيسة هو بيت القديسين والذي هو جزء من المذبح تقريباً ، يفصل بينهما حائط له قبل طريقه تشبه ريازتها قبة المذبح . ويشتمل بيت القديسين هذا على سبعة أضرحة، واحد لمار متى ، مار زاكاي، مار ابروهوم، ومار برسهذي الشهيد أول مطران لدير مار متى ولبعض المفارنة من ضمنهم العلامة ابن العبري ولبعض المطارنة أيضا.

* هناك تقليد تتبعه جميع الأبرشيات وكذلك قرانا المنتشرة على مساحة هذا الوطن وهو إنها تجعل من كل قديس يوم تحتفل بهذا القديس وتتخذه في بعض الأحيان شفيعاً لها . بالنسبة للقديس (مار متى) هل هناك يوم معين يحتفل بذكراه هذا ؟ وهل أقيمت أديرة أو مؤسسات كنسية على اسم هذا القديس وأحياء لذكراه؟

- للقديس مار متى في أبرشيته ذكرى عاطرة وخاصة ً في تاريخ الكنسية السريانية فقد ضمنت اسمه إلى جريدة القديسين وعيدنت له الثامن عشر من أيلول كيوم انتقاله في كل سنة ورتبت له طقساً أو فرضاً خاصاً به ، كما ضمنت اسمه إلى الشملايه أي (دبتيخا الآباء) القديسين الراقدين،  وان الكثيرين من المؤمنين اتخذوا اسمه تيمناً ولا سيما قد َمنّ الله على أبويهم بشفاعته وقد اعتاد كثيرون أيضا أن يعمدوا أولادهم في الدير تبركاً أو وفاء ً لنذرٍ.

 

 

 

 

 

 

الطريق إلى الدير

 

 

"القسم الأول"

نشر في جريدة (صوت بخديدا) العدد 47 شباط 2008

 

يا دير متى سقت إطلالك الديم

وانهل فيك على سكانك ألدهم

فما شفى غلتي ماء على ظمأ

كما شفى حرّ قلبي ماؤك الشيم

هذان البيتان من الشعر وجدا مكتوبين على حائط دهليز في دير "مار متى" لا يعرف من هو صاحبها ولا مكانها بالضبط ، فقد أصابها ما أصاب الدير من ويلات ونكبات خلال تاريخه الطويل الذي يمتد إلى أكثر من 1600 سنة .

كاتب هذين البيتين قد بهرته طريقة بناء الدير ومعيشة الرهبان فوجد بأن هذه الطريقة التي من خلالها يستطيع أن يعبر عن عظمة الكهوف والقلايات التي حفرتها أنامل وأزاميل هؤلاء النساك .

 

الطريق إلى الدير

 

 

دير مار متى ، صرح إيماني وتاريخي كبير ، لا بل هو من أقدم ألاماكن التاريخية والاثارية في العراق ومن المزارات الدينية المقدسة للمسيحيين وكذلك للطوائف الأخرى .

يقع على بعد 35 كم شمال شرقي الموصل ، 2100 قدم ارتفاعه عن مستوى سطح البحر ، الصاعد عليه سيراً على الأقدام يتسلق الجبل بين مرتفعين الطريق مرصوف بالحجارة ، اثنين وثلاثون استدارة يمنه ويسرى تقدر بكيلو متر تقريباً، هذا الطريق يطلق عليه تسمية "طبكي" وهذه كلمة سريانية من "طبويو" أو "طيبوتو" ومعناها المرتقى أو الصعود علواً أو ارتقاء ً. هذا هو الطريق إلى الدير تسلقاً أو مشياً . ارتفاع قاس وعمودي ، ويبدو الدير كطفل يغفو على صدر عملاق خرافي تشعر بدفء العلاقة بينهما .

أما الطريق الأخر والذي شق في الثمانينات من القرن الماضي فهو مخصص للسيارات ويقع شمال الطريق الأول وهو يتلوى كالأفعوان يميناً ويساراً ، التواءات حادة وقوية تجعلك تضع قلبك في (ثلاجة) ويكون نظرك إلى الأمام دائماً حيث بناية الدير الشامخة ، فالالتفاف إلى الخلف تجعلك ترى الهوة السحيقة والتي تنتهي بواد ٍ سحيق يشعرك وكأن حيوان خرافي جائع قد فتح فاه بانتظار فريسة تأتيه على غير موعد ، وكثرة التدقيق في ارض هذا الوادي تجعلك قريبا من الشعور بأن تكون عدداً صغيراً يختفي في جوف هذا الحيوان.

المسافة بين ارض الوادي والدير لا تستغرق بالسيارة سوى دقائق وهذه هي الطريقة التي اخترتها في الوصول إلى الدير ، فمن غير الممكن أن اسلك الطريق الأخر وهو التسلق من حافة الوادي صعوداً إلى القمة ، الشباب اختاروا هذا الطريق فهم يفضلوا الطريق الأصعب وكذلك المجازفة التي يفضلها مثلي وقد تجاوز عتبة الخمسين.

الدير من الداخل

اجتزنا بوابة الدير العالية والتي تزينها قطعة من حجر الحلان منقوش عليها عبارة "دير مار متى للسريان الأرثوذكس" بالعربية والسريانية هذه البوابة تعلوها المجرسة والتي صممت على شكل قبة صغيرة لا تختلف عن غطاء الرأس الذي يستعمله المطارنة السريان، ولا ادري هل هذا التصميم جاء عفوياً بهذا الشكل أم إن المعماري الذي صممه أراد له أن يكون هكذا.

يقودك الدرج إلى جوف الدير ، غرفة الاستعلامات على يسار الداخل تضم مجموعة من الشباب ، تخفف ابتسامتهم تعب ( 1200 قدم ) والتي اجتزتها صعوداً.

معلومات بسيطة تأخذ طريقها إلى السجل الخاص بهذا القسم (الاستعلامات هذه المعلومات تؤمن لك الإقامة والمبيت في حالة رغبتك بذلك).

كان وصولنا ظهراً وها هي ساحة الدير تعج بالعشرات لا بل المئات الذين تواجدوا كل من لغرض ما .

فالعشرات من شبابنا وشابات برطلة قد امضوا يومين في الدير معهم عدد من الإباء الكهنة في رياضة روحية ، سيادة المطران متى شابا متوكا رئيس أبرشية بغداد للسريان الكاثوليك كان يقود مجموعة من الشباب (البغاددة) إلى القاعة المخصصة للمحاضرات كلمناه على عجل فقد كان مرتبطاً بموعد معهم أيضا.

عوائل عديدة فرشت ممرات الدير الكبيرة جاءوا لاداء نذر أو زيارة اعتيادية أو زيارة إعلامية كما هي حال زيارتنا هذه.

المطران شماني وجريدة (صوت بخديدا)

سيادة المطران مار طيماثاوس موسى الشماني رئيس مار متى ورئيس خورنة برطلة وشيخ متى كان لنا لقاء قصير معه بعد أن رتبنا الغرف المخصصة لنا ، رحب بنا بابتسامة قلما فارقت شفتيه، استفسر عن بخديدا وأهلها والإبداع الثقافي فيها شاكراً الجهود التي تبذل لإخراج العديد من الصحف والمجلات مشيداً بما يقدمه مثقفيها من خدمة لهذه البلدة المباركة ومن ثم لمناطق أهلنا وتاريخها بشكل عام.

استفسر عن جريدة (صوت بخديدا) هذا الجهد الإعلامي الكبير وكذلك مجلة (النواطير) وقد وجدناه يتصفح مجموعة من إعداد المجلة وهو يتذكر كتاب المجلة ورسامها وكذلك المواضيع التي سبق وان نشرتها المجلة.

بعد فنجان القهوة شرحنا له مهمتنا وهي إجراء حوار صحفي وتحقيق عن دير مار متى ، فرح بالمهمة وأعلن استعداده لأية خدمة يمكن أن تفيدنا في إكمال مهمتنا .. ولكن (قالها بعد توقف قصير) لديكم ذاكرة الدير ، أبونا الربان أدي فهو يحتفظ بكل تاريخ الدير، وإذا وجدتم إن المعلومات تحتاج إلى تعزيز أو إضافة فانا حاضر.

صافحناه بقوة شاكرين له حسن الضيافة والاستقبال.

في ضيافة الربان أدي

قبل أن نفتح أجهزة التسجيل ، رحب بنا الربان أدي خضر أبلحد القس (النعماني)هذا هو اسم ضيفنا الكامل، وقبل الحوار معه ، لابد من نبذة مختصرة عن هذا الإنسان الذي نذر نفسه في خدمة النفوس في أبرشية مار متى ...

إذن معلوماتنا عن الأب الربان خضر تقول:

انه من مواليد بحزاني 1940، أنهى دراسته الابتدائية من مدارسها عام 1957، لينخرط في سنة 1959 في سلك الرهبنة في الكلية اللاهوتية في الموصل ومضى فيها ثلاث سنوات بعدها نقلت الكلية إلى مدينة (زحلة) في لبنان فأكمل هناك دراسته، تخرج سنة 1963 من المعهد اللاهوتي ورسم راهباً مبتدئاً على يد المثلث الرحمة البطريرك (يعقوب الثالث البرطلي) في 14/أيلول/1963 فعمل في مقر البطريركية في دمشق حيث عمل في مدارسها الأهلية كمدرس للسريانية والتعليم المسيحي وبعض الدروس الأخرى حتى سنة 1970 حيث نقل إلى دير مار متى . أعيد مرة أخرى إلى سوريا سنة 1973 إلى منطقة الجزيرة (أبرشية حسكة) (عامودا) وبقي يخدم حتى سنة 1979 ، حيث عاد إلى العراق ليعين معاوناً لسيادة المثلث الرحمة المطران ماديوقورس بولص لوقا شعيا مطران أبرشية مار متى عام 1981 إضافة إلى خدمته في كنائس بعشيقة وبحزاني وميركي وبرطلة وكذلك في البصرة ، فضلا ً عن خدمته في البرازيل من عام 1984-1986.

خدم في كنيسة برطلة للفترة (1989-1992) وفي البصرة (1992-1995) بعد عودته من البصرة أي منذ عام 1995 لا يزال يخدم في دير مار متى.

هذه هي المعلومات المدونة لدينا عن الأب الربان (أدي خضر) بعد هذا الموجز يا أبونا عن سيرتك الذاتية فمن حقنا إذن أن نبدأ أسئلتنا..

طالما تتعلق جميع هذه الأسئلة بدير مار متى ، فلا ادري يا أبونا هل نوجه جميع هذه الأسئلة دفعة واحدة ، أو تتحدث عن مرحلة معينة ليكون بعدها سؤال آخر ؟ كما تريدون (قالها أبونا) أنا حاضر لكل الأسئلة.

إذا كان الأمر هكذا فليكن سؤالنا التالي:

أبونا أدي، دير مار متى أسس في القرن الرابع الميلادي من قبل الناسك (متى) وعين أول رئيس عليه ، وانضوى إليه بضعة الآلاف من الرهبان والمتوحدين في منطقة نينوى وغيرها من بلاد العراق وفارس ،

 

سؤالنا يا أبونا

هل بالإمكان إعطاء نبذة مختصرة عن تاريخ دخول المسيحية في هذه المنطقة ؟

ج- أنا أتشرف بكم ، وأشكركم على هذا البداية الجميلة وهذه الأسئلة القيمة بكل فرح وسرور.

في البدء أقول ابتدأ من آية الكتاب المقدس ، حيث يقول سفر المزامير لداؤد النبي "في كل الأرض خرج منطقهم والى أقصى المسكون كلماتهم" مزمور (19) الآية (4).

تاريخ الرهبنة في الشرق ، لم يكن للرهبنة ذكر شائع قبل أواخر المئة الثالث للميلاد ، إنما من رغب العزلة والانفراد خرج من المدينة أو القرية وانتقى له كوخاً أو كهفاً لجأ إليه وانقطع فيه زهداً وتعبداً وقد غلب عليه اسم (المنسك) وصاحبه الناسك ، وما أن جاء القديس العظيم (مار أوجين انطونيوس) سنة 251 إلى سنة 356 حاملاً لواء الرهبانية في الشرق والملقب (أبي الرهبان) أو (كوكب البرية)  ، فنظم شؤون الرهبنة وأقام لها الديورة وجمع شتات الرهبان خلال صوامعها ، وقد عاصره الأنبا باخوليوس المتوفي سنة 348م والأنبا بولا ومقاريوس وهيلاريوس الكبير سنة333م تلميذ مار انطونيوس وهو مؤسس رهبنة فلسطين وباسيليوس مؤسس رهبنة الأناضول سنة 360م وهكذا القديس الجليل مار اوجين ناشر الرهبانية في بلاد السريان ومعه لفيف من تلامذته وانتشرت بسرعة وازدهرت ازدهاراً بيناً حتى كاد رجالاتها يرُبون عن الإحصاء عداً.

 

 

أما في العراق فلم يكن لها ذكر بعد ، حتى بعد قدوم القديس الشهير مار متى وترحاله عن بلاده ، فجعل أول مؤسسه رهبانية في جيله وزمنه.

على حين لم يكن ثمة معهد رهباني في سائر تلك الجهات ولا يوجد من يعرف بهذا الاسم .إذن يكون القديس (مار متى) الزعيم الأكبر والقائد الأعلى للرهبانية السريانية في العراق العظيم ما بين سنتي 361-363م.

"شعرت بأن ثقل الثمانية وستون عاماً من عمر محدثي الشيخ الأب الربان أدي، ولكي اجعله يلتقط أنفاسه بعض الشئ وبعدها يستمر بالحديث عن هذا الصرح الإيماني الكبير،ناولته قدحاً من الماء،وبعد دردشة قصيرة شعرت انه مهيئأ لإكمال الحديث ، ذكرته فقط بأخر جمله قالها بعد هذا التوقف ليكمل من عندها بقية الحديث فقلت له:"

أبونا أدي, وصلنا في حديثنا إلى دور القديس متى في انتشار السريانية في ربوع هذا الوطن الجميل (العراق) واصل أبونا حديثه تحت عنوان الرهبانية في بلاد العراق)

 

الرهبانية في بلاد العراق

منذ الزمن الغابر ، العراق هو العراق، وطن الأمجاد والبطولات ومنبع الخيرات وموطن الحضارات وقلعة الصمود في وجه التحديات، ومعقل الرجال العظام، ومصدر الخير والعطاء والسلام ومركز الأمن والوئام وارض خصيبة مزدانة بالعلم والعرفان وفردوس جميل زاه ٍ بعبق وأريج التقى والفضائل والأيمان ، وميدان لكثير من الشعوب والأديان ومن بين هؤلاء هم الآراميون السريان.

مما لا ريب فيه إن السريان الآراميون يرتقي عهدهم إلى ما قبل الميلاد بألفي سنة ، وقد كانوا أصحاب حضارة راقية وذو تاريخ عريق مجيد موغل  في القدم وكيان حصين ومجد ضارب وأدب رفيع شامخ حتى بزّ قرنهم كل الأصقاع وذاعت لهم شهرة مستفيضة ، وذاع صيتهم في كل البقاع ، مما حدا بهم أن يشار إليهم بالبنان أمام جميع الملأ والأعيان.وأصبحت لهم منزلة مرموقة عبر التاريخ الحافل بجلائل الأعمال وعظائم الأمور والأحوال فأبدعوا وبنوا وابتكروا وقدموا خدمات جليلة للمجتمع والإنسانية في كل الميادين الروحية والمدنية والعمرانية كافة

 

 

وللسريان الأرثوذكس والسريان عامة في العراق العظيم الحبيب أمجادا ً تاريخية خالدة وآثاراً قديمة ثابتة عريقة العهد وتحتوي على معالم  دينية وروحية عملاقة أكدت عظمتها الأجيال السحيقة ومن بين تلك المعاقل المشهورة ذات العظمة والمفاخر لأبرشية دير مار متى العجيب ُملك السريان الأرثوذكس في ربوع نينوى العظمى.

 

موقع دير مار متى

 

 

يقع دير متى على مسافة 35كم شمال شرق مدينة الموصل (نينوى) ، وهو من ألاماكن الأثرية التاريخية في العراق وأقدم دير مسيحي بلا منازع ، ويعد من المزارات الدينية المقدسة العائدة ملكيته للسريان الأرثوذكس وكذلك يعد من محاسن شمال العراق موقعاً ومكانةً ومناخاً وقدسيةً وجمالاً. ومن أكثر الأديرة المسيحية شهرةً ومكانةً وسيطاً بعراقته وقدمه وكرامته ، ويرتاده الناس جميعاً المسلمون والمسيحيون على حد سواء وغيرهم من الملل للتبرك والاستشفاء.

شكراً جزيلاً أبونا على المعلومات التاريخية المهمة ويبدو انك تحفظ تاريخ الدير على ظهر قلب وهذا يبدو واضحاً من خلال السرد التاريخي المتسلسل للمعلومات، معلوماتك هذه يا أبونا تجعلنا لا نستعين بمصدر تاريخي أخر لغرض التدقيق أو الهوامش. حديثك هذا جعلني متيقن بان الكثير من الصحفيين أو الزوار يرغبون في زيادة معلوماتهم عن هذا الصرح الإيماني.