لأعزائنا الصغار

رسامات

عيون بخديدا

Museum متحف

أرشيف الاخبار

فنانونا السريان أعلام

أرشيف الموضوعات

وداعا ً.. أستاذي منصور سورو

بقلم نبيل يونس دمان

 

أبى إبنُ القوشَ المعروف منصور أودا سورو ، ان يغادر هذه الدنيا ، إلا من على تلك الارض الطيبة التي ولد فيها قبل اكثر من ثمانين عاما ً، ومنها انطلق الى رحاب الحياة ، بكنز من الطاقة والحيوية ، ليكسب العلم والأدب ، وليعود الى بلدته مديراً لثانويتها الحديثة التأسيس . لن ابالغ القول بانه افضل مدير أدار تلك المدرسة ( للفترة من 1957- 1966 ) ، أشبهه بالربان الماهر الذي قاد السفينة في ظل العواصف والرياح العاتية . ذلك ما حدث عام 1963 ، الذي شهدت فيه البلاد ، المد الشوفيني الرجعي ، والذي اعقب سنوات الأفراح والمباهج ، غداة ثورة الشعب الخالدة 14 تموز . لا يمكن تخيل رجلا غيره ، يستطيع ان يسيطر على الأمور، ويدع المدرسة تستمر في ظل عبث كاتب المدرسة المندس عدنان ، وحقد الدوائر الأعلى في الموصل ، لقد أودع أكثر مدرسي الثانوية في السجون ، وتخلى الكثير من الطلبة عن المواصلة ، واختفوا عن الانظار ، والباقون منهم  ظلـّوا فزعين ، تنتابهم الهواجس ، بإنتظار مرور الإعصار . كان الراحل يوازن الأمور بعقل راجح وضمير حي ، محاولا ً إنقاذ ما يمكن إنقاذه ، وتخفيف الحيف الملحق بالطلبة ، ظل الدوام مستمرا ً في ظل تناقص كبير للمدرسين  ، وتنسيب عدد غير قليل من معلمي الابتدائية ، كملحقين في التدريس

     كان يعامل الطلبة كأبنائه فيغمرهم بالحب ما أمكن ، ويعاقبهم اذا اساؤوا التصرف بعقوبات سريعة ، منها اللجوء الى الضرب الذي ساد آنذاك . كان موجها ً فريدا ، ومربيا ً فذا ، طرائقه في حل مشاكل الطلبة هي نادرة التكرار، تتخللها في اكثر الأحيان النكتة البارعة ، والشدة المناسبة ، واحيانا السخرية اللاذعة بالمقصرين في واجباتهم ، او المخلين باللوائح المدرسية ، كان لا يفرق بين قريب له او صديق او من ملة اخرى ، الذين تحتضنهم الثانوية ، بل جميعهم عنده سواسية ، وحتى المدرسين الذين غالبيتهم من خارج البلدة ، فكان يعاملهم بالاحترام وفي الحزم عند الضرورة .

     كان الاستاذ منصور مديري لسنتين فقط ( 1964- 1966 ) وفيها ايضا اتخذ مسكنه قريبا من بيتنا في محلة التحتاني (منزل اسحق جولاغ ) لهذا كان دائما ً امام أنظاري في المدرسة ، وبعد الدوام يشق طريقه عاقدا ً يديه خلف ظهره الى السوق او الى نادي الموظفين ، بوجهه الصارم وجسمه الممتلئ وسيكارته التي لا تفارق شفتيه ، في بعض الأعْصُر يتخذ مجلسه ، في بيدَر قريب ، بين رجال محلتنا الذين غالبيتهم رحلوا الى رحمة الله ( منهم : نونو ايسف جولاغ ، أيسف جبرائيل توسا ، كريم يونس تيزي ، غريبو جبو لاوو ، ياقو اسرايي تومكا ، شابا توما كولا ، الياس جيقا ، اسو اورها حنونا ، ميخا زراكه ، سليمن جاورو ) فكان خير متحدث في امور الحياة والدنيا ، كما كان ينقل لنا والدي العزيز يونس ياقو دمان ، بإعتباره أحد الجُلاس . ورغم حياته المنظمة والجدّية ، فقد كان يرفه عن نفسه ، في تبادل الزيارات العائلية ، اوالقيام بالسفرات الى المناطق السياحية ، فكان مثال الانشراح والانطلاق ، وراوي الطرائف المتقنة ، والتي تثير طويلا المستمع اليها ، وقد كان من أوائل من امتلكوا السيارة ( في البلدة آنذاك اربع سيارات خصوصية فقط تعود الى المدير الراحل جرجيس حميكا ، والمضمد الراحل شابا مرّوشا ، والمضمد الراحل اسطيفان ابونا ) . اضافة الى مسؤوليته الادارية ، كان يدرس مادة الرياضيات للصفوف المتوسطة ، وكانت له طريقة فريدة في اللجوء الى الامثلة من البيئة المحيطة ، ومن موجودات السوق ، من المكاييل والأوزان وغيرها ، فيقرب الموضوع الرياضي الى أذهاننا ، ويجعله يترسخ الى الأبد .

     يا لقساوة الايام ويا لصروف الدهر، فالرجل الذي اثار جيلنا ، لم ألتق به إلا في سني  ادارته ، وقد حالت هيبته وقوة شخصيتة ، دون ان امعن النظر في تلك الملامح الصارمة ، او اتمكن التكلم معه في أي موضوع ، بحكم العلاقة التي كانت تربط الطالب مع الاستاذ ، والمبنية على الاحترام الفائق ، بل وعدم التواجد مطلقا في اماكن إلتقاء المدرسين ، كم كنت في شوق ان أجلس معه وأسمعه ولو لمرة واحدة ، ولكن تلك الفرصة تبخرت في رحيله يوم 4 - 11- 2006 .

     الذي لا يعرف اصل الاستاذ ربما يراوده ذلك السؤال ، فاقول انه قد سُمّي على إسم جدّه القس منصور سورو ( المتوفي سنة 1907 ) ، الذي كان رئيس كهنة البلدة ، عرف بسداد رأيه ، وحبه للفكاهة والحكايات الشعبية ، وبشجاعته ، فالحملات التي تطال البلدة بين زمن وآخر كانت توقظ في الكاهن المذكور الغيرة ، فيحمل السلاح ويكون في مقدمة من يهب للدفاع عن الأعراض والممتلكات والمقدسات . ومعروف بيت سورو العريق ومن سكان البلدة الاصليين ، عرف منهم ايضا ً الشخصية التقدمية ، والمعلم المحبوب ، المرحوم موسى نوح القس منصور، الذي لا يكاد حديث مثقفي البلدة يتوقف عن الاشادة به وابراز خِصاله الحميدة ، وقد كان الاول على دورته في العام الدراسي الابتدائي ( 1935- 1936 ) . وتبقى شجرة بيت سورو ترفد البلدة بالمتميزين في الحاضر والمستقبل ، لعل الدكتور منهل ابن الفقيد أحد هؤلاء ، وبهذه المناسبة الأليمة أنشد له ولإخوانه ووالدته وأعمامه وكل فرد في اسرته ، الصبر والسلوان ، كما وأمد يدي اليه أينما يتواجد الآن مواسياً ، ومقدراً فداحة خسارته ، أخاله سيواصل طريق والده في حياته الزاخرة .

      قبل فترة قصيرة سمعت بتواجد الاستاذ منصور في القوش ، وانه قد ترك جبهة الخطر في بغداد ، ففرحت ومنيت نفسي بالقول :-  لقد اقترب اللقاء ، حالما تنفرج ظروفي الخاصة بالعمل ، فتطأ أقدامي أرض بلدتي التي فارقتها قرابة ربع قرن . القدر لم يـَلِن لرغبتي ، والحياة لم تمهله ، ففارقها مع بالغ الأسف ، وراح يودعه عوضا ً عني زملائي وأصدقائي في موطن الآباء والأجداد ، وربما سار نعشه محمولا على اكتافهم .

 لتكن كلماتي القصيرة هذه ، خير وفاء لذكراه المتجددة .

 ورودٌ نضرة ، وأغصانٌ طرية ، أنثرها فوق قبره .

 

 

المرحوم في أواخر عمره محاطا ً بأفراد أسرته ، بغداد في  26- 1- 2005

 

nabeeldamman@hotmail.com

 

November 15, 2006

 

 

أقرأ لنفس الكاتب

 

نموذجان لبطاقتي دعوة الزواج بينهما قرن من الزمان

القس يوسف هرمزعبيا

 

تأملات على ابواب القرن الحادي والعشرين

 

ندوة الايمان – جامعة الموصل