لأعزائنا الصغار

رسامات

عيون بخديدا

Museum متحف

أرشيف الاخبار

فنانونا السريان أعلام

أرشيف الموضوعات

لقاء تراثي شيِّق مع العم عوديشو زورا بدي

أجراه : نبيل يونس دمان

     يأسرني الرجل بكياسته وبساطته وأدبه الجم، لذلك تاقت نفسي ان اجلس معه واسمع احاديثه التي تمتد الى النصف الاول من القرن الماضي وهي مشبعة بالمحبة والصدق، وروح الانتماء الحقيقي الى البلدة التي انجبته، وانجبت العشرات ممن لن يغفلهم التاريخ يوماً .

العم عوديشو حريص على الاتصال بي كلما وجد فرصة مناسبة، آخذاً بعين الاعتبار وقتي الذي امضيه مضطرا للعمل، هذا البلد رغم خيراته الكثيرة وحرياته الواسعة، يضيق على الكثيرين فرص التمتع بالحياة المتنوعة بحكم طبيعة الاعمال. لاعود الى محدثي، هذا الانسان المتواضع الرزن وهو يروي بعض مما انطبع في مخيلته وقاوم الزوال لسنين طوال. اخبرني ان ولادته كانت في عام 1926 في القوش، ومنذ ان شب على الحياة مارس العمل بأناة وتواصل، تارة مع والده زورا واخيه الاكبر عيسى وتارة اجيراً عند الاخرين في اعمال الزراعة، في معصارة الراشي ( الطحينية ) التي كانت تعود لهم في وقت من الاوقات ثم عند معاصر البلدة. في عام 1940 فتح دكانا في السوق، وبعد مدة كنت ترى العشرات من الايزيدية بخاصة امام دكانه، حيث وهب قابلية لكسب ودهم وثقتهم، وكنت تراه دائما بين القرى الايزيدية بائعاً وشارياً والجميع يستحسن التعامل معه لنزاهته، واكتسب ليس فقط وسيلة المعيشة بل تعداها الى ان يتكلم بطلاقة اللغة الكردية، ويتذوق اغانيها الجميلة التي لا زال الى اليوم يحفظ العديد منها ، وقد استمعت اليها في الاشرطة المسجلة، وكررت سماعها لما فيها من ذوق رفيع في انتقاء الكلمات، وفي افكارها الملهمة المنعشة في تلك الازمان من حياة قرانا وريفنا المحيط بعاصمة العالم القديم نينوى العضمى. تحدث عن بداية شبابه وهو يعمل في سني الحرب العالمية الثانية في مشاريع عسكرية في غرب القوش مرورا بالقرية بهندوايا التي اقيم فوق نهيرها جسرا كونكريتيا يكاد يكون اول دخول لمادة البناء ( السمنت ) الى محيط البلدة، ولكن ضعف الجسر وربما الاستعجال في اتمامه دون مراعاة المواصفات الفنية ادى الى زواله لكن اثاره لا زالت باقية، عمل عوديشو في تلك المشاريع تحت امرة المقاول الثانوي حنا عوديش ولا زال يتذكر ايامها. وتحدث ايضا عن خدمته العسكرية ودفعه البدل النقدي البالغ 50 دينارا آنذاك ، وكذلك زواجه عام 1945، وتركه البلدة عام 1962 بسبب احداث الشمال واستقراره في بغداد لعدة عقود ، قبل ان يحط عصا الترحال في اميركا. تحدث ايضا عن فترة الرابع عشر من تموز حيث كما اسلفنا كان صاحب بقالة في السوق يروي بعض الطرائف عن تلك الفترة منها : حدث امامه ان كان يجري تبليط السوق بالاسفلت وكان العمال طوال النهار ينقلون من الزنابيل لفرشها في الماكن التي لا تصلها الفارشة، عند العصر شوهد احدهم يقلب زنبيله في قارعة الطريق وكان يفترض ان يوصله الى امام بيت شمّو تاتا ( مقدسي ) وعندما اعترض البعض على فعلته تلك قال : انظروا الى الوقت انها الرابعة وحسب قانون العمل اتممت ثمان ساعات عمل وحان وقت انصرافي ( لعشرات السنين اللاحقة وربما الى اليوم لا زال ذلك الكوم من الاسفلت في مكانه ) . عندما كان احد المواطنين  قد وصل في بناء بيته الى مرحلة التسقيف اي ختم قبة الغرفة النصف كروية ، لم يأت العمال في اليوم التالي لانه صادف الاول من ايار عيد العمال العالمي الذي استحدث لاول مرة عطلة رسمية، مما اغضب صاحب البيت فشتم ذلك اليوم بطريقة ساخرة امام مسؤول نقابة العمال آنذاك بتي دكالي .

      والان ندع العم عوديشو يروي حكاياته التي حفظها كشاهد عيان او ما تناقلته ألسُن الكبار في مواظبته حضور جلساتهم الشعبية في السوق بخاصة، ذلك المكان الذي يتجمع الناس فيه كل يوم من مختلف الاعمار والافكار والمشارب تتناقل حكايات السلف التي تتصف بالاقدام والإباء، من اجل الحفاظ على تربة بلدتهم من التدنيس ، ومن اجل مواصلة سيرة ابائهم الذين يرقدون على ذلك الثرى فوق التل وسطها، اجيال واجيال ستمضي بثبات على ذات الطريق دون انحراف، وحتى بلوغ الاماني في نيل الحقوق وانتزاع اعتراف الاخرين

(1) حادث بتي كجو :

     كان السقلي جاويشاً ( عريف عثماني ) تركيا متشددا ومعروفا بقسوته، يتمشى في احد ازقة البلدة، أحس من خلال جريان ماء صابوني حار، خارج احد البيوت الفقيرة، بأن ربة البيت تستحم في الحمام ( حميمية ) فاندفع يريد التحرش بها ، فما كان من المرأة الا رفع صوتها عاليا، رافضة طلبه مشاركتها الحمام، فتجمع الناس في الزقاق لا يجرأوا على عمل شيء ، في تلك الاثناء مر من هناك العم بتي كجو ( ساعور الكنيسة فيما بعد ) فاستفسر عن تجمعهم فاجابوه بالحقيقة، هنا اندفع الى داخل البيت وضرب عدة لكمات قوية الى السقلي وانسل خارجا ثم توارى عن الانظار ، وظل السقلي يسأل عنه ويقول " لن افعل به شيئا ، فقط اريد ان اعرف اي نمط من الرجال ، هذا الذي تجرأ ومسّني ، حتماً ان له قلبان ".

(2) الفرمان بحق الاثوريين :

    الفرمان بدأ في مطاردة الاثوريين من قبل الجيش العراقي، وفي سميل تم تجميع مئات الرجال بعد نزع اسلحتهم غدراً، ثم اعدموهم كل سبعة رجال بطلقة واحدة، الاثوريون المحيطون بالقوش لجأوا اليها فاخذ الاهالي الحذر والحيطة، استقرت بعض العوائل الاثورية عند اصدقائها والبعض في القناطر والظلال حيث الوقت شهر تموز القائض ، ذهب ( يوسف بولا اسمرو) الى ( بهجت قليان ) مدير الناحية ، واستفسر منه عن ما تنوي الحكومة فعله فقال اذهبوا وعالجوا الموضوع في الموصل ، فارسل الاهالي السائق ( يوسف متيكا صارو) الى البطريرك مار يوسف عمانوئيل لايجاد مخرج للازمة. في البلدة دار الدلال في البلدة مناديا الناس باخراج ( المجرمين ) من بيوتهم والا يعتبرو مساندين لهم، طالب الالقوشيون بتمديد مهلة تسليم الاثوريين فكان الجواب ان لا تأخير في ذلك، العم ( بتي كجو ) قال في تجمع يبحث مصير البلدة بانه يتكفل بالهجوم على مربض مدفع نصب شمال البلدة في موقع كهف المياه ( كبد مايه )، اما أيسف بولا فخاطب الشباب قائلا ً

خذو الحيطة وتهيأوا للقتال فانا ذاهب الى مركز الشرطة فاذا تأخرت لاكثر من ساعة من الوقت، اهجموا ، اطلقوا الرصاص علي والمركز معاً ، وليحدث ما يحدث فالدم الزكي لن نسلمه ( في اشارة الى اللاجئين ).

      عندما اخبر يوسف صارو غبطة البطريرك بالحال اجابه بان يتوكلوا على مريم العذراء ، فصرخ يوسف " سيدي انا رأيت بعيني مريم العذراء هاربة من البلدة " هنا ادرك البطريرك الهمام ذو الكلمة المسموعة خطورة الوضع، فاجرى اتصالات سريعة اثمرت في بطلان الفرمان ونجاة البلدة وما تبقى من الاثوريين المساكين

(3) قضية اخي عيسى :

     كان والدي زورا بدي قد كفل احد الاخوة الايزديين عند ( يلدا صحب ) في كمية من الحبوب، في ظل الاوضاع القائمة ايام الفرمان لم يرجع الأيزيدي دَينه، طالب يلدا صحب بها، فارسل الوالد ابنه عيسى الى قرية ( باقاقا ). عند وصول عيسى اليها لم يكن الشخص حاضرا فجلس ينتظره حتى العصرحيث كان في حقله ، قال له عمي و بالكردية ( مامو ) اعطني الدين الذي بذمتك فالدنيا ليست بخير والطرق خالية من المارة ، فقام الرجل بكيل الحبوب وساعد عيسى في تحميلها، ودّع عيسى الرجل وسار في الطريق حتى منتصفه، وعند تل اسمه ( كري بلالوك ) لاح امامه سبعة فرسان مسلحين وهم يقطعون عليه الطريق، اربكته المفاجاة وفيما المطايا يجدّون في سيرهم الى الامام ، تركها تمضي، وتسلل بخفة الى ساقية لمحصول الرز، ووجه بندقيته اليهم وكان معه 24 مشطاً في صفين ( تري رَختِه )، وضعها في حضنه مخاطباً نفسه " يا إلهي لما البندقية والذخيرة معي، أليس لهذا اليوم "، سمع احدهم الممتطي حصانا ابيضا يقول " انا الذي اتكفل بقتله واخذ حميره "، حقدت عليه اكثر وقلت ساقتل على الاقل ثلاثة منهم قبل ان أۥقتل . استمر حميري بالسير فيما سمعهم يحدثون بعضهم ان يدرأوا شره ، فلو لم يكن شجاعا لما خرج في يوم مضطرب كهذا، فتركوه ليلحق بحميره ويواصل طريقه. الفرسان السبعة توجهوا الى مطحنة حبوب ( رحى ) في قرية ( قصرونا ) كانوا غالبا ما يطحنون حبوبهم دون ان يدفعوا ثمن ذلك من باب القوة، هناك قابلوا رجلاً من القوش اسمه (ججو حيدو) فقالو له " قبل قليل صادفنا في الطريق القوشياً، فاردنا ان نمزح معه فذعر مما حدى بنا ان نتركه "، في اليوم الثاني سأل ججو اخي عيسى " هل خرجت من البيت امس ؟ " فقال " نعم " ولماذا تسألني ذلك، فاخبره بما سمعه من الاغراب، فاجاب أخي " انهم شوهوا الصورة وكانت نيتهم سلبي وربما قتلي، فلما رأوا استعدادي للتصدي لهم ، انتابهم الخوف فتركوني وشأني " وبالسريانية ( خزيلي دوئه، خموصيلي ).

(4) سادونة بولا والغريب :

     في ايام الفرمان ايضاً ، تواجد في سوق البلدة احد القرويين فتقدم الى صاحب الدكان سادونة بطلب مكيالين من السكر ( كلا) فسأله عن ثمنها فقال سادونة روبيتين ( ما يعادل 150 فلسا ) فقال اعطيك روبية واحدة فقط فاجابه صاحب الدكان بان سعره روبيتين فاجابه القروي " افضل لك ان تبيعه اليوم بروبية واحدة من ان تضطر غدا ببيعه مجانا ( ضمنا يلمح بالاحداث المقبلة ) " . غضب سادونه ولم يعجبه ذلك الكلام فصفعه على خده ، في تلك الاثناء وصل سنحاريب بولا يستفسر عما يحدث فاجابه سادونة بالقصة ، مما حدا بسنحاريب ان يسأل بصوت عالي " اين جوكا غزالة الشجاع " فتجمع الناس حول جوكا الذي امر كل القرويين من القرى المحيطة ان تترك السوق حالا والا ستتعرض الى عواقب وخيمة ، وهكذا لم يمر وقت طويل حتى اصبح السوق خاليا من كل الغرباء .

(5) حكاية ججو تمو :

     العم ججو كان جالسا يوما في دكانه بالقيسرية جاء اليه شيخ اسمه حسن، جلس عنده في القيسيرية، اما رجال الشيخ فقد انتشروا في السوق ياخذون ما يريدون من الدكاكين دون دفع الثمن ( شبه فرهود ) عندما يقول صاحب الدكان اصبح حسابك كذا ، يتنكر ويقول نحن لا ندفع شيئا ، عندما سمع الناس في السوق ذلك انسحب غالبيتهم الى بيوتهم ، هنا خاطب ججو تمو الشيخ قائلا " الوضع اصبح منذرا ، خذ رجالك واترك السوق انهم ياخذون الحاجيات مجانا ذلك لم يحدث عندنا، لسنا مستعدين لدفع الخاوة ( نوع من الجزية ) " . اذعن الشيخ للامر وفي الطريق لمح احد رجاله القوشيا يحمل في جنبه كيس للتبغ فيه نقوش وزخارف جميلة ، فتقدم منه احدهم لاخذ كيسه عنوة فرفض صاحب الكيس المدعو حنا ( مشمشّا ) كتو، فطرحه ارضا يريد ذبحه ، تجمع الناس في الموقف وصادف مرور منصور تغو الملقب ( بجي بلو ) فقال ما هذه اللمة فقالو يريدون ذبح حنا لانه رفض اعطائهم كيس تبغه ، قال اطلبوا اولادي حالا ، وجاء اولاده في الحال، هنا صاح بجي على الشيخ حسن بالقول ( حسنكو ، حسنكو ) علامة التصغير نحن لم نعط الخاوة لاحد في تاريخنا اذهب واسال ابائك واجدادك هل دفع اهل القوش الجزية يوما ، وحدثت حمية بين الشباب لا سابق لها واشبعوا رجال الشيخ ضربا وصادروا كل ما يملكون فغادروا البلدة منكسرين فيما سيقت حُصنهم الى سرداب رئيس القوش انذاك زورا بوداغ ، بعد ايام توسط عند القوش احد الاغوات فاعادوا لهم البغال عارية اي من دون سروجها واغطيتها ( جاجـِمِّه ).

(6) حادث مقتل العم تومي :

     ذهب العم تومي صباح احد ايام صيف 1924 الى بيدره، القريب من تل المقبرات ( مقابل بيت يوسف باخوخة )على اطراف القرية للتزود بقليل من المونة ،في ذلك الوقت كان  بيت توحلة الموصلي ضامنا امور الاستهلاك، جاء اليه مسلحان وارادوا منعه من اخذ الحنطة، فقال انها كمية قليلة للبيت فمنعوه، حدثت مشادة كلامية انتهت باطلاق احدهم رصاصة اصابت العم تومي في رجله ، حدثت ضجة في البلدة ووصل الخبر بان العم تومي قتل، القتلة هربوا باتجاه الموصل عن طريق ( كرا - ماكنان) في ذلك الزمان كانت الخيول كثيرة في البلدة فهبوا الفرسان في اثرهم وقطعوا طريقهم، دارت معركة بين الفريقين انتهت بأسر الرجلين، فسيقوا باتجاه دير الربان هرمزد، احدهم كان يسوقه حبيب حموشّه فسأل بجزع " يمّا ! لماذا تاخذوننا باتجاه الجبل، هل تنوون قتلنا " واصبح على حافة البكاء ، فلم يكترث حبيب ، بل انتهوا الى مصيرهم المحتوم جراء ما ارتكبوه من جرم بحق طبيب القوش الشعبي يوسف اسطيفو اودو ( العم تومي ) .

(7) محاولة سرقة بيتي :

مقدمة :

     قبل ان يبدأ العم عوديشو بسرد الحكاية التالية، بادرت بتذكيره بها، حيث وانا طفل لي من العمر ثمان سنوات حدث اطلاق نارمن جهة محلة خيبرتا، في الصباح سمعنا ان عوديشو بدي خاض معركة ضد اللصوص

      الان ابدا بقضية صغيرة تخصني انا عوديشو، في احد ايام عام 1959،ايقظتني زوجة اخي الكبير من نومي قائلة " قم يا عوديشو انهم يطرقون على الباب الشمالي ( يعود لمعصرة قديمة ) " ، قلت لها " اذهبي، لقد جلست من نومي ". شرعت بارتداء ملابسي ، في ذلك الزمان كان لي بندقية دارجوي ( مجازة رسمياً ) وفي نفس اليوم كنت قد اشتريت بندقية انكيزية ، فحشوت البندقيتين بالرصاص ووضعت المسدس في جيب معطفي ( كان الوقت شتاء ) وخرجت لا اعرف ماذا في الخارج سوى قول المرأة انها سمعت اصوات، لمحت احد اللصوص امام المعصارة القديمة ( كانت مؤجرة لبيت الياس كولا حيث يقتنون فيها 130 رأس غنم ). كان يقلع الباب لاجل سرقة الاغنام ، وجهت البندقية واطلقت باتجاهه، فانقلب ثم نهض وغير موقعه تاركا ادوات معه من قبيل مفاتيح وفأس ومطرقة، كان هناك اثنين لم استطع تمييزهم فوق سطح المعصرة فاطلقوا رصاصتين باتجاهي

رديت اطلقت فاطلقوا ايضا ، كانت احدى البندقيتين عادية والثانية خاصة بالصيد ( كسرية ) احتطت من اطلاقة الكسرية لان رصاصها على شكل كرات صغيرة الحجم وتعد بالعشرات فقلت ربما تصيب احداها عشوائيا عيني ، غيرت موقعي الى الداخل واشرفت من شباك المنزل كما وتركت جانبا بندقية دارجوي وتناولت الانكليزية وفي مخزنها عشرة طلقات، فاطلقت اربع رصاصات باللصوص ، تسلل اللصان من السطح الى الخارج وتبعهم الذي كان في الفناء ( الحوش ) وانسحبوا باتجاه الغدير ( شرق البلدة ) قمت صعدت على سطح المنزل ورميت اربعة طلقات اخيرة خلفهم فيما تواروا عن انظاري.

     كما اسلفت كانت اغنام بيت بتوزا في حوش بيتنا ودفعهم قلقهم على املاكهم للخروج ، فصاح العم موسى " ماذا يحدث يا عوديشو " فقلت " لاشئ " ، انزعج من جوابي المقتضب قائلاً " لماذا إذن هذا التصرف الأرعن باطلاق الرصاص " ، لم اجبه لكونه صديق اخي واكبر مني سناً ، بعدها خرج شقيقه رحيم فدار من خلف المنزل وعندما همّ بتفقد اغنامهم، شاهد حائط سقيفة جارنا ( بنـّو حيدو ) متهدما، كان في ظن اللصوص ان في ( البنكلة ) الثانية اغنام فعندما تسللوا، لم يعثروا الا على بقرة فقطعوا وثاقها وسحبوها الى الخارج لسوقها معهم ، وكان في المكان ايضا كيسا كبيرا من التبن ( خراره) ، عندما شاهد رحيم بام عينه ذلك الثقب الكبير في جدار البنكلة احتاط ان يكون لا يزال احدهم مختفيا في الداخل فرجع الى منزله ليخبر اخيه موسى بان ضرب الرصاص لم يكن طيشاً بل معركة حقيقية مع اللصوص.

 (8) كليانا الصغير ( زورا ) :

في احد الايام كان اخي عيسى يجهز الجص الى بيت ( اسرائيل سيبانا ) في موقع تحت خزان الماء الحالي وقرب بيت هرمز كزينا ( الصفار ) ، في تلك الاثناء واخي منهمك في عمله مر به رجل اثوري مهاجر الى القوش اسمه كليانا زورا ( اي الصغير ) فسال :

- مامي ( عمي ) اين ذهب المسلحين ؟

فقلت :

 - امامك في منتصف الطريق الى قمة الجبل، ولماذا السؤال ؟

فقال :

- اريد مصادرة اسلحتهم .

فقت :

- كيف ، وانت بدون سلاح ؟

فاجاب كليانا زورا بثقة عالية :

- في جيبي مسدس ( دبنجه) وبه ساقطع طريقهم .

 تسلق كليانا الجبل بخفة وقطع طريقم عن طريق فرعي كانت تستخدمه النساء لنقل الحطب ويسمى محليا ( ارخد كراثه ) هناك برز لهم بمسدسه صارخا بتسليم بنادقم فلم يكن لهم بد سوى الاستسلام ، فحمل البنادق وعددها ثلاث على كتفه حتى بيته مقابل بيت رئيس القوش انذاك يوسف بولا اسمرو اي في بيت منصور تومي . بعد مدة سمع الناس صوت مرور الخيل وبساطيل الشرطة ، فنبهوا كليانا الى ذلك وقالوا استعجل بالمغادرة قبل وصول الشرطة. حمل كليانا البنادق الثلاث وصعد الى التل المقابل وجلس فوق  قبر الياس بولا المقبّب ، لاحقوا الشرطة كليانا حتى بيت شابا كتو المشرف على الوادي توقفوا هناك ، ظلوا ينظرون اليه وهو ينظر اليهم، كان الوقت عصرا فانزل كليانا غطاء راسه ( كسيثه ) قرب عينيه وهو ينظر اليه وهم ينظرون اليه . غابت الشمس واقبل الليل فرجعت الشرطة الى مركزها اما كليانا فحمل البنادق مرة اخرى عائدا الى مسكنه .

(9) نهاية السقلي :

 السقلي كان تركيا انتهت مهمته بعد  انتهاء العثمانية فبقي في الموصل يعمل مامور استهلاك ( شحنة ) عند بيت حمدون ، كانت قرية طفطيان عائدة الى شاكر افندي وعند قدوم موسم الحصاد كان السقلي ياتي الى بيادر تلك القرية ليراقب المحصول من ان ينقلها اصحابها دون دفع الضريبة . كانت السيارات تصل حتى الجراحية من هناك مان السقلي يمشي حتى طفطيان ، في منتصف الطريق هناك واد عميق كثيف باعشابه وادغاله . الجماعة سمعوا بقدومه ، كان هناك شخصين اشوريين احدهما كليانا الكبير والثاني الصغير تحركا ومعهم ثالث من بيت قلو الالقوشي واسمه عيسى الملقب ( زقانه ) . ذهب الثلاثة وقطعوا طريقه عند ذلك الوادي واسروه ، قالو تعال الينا لناخذ حسابنا منك فقال على بخت الله ، فقالوا ما هو الشيء الجيد الذي ارتكبته في حياتك ، حتى نعطف عليك ، سوى السيئات وخصوصا في القوش. فسحبوه الى عمق الوادي ليلقى بئس المصير الذي استحقه ، جراء جرائمه في البلدة .

( 10 ) قضية حنا اسطيفانا :

     في ذلك الوقت كانت الحكومة ضعيفة والوضع تائه ( فلتان ) ، القتلة يسرحون ويمرحون بحريتهم . حنا اسطيفانا كان يحرس اغنامه في قرية بهندوايا ، عندما داهمه قطاع الطرق لسرقة اغنامه . رفض طلبهم بتسليم القطيع ، اخذوا يطلقون النار عليه وهو يرد بالمثل ، جرح في رجله ورغم ذلك لم يسلم الاغنام ، جاءت نجدة من القرية ومن بينهم العم رزقو واسحق بوتاني ( بوتنايا ) وغيره. كان سلاحم انكيزيات فاطلقوا حتر سخن معدن سبطانة البندقية فلم تعد تصل الطلقات الى المهاجمين . تذكر احدهم بان اوسطه الرحى المدعو صليوو دهنايا ( اصله من دهي ، متزوج ويسكن القوش وهو والد القس الراحل هرمز ) ان بحوزته بندقية لا يسخن معدنها نوع دارجوي . طلبوه في الحال وصار الاطلاق مركزا وفاعلا باستخدام الدارجوي فهرب اللصوص حاملين قتلاهم وجرحاهم وعاد اهالي بهندواية غانمين الى بيوتهم .

( 11) گليث ابن شماشا كنو :

      في فترة قريبة من الفرمان المعروف كان گليث ياتي الى القوش ويقول قوموا يا اهل القوش بمساعداتنا في الانتفاض والمطالبة بالحقوق ، فقالو له نحن لا نساعد في قضية خاسرة، انتم كلما تجمع منكم عشرة مسلحين تقولون سنستلم الحكم، حتى لو جرت انتخابات حرة فنحن نسبتنا الى سكان البلاد 6% ففي كل الاحوال سنخسر وتكون الحكومة لهم .

نظم احد الايزيدية اغنية بالكردية في كليث تقول :

أسي كتيمى ، دشته القوشي

دشتك بانه، آخكا صورا

هاوار بكم هاوار ، نه أي

لاود القوشي هاواراما ، نه أي

  تواجدت في سهل القوش ، سهل واسع ، ترابه احمر ، هناك استنجدت ولكن لم يصغ الي احد ، الالقوشيين الأباة لم يأتوا لنجدتي

     لما رجع الى البيت واخبر اهله بالامر ، قال والده تعالوا نخوض المعركة لوحدنا ، ندافع عن انفسنا وحلالنا . ثلاثة ايام وغنمهم ودوابهم لم تغادر مأواها وظلت تلك الحيوانات تطلق اصوات اصوات العطش والجوع ( بعايه ) والناس المخربين يحيطون بالقرية ، لاجل سلبها ( فرهود ) ، اطلق الشماشا نداء الى الاهالي بفتح ابواب مآوي الحيوانات ، فخرجت بقوة وتزاحم الى الفضاء الخارجي كانها تغادر سجن طويل ، هنا تصرف رئيس القرية بحكمة ودراية ، يقول مطلع اخر لاغنية نظمها الايزيدية بالقول: 

شماشا كنو بابي داؤودي.

كاكي گليثي دستيخو بهليني.

دستيخو لداري انگليزي بشدني.

پاكيتي سر پاكيتي بحشني .

افرو تخمي دّجمني.

شعردي خدي بقليني.

  نادى الشماس كنو ، والد داود شقيق گليث المعروف : ارفعوا ايديكم ، اضربوا بقوة على اخمس البندقية ( نوع انكليزي ) ، عبأوها مشطا بعد مشط ، في هذا اليوم سنفني الاغراب ، من وجه الارض

    تزاحم اللصوص على القطعان الشاردة من القرية ، فاغتنمها الرماة المهرة وعلى رأسهم الشاب كليث فرصة لقنص الاعداء واحداً تلو واحدٍ ، فسقط منهم العشرات فيما ظفر اهل القرية المحاصرة ( ماكنن ) بحريتهم

 

اكبس هنا للانتقال الى الصفحة الرئيسية لنبيل دمان