( جبل من العلم  ..  وينبوع من الثقافة)

 

 

 

المطران ميخائيل الجميل يفتح قلبه ...  لأكد

أجرى الحوار :  سيف ماجد عزيزة

 

سرعظمة العراقيين في ملايين السنوات من الحضارة .. فالكون بدأ عندنا  

المسيحية تتسم بأخلاق تفوق سطحية هذا العالم ولولا الكنيسة الشرقية لكان الغرب بربريا بشعا

أمراض كثيرة تعصف بالمجتمع .. وزواج المثليين منتهى الشذوذ

لا تخافوا ... المسيحية لا تخضع للسلاح ولا للقوة

 

أن تحاور مسؤولا أو شخصية عامة أو اختصاصيا فتلك مسالة عادية لأنك تسال الشخصية وهي تجيب على اسئلتك بشكل طبيعي معروف ، وأن تلقي باسئلتك نحو شخصية تمتليء علمية وتحمل شهادة عليا وتحتل منصبا رفيعا فذلك من حظوظ الصحفي في ممارسته لمهنته ، لكن أن تجلس قبالة ( المطران ميخائيل الجميل) المعتمد البطريركي لطائفة السريان الكاثوليك في حاضرة الفاتيكان ، وأنت تعرف ما يحمله من كل تلك الأشياء وتحس ببساطة الإنسان وتواضعه وروحه المرحة ، وعلميته الفذة وتطرح عليه ما تحمله من أسئلة فذلكم هو الروعة في ممارسة عملك الصحفي .. خلال الطريق إليه كنت قد وضعت أسئلتي على وريقاتي لأطرحها على محدثي كما تعودت في كل مرة أكلف فيها باجراء حوار ، لكنه حين بدأ الإجابة أحسست بأني أمام جبل من العلم ، وينبوع من الثقافة ، وانسان ابسط من حبة الخردل في التواضع  ... سألته :

 ما هي المهام التي تضطلعون بها في الفاتيكان ؟ قال :

منذ العام 1997 عينت معتمدا بطريركيا أو وكيلا لطائفة السريان الكاثوليك في الفاتيكان ، وهي مهمة ربط قضايا كل السريان في العالم ، فجميع الأبرشيات السريانية والسيد البطريرك والمطارنة يستطيعون الإتصال بالفاتيكان في اي وقت لكن وجودي في روما يسهل عليهم أية مراجعة ومتابعة لأي مشروع أو طلب ، من ناحية ثانية فوجودي في روما يفيد الكهنة والطلاب الدارسين من حيث الرعاية والتوجيه والدراسة والبحوث ، ففي روما قمت بفتح البطريركية أمام الجميع وأقصد الكلدان والسريان والموارنة ، وأنا اعتبر نفسي (سريانيا كلدانيا مارونيا) ومن هذا المنطلق أقدم الخدمة للجميع والبطريركية في روما بيت الجميع .

 وماذا عن تاريخك الكهنوتي ؟ أجاب :

ياه .. انك تعيدنا للوراء كثيرا .. نعم .. اول شيء أنا من ( قرة قوش) وانا أول مطران قرقوشي منذ ما يقارب (300 سنة) وبعدي جاء المطران جرجس القس موسى صديقي وأخي ، الذي عانى اياما عصيبة حين خطف في العراق ، وهنا أود أن أقول بأنه حين خطف ونشرت صوره في وسائل الإعلام اتصل بي العديد من الإيطاليين ظنا منهم بأني أنا الذي خطفت بسبب الشبه الكبير بيني وبينه ( رغم انه أصغر حجما مني وأحلى بعض الشيء !!! ) .. نعم .. درست في مدرسة الدومنيكان في الموصل بمعهد مار يوحنا الحبيب وتقبلت الدرجة الكهنوتية حتى عام 1964 ، بعدها عملت مع كهنة يسوع الملك وصرت مسؤولا عنهم ، ثم اصبحت رئيسا لمعهد الدومنيكان / قسم الفلسفة واللاهوت وعملت هناك ، ومن تلامذتي الأب يوسف عبا ، اضافة إلى ثلاث أساقفة كانوا تلاميذي أيضا هم السادة الأجلاء ( ساكو وربان ومقدسي ) . غادرت إلى فرنسا لدراسة علم النفس والفلسفة وحصلت على الدكتوراه فيها ، ثم عدت إلى لبنان على طلب البطريرك حايك عام 1977 وعملت سكرتيرا له ثم معاونا ومطرانا ثم نائبا بطريركيا ، وأسست مركز البحوث والدراسات السريانية ثم عينت معتمدا بطريركيا في روما وما زلت .

وعن سبب زيارة كندا والولايات المتحدة قال :

 ان النجاح الذي حققه الأب يوسف عبا في وقت قصير ، خاصة وأنا شخصيا أعتبر نجاحه ليس في بناء كنيسة فقط بل بناء مجتمع كامل وبناء صداقة بينه وبين الشعب المسيحي المشرقي الذي يضم ( الكلدان والسريان والموارنة وغيرهم ) حفزني أن أحضر مشجعا ومحفزا ومؤيدا للأب يوسف عبا ولإحياء ذكرى عملي مع البطريرك حايك في إرساء أسس لبناء كنيسة سريانية كبيرة في كندا وأميركا وفنزويلا . وقد دامت تلك الفترة التأسيسية منذ عام 1980 حتى حوالي السنة 1992 .

 سألته .. هل ترون أن الكنيسة الكاثوليكية تساهم في ارساء السلام والمحبة في العالم وكيف ؟ أجاب :

الكنيسة الكاثوليكية كما المسيحية بصورة عامة تتسم بأخلاق تفوق سطحية هذا العالم ، فهي دعوة إلى المحبة ، هي الحب ، المسيحية ليست شريعة تأمر بالأكل والشرب والصوم والحج ... إلخ ، المسيحية هي حب ،الحب هو كل شيء ، كل ما هو عظيم ومقدس ، كل ما يعطي احترام للآخر ، وكل القيم بأعلى مراتبها ، لهذا فهي ديانة صعبة ، فلا يستطيع الإنسان في أية لحظة أن يكون مستعدا لمفاجآت الحب ، وهي عديدة ، فمثلا أنت تمشي في الشارع ، ويمد انسان رجله ويدعس على رجلك فإنك تصرخ فورا وتنتقم ، لكن الحب يقول لك تمهل ، فالحب كما قيل هو ( من ضربك على خدك الأيمن أعطه الآخر ) ، لهذا فإن الحب يتالم ولكن لا يموت ، والكنيسة المسيحية والكاثوليكية بالخصوص هي صوت الحب الإلهي بين الناس ، لها ضعفها لأنها متكونة من بشر ، ولها أيضا عظمتها حيث أنها بضعفها تظهر قوتها المكتسبة من الله وليس منا ، هذا النداء سيبقى دائما وأبدا في ضمير الناس ، وستبقى الكنيسة هذا الصوت وهذا النور وهذا الإشعاع  ، ومن الناس هناك من يرفض هذه التعاليم لكنها ستبقى وتعاليمها ستبقى لا تموت ، فالتاريخ لا يستطيع أن ينالها لأنها أبدية ، لأنها من الله الخالد الذي لا يمكن أن يخضع لتطورات الزمن أو لإفتراءات المادة .

 هناك أمور كثيرة وحوارات تدور داخل الكنيسة ، وتؤرق المؤمنين منها ( الإجهاض وزواج الكهنة وكهنوت النساء والمشكلة الأكبر .. زواج المثليين ) ما رأي الكنيسة في ذلك ؟

قال : هذه الأمراض يجب أن ننتبه منها ويجب أن لا نخاف ، حينما نرى هكذا شيء ( إذا رأيتم هذا قد جرى فلا تخافوا ، إرفعوا رؤوسكم فإن خلاصكم قد دنى ) ، هذا هو خراب أورشليم ، هذا هو الفساد الذي حكى عنه متى ، هذه أمور قد تبدو غريبة لكنها انسانية ، إذا تركت الإنسان لوحده فمن الممكن أن يكون أكثر وحشية من الوحش ، لأنه يستعمل ذكاءه ليخترع ، وهذه القضايا تحدث هنا في الغرب وليس في الشرق ، لماذا .. لأن الغرب فقد الجو العائلي ، وفقد الطفل الغربي حنان الأهل ومن ثم الشعور بألأمان ، الطفل فقد العاطفة التي يستقيها من امه وأبيه ، فحين يكبر ينتقم لعاطفة حرم منها فلم يحظى بها من أمه ولا من أبيه ولا حنان المجتمع العائلي . فإذا به (وهذا هو علم النفس) يميل طبيعيا إلى الانتقام من هذا الحرمان بالتحشيش أو بالشذوذ الجنسي أو بالقتل أو باختراع أديان غريبة عجيبة ، لماذا ,, لأن التوازن قد اختل . أما ما ذكرتَه حول  زواج الكهنة فهذا شأن لا مشكلة فيه . إذ يمكن في يوم من الأيام أن تعطي الكنيسة الغربية الحق بذلك.       

 أما كهنوت النساء، فهذا أمر غير مقبول بتاتا. المسيح لم يعط الكهنوت للنساء مع أنه كان محاطا بنساء قديسات يخدمنه ويخدمن تلاميذه. يسوع لم يعط الكهنوت لأمه مريم . ومن أطهر من مريم بين الناس ؟ . في الكنيسة التقليد هو مساو للإلهام في شرح العقيدة . فلا التقليد ولا التعليم علم بأن الكهنوت أعطي أو يجوز إعطاؤه لأنثى، ليس لأن الأنثى لا قيمة لها، لكن هكذا جرى وهكذا أراد يسوع ، المسيح منح الكهنوت لتلاميذه وكانوا كلهم رجالا . ليس لأن الرجل افضل من المرأة ،بل لأن الكهنوت هو خدمة وهذه المهمة أعطيت للرجل بل لأنه هكذا أراد الله . البشرية هي رجال ونساء  لكن الرجل رجل والمرأة مرأة ، هكذا يتكامل الإنسان الكامل والواحد السوي. لا يمكن أن يكون جميع المجتمع رجالا أو جميعه نساء ، ماذا تقول لو كان جسم الإنسان كله ( رأس ) ألا يكون ذلك مسخا ؟ أوليس مسخا أن يكون الإنسان كله يد أو كله رجل أو كله رأس . يجب أن يكون الإنسان واحدا بأعضاء كثيرة وعلى هذه الأعضاء ان تتعاون في بناء الجسم وليس أن تتنافر . فالإنسان الكامل هو – رجل وأمرأة- الإنسان الكامل هو- ذكر وأنثى- من هذا التكامل يتكون الجنس البشري.

أما زواج المثليين فهذا منتهى الشذوذ ، هؤلاء الناس هم مرضى ، هؤلاء الذين فعلوا كل شيء في الخليقة ، مع النساء ومع الحيوانات ومع ذواتهم ولم يعد لهم خبرة اخرى ويريدون أن يخترعوا أشياء أخرى كي يبردوا الجوع الخيالي ، هو نوع من الإنطلاق إلى اللامتناهي ، مسائل سخيفة .

 ما موقف الكنيسة مما يحدث في العراق ، وكيف ترى مستقبل المسيحية في العراق ؟

أجاب قائلا : لا تخافوا ... المسيحية لا تخضع للسلاح ولا للقوة ، فقوتها ليست مرتبطة بآلية أو بنظام ، انها روح يدخل ويتغلغل في أي مجتمع في العالم ، كل ما يحدث في العراق من أحداث ، فإن الكنيسة تتحمل مثل الجميع ، فالكل واقع تحت القتل والتدمير وليس المسيحيين لوحدهم ، لكن الشيء الذي يمسنا هو أننا في الشرق اقلية ، والأقلية دائما تحس انها من الدرجة الثانية وإنها الأضعف ، فعندما تشعر الأكثرية بالضغط ، وتتنفس الصعداء تشعر بأنها تريد محاسبة الأقلية وهذا شيء طبيعي في الحياة، المسيحيون في العراق غير مضطهدين بالمعنى الإضطهادي إنما قد يكونون مضطهدين بالمعنى ( الأقلوي ) ، وهذا لا يدخل بمعاني الإضطهاد أنما بالعادات ، فالأقلية الإيطالية مثلا في أميركا تشعر حتى وإن لم تكن مغبونة من المجتمع الأمريكي تشعر بالغبن ، في العراق هناك اضطهاد للجميع ، والكنيسة تنظر لما يحدث في العراق بألم ، لكن وكما رايته وأحسسته فإن الشعب العراقي كان مثاليا في روحه الوطنية والإنسانية ، والجميع يتسائل ما سر عظمة هذا الشعب ، أقول لهم هذه العظمة هي مجموعة ملايين السنوات من التاريخ لأن الكون بدأ عندنا .

 ووجه سيادته رسالة إلى مسيحيي كندا وأميركا قال فيها : ( اياكم أن تفكروا أن الثقافة هي في اختراع اشياء غريبة غير مسموعة وغير مرئية ، عودوا إلى ذاكرتكم التاريخية ، فالشعوب الغربية لولا كنيسة  لكانت بربرية بشعة ، هذا المجاميع التي أتت من مختلف الأقطار إما مضطهدة أو منفية ، لولا الكنيسة لما كان لها أي مباديء علمية أو حضارية ، الكنيسة هي التي ثقفت الغرب ، فلا تبصقوا في بئر شربتم منه ، ولا تنكروا أما حملتكم في أحشائها أجيالا طويلة وربتكم وأعطتكم ) .

  

أجابات مختصرة جدا

 طلبت منه أن يفسر بعض الكلمات بجملة واحدة :

الكهنوت : خدمة باسم المسيح .

الإنسان : صورة الله .

قرة قوش : رحم روحي .

 

 المطران ميخائيل جميل في سطور

 يمتلك صوتا رخيما عذبا ، ويحفظ المقامات ويؤديها بشكل رائع وجذاب .

يحمل (4) شهادات دكتوراه في ( الفلسفة ، والحق القانوني ، والعلوم الإنسانية ، والتاريخ )

وماجستير في علم النفس .

يحمل أوسمة :

فارس الصليب الأكبر من مؤسسة القدي كازيمير بايطاليا

وشاح الإستحقاق الأكبر من مؤسسة نابليون للصليب الذهبي بفرنسا

وسام الإستحقاق الخلقي من الجيش الإيطالي

له عدة مؤلفات ويتكلم العربية والسريانية والفرنسية والإيطالية والإنكليزية