لأعزائنا الصغار

رسامات

عيون بخديدا

Museum متحف

أرشيف بغديدا هذا اليوم

فنانونا السريان أعلام

أرشيف الموضوعات

 

 

الدكتور وليد غزالة يتحدث عن صديق عمره ( شهيد الكنيسة المطران بولس فرج رحو)

عاش بين الأزقة التي تربط المحلات بعضها ببعض وهذا ما جعل فرج رحو صديقا لكل أهل المدينة

محلة المياسة كانت ( عاصمتنا ) فيها البيت والمدرسة والكنيسة والأصدقاء

اكتشف الشهيد لعبة اخراج المسيحيين من الموصل فاختطفوه وقتلوه

أجرى اللقاء : ماجد عزيزة

لا أصدَق من أن يتحدث المقربون من شخصية عامة عن تلك الشخصية وفضائلها وصفاتها ، ولا أحد يمتلك ذكريات عن الشخصيات مثل القريبين منها .. لهذا فنحن العاملين في ( مهنة المتاعب ) وفي محور بحثنا للكتابة عن شخصية كبيرة نقلب ذاكرتنا ونبحث عن أسماء يمكن لها أن تعطينا معلومات تختزنها ذاكرتهم لتقديم الشخصية التي نروم الحديث عنها . في العدد الماضي التقينا بالسيد عبد السلام رحو شقيق الشهيد المطران مار بولس فرج رحو والذي كشف معلومات تنشر لأول مرة عن طفولة الشهيد العزيز . واليوم نقدم شخصية أخرى كانت الأقرب للمطران الشهيد ، حيث عاصره في طفولته وفي المدرسة وعاش معه في المدينة التي أحببناها جميعا ( الموصل) .. الدكتور وليد غزالة ، الجراح  العراقي المعروف والأستاذ في كلية الطب ، والإنسان الطيب الرائع الذي جاء إلى كندا ليتغرب معنا بعيدا عن بلدنا العراق التقيناه ليتحدث ، ولكن عن ماذا يتحدث  .. الدكتور وليد غزالة عاش طفولته مع المطران الشهيد ودرس معه في مدرستنا الحبيبة ( شمعون الصفا ) ثم عاصره كاهنا ومطرانا ، وافتقده كما افتقدناه شهيدا رفع رؤوسنا علو السماء ، تحدث عن المطران الشهيد وعن المدينة وما حديث ويحدث فيها ..

يقول الدكتور وليد غزالة :

لا أدري ما أقول ، وعن أي شيء أتكلم ، هل اتكلم عن ( فرج رحو) احد زملاء حياتي وصديق عمري ؟ أم احكي عن مسيحيي الموصل أم عن المدينة ، أم ما وصل اليه الحال الآن ؟ ورغم أن التاريخ يكتبه وينشره المتخصصون ، وبالرغم من كثرة ما كتب عن ( فرج مجيد اسطيفان رحو ) إلا انني سأتكلم عن جوانب اتمنى أن يقرأها البعض ويعقبون عليها ، لأنها مهمة لتاريخ هذا الإنسان وللموصل وللمسيحيين بشكل عام .

فعندما تريد أن تكتب أو تتكلم عن شخص معين وبتاريخ قريب ، فإن الأمور تبدأ باتخاذ اتجاه العلاقة بين الكاتب والشخصية ، وتسال نفسك : هل أنت تحب من تكتب عنه ؟ وهل أنت داخل الحدث أم ان المعلومة انتقلت إليك ، وهل تغيرت في النقل من شخص لآخر ، لهذا تجد في سرد الحديث أو كتابته أبعادا تعتمد العلاقة بالشخص والحدث والمكان ، وموقفك مما حصل وما يحصل ..

وحيث إني صديق وزميل حياة لفرج مجيد رحو في محلة المياسة ومدرسة شمعون الصفا والمتوسطة الغربية ثم في المجموعة الثقافية فقد أكون منحازا وأمنحه فضائل لا يملكها أو أغبن حق الآخرين وتحويل بعض الأحداث لحساب فرج رحو كونه صديق الطفولة والعمر . ان ما سأقوله يغطي ( 60) عاما من عمر المسيحية في الموصل ، فقد قضينا طفولتنا سوية في محلة المياسة بالموصل ، لقد جاء من عائلة مسيحية أصيلة مؤمنة ، كان بيتهم يبعد عشرات الأمتار عن أعتق الكنائس الكلدانية في المدينة ( مسكنته) أما مدرستنا الإبتدائية فكانت في المحلة أيضا ، وكانت حكومية تغلق يوم الأحد ويداوم فيها كاهنان يعطيان دروسا في الديانة ، وكان حضورنا للقداس اليومي في الكنيسة واجب ، وإلا فإن ( مسطرة ) القس ( المطران لاحقا ) المرحوم عمانؤيل ددي ستعمل في أيدينا ! أما في ايام القس المرحوم يوسف كجه جي فالعقاب أبسط وهو الوقوف بمواجهة الحائط لبضع دقائق ! هكذا تربينا في ( المياسة) التي كانت تحتوي على مواقع مسيحية أخرى منها مدرسة الكلدان للبنات ( وهي على شاكلة مدرسة شمعون الصفا للبنين) والقس فيها هو المرحوم ميخائيل عزيزة ، كذلك المعهد الكهنوتي في الجوار وهو مدرسة للذين يدرسون الكهنوت ، وكانت الوحيدة للكلدان في العراق ثم انتقلت إلى الدورة ببغداد في عهد البطريرك مار بولس شيخو رحمه الله .

في محلة المياسة ولد معظم الكلدان ، ومن بينهم أنا وفرج رحو ، وهي منطقة وسط بين محلتي ( خزرج وباب البيض وشهر سوق والساعة ) وهي قريبة لشارع نينوى في جزءه الشرقي وشارع الفاروق بجزءه القديم ، ومن هنا تخرج معظم شباب المدينة وعلمائها المتأخرين ، ومن بين الأزقة التي تربط المحلات بعضها ببعض كنا نذهب إلى السوق ومحلات البيع المهمة وإلى دوائر الدولة لهذا تجدنا جميعا أصدقاء لبعضنا ، وهذا ما جعل فرج رحو صديقا لكل أهل المدينة ، ليس لأنه غني أو دمث الأخلاق فحسب بل لأنه ولد وترعرع هو واخوته بين أولاد المحلات الأخرى ، ولم يكن هناك سبب للفرقة أو التشاحن ولهذا تجدنا وبعد أن انتهينا من الدراسة الإبتدائية ذهبنا للمتوسطة الغربية في باب سنجار وكان التميز فيها هو ( الشطارة والذكاء ) أما فرج رحو فذهب إلى المعهد الكهنوتي .

هكذا كانت المياسة ( عاصمتنا) فيها البيت والمدرسة والكنيسة والأصدقاء ، نلعب في أزقتها ، وتركناها مجبرين لدخول الجامعة حيث لم يكن في الموصل دراسة جامعية إلى سنة 1959 عندما افتتحت كلية الطب وتفرق الأصدقاء ، أنا إلى كلية الطب ، وفرج رحو إلى المعهد الكهنوتي ... وافترقنا حوالي عشر سنوات ، التقينا بعدها نحن أولاد الغربية والشرقية وشمعون الصفا واولاد خزرج وباب البيض والفاروق والساعة ، بعد أن توسعت مدينتنا وشهدت افتتاح الجامعة وخرج الموصليون للأطراف ليبنوا بيوتا حديثة ، لكن الصداقة والذكريات وحياة الطفولة بقيت تشدنا لبعضنا البعض .

في هذا التطور ظهر فرج رحو ككاهن حديث على يد المطران المرحوم عمانؤيل ددي واعطي مسؤولية كنيسة مار اشعيا القديمة في محلة الشهوان قرب كنيسة الطهرة الحالية التي تقد على دجلة ، جاء إلى كنيسة مار إشعيا في منتصف حملة اعمار بدأها الكاهن السابق ، وبذكاء حاد وعصبية ثقافية واضحة اكتشف إن ما يجري هو عملية خاطئة ! وبدأت عاصفة هوجاء من الرؤساء وأهل المنطقة ، اذ طلب ايقاف العمل ! فكيف يوقف العمل في الكنيسة ويؤخر افتتاحها ؟ وجاء التقرير من خبراء الآثار الذين دعاهم الأب فرج لدراسة ما يحصل وتأكد الجميع ان رفع الكنيسة القديمة هو تخريب للتاريخ فهذه الكنيسة عمرها حوالي ( 800 سنة) وان حجارة المذبح نادرة وان التجديد أخذ أكثر من نصف الكنيسة ويجب التوقف والعمل على الحفاظ على ما بقي من المعالم ، وهكذا استطاع الفريق الجديد بقيادة الأب رحو والدكتور بهنام أبو الصوف الحفاظ على المذبح الأيسر !

ويضيف الدكتور وليد غزالة : ثم سافر الأب رحو لدراسة اللاهوت في احد المعاهد العالية في ايطاليا ، وليحصل على الليسانس والماجستير وليرجع إلى مدينته بدوافع جديدة ليخدم الناس ، وانتقل إلى رعية كنيسة أم المعونة في الدواسة ، وبدأ المؤمنون يلتفون حوله لما كان يحمله من علم ومعرفة ، هنا جاء قرار الغاء المدارس الخاصة ، حيث اممت مدرسة ام المعونة ، واستولت الحكومة على المدرسة والغت عطلة الأحد ، ولأن فناء المدرسة ( ساحتها ) هو نفس فناء الكنيسة ، فحدثت مشكلة ، حيث لا يستطيع المصلون الدخول للكنيسة إلا من خلال ( حوش ) المدرسة ، وأصبح الأمر بيد الدولة ، وبعض الرؤساء الضعفاء . لكن ( الأسد الهصور ) لم يسكت ولم يسترح إلا أن استطاع الحصول شخصيا على موافقة بناء حائط يفصل بين الإثنين قابلا بأهون الشرين ! وبعدها حصل على موافقة باغلاق المدرسة يوم الأحد اذا كان اغلب طلابها من المسيحيين وهذا ما جرى !

وتوسع نشاطه وعمله ، فرأى ان توافد طلاب مسيحيين لجامعة الموصل ، وانتقال اغلب المسيحيين للسكن في الجانب الأيسر من المدينة ، يحتاج إلى منفذ ايماني فمن خلال اخوية شباب مريم وبعد توفير المال اللازم تم شراء ارض هناك رغم اعتراضات البعض ، ثم بدأ مشروع بناء كنيسة مار بطرس وبولس وافتتحها قبل أن يكمل بنائها لحاجة الشباب اليها ،  وساعده في ذلك ، جميع من احبه ، وأصبحت الكنيسة الجديدة واحدة من معالم الموصل الجميلة .

وبعد وفاة الراحل المطران كوركيس كرمو لم يجد غبطة البطريرك الراحل روفائيل بيداويد بدا غير الأب رحو ليرسمه مطرانا لأبرشية الموصل ، فاستلم المدينة وهي بحاجة ماسة للعمل في كل المجالات بعد اهمالها بسبب مرض المطران السابق ، وكان المؤمنون عطشى لكل عمل ، حتى بدأت معركة الإعمار ، فكنيسة مسكنته بدأت بالإنهيار بسبب ارتفاع منسوب المياه الجوفية بعد بناء سد الموصل ، ولم تساعده البطريركة في بغداد بالمال اللازم كما ان الدولة لم تقدم أي شيء بسبب الحصار ، لهذا ( بدأنا) بحملة تبرعات شملت أبناء الكلدان الموصليين في أنحاء العالم ، ولم يبخل أحد ، ونتيجة الجهد والتعب أصيب المطران رحو بجلطة قلبية ادخلته المستشفى في بغداد وبعد تحسن صحته سافر إلى بغداد ثم إلى خارج العراق ، لكنه بقي تحت المراقبة والعلاج .

ويضيف الدكتور غزالة : في التاسع من نيسان احتلت بغداد ، وبعدها بيومين سلمت الموصل إلى الجيش الأمريكي بدون مقاومة ، وسقطت المدينة بيد اللصوص وقطاع الطرق وأصبحت المدينة ملعبا لكرة القدم يلعب به كل من له مصلحة في الحياة الجديدة للمدينة والعراق ككل . وهكذا ، وجدنا من يسرق ومن يغتصب ومن يحرق ، البنك المركزي ومكتبة الجامعة وغيرها ..( تصوروا ) ان حملة قطع الرؤوس بدأت والدولة موجودة ، وهناك محافظ ومجلس محافظة ومسلحون تابعون للدولة وجيش أمريكي وبولوني ، والمجرمون يعبثون بالمدينة ، ثم أدخل المسيحيون للعبة .. لماذا ؟ لا أحد يعرف فالمسيحيون موجودون قبل الإسلام ولم يحرك أحد ساكنا ، لماذا يحدث هذا ، الأنباء متضاربة ومتشابكة ، والمؤامرات تحاك كي يستفيد منها البعض على حساب اخراج المسيحيين من المدينة .. وكالعادة وفي الصباح الباكر كان سيدنا ومطراننا في وسط الأمر حيث اكتشف انه تخريب ليس للدين فقط وليس للمسيحية فقط بل هو أمر أكبر بكثير فوقف بوجه المخربين يساعده ايمانه العميق بالسيد المسيح وبمدينته وعراقيته .. وكانت النتيجة أن اختطفوه وقتلوه ، وصارت الموصل بعده خرابا .. رحمه الله ورحمنا أجمعين

 

 

بمشاركة مطران الموصل للكنيسة الشرقية القديمة

والآباء كهنة الكنائس ( المشرق الآشورية والسريانية الآرثوذكسية)

قداس وحفل تأبين للمطران الشهيد في الكنيسة الكلدانية بأوكفيل

الأب سعيد بلو : لم تثنه العواصف ولم تدحرجه الرياح فسار وسار معه العزم إلى الهيكل المقدس

ماجد عزيزة /

شهدت مدينة أوكفيل الكندية ( غرب تورونتو) مساء السبت ( 7 آذار ) احتفالا مهيبا اقيم خلاله قداس وجناز كبيرين بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لإستشهاد المثلث الرحمات المطران الشهيد مار بولس فرج رحو ، أعقبهما حفل تأبيني شارك فيه العديد من الشخصيات ومجموعة من أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري ، ففي كنيسة مار بطرس الكلدانية في أوكفيل أقيم قداس احتفالي أقامه الأب سعيد بلو راعي الكنيسة الكلدانية في مدن ( هاملتون وأكفيل وكيتشنر ) شاركه فيه الأب يونان مروان راعي كنيسة مار ماري الآشورية في هاملتون ممثلا عن سيادة المطران مار عمانؤيل يوسف اسقف كنيسة المشرق الآشورية في كندا  والأب الراهب يوحنا الخوري عبد الله راعي الكنيسة السريانية الآرثوذكسية في هاملتون ، كما شارك في القداس سيادة المطران مار توما كوركيس صليوا مطران الكنيسة الشرقية القديمة في الموصل والذي يزور كندا حاليا ، كما شارك عدد كبير من الشمامسة الأجلاء وجوقة الكنيسة .

والقى سيادة المطران مار توما كوركيس كلمة أشاد فيها بالشهيد البطل الذي سفك دمه الكريم من أجل اعلاء شأن كنيسة المسيح ، وأكد في كلمته بأن الشهيد كان مثال الراعي الصالح المحب لجميع مكونات بلده ومدينته التي أحبها حبا جما .

واقيم بعد القداس حفل تأبيني شارك فيه عدد من الشخصيات المعروفة ، حيث ألقى السيد عبد السلام مجيد رحو شقيق المطران الشهيد كلمة العائلة ، شكر فيها الحضور على مشاركتهم كما شكر الأب سعيد بلو على اهتمامه باقامة هذا الإحتفال ، وطالب الحكومة العراقية ومؤسساتها الأمنية والعسكرية عدم اهمال ملف جريمة قتل المطران الشهيد وتمييعها كما حصل خلال السنة الماضية .

والقى السيد مظلوم مروكي ممثل المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري في كندا كلمة طالب فيها المسؤولين الحكوميين في العراق العمل بجدية لمعرفة المجرمين الذين ارتكبوا جريمة العصر باغتيال المطران مار بولس فرج رحو ، وأكد بأن دم الشهيد البطل قد وحد جهود أبناء أمتنا في المطالبة بحقوقهم المشروعة .

وألقى الزميل ماجد عزيزة رئيس تحرير جريدة نينوى ، مجموعة قصائد باللغة العربية ( الفصحى والعامية ) ، كما القى السيد سليمان ججيكا قصيدة باللغة السريانية ، واختتم الحفل الأب سعيد بلو بكلمة قدم فيها شكره لجميع الذين شاركوا في هذا التجمع المقدس والذي يقام بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لإستشهاد المثلث الرحمات المطران مار بولس فرج رحو ، وقال في كلمته بحق شهيد الكنيسة : لم تثنه العواصف ولم تدحرجه الرياح فسار وسار معه العزم إلى الهيكل المقدس من قراميد اعماله الصالحة وأمست دماؤه ملاطا للقراميد ، حفر التاريخ في قلب الزمان باحثا عن المجد فوجد مثلت الرحمات الشهيد مار بولس فرج رحو مذبحا لهذا الهيكل فوقه تقدم قرابين الضحايا البريئة مع ذبيحة المخلص الإلهية رغم أركان الشر واعوان الارهاب التي تتداعى ولا يتداعى وتندثر ولا يندثر إلى الأبد .