لأعزائنا الصغار

رسامات

عيون بخديدا

Museum متحف

أرشيف الاخبار

فنانونا السريان أعلام

أرشيف الموضوعات

هيثم بهنام

محنة الشاعر المعروف

هيثم بردى

صديقي شاعر معروف، أصدر الكثير من الدواوين الشعرية. جمعتني وإياه ذات يوم صالة المكتبة العامة في المدينة، وجدت في عينيه نظرة حزينة ساهمة وهو يلقي بين الفينة وأختها نظرة تشف عن خيبة وحزن عميقين إلى حقيبة ألقاها بيأس على منضدة المطالعة. سألته.

-       أراك حزيناً؟

وكمن استيقظ من حلم، أجاب.

-       أتعرف ما تحتويه الحقيبة؟

-       أنى لي ذلك؟

فتح الحقيبة وأخرج من أحشائها حزمة كتب، قربها من وجهي وهمس بخيبة.

-       إنها تسع نسخ من ديواني الشعري الأخير.

وبعد لحظة صمت استطرد.

-       هل تظن أن المدينة من تقرأ؟

إستعرت من صديقنا الفنان المسرحي نبرته الساخرة في برنامج تلفازي في اجابته لسؤال شبيه، جواباً لسؤال مقدم البرنامج:

(( مدينتنا متهمة بالثقافة، وهي بريئة منها))

سألته.

-       هات من عندك؟

نظر في عيني بعمق وتصادى صوته:

(( في صباح ما، قبل سنتين وشهرين، قال لي صديقي الأثيري مدير المركز الثقافي الفخم بطرازه المعماري الفريد، الزاخر بزواره الكثر وفعالياته الثقافية الفارقة ومكتبته الكبيرة، المشرعة أبوابها صباحاً وعصراً، والمزدانة دوماً بالقامات.

-       لم لا تضع نسخاً من ديوانك الشعري الصادر مؤخراً في مكتبتنا للبيع، ربما سيساعدك ثمنها في التخفيف من كلفة الطبع التي أخذت قسطاً لا يستهان به من راتبك؟

راوزته بنظرة استشف منها مغزى لهجته فاستغورت منها المصداقية المعجونة بالمحبة، أجبته.

-       لا جدوى يا صديقي، فأهل المدينة مروضون على الكثير من الممارسات، جلّها قشور، إلاّ الثقافة والقراءة.

قال بتوكيد.

-       لن نخسر من التجربة؟

قلت كعراف خائب.

-       تعلّم أهلنا، ولن اتجنى عليه ان استثنبت القليل، إن يتبضعوا كل شيء من السوق، بدءاً من الكماليات الفائضة عن الحاجة الحقيقية، والحفلات والمطاعم والمناسبات ، ويغدقون بلا توقف من أموال جيوبهم، ولا يقتّرون إلاّ عند تعلق الأمر بالمعرفة....

ألحّ قائلاً.

-       لنضع سعراً متهاوداً عليها.

سألته.

-       كم تقترح؟

-       خمسة آلاف دينار للنسخة.

قلت له.

-       سأضع ألفي دينار، وأنا موقن بأن المحصلة.... قبض ريح.

-       أنت جد متشائم.

-       إنها كبد الحقيقة.

وفي اليوم الثاني جلبت عشر نسخ وأودعتها المكتبة فوجدت لها مكاناً بارزاً في رفوفها الأمامية)).

وبعد عامين وشهرين، نفدت نسخي الشخصية من الديوان الشعري فوقعت في حيرة، سيما أنه مطلوب من قبل المحافل العلمية لكثرة الدراسات النقدية التي تناولته والبحوث التي نشرت عنه، وخاصة الأكاديمية لنخبة من المتخصصين الذين يتصدرون الواجهة النقدية في العراق، فوقعت في حيرة، هل أعمد إلى طباعتها طبعة ثالثة، لأنها طبعت خلال ثلاثة أعوام لمرتين، أم ماذا أفعل؟.

فتذكرت النسخ التي أودعتها مكتبة المركز الثقافي المائز والفريد والفاعل، فهاتفت صديقي وتواعدنا أن ألتقيه في مكتبه، وغب ساعة كنت بمعيته وأنا أبتهل إلى الرب أن تكون النسخ المباعة قليلة، وحين ذهبنا إلى المكتبة، اكتشفت أن المباعة نسخة واحدة فقط ؟؟!!.

ولكم تمازج الشعوران في دخيلتي: الفرحة بأني بت أمتلك تسع نسخ من الكتاب... وخيبتي من مجتمع أصاب فيه صديقي الفنان عين الحقيقة حين وصفه بأنه متهم بالثقافة.

فإذا كان هذا ما يحصل لشاعر معروف على مستوى العراق وخارج العراق، فما بالك بالشعراء الشباب الذين برسمون لتوهم طريقهم الإبداعي؟!.

يا للفرحة...!.