لأعزائنا الصغار

رسامات

عيون بخديدا

Museum متحف

أرشيف الاخبار

فنانونا السريان أعلام

أرشيف الموضوعات

 سـنان شـوكت بَـوّا                                           senanzaia@yahoo.com

 

هاييتي، الزلزال، أنـا

 أينَ انا؟

ما هذا الظلام المُخيف الذي يَلُفُّ المكان؟

رائحةُ التُراب والكونكريت المهدّم فوقي

لا اعرفُ اين موضع رأسي

أكادُ اختنق إلاّ مِن نسماتِ هواءٍ بسيطة

أرى ضوءاً ضبابياً ومع هذا لا أُميّز الأشياء من حولي

***********************

لماذا لا أستطيع حِراكاً إلا من حركة اصابعي

وشَفَتيّ مَكسيّةٌ بالتُراب

وعينيَّ افتحُها بصُعوبة

وجَسدي في المكان مَركونٌ لا يَهتَز ولا يتحرك

أُحاول رَفْعَ رأسي فيرتطم بشيء صَلِبْ حيثما ألتَفِتْ

اصرُخُ باعلى صوتي ولا مِن مُجيب

لماذا أنا في هذا المكان وفي هذه الحالة؟

**********************

صباحاً تناولت طعام الفَطور على مائدةٍ وافِرة الأنواع

قَبّلتُ زوجتي وأولادي حيث سافروا الى الجانب الآخر من الجزيرة

وأمَلي بان يعودوا مُستقبِلاً اياهم بالأحضان

كنتُ اسير في الشارع بِحريّة الإنسان المتنعّم المختال

مارستُ عملي ككل يوم والضحكات تصاعدت من حناجر زملائي

في طريق عودتي اشتريت مواداً اعيش منها لأيام واسابيع قادمة

اشتريت هديةً لأبنة اخي حيث تحتفل بعيد ميلادها في الأسبوع القادم

مَرَرت على والدتي لأراها مشغولة في صنع سلّةٍ من القصب

قبّلتها ومشيتْ

*******************

لقد تذكّرتُ ان الجدران تشققت

والأرض إهتزّت

والثُريّا المعلَّقة في السقَفِ صارت تهتزّ بشدّة

صورُ ذكرياتي على الحائط وقَعتْ وتكسّرتْ

الزجاجُ تناثر

وعندما حاولتُ النهوضَ جَرَفَني سقَفُ البيت الى الأسفل

لقد كان صوتاً مُرَوِّعاً برغم انه استمر لثوانٍ

إلا انه كان كافياً ليجعلني في هذه الظلمة

وليفصِلُني عن العالم الأعلى الذي كنت فيه قبل ساعات

*******************

آه كم انا اتألم

لاأعرف مقدار الزمن الذي مرَّ عليّ وانا على هذه الحال

لكن الظلام مازال كما هو

إلاّ ان الضوء صار أقَلُّ ضبابية لكنه خافت

اسمع اصواتاً غير مفهومة في الخارج

اصرخ بِعلوِ صوتي إلاّ انّ لا احد يسمع

أُحِسُّ بشفتي تَيبس فأُبَلِّلُها بماءٍ ضعيفٍ من انبوب قريبٍ مني يكاد ينضُب

اتلَمَّسُ حولي لأجد طعاماً آكل فلا يوجد

********************

هل سأموت على هذه الحال

بطيئاً متألماً

وحيداً

حتى انني لم اترك رسالة او وصية

لديّ الكثير من العُمْرِ لأعمل واتمتع بالحياة

لدي امنيات وطموحات لتحقيقها

فقد كنت آمل ان ابني بيتاً جديداً لعائلتي

واغيّر أثاث بيتي

أن اسافر مع عائلتي الى ما بعد البحار في عطلة المدارس القادمة

و..و..و..

وهل هذه ستكون نهايتي؟

ان اموت ببطءٍ وألمٍ

وحيداً

******************

مرّت ايامٌ لا اعرف عددها

وجسدي يهون

اسمع من بعيد اصوات البلدوزرات والمَعاوِل

اسمَعُ انهم وجدوا جاري حيّاً من بين الأنقاض

فاصرُخ بما بقي من قوة في صوتي: أنا هنا ألا تسمعون!

احفروا الى الجانب الآخر!

******************

ستكون معجزة لو وجدوني وقمت " من بين الأموات الأحياء"

سأرضى باي لقمة تعطوني اياها

سأقبل باي نوع من الماء لأسقي به عطش شفتي المتيبسة المتشققة

سألبَسُ ايَّ ملابسٍ ما دامت نظيفة

سأكره التراب والغبار وسأنظف كل ما هو امامي "ونفسي"

سأرضى بمكان معيشتي مادام يَجمَعُني بعائلتي

سأنامُ في بيتٍ بسيطٍ حتى لو لم يكن فيه جدران عظيمة

ساكتب وصيتي وستكون لعائلتي ولمن يسمع من الناس

ساكتب واقول:

عشت ورضيت بعيشتي على بساطتها وقِلّتها

كنت سعيداً

ما دُمتُ فوق التراب.

24 كانون الثاني 2010

أوكلند/ نيوزيلندا

....................................................

 

لقاء الحسناء والوحش

 

إلتَقى بها من غير موعد، كاترين، من خلال موقف مُعَيَّن قد يُقال له "صِدفة"...

لَم يُحَدَّد للموعد مكان او زمان بشكل مُسبَق ... لكنه حَدَثَ... نقلها الى عالمَهُ، ڤِنسِنت

عالَجَها، أعطاها من عروقه ما يعطي الحياة لها... دون عِلمه بأنه سيتعلّق بها...

وستكون هي له شيئاً خاصاً ومُمَيَّزاً...

*************************

عالمَهُ السُفْلي، عالَمٌ تحت الأرض، عالَمٌ بعيدٌ عن الأنظار...

عالَمٌ مَليء بالعطاء،بذل الذات، الأخوّة، الإهتمام الإنساني الواحد بالآخر...

اُختيرَ مكانه في موقِعٍ لا يُفَكّر فيه إنسان من عالم الفوضى العُلْوي...

مكان متروك... إلتَجَأ إليه كل عابر سبيل، مُهمَل، متروك، منبوذ، مريض...

********************************

تَعَرّفَتْ إلى عالمَهِ، إليه، تَقَبّلَتهُ كما هو، شكله، طيبته، غضبه، عمله، أفكاره، قلبه...

تَقَبّلَها كما هي، شجاعتها، ضعفها، عطفَها، أحاسيسها، عقلها، قلبها...

 

فكان كل شيءٍ عميقٍ بينهما... شيءٌ يَستحق ان نُطلق عليه... " حُبْ "

 

أصبَحَ يحسُّ بها حينما يتألم وتتعرّض لخطرٍ او شِـدّة...

تَغضَب... فيشعر بجسده يلتهب...

تتعرّض الى خطر... فيهرع اليها مسرعاً...

وحينما تكون بعيدة عنه ويحتاج اليها... يهمس إليها من دواخل أعماقه...

فتنقل الغيوم والنجوم وكل ذرّة في سماء العالم العلوي صوته...

فتسمع وتستجيب لصوت المناجاة الداخلي النقي...

 

بالمُقابل،

هي أيضاٌ تحسُّ بهذا الشعور...تحسُّ بضعفه الذي لايظهر امام الآخرين...فتضمُّه الى صدرها...

إنّه قويٌّ وأخٌ للآخرين... إلاّ أنه يبدو أمامها بكامل صورته وبوضوح شديد...لأنه يحبها وتحبّه...

إرتاح لديها ووثق بها...تحنّنَت عليه وقبِلَتهُ كما هو...

أعطاها حناناً وقلباً لم تجده في العالم العلوي،عالم فوق الأرض.

فتشعر بضيق حينما لاتراه وتفتقده وتفرح بلقائه المتجدّد... وكانه أوّل لقاء...

***********************

حينما سافَرَتْ عبر الشاطيء الآخر... بقي قلبه متعلّقاً بها...

حينما كانت تكتب الرسالة... كان يحسُّ بوقع القلم يدقُّ في قلبه...

ولمّا داهمها الخطر، همَسَ لها بأن تنتبه... فكانت ردة فعلها منقِذةً لها من الشر...

 

وكانت كلمات الأغنية:

أوّل مرّة أحببتُ فيها إلى الأبد... تخلّيتُ عن كل شيء...

ودعوتُ قلبي لأن يتبعك... ولاحاجة إلى الإختفاء...

إذا كانَ الحب رواية للحمقى... سأعيش الحب معك...

طوال حياتي والى الأبد.

هناك حقيقة سأعرفها دائماً

عندما تنقسم حياتي وتتحَطّم...

فسأذهب الى حيث.......... الحُـب.

 

 

*****************************************************

قد يتذكر البعض هذا المسلسل الذي ظهر على شاشات العالم في نهاية الثمانينات، ومنه عالم بلدي الحبيب العراق، تحت إسم " الحسناء والوحشThe Beast and the Beauty ". وكانت كتابتي أعلاه من وحي كلمات ومواقف وشخصيات واعمال هذا المسلسل الذي يمكن الرجوع الى بعض محتوياته عبر الصفحة الإلكترونية www.mybatbpage.com

تمـوز 2009

 

.........................................................

النهر

 

قبل أيام كنتُ مع صديق نبحث لدى العم ﮔوﮔل  Google عن صور مختلفة لخارطة عراقية تحتوي على نهري العراق الخالدين دجلة والفرات فجمعتُ منها عدّة نماذج. تأمّلت قليلاً في خارطة بلدي، وفي الأنهر خاصة، فوجدتها تنبع من بلادٍ أُخرى وتَمُرُّ في بلدي من أقصى الجبال العالية الرائعة الجمال مروراً بالسهول المستوية ذات الأشجار الباسقة ليلتقيا في النهاية في أسفل البلاد حيث اشجار النخيل الشامخة وليصبّا عند شط العرب. اثناء مرورهما في الأرض الخصبة لبلاد العراق التي كانت تدعى بلاد مابين النهرين وجدتُ، وبما لا يخفى على أي عراقي، فروعاً عديدة تنبع من النهر الأم لتُغَذي الأراضي المحيطة بها ولتزيدها حياةً وإخضراراً ولتتكوّن من حولها قرى ونواحي ومدن يتنعم بحياة ارضها وخيراتها كل الساكنين بدون إستثناء.وهكذا عاش إبن العراق في هذه البلاد على مر آلاف السنين ولم تُثنيه عن عِراقيته وإنتمائه لهذه الأرض اي غزوات اوتقسيمات او إحتلال او تدمير

 

 

في هذه الفترة العصيبة من وقتنا الحالي نتصفّح ونقرأ الكثير، من المقالات والآراء والآراء المضادة، عبر شبكات الأنترنت عن ما يجري من تقسيم او لم شمل او ترقيع او توحيد تحت شتى الأسباب والمُسَمّيات لهذه الفئة او تلك من ابناء شعبنا التي لها تأريخ عريق في الوجود وبناء هذا البلد. ففكّرتُ بنهري بلدي العظيمين وتمنّيت ان نُصلّي جميعاً بقلب واحد، مهما كانت الإنتماءات والتسميات، لكي نضع خلافاتنا جانباً، رؤساء دينيين او مَدَنيين، ونهتم بالنهر الواحد الذي يغَذّي فروعاً صغيرة. فالأفرع ترى في النهر الكبير مثالاً للحياة والخير وستجف الأفرع إذا لم يهتم النهر بكري وبَزْلِ مَجراه الرئيسي ليصل صافياً ونظيفاً الى الأفرع التي تُغَذي شعوباً من حولها وإلاّ فإن الأفرع، وعندما تفقد "الثقة" بالنهر الأكبر، ستحاول ايجاد منابع أُخرى للتغذية، صالحة او غير صالحة، او قد تجف للأبد لتبقى وفية للنهر الأكبر. وكما نعلم بأن الدول التي ينبع منها دجلة والفرات قد بنَت سدودا وها هي تُقَنّن تدفق المياه الى النهر الكبير. ياترى هل سيبقى النهر الكبير كبيراً أم انه سيفقد "هيبته وقوته" عندما لايكون هناك مورد وحياة فيه.

 

لنضع خلافاتنا على جنب ولنستعمل "الديمقراطية" في مجالها الصحيح ففي فِرقتنا وضعفنا يتقوى الآخرون علينا ويفرضون شروطهم ويمررون مخططاتهم، التي لاتفيدنا، بسهولة وأمام أعيننا. لنعمل ونؤمن ونختبر قوة الصلاة الجماعية الواحدة إذا كُنّا مؤمنين بِدين واحد، أو لنعمل بقوة الخير والصالح العام إذا كنّا لا نعتقد بقوة وتأثير الأيمان الألهي في حياتنا. لندعو في كنائسنا ومجامِعنا وتجمعاتنا الى الوحدة بفعل المحبة الحقيقية ومن كل القلب وليس بترديد اللسان لتمرير سياسة وخطة تزيد من فرقتنا وتزيل أثرنا وعَراقتنا.

وليبقى دجلة والفرات نهرين يجمعان ابناء الشعب الواحد ويغذيانه بالخير والعيش بسلام.

 

 

................................................

في مطعم شعبي

 

في مساء احد ايام الجمعة، دخلنا نحن الأصدقاء الثلاثة الى مطعمٍ شعبي في وسط بغداد الحبيبة،

قرب ساحة النصر ،حيث قارَبَت الساعة على الثامنة، لنتناول وجبة من عشاء شعبي عراقي لذيذ .

كُنّا ثلاثة جلَسنا لنأكل

خَلْفَنا، جلس شخص، بدأ بإلقاء الطعام على الأرض بإستهتار وإطلاق عبارات وكلمات الشتام لكل مَن حولَه دون ان يَردعه أحَد

كانت تبدو عليه علامات السُكْر…..

كان عمره يربو على العشرين من السنين….

إستَمَرّ بإستهزائه وإستخفافه من عاملي المطعم ومناداتهم بعبارات بذيئة وذميمة….

تَحَمّلنا هذا المشهد بِرَويّة وصَبر وفي دواخلنا نَبْذٌ لهذا التصرف السَيّء…

إستَمر هذا الشاب في تصرّفه وألقى بعض الطعام على طاولتنا…

إنزعجنا… وطَفَح ما في داخلنا من كَبتٍ لِغَيضٍ وغضب من هذا التصرف…

فَأنّبناه على أفعاله وسوء تصرفاته داخل المطعم… وهو إستمر في مجادلتنا مترنّحاً…

قلبي عَطَفَ على هذا الشاب … إلاّ أنّ الغضب أخذ مَأخذه من نفسي…

شَتمتَه ولعَنْتَه بصِفة الحيوان…

إستمر الشاب السِكّير في السَبِّ والشَتمِ وهو يُغادِر المكان بتثاقل…

كلمات اُخرى بَدرَت منه جَعلَتنا ننتفض من أماكِنَنا لنحاول ردعه بالوسائل "البدائية والهمجية" للردع… إلا ان العمال منعونا ثم رحل الشاب عن عيوننا وهو يتمتم بكلمات غير متناسقة…

عدنا نحن الثلاثة الى طاولتنا لنستمر بتناول الطعام برغم "إنغلاق" شهيتنا وأنْفُسنا عن الأكل…

في وقت مُتأخر من ذلك المساء وفي طريق عودتي الى المنزل إفتَكَرتُ بما حدث…

فكّرت بما فعلتُ أنا… بتصرفي.. بِرَدّة فِعلي… بطريقة تفكيري… بكلامي الجارِح…

أحقاً أنا فعلت هذا ؟

ألم أكن أنا صباح اليوم أبحث عن الطريق المثالي للمساعدة والحب… وها هي فرصة أمامي لم استغلّها…

لو كان المسيح مكاني فما كان سيفعل؟.. ألَمْ يَكُن سيفتح للشاب قلبه ويدعوه إلى مائدته…

تأسّفت جداً في تلك اللحظة أنني أُدعى مسيحي حيث لم تكن فيَّ بذرة من المسيحية.

سامحني يا رب

 

 

(تحية الى الصديقين نبيل ومؤيد حيثما كنتما)

سـنان شـوكت بَـوّا

أوكلند/ نيوزيلندا

 

**********************************************************

مُنذ فترة فكّرتُ بأن أبدأ بطباعة الكتابات والخواطر والأشعار التي خطّتها اصابِعُ يدي على أوراق دفتري القهوائي اللون وقصاصات الورق الصغيرة المتناثرة فكانت كتابتي أعلاه هي الورقة الأولى في الدفتر لتأمّلٍ حدث في شهر كانون الثاني من عام 1990. قد لاتكون الكلمات مهمة لكثيرين ، خاصة في هذا الزمن- زمن الإغتراب والهجرة، إلاّ أنني سأحس بالفرح إذا كانت كتابتي، وما يليها،  قد ساعدَتْ إنسان واحد نحو الثَبات في الحُب الناصِع النَقي

.........................................

 

 

عَطاء لأجلِ الحُب فقط !

 

في بلاد الأغتراب التي وصل اليها وانتشر وتكاثر فيها الكثير من ابناء جَلدَتي، كافراد وعوائل، خلال سنين متفاوتة ولأسباب متباينة ومتعددة بينها الهجرة الأنسانية، الهجرة السياسية، هجرة الكفاءات، هجرة رؤوس الأموال واصحاب التجارة، هجرة لأجل لَمّ شمل العائلة، هجرة لأجل الدراسة، هجرة لأجل الزواج، وغيرها من انواع الهجرة التي تمّت بطرق رسمية واخرى غير رسمية والتي عانى فيها المهاجرين قبل واثناء وبعد وصولهم الى البلد المنشود، سواء باختيارنا او عَدَمِه، ما كان علينا إلاّ قبول العيش فيه ونقبله كبلد ثاني لنا والتأقلم مع المجتمع الجديد وعاداته وتقاليده ولغته ولنعيش فيه بامان واستقرار وليبقى بلدنا الأم في القلب والفكر، البلد الذي حمل ذكرياتنا ولحظات النَشء والبلوغ والحب والألم والحرب.

في البلاد التي وصل اليها اغلبنا وحيثما كان موقعها على الخارطة العالمية، اهتمت الدولة ومنظماتها ومؤسساتها الخدمية والأجتماعية في تخفيف معاناة اغلبنا من خلال محاولة تَفَهّم وضعنا السياسي والأقتصادي، حتى وإن كان بعض ما يطرحه ابناءنا هو مُغالِط للحقيقة والواقع بغاية الحصول على الحقوق التي سَنّها قانون البلد للمواطن وبشتّى الوسائل حتى الخاطيء منها وللأسف، وقد قدّموا لنا جميعاً خدمات كثيرة تحافظ بها على كرامتنا واحساسنا بالأمان وتُهَوّن علينا فراق الأهل والأحبة. ومن هذه المنظمات والمؤسسات هي المنظمات الخدمية والأجتماعية ذات العمل الطوعي المجاني التي تهتم بالعوائل التي لديها افراد ذو عَوَق جسدي او لديهم حالة مرضية معينة تستدعي مراجعتهم للمستشفى بشكل دوري ومستمر.

 

كنت محظوظاً قبل ايام بحضوري، مع عائلتي، عرض فني ترفيهي للأطفال والشباب " ذو الخاصّية الجسدية المتميزة" مع عوائلهم مدعوم من قبل احدى هذه الجهات الخدمية ووجدت ان اقل ما اقدّمه كرد لهذا العطاء هو كتابة هذه الكلمات البسيطة التي لن تفيهم حقهم.

كان الوقت صباحاً وهي عطلة نهاية الأسبوع التي فيها يستريح الناس من اسبوع عمل شاق، تراهم كباراً في السن تجاوزوا الستّين والسبعين وهم ينظّمون مواقف السيارات ويرحبّون بنا، كما يفعلون مع الآخرين، بابتسامة لاتفارق وجوههم. داخل القاعة، وهي عبارة عن قاعة رياضية، اكتضّت وامتزجت بعدد يزيد على الألف من الحضور اختلطت العوائل مع ابنائها، بعضهم على كراسي متحركة والآخر يتراكض هنا وهناك حاملاً المه ومرضه مكسيّاً تحت الملابس الملونة وتعلو وجوههم الأبتسامات البريئة للطفولة الحقيقية. مع بعض العوائل، التي لديها اولاد على الكراسي المتحركة، رأيت بعض المتطوعين لخدمتهم وقضاء حاجتهم اوّل باوّل ولأفساح وقت للأهل للتمتّع بوقت قصير بعيداً عن هموم "الصليب اليومي". بَدَأ العرض الفني الذي كان عبارة عن عروض "كروباتية" وبهلوانية. وقد اختلجت الدموع في عيوني حينما كنت اسمع قهقهات وضحكات الأولاد والبنات من كل القلب وتفاعلهم مع الحدث وشعورهم واحساسهم بما يحدث من حولهم متساوٍ تماماً مع شعور اي شخص آخر. ان وجودي بين هذا الجمع الغفير اشعرني بالأنتماء الى هذه العوائل التي لديها حالات صعبة لكنها لاتملّ من الخدمة برغم حالات الشـد النفسي والعصبي التي يمرون بها برعاية مُحبّيهم سواء على مستوى المأكل والملبس ونظافتهم وقضاء وقت خاص معهم على مدى 24 ساعة في اليوم الواحد واعطاء الدواء في الأوقات المحددة. بعد العرض الذي استمر قرابة الساعتين تمنّى لنا المنظمون ان يكون الوقت الذي قضيناه ممتعاً. طبعاً هذا العرض "العطاء" تم من خلال هِبات شركات اهلية تُخَصّص مبلغاً من مردوداتها لدعم هكذا مشاريع. الشركات قد لايكون لها اي علاقة بدين او انتماء عرقي او سياسي او طائفي بل غايتها بالنهاية ان يُسَخّر بعض المال لخدمة اجتماعية تُفرِح آخرين.

طبعاً هناك اشخاص يقومون بمفاتحة هذه الشركات الكبرى لغرض الحصول على عطاء ومنحة لجهة خَدَمية، وليس كل الجهات توافق.

الجهات التي تستخدم المال لا تُفرّق بين لون او آخر، بين انتماء او آخر، بين دين او لا دين. يعمل بها اشخاص متطوعون مجاناً، بينهم صاحب شركة او مدَرّس او موظف او عامل، ويستقطعون وقتاً ثميناً ويلتزمون تماماً به لتقديم وقتهم وخدمتهم بابتسامة وبلا تأفّف.

 

فإن احببتم من يُحِبّكم فايُّ اجرٍ لكم؟ اوَليس العشارون يفعلون ذلك؟ وان سلّمتم على اخوانكم وحدهم، فاي زيادة فعلتم؟ اوليس الوثنيون يفعلون ذلك؟ فكونوا انتم كاملين، كما ان اباكم السماوي كامل.  "متى 5: 45-48"

 

العمل اعلاه ذكّرني بما اقرأه عن اعمال محبة نقية وصافية  لرعاية المُهمَلين والمعاقين تجري في بلدي الأم، على مثال جماعة "رجاء ونور" و"بيت عنيا" و"عمل مريم" ، وكذلك اهتمام "اخوات يسوع الصغيرات" بالعوائل المتعففة، الذين بصلاتهم وعلاقاتهم البسيطة يحصلون على دعم من هنا وهناك ويضعونه في الخدمة والعطاء. واتذكّر ايام وجودي وعملي مع اخوات يسوع الصغيرات في بداية الثمانينات وكيف ان الباب كان يُطرَق وكانت الهِبة تأتي في الوقت المناسب لسد ثغرة مالية او صحية لعائلة او فرد.

 

.................................

 

فتاة صغيرة بين الألم والأيمان*

 

حينما قرر الزوجان الشابّان مغادرة البلاد مع إبنهما الصغير ذي السنتين، كانا يعلمان أنَّ هذا القرار هو من الصعوبة الشديدة عليهما كون أنهما كانا يعملان بهمّة ونشاط في مجال خدمة الكنيسة والتعليم المسيحي في كنائس بغداد، وسيتركان عوائلهما وأصدقاء العمر من مختلف الأعمار ليقصدوا عالماً جديداً قد لايكون لهم خيارُ في السكن فيه إلاّ لأجل التخلُّص من حالة عدم الإستقرار والأمان التي كانوا يعيشون فيها. وهكذا كان قرار الهجرة في منتصف تسعينيات القرن الماضي حيث بعد تنقّل وعدم إستقرار وصلت العائلة واستقرّت في اقصى جنوب العالم في بلاد (الواق واق) كما اسماها يوما "ابو فادي" في همساته عندما زار البلاد.

في البلد الجديد كانت أمور الحياة اليومية تسير ببطء ولكن باستقرار وطمأنينة يوماً بعد يوم، حيث بدأ التأقلم تدريجيّاً مع عادات المجتمع ولغة التخاطب وايجاد عمل مناسب لكسب العيش ومحاولة الإنتماء إلى عائلة الكنيسة المحلية بحضور القداس والمشاركة في نشاطاتها الخدمية المختلفة.

إلاّ انّ رؤية الأحبة من الأهل والأصدقاء كانت دوما أمراً يفتقدونه.

 بعد ثلاث سنوات أصبح للعائلة عضو رابع وهي فتاة صغيرة حلوة جاءت لتملأ البيت حلاوة وفرحاً، ولتُنسي الوالدين بعض هموم الدنيا والفراق. ويبدو ان الصعوبة الشديدة بترك الأهل والأصدقاء لم تكن إلاّ نُتفة صغيرة من الألم الذي ستواجهه هذه العائلة.

فبعد ولادة الفتاة بـ56 يوماً فقدت العائلة، بشكل مفاجيء أذهل الجميع، عموداً مهماً من أعمدتها وهو "الوالدة " حيث رحلَتْ بعمر الشباب تاركة الأب مع الولَدين لا حول له ولا قوة. فحالَ البيت ظلاما إلاّ من صراخ بنتٍ تبحث عن ثديٍ يرضعها وولد صامت ساكن لايسأل وعيونه تبحث في أرجاء البيت الصغير وأب يحاول ربط جأشه أمام الأولاد ليكمل الطريق الذي وجد نفسه فيه وحيداً على غفلة من الزمن، وفي رأسه العشرات من الأسئلة:

لماذا حدث لي هذا؟

ما الذنب الذي إقترفَتْه عائلتي تجاه الآخرين؟

ألم نكن ملتزمين بواجباتنا تجاه الله وتجاه القريب؟

الم تكن مخافة الله تقف أمامنا وتمنعنا من فعل الخطأ والخطيئة؟

نحن كبشر كنا نقع في أخطاء لكننا نحاول في ذات الوقت إصلاح ذواتنا من الشر، وغيرُنا يعمل الأخطاء بل يستمر على فعلها ولا يصيبه أي مكروه بل حتى ان حياته الإجتماعية والمادية أفضل منا؟

أين هي عدالتك يارب؟ أين هي ثمرة أعمالنا الحسنة التي قَدّمناها سابقا في الكنائس والأخويات؟ أهوَ قضاء وقدر أم هي مشيئتك يارب؟ هل تريد الشر وهل الموت شر؟ كل هذه وغيرها كثير من الأسئلة التي حاول الزوج خلال السنين القادمة أن يجد إجابات لبعضها ويختبر حياة ومرارة الألم الشديدة التي لم يتمنَّاها لأحد!.

استمرت الأيام والشهور والسنون تتوالى، وكان لمساعدة بعض العوائل المحيطة بالعائلة المنكوبة، ومع قدوم والدَي الزوج، الأبَوين الكهلين، الفضل الكبير في تربية وتمشية أمور العائلة الصغيرة بالدموع الدفينة والحبيسة الساخنة وإمارات الفرح برؤية الصغيرة تكبر بالقامة والفكر مع أخيها. ومع تقدم العمر بالجدّين، الذين ما إنفكّا يبذلان الجُهد في التربية والحب لتعويض البعض من حرمان الأم، فان تفكير الوالد لم يستوعب فكرة إمراة بديلة تعوّض فراق أُمّ أولاده. لكن التدهور البطيء في الحالة الصحية للوالدين والتفكير بأن تقبّل وجود زوجة الأب للأولاد عندما يكبرون تكون أصعب مما هي عليه وهم صغار. إضافة إلى مخاوفه من أنْ لا تعاملهم المرأة الجديدة بأسلوب الحنين والطيب. كل تلك الأفكار جعلته يفكر جديا بأمر الآخرين قبل نفسه في نزاعٍ بين ذكريات الماضي الذي لن يعود والحاضر المؤلم الذي يجب يعيشه لأجل آخرين.

بعد ست سنوات، وبعد صراع طويل واحداث جانبية كثيرة قَبِل الأب بفكرة فتح حوار ونقاش مع إحدى الفتيات في بلد آخر حيث تكلّمَت مع الأولاد عبر الهاتف وكان شعورهم إيجابياً؛ فكان الإتفاق وتم التكليل بعدها. وهكذا بدأت أمور الحياة تأخذ سلاستها ومجراها الطبيعي تدريجياً. وكانت فرحة الأب كبيرة بعد حين عندما سمع الأولاد ينادون زوجة أبيهما بـ"ماما" ودون تكلُّف؛ فقد كانت هذه الكلمة مفقودة من البيت منذ سنين، ويشعر بالإطمئنان أكثر عندما يرى الأولاد يلجأون إلى "أمّهم" الجديدة ليطلبوا منها بحرية ما يريدون ولتحفظ لهما أسرارهما. كان الأب يشعر بيد الله تعمل لإعادة الفرحة لهذه العائلة وأن الله يسمح بالتجربة ولا يفرح بالموت. بل قد يكون الموت أحياناً خلاصاً. كما حدث للمرحومة والدتهما حينما سأل الأب ليلة رحيلها في تأمُّل وصلاة عن سرعة الرحيل، إذ لم يكن هناك وقت لكاهن كي يصلِّي عليها.

فجاءه جوابها :" لم أكن أحتاج إلى كاهن ليصلّي عليّ، لأن يسوع بنفسه كان كاهني وهو جاء ليأخذني لأن حالتي كانت صعبة جداً وكان الرحيل أفضل من البقاء".

 

وهكذا عادت العائلة تمارس حياتها، إلاّ أن التجارب لم تفارقها وكأنها حالات إختبار يُواجِهون به إختبار إيمانهم وعلاقتهم مع الله ومع بعضهم البعض. وربَّما إختبار لكي يهتزّوا، فإمّا يقوَون او يسقطون.

فبعد بلوغ الأبنة سن التاسعة أصابتها نوبات من الألم لفترة من الزمن إضطرّتها لدخول المستشفى ولم تُشخّص الفحوصات الطبية بدقَّة حالتها إلاّ وهي في المستشفى عندما أصابتها نوبة ألمٍ شديدة جعلتها تدخل في غيبوبة فأُدخِلت غرفة العناية المركزة وهي بين الحياة والموت حيث لا حراك فيها، وأجهزة عديدة مربوطة بأجزاء جسدها النحيل ونَفَسٍ بطيء يصعد بصدرها النحيل الشاحب، الذي تبدو عظام القفص الصدري واضحة وبارزة، ليكون علامة بقائهاعلى قيد الحياة.

في تلك الليلة كان الأب في غمّ شديد وكان في صلاة واستغاثة؛ فجاءه صوت متألِّم يحمل أنين ذو غصّة وحسرة يقول له:"إننا سنأخذها لأنَّ حالتها صعبة"! حفظ الأب هذا الأمر في قلبه على مضَض، لكنَّه عزم على مواصلة الصلوات يومياً وكان كل من يعرفه في الكنائس والبيوت في داخل البلد وخارجه يرفعون الصلوات ويذرفون الدموع ويشعلون الشموع لسلامة الفتاة وعائلتها لكي تعبر عنها وعن الأسرة هذه الغمامة

 

 

الأطباء لايعرفون كيف ومتى وما إذا كانت ستفوق من الغيبوبة. حاولوا التكلم معها لتَحَسُّس استجابتها فلم تستجب لهم. وكان لاحقا أنْ وضع الأب أصابع ابنته

الهزيلة الضعيفة الباردة على أصابعه ونادى اسمها بصوت نابع من اعماق حزينة ومتأملة: إستجابت الطفلة بلمسة خفيفة من يدها المتعَبة كانت كافية لأن يشعُر الكادر الطبّي بالأمل من الإفاقة من الغيبوبة، خاصَةً وأنها بعد ساعات رمشت بعينها مستجيبة لنداء أبيها.

وخلال أربعة أيام عادت الطفلة إلى الوعي. وكان التشخيص انها تحتاج الى زراعة عضو بشري بالسرعة الممكنة. وتم ذلك بعد اسبوعين، وكان يجب مراقبة حالتها ومنعها من المضاعفات خلال الأيام العشرة الأولى.

وُضعَت فعلا تحت المراقبة المستمرة، وفي اليوم السابع بعد الزرع أصابتها نوبة من "رفض الجسم للعضو الجديد" جعلها تعود إلى صالة العناية المركزة. وبعد الكشف والمتابعة قرر الأطباء أن العضو الجديد لم يعد صالحاً بسبب ضعف تدفق الدم اليه وانها تحتاج الى إعادة زرع جديدة! انذهل الجميع لصاعقة الخبر حيث الأمور كانت مشَجّعة وايجابية حتى الجَرّاح نفسه كانت متفائلاً جدّا. ًوعندما سأل الأب عن السقف الزمني لحياة إبنته أجاب الجرَّاح المختص:" من ساعات إلى عشرة أيام ويجب خلالها ان نجد البديل المناسب وأن تكون هي بصحة مناسبة".

هنا عاد الأب وحيداً الى غرفة الإنتظار والساعة كانت نحو الخامسة صباحا، وشرع بالصلاة حيث كان اليوم هو الأخير من الشهر المريمي وبداية شهر قلب يسوع الأقدس. كان مغموماً والألم يعتصر قلبه ويقطر دماً ودمع، رافعاً صراخه إلى الأم القديسة مريم. وفي لحظة الريح العاصفة في الليل الحالك الظلمة جاءه صوت لطيف هاديء كأنه نسمة ربيعية عذبة لتسكّن قلبه المعتصر، يقول:

" لقد استمعنا إلى كل الصلوات والأدعية والى إلحاحاتكم وسنترك البنت اليكم".

 

هنا إستذكرالأب حادثة إلحاح المرأة مع القاضي الظالم المذكورة في الإنجيل المقدس، وحفظ الأمر في سِرّه.

 

وهكذا كان يجري على الفتاة الصغيرة فحص شعاعي للعضو المزروع عدة مرات في اليوم الواحد دون اي تغيير للحالة الصحية: اي مايزال العضو يحتضر في

 

جسدها الضئيل والأسلاك وأنابيب الدواء مزروعة في كل مكان لأبقائها صامدة وحيّة.

في صباح اليوم الثالث، وبينما كان موظف الأشعة يفحص، رأى الأب على وجهه علامة إستغراب ودهشة. ثم أعاد الفحص ثانية وكانت نفس العلامات بادية بانذهال فخرج الموظف من الغرفة مسرعاً وعاد ومعه الجرّاح وكان الأب يبتسم في داخله بهدوء، منتظراً هذه اللحظة: عاد الجراح لاحقا وعلامات استفهام كثيرة على وجهه وقال: " لا أعلم كيف، لكن العضو المزروع عاد للعمل ثانيةً وليس لدي تفسير طبي لذلك".

وهكذا استمرت الأمور بالإيجاب تدريجياً وخرجت الفتاة الصغيرة بعد أن قضَت 77 يوماً في المستشفى ونوبات الألم الشديدة الذي عانت منه قد توارت بشكل كبير الى حد التلاشي إلا من آلام موقع العمليات الذي ياخذ وقتاً للشفاء التام.

عادت الفتاة إلى البيت لتجد الجميع بانتظارها ولتستمر رعاية أمِّها لها بحنان ودفء وبلا تأفّف أو تذمُّر. مما زاد الأب احتراماً لموقفها هذا ورعايتها لها مع بقيَّة أفراد الأسرة

 

هكذا تكتشف العائلة،

أنّ قوة الروح القدس، تدعونا إلى إكتشافها والإستسلام إلى مشيئة الله، والإستمرار بالصلاة والعطاء. لنضع ذاتنا بيد الله فنكون شهوداً لعمله على الأرض حتى وإن شعرنا بأنه غافل عنا أو بعيد؛ لأننا بالحقيقة قد نكون نحن البعيدين عنه

* نُشِرت بصيغة مشابهة في مجلة "الفكر المسيحي" العراقية الغَرّاء في عددها 439-440 الصادر في تشرين الثاني- كانون الأول 2008 تحت عنوان

"خبرة مهجرية: بين غيوم الألم قد يشرق الأيمان".

................................

اسبوع الصلاة لوحدة مَنْ؟

كل عام تدعو الكنيسة الكاثوليكية كل المؤمنين اتباعها من رعاة كنيسة من بطاركة ومطارنة وكهنة وكافة الطبقات الدينية مع الشعب المسيحي، ملتزمين ام غير ملتزمين، الى اسبوع صلاة وتامل لأجل وحدة الكنيسة الجامعة في كل مكان للفترة من 18-25 كانون الثاني ونرى الكنائس والمؤسسات الكنسية تدعو الى مجاميع صلاة لرفعها بحرارة وصدق هدفها غاية تحقيق الوحدة بين افراد الشعب المسيحي الواحد واخوته من الكنائس الأخرى التي جميعها تنصهر في جسد المسيح الواحد

وانا جالس في قداس الأحد قرأت في نشرة الأحد صلاة لأجل وحدة الكنيسة وفي مقدمتها مثل الأنجيل:

"ليكونوا باجمعهم واحداً..كما انك انت ايها الآب فيَّ وانا فيك.. ليكونوا هم ايضاً واحدا فينا... حتى يؤمن العالم انك ارسلتني" يوحنا 17: 21.

سرحتُ بمخيلتي بعض الشيء بهذه الكلمات وتفكّرت مع نفسي بمايلي:

·       ان الرعايا في كل مكان تحتاج ان ترى وتشعر ان الكنيسة متحدة بشخص كهنتها مع بعضهم البعض وان يكونوا علامة محبة تضيء حيثما ذهبوا ولا يكونوا فقط مردّدين لكلمات حفظوها عبر سنين خدمتهم، قصيرة كانت أم طويلة، او يُهَيّئون مواعظ إنشائية، قد يُلَملموها من هنا وهناك، فقط لملء فراغ الموعظة وقد تؤثر في المؤمنين ايجابا ولاتغيّر شيئاً في الكاهن نفسه!

 ·       ابناء الرعية، وخاصة في المهجر، يفرحون برؤية مطران رعيتهم وكهنته يعيشون على مثال المسيح ببذل ذاتٍ وتقبّل الآخر والأصغاء لبعضهم البعض ونبذ الخلاف الشخصي والتسامح والعطاء الثقافي والروحي، وهذا ما يقرأونه في اناجيل الأحد ويعظون به رعاياهم في كل مكان يكونون حاضرين فيه، وبهذا يعطون مثالاً صالحاً لنا. وقد ذكرتُ "ابناء الرعية في المهجر" لأن الخليط هنا من كل صوب وحدب ومن مختلف المستويات ومنهم المثقفين حتى اكثر من "بعض الكهنة" الذين صاروا يخدمون رعايا المهجر لسبب او لآخر وفي احيان كثيرة لا تكون ثقافتهم الروحية والأجتماعية هي السبب لنقلهم خارج البلد الأم. المهم ان الشعب في المهجر هو "مفتوح العينين بشدة" ولا نستطيع المحافظة على علاقته بالكنيسة الا باحترام رايه ومشاركته باعمال الكنيسة المتعددة، خاصة الروحية والأيمانية والثقافية، وان يكون الرعاة متّحدين مع بعضهم وقريبين من ابناء رعيتهم ولا يحسبونهم "قليلي القيمة والأهمية" لكي لانراهم ينجذبون الى كنائس اخرى!

 ·       العالم يجتمع امامك في عالم الأنترنت وبامكان كل واحد منّا ان يزور المئات من المواقع ليرى نشاطات كبيرة جداً ورائعة تجمع ابناء الرعية الواحدة وهناك مَن يجمع اكثر من كنيسة نحو عمل رياضة روحية او مهرجان ثقافي او اجتماعي او مهرجان تراتيل او معرض كتاب وصور وغيره من النشاطات "الوحدوية". بالمقابل ارى، وخاصة بالمهجر، كثرة التعددية تجاه الطائفة والقرية، والتي تؤيدها وتموّلها الدول التي نهاجر اليها بحجة المحافظة على تقاليد وتراث البلد القادمين منه، وبالتالي يصبح البلد القادمين منه قريتنا وبلدتنا ونحاول ان نجمع ابناء قريتنا فقط ونُعَظّم تراث تلك القرية او البلدة، وهو شيء جيد، لكن ليس على حساب زيادة الفرقة بيني وبين اخي الآخر وأحسَبُ بلدتي فوق الجميع وانتقادها هو "الكفر" بعينه! بالمناسبة، ان اصولنا قد تكون خليط جمعته الهجرات والغزوات التي مرّت على بلدنا خلال آلاف السنين وقد لانكون اصلاً ننتمي الى عرقٍ نقي. فلنفتخر بما نحن عليه الآن وننهل من الحقائق الماضية والتأريخية بما يجعلنا اناس جيدين وصالحين لكي نستحق ان ندعى ابناءً لله حيثما كنّا!

·       امّا الفضائيات فهي تجلب لنا المئات من القنوات الفضائية التي في بعضها تُنقل مراسيم قداديس وصلوات وعظات وبرامج بالغة الروعة والتنظيم والمحتوى، يستزيد منها المسيحي وغير المسيحي، وهو جالس في بيته!! لهذا فان المسيحي منا يحتاج لكي يشعر باهمية وجوده في القداس ونعمة القربان المقدّس، كذلك اهميته بين افراد الجماعة والرعيّة الذين يحضرون القداس ويسلّمون على بعضهم البعض بعد القداس بفرح ومحبة والتزاور فيما بينهم، للأستزادة الروحية والأجتماعية ،وتبنّي الكنيسة لنشاطات وسفرات تضم ابناء الرعية من مختلف الأعمار لزيادة علاقتهم مع بعضهم البعض ويلتئمون جميعا حول مائدة واحدة كما كانت الموائد تجمع المحبين في الأيام الخوالي ويقضون الساعات بمرح ومودّة دون ان نسأل عن تبعية هذا الشخص الدينية او القروية اوالمُعتقَد. فلقاءات الجماعة تعزّز اواصر المحبة، ووجود كاهن نشط وعلمانيين غيورين على الكنيسة، تزيد من هذه الأواصر وتحافظ على الأرث الذي ورثناه عن آبائنا الأولين، ولا اقصد اللغة فقط، وننقله الى الأجيال القادمة بصورة اكثر منفتحة ومتطورة.

·       إذا استطعنا المحافظة على تراثنا وقوميتنا وانتماءنا المسيحي بفرح ومثال صالح فاننا سننقل للشباب إرثاً غنياً مليئاً بالحياة والروح. فمن المجتمعات المتقدمة التي نعيش فيها، والتي بعضها هي اقل حضارة وعمراً من بلاد وادي الرافدين، لنحاول ان نتعلم الصراحة والصدق في التعامل مع الآخرين واحترام الآخر والألتزام الحقيقي بتعاليم المسيح، ولا نتعامل مع التعاليم حسب ما تقتضيه مصلحتنا او بوجهَين، ولا نستغل تشريعات وقوانين البلد الغربي لكي يزداد افتراقنا وبعدنا الواحد عن الآخر.

 ·       كما لانستطيع، كخورنة او رعيّة او مجموعة مهما كان حجمها، ان نعتمد كلّياً على الكاهن ونجلس متفرجين ومنتظرين ما يقدّمه لنا، حتى احياناً نركّز على زلاّت الكاهن او العلمانيين العاملين معه من شمامسة ومجلس خورنة وخدّام، بل ان نشارك بافكارنا ونعمل معهم ما استطعنا لتقديم افضل الخدمات لبعضنا البعض بلا تعالي او تفاخر إلاّ لمجد كلمة الرب. فلنعذر ما يصدر عن الكاهن او المطران او الشماس او اي عامل في الكنيسة وان نضع المسامحة والغفران والكلمة الطيبة في المقام الأول في تعاملنا. فهم أُناس واجبهم الأوّل خدمة الكلمة معنا، وقد تأتيهم صعوبات وتجارب الشيطان محاوِلة ابعادهم عن طريق المسيح الذي اختاروه يوما، فلا نزيدههم الماً بأن نتراصَف مع الشيطان، الذي ياتي بسبل ملتوية يبيّنها لنا بانها الحق كلّه، بل ليكن تعليم المسيح في قلبنا وان خَطِأنا فلتكن لدينا شجاعة الأعتذار وربما بذلك نعطيهم الفرصة ليستمروا بعمل الخير والصلاح ونُشجّعهم على المثال الصالح بلا تملّق. ولكي هم ايضا يعذروا بعضهم البعض كاكليروس ويكونوا لنا مثالاً صالحاً.

 اخيراً، اكتب كلماتي التي هي خَلَجات صغيرة لِما اقرأه واراه عبر مواقع الأنترنت او الفضائيات او احاديث شخصية من هنا وهناك وهي صغيرة كحبيبات الملح قد تُمَلّح طعام البعض إذا رأوا فيها فائدة او تُلقى جانبا اذا رأوا فيها انتقاداً.

 اترككم اخوتي مع دعاء لطاغور، فيلسوف الهند الكبير، وكلّي امل بوحدة شاملة للمسيحيين في كل مكان وان يُساهم كلٌّ منا ولو بلبنة واحدة لأكتمال هذه الوحدة حتى وإن حَدَثت ونحن في العالم الآخر!!

يارب ساعدني على ان اقول الحق في وجه الأقوياء

وساعدني على ألا اقول الباطل لأكسب تصفيق الضعفاء

يارب، إذا اعطيتني مالاً فاحفظني من شرّه

واذا اعطيتني قوّة فامنحني نوراً ساطعاً لعقلي

واذا اعطيتني نجاحاً فاعطني معه تواضعا.ً

يارب ساعدني على ان ارى نواحي الخير كلّها،

ولا تتركني اتهم خصومي بالشر، لأنهم ليسوا من رأيي

يارب، علّمني ان احب الناس كما احببتني

وعلمني ان أُحاسِب نفسي دون ان أدين الناس

يارب، لا تدعني أُصاب بالغرور إذا نجحت

ولا أُصاب باليأس إذا فشلت

يارب، علمني ان التسامح هو اسمى مراتب القوّة

وان حب الأنتقام هو اوّل مظاهر الضعف

يارب، إذا جرّدْتَني من المال، فاترك لي الأيمان

وإذا جرّدْتَني من النجاح، اترك لي الأمل

وإذا جرّدْتَني من نعمة الصحة، اترك لي نعمة التعزية

يارب، إذا أسأتُ الى الناس، اعطني شجاعة الأعتذار،

وإذا اساء إلَيَّ الناس، اعطني شجاعة العفو

يارب، إذا نسيتُكَ لا تنسني.

 ..................................

رابندرانات (رابندرات) طاغور

1861-1941

في بدايات تعلمّي الخدمة الكنسية ايّام كنت في بلدي الأم (العراق) وفي كنيستي المحلية، صدر في تلك الأيام كتاب "القداس الألهي ـ حسب الطقس الكلداني" عن بطريركية بابل الكلدانية/1984. وقد كان كتاباً منسقاً وواضحاً. وقد لفت انتباهي في تلك الأيام صلاة ودعاء وُضِِعَتا في الصفحات الأخيرة من الكتاب (قبل الفهرس) وكانت هذه من الكلمات الأولى التي كنت اتأمل بها كلّما احتَجتُ الى وقت للصمت بعيداً عن ضجيج وصخب العالم.

الأولى هي صلاة "تسليم الذات" للأخ والأب شارل دي فوكو (1858-1916) رسول الأخوّة الشاملة (كما وصفه الأب جرجس القس موسى في كتابه عن حياة شارل دي فوكوعام 1968) والذي عاش في صحراء الجزائر ولتكون حياته واعماله لاحقا مناراً ومنهلاً لتكوين اخوة واخوات يسوع الصغار في العالم ومنهم العراق حيث ترى الأخوات منهن متشحات بلباسهنّ الأزرق ومسبحة الوردية الخشبية تتدلى من الحزام والأبتسامة لاتفارق وجوههن ولا ينفكَن عن مساعدة العوائل الفقيرة والمحتاجة. وساحاول في كتاباتي القادمة ان اتطرق الى حياته الرائعة وبذل الذات التي عاشها من اجل الآخرين بشكل مطلق.

اما الثانية فهي "دُعاء" جاء فيه:

 

يارب ساعدني على ان اقول الحق في وجه الأقوياء

وساعدني على ألا اقول الباطل لأكسب تصفيق الضعفاء

يارب، إذا اعطيتني مالاً فاحفظني من شرّه

واذا اعطيتني قوّة فامنحني نوراً ساطعاً لعقلي

واذا اعطيتني نجاحاً فاعطني معه تواضعا.ً

يارب ساعدني على ان ارى نواحي الخير كلّها،

ولا تتركني اتهم خصومي بالشر، لأنهم ليسوا من رأيي

يارب، علّمني ان احب الناس كما احببتني

وعلمني ان أُحاسِب نفسي دون ان أدين الناس

يارب، لا تدعني أُصاب بالغرور إذا نجحت

ولا أُصاب باليأس إذا فشلت

يارب، علمني ان التسامح هو اسمى مراتب القوّة

وان حب الأنتقام هو اول مظاهر الضعف

يارب، إذا جرّدْتَني من المال، فاترك لي الأيمان

وإذا جرّدْتَني من النجاح، اترك لي الأمل

وإذا جرّدْتَني من نعمة الصحة، اترك لي نعمة التعزية

يارب، إذا أسأتُ الى الناس، اعطني شجاعة الأعتذار،

وإذا اساء إلَيَّ الناس، اعطني شجاعة العفو

يارب، إذا نسيتُكَ لا تنسني.

 

كلمات لم تكن مُذَيّلة باسم قائلها إلاّ انني عرفت لاحقاً ان كاتبها هو كاتب  وفيلسوف وشاعر هندي يدعى رابندرانات طاغور!

بقيَتْ هذه الكلمات تجول في فكري ردحاً من الزمان بالأضافة الى قراءاتي المتعددة لكُتّاب آخرين وضعوا خبراتهم الروحية والأجتماعية والحياتية والفكرية، باختلاف اديانهم ومعتقداتهم وانتماءاتهم الفِكريّة، في كلماتٍ تخدم قارئها وتختزل لنا خبرات عقود من الزمان، كلٌّ من مجال عمله ونظرته، وتختصر لنا حقباً عديدة كان لها وقعاً، ايجابيا او سلبيا، على حياة وتصرفات واشخاص بل شعوب باكملها. من هؤلاء كان نيكوس كازانتزاكس، تولستوي، الأب البير ابونا، جبران خليل جبران، الأب جرجس القس موسى، غابرييل غارسيا ماركيز، غاندي، الأم تيريزا، ريتشارد باخ وغيرهم الكثير.

 

وبالرغم من ان طاغور لم يكن يعتنق المسيحية، كما سنرى لاحقا من خلال موجز حياته او زيارة المواقع المرفقة، إلاّ انه اعطى امثلة عظيمة ورائعة، من خلال حياة القراءة والأطلاع على علوم المعرفة المختلفة، تساعد القاريء على الأستزادة منها، مع تعاليمنا المسيحية، لكي نرى العالم ونقبل الآخرين ونحترم آراءهم وثقافاتهم وكتاباتهم ولا نُهَمّش الآخر ونقصيه لخدمة مصالحنا الشخصية. عندما نقرأ حياة طاغور، وكذلك لكتّاب آخرين، نرى انهم صرفوا وقتا طويلا من التأمل والتصوّف وألأصغاء لمشاكل وهموم ومعاناة وآلام أُسَرهم ومجتمعاتهم وشعوبهم وحاولوا من خلال اعمالهم وكتاباتهم ان يعبّروا عن هذه الأحداث بوصف دقيق ورائع نابع من خبرتهم الشخصية الذاتية حتى وان كانت تبدو سوداوية في بعض الأحيان.

لنصرف وقتاً للتأمل في "دعاء" اعلاه عسى ان يكون بعضه ذو منفعة لنفوسنا ولآخرين من حولنا حتى وإن بدى ذلك صعباً وربما مستحيل التطبيق في عالم "الأنا" العظمى التي تملأ نفوسنا وتعشعش فينا منذ الصغر ولم نقلعها بل سقيناها باهمال تعاليم الأنجيل (او اي تعليم نؤمن به) وتركنا الغلبة لافكارنا وتصلّبنا بالرأي ونبذ الآخر، وياحبذا لو نفسح المجال للتعاليم الرائعة من كل حدب وصوب لكي تنظف حياتنا من كل ما يُبعدنا عن السمو عن الأرضيات.

 

موجز عن طاغور:

لم يسعفني الحظ حينها العثور على مصادر عن طاغور في مكتبات بغداد إلا انني، وبعد سنين وبنعمة اختراع الأنترنت، حصلت على المعلومات ادناه:

ولد رابندرات طاغور عام 1861 في كالكوتا، ودرس في جامعة لندن حيث اطلع من خلالها على الادب الاوروبي والموسيقى والقضاء واللاتينيات. وفي الثمانينات من القرن التاسع عشر صدرت له عدة دواوين منها ديوانان ( اغنيات الصباح (و( لوحات واغان) كما صدر له روايتان ادان فيهما الطغيان ( شاطئ بيبخا وراجا الحكيم).‏

وفي عام 1913 نال رابندرات طاغور جائزة نوبل للآداب لقاء ديوانه (أغانٍ فدائية) بعدها صدرت له رواية ( الوطن والسلام) ومسرحية

(شتيرا). واحتجاجا على اطلاق النار على الوطنيين الهنود في امريكا عام 1919 تخلى طاغور عن لقب البارونية وكل القاب الشرف الانجليزية التي نالها، ودافع عام 1937 عن الجمهورية الاسبانية. توفي طاغور عام 1941 تاركا تراثا ابداعيا هائلا يضم 12 رواية وقصة طويلة واكثر من مائة قصة قصيرة وثلاثين مسرحية وخمسين ديوانا شعريا اضافة لقرابة المائتي مقالة عدا الدراسات حول مسائل اللغة والادب الدين.‏

ومن ناحية غير ادبية فقد ترك طاغور اكثر من ألفي عمل في التصوير والرسم الزيتي وفن الغرافيك، كما نظم أكثر من ثلاثة آلاف اغنية وعدة اوبريهات وباليهات، وقد اصبحت اغنيته (روح الشعب) نشيد الدولة الهندي منذ عام 1950 وكذلك اصبحت اغنيته (البنغال الذهبية) النشيد الرسمي لبنغلادش منذ عام 1971 بعد انفصالها عن الباكستان .‏

 

كما بالأمكان زيارة المواقع التالية لمزيد من المعلومات:

 

ar.wikipedia.org

http://www.shathaaya.com/vb/archive/index.php/t-30327.html

 

ارجو للجميع قراءة ممتعة

..................................

تأمُّل من الماضي

الساعة تقترب من الثامنـة مساء الجمعة 3 آب 1990

وسط مدينة كبيرة، قديمة، مزدحمة ......... بغـداد الجميلـة الجريحـة

بالتحديد اكثر... المنطقة الواقعة بين ساحة الميدان والباب الشرقي ... حيث المناطق التي وطِئَتها قدماي ذلك اليوم بعد يوم عمل مُضني ومَليء بالأخبار التي صعقت كثيرين

سِرتُ وسَط الناس .... لأقرأ على وجوههم علامات وتأثير ما يجري هذه الأيام ...

مَشيت على قدميَّ لأنظر ...لأسمع... لا لأثَرثِر...

محلاّتٌ كثيرة مغلقة... والمحلاّت الأخرى مفتوحة لسبب او لآخر:

فهناك مَن يُصَفّي بعض حساباته... لأنه في طريقه للألتحاق بالجيش

وهناك مَن لا يُعطي للحدث إعتباراً ... فيُلَملِم مجموعة من الأصحاب ويقهقهون

وهناك الأشيَب الذي يقلّب موجات الراديو علّه يجد فيه شيئاً يُفَسّرُ له ما حَدث

وهناك مَن له سبب للوجود ... كأن يكون تابعاً لجهة معينة حيث ترى عيونه تتفَحّص المارّة وتتابع حركاتهم

 الوجوه شاحبـة... لا تسمع لها وقعاً كما كان قبل يومٍ مضى

مجاميع كثيرة من الشباب تملأ الشوارع ... لا لكي يشتروا شيئاً بل كي يقضوا يوما في الحرية ... لأن اليوم التالي مجهول

بعضهم ملأ البارات ... عَلّـه ينسى ما سمعه يوم أمس وهو شيء عاش معه لسنين طويلة من الحرب والدماء وفقدان الصديق والأمـل

الناس في البيوت يفركون رؤوسهم منتظرين القادم المُظلُِم الأسـوَد!!

يدور السؤال في الرأس الصغير: الى متى ستبقى الحالة على ما هي عليه من الحروب والأقتتال والعداوة وعدم استقرار شعوب باكملها... فالشباب يحترق ربيع عمرهم في أهواء اشخاص متسلّطين ... وبعد انتفاء الحاجة من البقية من هؤلاء الشباب يتركونهم لحال سبيلهم دون ان يهتموا او يقدموا لهم او لعائلاتهم ما يعينهم على بناء مستقبلهم!!

حينما قلّبت اوراقي وجدت الكتابة اعلاه، فتفرّست فيها بعد ما يقارب العشرين عاما من الحدث. تأمّلت في بلدي الآن وما آلت اليه أحوال ابناء جلدتي من تأثير ذلك الحدث وأسال نفسي:

كم من وجوهٍ تغيّرَت ونفوس كثيرة تكأبَت وتشرّدت وحزنَت حيث تفرّق الأخوة بل قتل بعضهم الآخر بعد ان كانوا بالأمس يذهبون سويا للدراسة والحفلات والنشاطات الأجتماعية والمنتديات الأدبية والثقافية والدينية. لقد حصل التفريق ايضا بسبب اهواء اشخاص نصبوا من انفسهم دعاة تحرير بلد وسلبوا الحرية الشخصية للأفراد والجماعات بمُسَمّيات متعددة.

سيبقى عقلي وفكري وقلبي على بلدي، على اصدقاء العمر الذين لا يمكن تعويضهم، على الأشخاص الخاصّين الذين رفدوني بالعلم والمعرفة الثقافية والأجتماعية والأدبية والروحية حيث تُعَزيني وتسلّيني في غربتي، اشتياقي الى اصدقاء اتكلم معهم دون تكلّف وبلا رسميات

10 تشرين الثاني 2008

أوكلند/ نيوزيلندا

.

..............................

سيدة بيتي*

في هدوء الليل، أُحاول اكتشاف نقط الضوء في ظلمة نفسي... 

 بحثاً عن أزهارٍ حيّة وسط الأشواك...

أُلَملمُ أشلاء نفسي وحطام مركبي بعد تلك العاصفة الرهيبة التي مزّقت بيتي أشلاءاً...

 وأخذت مني ومن العالم "سيـدة بيتـي".

 ذلك البيت امسى خالياً خاوياً إلاّ من ضجيج طفلين، وجسد رجـلٍ يعيش على ذكرى صور وأمل...

 حَـدثٌ يتمناه المرء حلمـاً... تلك العاصفة كان اسمها المـوت.

 ولتعزيتي فقد أسماه البعض بالقدر... المكتوب على الجبين... وغيرها من التسميات...

 إلاّ انني اسمّيـه:

 حوادث الزمن التي نصادفها في حياتنا والتي يسمح الله لأحدها أن يكون سبباً للموت.

لقد إختبرتُ في تلك الليلة، كيف فقدَتْ مـريم يسـوعَ على الصليب...

 وأنزَلت رأسـه بين يديها...

وما عانتـه من آلام شديـدة لا يعرف سِرّها إلاّ فاقـد العزيـز...

كما ذقـتُ ذلك التسليم المهيب والمذهل ليسوع على الصليب:

 "أبتِ، بين يديك استـودع روحـي"،

وما جرى من تسليم " نفسـها" لأبيها السماوي في لحظاتها الأخيرة...

نعم، ما جمعه الله... لاتفرقـه مشيئة الله..

 بل ما خلقه الله بالولادة جسـداً، يؤخَـذُ بالموت جسـداً لا روحـاً.

 

* كتبت هذه الكلمات في زمن رحيل ملاك ابيض كان يملأ ، قبل عشر سنين، الأرض طيباً ومحبة، ومازال يرفرف بجناحيه الصغيرين فوقنا

 

 

سـنان شـوكت بَـوّا

     1 تشرين اول 2008

أوكلند/ نيوزيلندا

senanzaia@yahoo.com