لأعزائنا الصغار

رسامات

عيون بخديدا

Museum متحف

أرشيف الاخبار

فنانونا السريان أعلام

أرشيف الموضوعات

إبراهيم كولان

أوبريت للفتيان ..  أشباح في المدرسة

إبراهيم كولان

الشخصيات

المعلمة/ المديرة/ الطالبة/ العاملة/ شرلوك هولمز/

 

الطالبة        (في باحة المدرسة, تذهب وتجيء وهي تفكر) إنني جد حائرة.... رأيت وأنا سائرة.... فراشة سوداء طائرة.... هذا فال سيء.... (تأتي المعلمة راكضة) ها قد حصل ما كنت منه خائفة.... (ترى العاملة قادمة وهي مذهولة) ما بك يا صديقتي جارية....

العاملة        شيء لا يعقل....

الطالبة        قولي لي ماذا حصل؟....

العاملة        ظهر أمامي فعجب عجب.... يفطر لمرآه القلب.... وأنا اكنس.... ومن غير ما احسب.... طارت من يدي المكنسة.... عبرت فوق سياج المدرسة.... وحين عدت أنظف بالمغرفة.... فإذا خلفي تسير المنشفة.... خائفة انا مما يتحقق.... أشياء لا تصدق....هناك خطر  محدق....

الطالبة        مكنسة طائرة.... ومنشفة سائرة.... ما تفسيرك لهذه الظاهرة؟....

العاملة        ربما ضربتها عجوز ساحرة.... أو سحرتها سعلوة ماكرة.... هل لك لها تفسيرا.... قصة جد محيرة....

الطالبة        وأنا التي كنت أقول.... ليس هذا من المعقول.... لكن حين سمعتك.... أصبح كلامك هو المقبول....

العاملة        أنت أيضا حصل لك ما حصل لي.... إذن حل بنا المحضور....

الطالبة        أكثر من هذا يا أخية.... حلت بي مصيبة شجية.... رأيت في المدرسة أشباح....

العاملة        أشباح في المدرسة؟....

الطالبة        على الحائط رأيت شبحا.... وسمعت صوتا كصوت الرحى.... وما أن أغلقت الباب زال من امام ناظري ومحا.... ثم دخلت صفا آخر.... فإذا على الحائط صورته مرسومة.... وعلى الرحلات رسومه موسومة.... فهربت وأنا خائفة....

العاملة        هذا أمر لا يعقل....

الطالبة        بت أخاف المدرسة....

العاملة        لم يعد في الخزان قطرة ماء.... كيف أدبر أمري بلا ماء.... فاني لا اعلم ما جرى له.... أسعلوة أخذته أم جنية شربته....

الطالبة        سعلوة تشرب خزان الماء؟!.... ما يجري لا يفسر!....

العاملة        بت أنا أيضا خائفة.... من يصدقنا.... ولمن نشكي حالنا؟!

الطالبة        سنخبر المعلمة بما جرى....

العاملة        وان لم تصدق ما نرى.... ماذا نفعل يا ترى....

المعلمة       (تتقدم خائفة) هل ترون ما أرى؟!....  لا اعرف ماذا جرى!.....شيء في المدرسة لا يرى!..... فعل عابث في خفية قد سرى.... شيء مخيف مخيف!... صوت كضرب الدفوف..... او صراخ الريح في الصفوف..... بت اخشاها, كأنها صارت مثل الكهوف.....

العاملة        ونحن لم نكن نصدق.... ما كنا نخاف منه قد تحقق....

المعلمة       أصوات أصوات..... تنفخ مثل الحيات.....تأتي من كل الجهات.....

المديرة       (تأتي بغضب صارخة) من منكن يا بنات.... كسرت الرحلات.... وسرقت من الادارة السراج؟.... رايت الباب قد خلع من الرتاج.... النوافذ مكسورة والحيطان منخورة.... هل دخل غريب إلى المدرسة؟.... من الذي يعبث في المدرسة؟!

المعلمة       أشياء لا تفسر.... كل شيء قد تغير.... لا بد في الأمر شيا....

العاملة        وأنا أيضا.... كنت أنظف اكنس الأرض وامسح.... مكنستي طارت.... ومنشفتي عن عيني غارت.... 

المديرة       (تقلدها) مكنستي طارت مثل الطيارة..... كأنها غرائب تحدث في مغارة....

المعلمة       دخلت فإذا الرحلات مكسورة.... وعلى الأرض أقلاما منثورة.....

المديرة       اسأل عما حدث فلا احد يدري.... قولوا لي ماذا يجري؟!.... أم بيننا أسرار خطيرة تسري.... لا بد في الأمر شيا.... أم في الخفاء أيادي خفية.... بت أخاف مما يجري من المدرسة.....

العاملة        ما من احد في الساحة.... وأنا انظر, شيء أمام عيني قد لاح....

المعلمة       أهذه مسالة عابرة؟....

الطالبة        وما رأيت أيضا؟....

العاملة        عجوز ساحرة..... رايتها عابرة..... تنظر بخبث ماكرة..... انكسر الأنبوب تحت قدميها والماء جرى.... وخزان الماء قد فرغ....

المديرة       اختفى الصنبور.....

المعلمة       وغرق في الماء الطبشور.......

المديرة       شيء يضيق الصدور.....

الطالبة        وأنا اركض اركض من خوفي....   شبح يصرخ خلفي.... صوته كصوت بومة يزعق.... أو قولي كغراب ينعق.....

العاملة        لا بد أن سحرا قد حصل..... جنية أو سعلوة....

الطالبة        وسقطت من الخوف.... (تصرخ) آي!

العاملة        (تجفل) ما الذي يجري؟....

الطالبة        يدي انكسرت.... ومني الحقيبة سقطت.... ضاع مني قلمي والكتاب..... صرت كأني في ارض يباب.... بت أخشى حتى من ظل باب....

المعلمة       انظروا مليا إليها.... أسحر سحرها أم شبح ضربها....       

العاملة        أيد غريبة تريدنا ترك المدرسة....

المديرة       شيء مثر للعجب.... قولوا من كان السبب..... من يريد بنا الأذى؟!.... من يريد منا ترك المدرسة....

المعلمة       إذن هناك من يريد السوء بنا....

الطالبة        لكنها أشباح....

المديرة       بل فعل فاعل ....

العاملة        لا نستطيع بعد اليوم الدوام.... وان تركناها لا نلام....

المديرة       هل انتن في الأمر معي.... فالأمر خطير للغاية....

العاملة        سأهرب من المدرسة....

المعلمة       يجب أن نفكر ماذا نعمل....

العاملة        وما بمستطاعنا أن نفعل؟....

الطالبة        لكني أحب المدرسة....

المعلمة       (خائفة) لكني لا استطيع بعد أن أعلم....

المديرة       لا لن نترك المدرسة....

الطالبة        إن في المدرسة خطر....

المديرة       لكن تركها اخطر....

العاملة        بلى فلنسد إذن أبواب المدرسة....

الطالبة        ستزن امي.... وأبي لن يقبل.... وأين العب ومع من اضحك....

العاملة        المدرسة صارت مهجورة....   

المعلمة       كيف نعيش بلا علم.... بلا أدب.... بلا أمل....

الطالبة        ونصبح بلا مستقبل؟....

العاملة        أنا سأهرب إلى الحارة....

المعلمة       وحين يسألونك المارة.... ماذا تقولي للأهل؟....ماذا تقولي للصديقة؟ للجارة؟....

العاملة        لا اعرف إني أنا أيضا خائفة.... ومن هذا المكان هاربة.... (تتحرك للذهاب)

المعلمة       أمنعك من الذهاب.... عودي إلى المدرسة....

المديرة       هناك احد يريدنا ترك المدرسة.... أيدي غريبة تعبث بقلوبنا....

المعلمة       قوة غريبة تريدنا أن نهرب.... يريد بنا السوء ومن المدرسة لا نقرب.... فعل فاعل خبيث.... فبمن نستغيث؟....

المديرة       لا تخافي عندي حل....

العاملة        لهذا الذي يحصل؟

المديرة       سنعود إلى المدرسة....

المعلمة       لكننا خائفون.... قد يعرضنا هذا إلى الموت أو الجنون....

المديرة       سنعود رغما عن الخوف والمنون.... تعالوا معي ( تتقدم بشجاعة ثم تنكص اثر سماعها اصوات) هل سمعتم شيئا؟

المعلمة       ساذهب انا (تذهب وتعود خائفة) رأيت هيئة عجيبة.... لم أر مثلها صورة رهيبة.... (للطالبة) أنت اذهبي ....

الطالبة        (كذا) ما زال الشبح يصرخ (للمديرة) بل أنت أولا....

المديرة       اقول لكم بل نحن جميعا.... هيا نذهب كلنا.... وتقدمن إلى الأمام....

المعلمة       فلنتقدم بثبات بلا وجل (يتقدمن بحذر) أنصتن يا بنات....

المديرة       (ينظرن, ضربة موسيقية, يتراجعن خوفا) بل الصوت اوضح من كل مرة....

المعلمة       انه صوت الريح....

العاملة        لا بل أصوات مفزعة.... وصور بالحزن مترعة....

الطالبة        هل شممتم رائحة؟.... إني أشم رائحة تأتي من هنا....

العاملة        الرائحة تأتي من هنا.....

العاملة        إنها من هناك....

المعلمة       لا بل من هناك....

المديرة       فلننظر من خلال النافذة (تتقدم الى النافذة, ثم يتقدمن خلفها) انظرن يا بنات.... هيئة مخلوق هائم, او شبه حيوان نائم....

المعلمة       بل عفريت براس ثعبان....

العاملة        قد تكون سعلوة نائمة أو جنية هائمة....

الطالبة        (تبكي) صرنا مثل الحملان.... نخاف من ظل يبان....

المعلمة       بل أصبحنا شبه الجرذان....

العاملة        فعلة عجيبة غريبة...

المعلمة       ما سبب هذه المصيبة....

الطالبة        (تندب) راحت أمنا الحبيبة.... حلت بنا معضلة رهيبة....  إني ضائعة ضائعة... لا اعرف ماذا افعل.... فانا أحب المدرسة....

العاملة        اني إلى البيت عائدة (تذهب وتعود) .... لكني لا استطيع ترك المدرسة....

المعلمة       (تندب) ستقتلنا الحيرة والوسواس.... مالعمل ايها الناس....

العاملة        هل نبقى هكذا حائرين....

المديرة       لا احد يعرف الى اين نحن سائرين....

المعلمة       (بيأس) اصبحنا تائهين....

الطالبة        (كذلك) وفي الدروب ضائعين....

العاملة        لم يعد لنا من معين....

الجميع        (يجلسون بحزن وينشدون معا) ضاقت بنا الأحزان.... تفرق الإخوة والخلان.... لم يعد لنا من أمل..... محل العلم والعمل.... حل الجهل والكسل.... سنسير بطريق الخطأ.... إن خطوة للعلم لا نطا....  ماذا تبقى لنا أن نفعل.... ولم يعد بنا احد يحفل.... ما من احد يسال.... دلونا ماذا نفعل؟!.... 

المعلمة       إلى أين نذهب.... لا بد من عمل....           

المديرة       ما من مشكلة إلا ولها حل....

العاملة        كيف نخرج من هذا المشكل؟....

المديرة       يجب علينا أن نسال.... إن عجزنا نحن فغيرنا قد يقدر....  إن كان كبيرا أو صغيرا.... عاقلا أو حكيما.... إن كان منا في الحل أجدر....

الطالبة        ومن هذا الذي يساعدنا؟....

العاملة        (يفكرون جيئة وذهابا) وكيف لنا أن نعرف المجهول....

المعلمة       (بحيرة) ترى من يخبرنا ما يكون...

المديرة       من يدلنا على السر المكنون...

الطالبة        من يعيننا من يرشدنا....

العاملة        والى من نلتجئ ونسال؟! (يقفز بينهم شرلوك هولمز بهيئته المعهودة نحيف طويل على رأسه قبعة والغليون في فمه وعصا معقوفة في يده)

المديرة       من هذا؟....

المعلمة       من اين لي ان اعرف!...

هولمز        كنت مارا في الطريق.... لم يكن معي صديق.... حتى ولا ظل رفيق.... حملت إلي الريح أخبارا مذهلة.... إن كنتم في معضلة.... جئت لحل المشكلة....  فانا لها مهما صعبت.... وفي أي مكان نبتت....

الطالبة        من أي عصر أتى؟....

العاملة        انه لا يشبه أهل عصرنا....

المعلمة       من أين نبعت وكيف أتيت؟....

هولمز        خرجت من رواية.... أو أنا من التاريخ حكاية.... نبعت من الماضي.... هذا لا يهم! فما يعنيكم إنني الآن معكم....

المديرة       ما اسمك ومن أنت؟....

هولمز        إني أنا شرلوك هولمز.... لا شيء عندي يصعب.... ففي راسي هذا ألف عجب....

المعلمة       أوه! شرلوك هولمز.... أظن انه المخبر السري المعروف في الروايات....

هولمز        الم تقراوا في الكتب؟ إني أنا اكشف المستور.... افضح المخبوء وأفك المسحور.... فما من مجرم فلت من يدي.... ولا من جريمة غضت عن عيوني.... سآتي بالمجرم بهذه العصا.... فهل يسعفكم حضوري؟....

المعلمة       وما من جريمة قتل هنا حتى تأتي إلينا!....

هولمز        (ضربة موسيقية) بل هنالك جثة في المدرسة....

المديرة       جثة؟ لا يعقل!

المعلمة       من القاتل ومن المقتول؟

المديرة       إذن خطر محيق مجهول....

الطالبة        (بهلع) وأنا أشم رائحة العفونة....

المديرة       اكشف لنا من يريد بنا السوء اذن.... وافضح السر المخبوء....

هولمز        هل تريدون أن اكشف حقيقة الجريمة؟

الجميع        نعم!.... فإننا نحب المدرسة....

المديرة       بل أسرع فنحن لا نريد ترك المدرسة....

المعلمة       وحتى يفشل الجاني بفعله المشين.... وينكشف عاره أمام الجميع...

هولمز        قولوا لي ماذا كنتم تفعلون؟.... اظهر لكم السر المكنون!.... قولوا لي ماذا حصل في ذلك اليوم؟....

العاملة        أي يوم؟

هولمز        يوم الجريمة!

المديرة       يا لها من مصيبة!

هولمز        احكوا لي ما جرى.... اقول لكم من الفاعل يا ترى! (يؤشر للمعلمة) تعالي أنت, فلنبدأ بك أولا.... احكي لي ما كنت تفعلين؟....

المعلمة       إني أنا المعلمة.... كنت في الصف اعلم..... (تتكلم وهو يراقب كل جزء من جسدها ويدور حولها) من كثرة الوقوف تعبت قدمي....  وكثرة الكلام قيد فمي.... كلت يدي من مسك الطبشورة.... والكتابة على السبورة.... هدني التعب ولفني الكرب..... من كثرة ما اشرح وما اكتب وما اتعب....

هولمز        بل تكذبين....

المعلمة       أنا اكذب؟....

هولمز        لم تكوني تعلمين.... ولا على السبورة تكتبين.... فلا اثر لطبشور في اليدين....

المعلمة       بل غسلتها توا...

هولمز        لكانت ألوان الخيوط أيضا مغسولة.... أنت كنت تغزلين بخيوط ملونة.... وهذه آثارها.... وقد بانت على الأصابع  ألوانها.....

المعلمة       (مترددة) لا لا اقصد.... بل كنت أقرا للتلاميذ....

هولمز        بل كنت تغزلين أحلامك الوردية الأنانية....

المعلمة       لكني... كنت انظر....

هولمز        لا لم تقومي بالواجب.... بل كنت غافلة عما يجري..... وكان الجاني في المدرسة.... وأنت عنه بأشيائك شاغلة.....    وقصرت طوال اليوم في الواجب.... ولهذا ساعدت الجاني أن يدخل المكان.... وأنت عنه غافلة.... قفي هناك للتحقيق.... وتقدمي أنت للتدقيق....

الطالبة        أنا الطالبة كنت أقرا.... فبعد يومين عندي امتحان.... فانا أبدا ما أمسكت بيدي غير الكتاب والقلم في الصف طوال الوقت....

 هولمز       بل كنت في الحديقة تلعبين.... تقطعين الزهور وتلهين.... وهذه ورقة من زهرة على ثيابك...

الطالبة        هل انا هكذا؟

هولمز        كنت تخطين أحلامك الوردية على الرمل في الحقيقة.... وترسمين خيالاتك الفتية بين أزهار الحديقة.... وتلعبين على الأعشاب الندية.... فكنت لاهية عما يجري يا صبية.... في المدرسة.... لم تمسكي في يديك كتاب أو قلم أو مداد....

الطالبة        (تبكي) لأني خفت من المعلمة....

هولمز        ها انك تعترفين.... واعلمي لم يكسر الشبح يدك بل المعلمة.... المعلمات أصبحن أشباحك المخيفة....

الطالبة        ماذا افعل ولا استطيع قول الحقيقة....

هولمز        ولهذا كنت السبب في دخول الجاني....

الطالبة        لكني لست الفاعلة....

هولمز        قفي هناك للتدقيق وأنت تقدمي للسؤال....

المديرة       وأنا المديرة جئت إلى المدرسة أتفقد المعلمين والمعلمات.... وعلى الطلاب أوزع الكراسات.... وأنا أدور بين الجميع حتى لا تقع هنالك مشكلة.... 

هولمز        بل كنت في أكل السمك لاهية.... في المدرسة أو المدينة.... وهذه رائحة يديك بائنة.... وكنت عن الجاني لاهية.... فاقترف الجريمة....

المعلمة       هذا لا يعقل.... ولكني جئت أخيرا....

هولمز        وجئت متعبة فنمت على الأريكة.... وحين الطالبة كسرت يدها.... سمعت صرخات ولم تخرجي إليها.... وتقولي هناك رائحة في المدرسة.... الرائحة من يديك وليست من المدرسة....

المديرة       يكفي هذا الملام....

الطالبة        بل فليكمل الكلام.... 

هولمز        يوم حصول الجريمة....  كانت الستائر مسدلة ولم تنظري حتى ما تعمل المعلمات.... بل همك النوم على المنضدة اخذ الجاني الصنبور.... ليضرب به الضحية....

المديرة       لكني لست أنا الفاعلة....

هولمز        لقد ساهمت في حصول الجريمة.... لهذا أسأت التصرف في الإدارة.... يا لها من شطارة.... ان تغضي بصرك عن كل ما يحصل أيتها الجارة....

المديرة       لكني لست قاتلة....

هولمز        اذهبي هناك وتقدمي أنت....

العاملة        إني أنا العاملة.... كنت أنظف واغسل الحمام....

هولمز        كفى من هذا الكلام.... لو كنت في الحمام كنت اكتشفت الجثة.... فالجثة كانت في الحمام....

العاملة        في الحمام جثة!....

هولمز        نعم أنها في الحمام وهذا مما شجع الجاني لأنه لم يجدك هناك....

العاملة        كنت أنظف المدرسة من الجهة الأخرى....

هولمز        ومن زمن لم تنظفي الحيطان والصفوف.... والإدارة عنك غافلة.... بل كنت ترسمين على السبورة.... انظري يديك وعليها آثار الطبشورة....

العاملة        (تنظر يديها وتجفل) مالذي جاء بك الساعة؟....

هولمز        فدخل الجاني بسبب تقصيرك في واجبك وحين دخل لم تسمعي.... ثم إني لم أجد أثرا لمكنسة....

العاملة        السعلوة أخذتها....

هولمز        بل براسك السعلوة وليست في المدرسة....

العاملة        هل تشك بي؟....

المديرة       (تلوم العاملة) وأنا كنت أقول كل شيء على حاله لم ينظف.... وأنا أقول كل شيء قذر في المدرسة.... وتقولين لي انك لست كسولة....

العاملة        وانتم جميعا لا تعملوا على نظافة المدرسة....

المعلمة       هل كل ما يقال صحيح؟....

الطالبة        كلامه واضح وصريح.... فإنني رسبت بسببك.... وحين بكيت كسرت يدي....

المعلمة       وأنت كسلانة لا تقرئين....

المديرة       (للمعلمة) وأنت كنت لاهية بمشاكلك البيتية.... وأنا التي كنت أغض النظر عنك يا لا أبالية....

المعلمة       (للمديرة) انك لا تبالين بالذي يحصل.... ولا تلقي بالا إذا فاعل فعل.... وتهربين إلى البيت في كل مشكل....

المديرة       وأنت لا تعلمين.... ودائما في الصف تغزلين....

المعلمة       وإذا الطالبة رسبت.... ما أنا كنت السبب....

الطالبة        أنت السبب في رسوبي لم تكوني تعلمين....

العاملة        (للمعلمة) صحيح انك مهملة.... وحين جاءت طالبة تشتكي.... ضربتها وكسرت يدها....

المعلمة       لم اكسر يدها كذب....

العاملة        أنا من خلصتها من بين يديك.....هل تذكرين؟....

المعلمة       (للمديرة) كل هذا بسبب إدارتك المهملة....

هولمز        (يراقب, يكتب, يتفاعل, ويرصد كل هذا المشهد, ثم في النهاية يذهب بسرعة ليأتي بجسم مغطى بقماش ابيض ويكشفها فإذا هي مدرسة مصغرة) هذه هي الجثة....

المديرة       إنها جثة المدرسة!....

هولمز        كلكم مشتركون في قتل المدرسة.... الجميع مقبوض عليهم للتحقيق....إنكم قتلتم المسكينة المدرسة....

الطالبة        كلنا مذنبون....

هولمز        ها إنكم تعترفون.... إنها رائحة أعمالكم النتنة.... ونفوسكم الكسلانة.... والمدرسة صارت جثة وانتم الجناة....

العاملة        كل هذا صحيح اننا نعترف بكل هذا....

المديرة       لقد ماتت المدرسة! هل ذهبت منا الى الابد؟....

المعلمة       لكننا نحب المدرسة.... لا نستطيع ترك المدرسة....

هولمز        هل ندمتم إذن؟....

الطالبة        لا لن نقتل المدرسة بعد....

العاملة        لأننا نحبها....

المديرة       دعونا نحل المشكلة....

هولمز        المدرسة ستحيا وتنهض بشرط واحد....

الجميع        (بفرح) قل ما هو الشرط؟....

هولمز        أن تكفروا عن ذنوبكم.... وتتبرؤوا من أفعالكم....

الجميع        وهو كذلك....

المعلمة       ونتبرأ من نفوسنا السابقة....

العاملة        وننشئ نفوسا جديدة....

المديرة       سنشنؤها من جديد....

الطالبة        لأنها أمنا....

 

الجميع ينشدون نشيد النهاية

 

سنبنيها بأيدينا            غرسة للمستقبل

زهرة لربيع آت           لغد لصباح أجمل

.............

لك منا ألف تحية                    أنت بنت تغلبية

فيك أمجاد أبية            يا منارا يا بهية

..............

أنت للتاريخ هامة         أنت للمجد علامة

أنت رمز للعطاء          أنت نبراس الوفاء

..............

يا ابنة المجد التليد       أشرقي بالنور الوليد

فجري العهد الجديد      للغد الآتي الرغيد

دوحة العلم والأدب       أنت لي أمي وأبي

...............

يا بلاد النخل والمياه     يا بلاد الخير والرفاه

انهضي هيا بلادي        الحقي بالركب المنادي

فلك المجد ينادي                   للعلا تسمو بلادي

............

كلما طال الفراق          نهفو اليك باشتياق

مع كل فجر وصباح      اهتفي عاش العراق

ومن حرائق الظلام       انهضي عاش العراق

 -انتهت-

قصة قصيرة

 

العرّافة

 

اندفاع الطائرة إلى أمام الصق جسدها بظهر المقعد واندفع كل شيء نحو الخلف... الستائر, والحقائب, والأجساد, والمشاهد الزاحفة خارج النافذة, إنها المرة الأولى التي تسافر بالطائرة، كل شيء أثار اهتمامها، صالة الانتظار الفسيحة، الصدى الذي يتردد من حين وآخر بمواعيد انطلاق الطائرات، أناقة المسافرين والكلمات الشفافة المتبادلة، وجه المضيفة وارتفاع الأيادي بالوداع..

هاهي تعلو عن الأرض شيئا فشيئا وتبتعد عنها الأشياء حتى رأت نفسها تطير في الفضاء، لم تستطع أن تحقق رغبتها هذه في طفولتها فعوضتها أحلامها، كانت كل أحلامها تظهر دائما وهي تطير من السطح إلى باحة الدار وهي تتوسد المخدة كبساط طائر أو باعتلائها ظهر الغيوم.. ها هو حلم من أحلام طفولتها يتحقق. كم كانت تشتاق وهي صغيرة لأن تصبح سنونو تبني عشها في سقف بيتهم القديم وتنطلق بانسيابية وخفة صعودا وهبوطا لمسافات طويلة دون ان تخفق جناحيها كأنها طائرة تطفو في الهواء..

نظرت إلى أسفل، المدينة تزحف تحتها ببطء إلى الخلف كأنها تودعها، كم تبدو وديعة هذه المرة، البيوت الهائمة، الشوارع الممتدة بألفة بين مساماتها, النهر الذي يخترق جسدها، التلال التي تحفها، ما أجملها من مدينة حين تنظر إليها من عل، كل شيء يبدو جميلا هذا الصباح، الوجوه الباسمة، النظرات الحميمة, الحقول، الأشجار، وأبدع منظر رأته هو منظر الشروق حين مالت الطائرة لتكمل دورتها حول المدينة وهي ترتفع إلى الأعلى, قوس احمر يبرز من وراء التلال البعيدة ويتحول لونه إلى برتقالي.. نصف برتقالة, بل برتقالة هائلة قطعها الأفق نصفين، نصف برز فوق الأفق ونصف يقاوم المخاض، في تلك اللحظة مالت الطائرة بعنقها نحو الغرب لتنطلق بسرعة لا تلوي على شيء. ..

من جنبات الطائرة انبعث صوت رخيم

-      أهلا بكم على متن طائراتنا, وتيمنا بالرحلة البكر, فقد تزامناها مع خيوط الفجر لنسابق الشمس في صعودها إلى كبد السماء متفائلين بسفرتها الأولى لطائراتنا الأسرع من الصوت.. الاتجاه غربا.. السرعة 1600 كم في ساعة، الارتفاع 50 ألف قدم.. نتمنى لكم رحلة هانئة وسلامة الوصول وشكرا لكم...

أسندت برأسها إلى الخلف وأغمضت عينيها.. هل سيقدر الله أن أراه؟.. لا اعلم!.. الأقسى من الانتظار هو حين يقترب موعده، آه لو أستطيع أن اضغط على المفتاح (الزر) ليظهر الشريط امام ناظري ممتدا من اللحظة حتى حافة القبر... لم يكن هذا عهدي به, انه اصغر أولادي, لم أكن أتصور بانه سيتركنا في يوم من الأيام, لكن دائما هنالك مفاجآت حين يكبر الأطفال لم تتحسب لها..

منذ صغره كان مولعا بعناده كان يعتد بنفسه كثيرا, ولا يقيم أهمية لآراء الآخرين, وكبر معه تفرده برأيه.. كان عمه يقول دائما، إنني لا افهم هذا الفتى, الوحيد الذي لا احد يستطيع لجمه, لا يطيع حتى أعمامه.. حين جاوز الفتى العشرين قال له أبوه.. أنت الوحيد من إخوانك الذي يخرج عن طاعتي, أما أنا فككل أم يظل ولدها طفلا صغيرا حتى الشيخوخة..

بدأ يغيب عن البيت طويلا بالرغم من تحذيرات أبيه وتهديداته له,  فحين ينوي القيام بعمل ما, لا ينظر إلى الخلف بل يسير مع أهوائه أينما سارت, حتى بت احسب لنظراته ألف حساب.

يوما ما انتظرناه طوال النهار.. جلست على عتبة الباب حتى منتصف الليل، قال أبوه هل ستظلين هكذا حتى الصباح؟! اعرف كيف سأمنعه من التأخير مرة أخرى.. وعرفت من ان تلك الليلة لن تمر بخير.. وهكذا جرت الأيام التالية, أخذت الجفوة بين الأب وابنه تتسع لتنذر بسوء قادم لا محالة, وأحسست بان قلبي ينبئني بإحداث يعلم الله وحده ما هي..

وصدق حدسي, ففي مساء احد الأيام عاد إلى البيت قبل ميعاده ورأيت وراء نظراته أسرارا لا تقتحم، وبكلمات متلعثمة قصيرة قال لي

-                   عليكم منذ الآن ان تعتادوا العيش بدوني..

-                   هل قررت الزواج؟

-                   لا، بل قررت الرحيل!..

حاولنا منعه, حاولنا إقناعه بكل وسيلة, ولم تجد معه كل التوسلات والتهديدات..

اختفى بعد أيام مخلفا وراءه رسالة تقول - لا تقلقوا, انا مسافر إلى جهة مجهولة وسأخبركم لاحقا-  وانتظرنا بقلق لمدة شهر لتصلنا أول رسالة منه تخبرنا بأنه في بلد في اقصى الغرب, في محلة كذا... شارع كذا.... وتوالى بعدها تبادل الرسائل، كنت اكتبها واقرأها عبر دموع العبرات.. كنت أقول له في رسائلي أكتب لنا عن كل التفاصيل التي تمر بك حتى اشعر بأنك تعيش معنا..

اخذت تصل الرسائل تباعا, يكتب أشياء يريد أن يواسيني بها في البداية لكنها في النهاية اصبح لا يعنيني من أمرها شيئا, وهكذا أصبح ولدي بالمراسلة فقط, وللحياة أسرارها انها لا تسير على سكة مستقيمة, وان الأيام تنثر أوراقها كيفما تشاء الريح..

انقطعت أخباره فجأة, انتظرت شهرين، ثلاثة، خمسة.. وعيوني معلقة على الدروب، حتى جفت أعين االطريق, وتصلبت ساقا ساعي البريد.. لكن حين تجمد أعضاء البريد من البرد يشتعل قلب الأم بمؤامراته.. أصبح عقلي مثل (داينمو) يولد الأفكار تلو الأفكار ويحبك الخطط, مرة ذهبت إلى المطار اسأل كل المسافرين المتوجهين إلى المدينة التي يتواجد فيها,  أزودهم بعناوينه وعناوين الأماكن التي كان يرتادها وأوصيهم في العودة سريعا، فتكون عندي كم هائل من أسماء الشوارع والحانات والأحياء.. مرة أخرى كتبت إلى إذاعة تذيع أخبار الذين انقطعت أخبارهم, لكن دون جدوى.. انقطعت كل السبل.. ترى هل سافر إلى جهة أخرى؟ هل تزوج وسلانا؟ هل هو في ضيق أم مرض لا قدر الله هل هو....

استلمت نتفة خبر من صديق كان قد سافر منذ زمن وعاد قبل ايام، اخبرني نه رأى خالد على ساحل في مكان يسمى بيت السمك اعتاد الجلوس هناك للتفرج على الصيادين, وقد التقى معه ايضا في حانة الصيادين وهي كذلك مطلة على ساحل البحر.. ترى هل سأراه مرة أخرى.. وكيف السبيل؟..

صالحت صديقتي بدرية بعد جفاء طويل قلت لها

-                   سأعد لك فنجان قهوة كثيف الرغوة يحمل حثالة سوداء ننظر بمرآته لنتطلع على كل خطوط السفر... كانت أسئلتي أكثر من نظراتها قالت لي بعد يأس

-                   لم لا تلتجئين إلى تلك العرافة الغجرية التي تسكن في الميدان الغربي وتنجيني من أسئلتك هذه..

استرشدت إليها بعد طول سؤال، كان بيتها يتوسط بيوت زقاق قديم في حي تخترقه المياه الآسنة, طرقت الباب فخرجت طفلة صغيرة قادتني إلى غرفة كبيرة, ما أن دخلتها حتى شعرت برطوبة الجدران وجفاف النوافذ, بعد قليل حضرت الغجرية, وحين أخبرتها بمشكلتي, قالت

-      سأحل عقدتك مهما صعبت!..

جلبت صينية من الرمل عليها بعض حصى, مدت يدها فوق الصينية وسوت كومة الرمل بكفيها بكل رشاقة, ثم أخرجت عدة حصى من بين ذرات الرمل, وبنظرات وجلة رمت الحصى على الرمل فرسمت شكلا هندسيا، وبعض خطوط.. أطالت النظر إليها وهزت برأسها ثم جمعت الحصى مرة ثانية وتمتمت بكلمات غريبة ورمتها على الرمل ثانية, تأملتني طويلا, وأخذت تنظر إلى الرمل نظرات توسل ثم سرقت إلى نظرة من طرف عينيها ورمت الحصى للمرة الثالثة أخذت تتأمل ما خطته الحصى على الرمل وهي تنظر بعينين حالمتين مابين الصينية ووجهي.. طال صمتها.. انتظرت لتقول شيئا ما، هل خانتها الكلمات أم حارت في التفسير أم إنها لا تقوى على إخباري بالحقيقة المرة.. وأنا اتعمق في عينيها علني استشف ما تريد أن تقوله، فكرت في أن اتركها وانسحب من المكان لأتخلص من هذه اللحظات الثقيلة.. لكني استسلمت حتى ننتهي من هذه الورطة,قلت لها

-                   قولي لي شيئا!..سأتقبل الحقيقة مهما كانت!

وضعت ظهر كفها تحت حنكها ومن بين النظرات رشقتني شفتاها بهذه الكلمات..

-                   سترين ابنك حين تتوقف الشمس عن الشروق!...

كان لغزا خارجا عن حدود وعيي... اصبح راسي كطبل اجوف تحت الطرقات، لا اعرف ما الذي قالته بعد تلك الكلمات، انتابني شعور مبهم رماني في عالم آخر.....

أيقضتني من هواجسي كلمات المضيفة،

-                   هل تفضلين الحلوى؟

كانت تدفع عربة صغيرة في ممر الطائرة وعليها أقداح العصير وأنواع المعجنات، تناولت كأسا من العصير وقلت لها

-      أريد أن أنام واصحى إما على رؤية ولدي أو إلى نوم طويل.. هل تؤمنين بقراءة الطالع؟!

وعلا الصوت من جنبات الطائرة

-      نحن الآن فوق المدينة السرعة 1600 كم / ساعة, الارتفاع 50 ألف قدم.. السفر غربا يطيل العمر بقدر عدد ساعات السفر والسفر الى الشرق يقصره؟.. صدقوا او لا تصدقوا... نتمكنى لكم اقامة سعيدة...

تذكرت ما كان يقوله خالد وهو يقرأ في كتابه المدرسي من إن الأرض تدور.. والشمس تدور.. والدنيا كلها تدور.. سمعته مرة يقرا في الكتاب ذات يوم (قفي أيتها الشمس.. فتوقفت الشمس في كبد السماء)...

لكن تلك الأعجوبة حدثت في العهد القديم.. ترى هل تتكرر الأعجوبة؟ هل يحصل ان تحدث أعجوبة أخرى هذه الأيام؟ من يستطيع ان يكرر الأعجوبة؟ انه أمر خارج عن إرادة البشر…

قصت لي جدتي ذات يوم حكاية طريفة قالت, كنت امشي عبر حقول القمح لأصل بسرعة إلى امرأة حامل في قرية قريبة, فمرت فراشة سوداء أمامي! انه فأل سيء، هناك خطرا إذا يعيقني عن الوصول, لكنني قلت مع نفسي, ما دمت مقدمة على فعل خير فسيبطل كل فأل سيء وتموت كل الفراشات السوداء... واضافت انك حين تقدمين على عمل الخير فلا تخافي من عبور غابة كثيفة، ستعمى عيون الوحوش عنك.... انا ايضا سأبطل سعر العرافة تلك حين اذهب لرؤية ولدي! سأراه رغما عن كل العرافين والعرافات...

جاء صوت المضيفة

-      نحن الآن فوق المدينة، من فضلكم شدوا الأحزمة استعدادا للهبوط, متمنين لكم طيب الإقامة، شكرا لكم على حسن اختياركم, والى اللقاء على متن خطوطنا الجوية...

بان البحر بعيدا ممتدا بلا نهاية.. أمالت الطائرة رأسها نحو الشرق لتكمل دورتها حول المدينة استعدادا للهبوط، نظرت إلى الشرق قفزت من مكاني من هول المفاجأة.. لم اصدق عيناي، قرص الشمس ما زال في مكانه، مرت ثلاث ساعات من الزمن منذ بدء الرحلة والشمس ماتزال واقفة في مكانها, برتقالة هائلة قصمها الأفق نصفين نصف فوق الأفق ونصف يقاوم المخاض, فصرخت دون وعي فاجأ من حولي من الجالسين

-      صدقت العرافة! لقد توقفت الشمس عن الشروق!..

وكانت تلك أولى الكلمات التى نطقتها من بين الدموع وانا احضن ولدي خالد....

 

-انتهت-

........................................

 

مسرحية قصيرة جدا

 

من يقتل التنين

 

(اظلام تام, تفتح الستارة, تتراءى اكواخ القرية تسبح في ضباب ليل ثقيل.... وكعصف الريح يمرق في سماء القرية رفة جناح طائر خرافي, يرسم ظلاله بين الازقة وجنبات البيوت... مع الفجر خرجت القرية بالفئوس والمطارق والمناجل)

مختار القرية كان فارسا على فرس اشهب يداه السيف والصولجان وصدره زهرة أقحوان....

الكاهن        تراءى لي كروح شريرة تقبض على أنفاس الليل....

الفتاة         رايته بام عيني فتى هائما عيناه تقدحان بالرغبة وشفتاه شفتا امراة عاشقة....

الغانية        هل كنتم تسمعون؟! طوال الليل كان صراخ طفل لقيط يمزق ستار الظلام من خلف الكور!

اللص         كان يتلصص على دروب القرية لكني لن ادعه يفلت من قبضة الليل!

(تقاطع الجمع على خشبة المسرح وامتدت الشباك خلف الكواليس وبين المتفرجين نصبت  الفخاخ نظرات متحفزة رعب وفوضى وصراخ  وتعالت الاصوات)

اصوات       انا الذي ساقتل التنين .... انا من سيفقأعين الميناتور..... انا الامير الذي يحرر سفن طولون .... انا امبراطور قشتالة.....  (تردد صدى الانا بين ارجاء المكان... ينزاح الستار.....  اضاءة تدريجية ينفرج المسرح عن معرض للمقتنيات.....  ظبية محنطة لصق الحائط ..... يمامة مستلقية تحت اسلاك الكهرباء.....  عاشقان يتاوهان من الظما.....  وفي وسط الساحة نسر منطرح ارضا وتحت جناحه الرسالة اللغز)....

الصيد في الظلام حلال ام حرام! ....

(سكن الجميع, لا احد يتقدم وسؤال يتردد بين المشاهدين من يفك اللغز؟.....  من يقتل التنين؟.....  من يفتح عين الماء؟ ... رجل مهمل من زاوية ميتة يخترق المتفرجين, يصعد خشبة المسرح يتقدم نحو النسر ليستل الرسالة اللغز لتفتح بعدها كل الطلاسم). وبصوت لا يكان يسمع.....

 

هي الدمعة تضمخ بالحناء كل الآثام.....

وتمسد الجرح بالطيب لتختصر دروب الآلام.....

تفتح نافذة الجرح بدم...ع.....

وتغلقها بالشهد والرحيق.....

الق تطوف في الشوارع

تنثر مواسم الفرح.....

لكنها في كل مرة ترتد مضمخة بالدموع.....

فاسكبي يا شموع.....

ليستحيل التنين دمية.....

وتفرج عن مائها العيون.....

 

(ينثال رذاذ خفيف فوق خشبة المسرح ويطال المشاهدين).....

 

انتهت

 

.........................................

 

مسرحية

الطبيب والشيطان*

 

الشخصيات

مدير المستشفى

أمين, الطبيب

سعاد, الممرضة

مستورة, المريضة

طالب وطالبة

 

           (ردهة في مستشفى يقابلنا في الوسط سرير مريضة مستلقية يظهر نصفها الأعلى بمواجهتنا تسقط بقع ضوء على الخلفية فتظهر عبارات - يجب عليك أن تتألم... يسمح لك بالألم... ينبغي لك أن تتألم)

صوت     (صدى صوت) يجب عليك أن تتألم... يسمح لك بالألم... ينبغي لك أن تتألم.... (يظهر المدير والطبيب وطالب وطالبة بزيارة تفقدية للمرضى)

المدير     يجب عليك أن تتألم... يسمح لك بالألم... ينبغي لك أن تتألم....

الطالب     هل هذا شعار المستشفى

الطالبة     لكن هذا شعار السجون

المدير     يظهر بأن أمك وضعتك في السجن

الطالبة     يا لها من فلسفة مجانين

المدير     بل أنها فلسفة جميع المرضى في كل حين وأوان في الشارع والبيت وكل مكان (يرفع المدير الأشعة بيده مكملا شرحه) أنظروا! أنها حالة فريدة تجمع هؤلاء المرضى المعزولين بالرغم من اختلاف حالات مرضهم, أنها حالات ميئوس منها ولا شفاء لها بالمرة...

أمين       بالمرة ها؟! أينما توجهت هذا ما يستقبلوني به لقد كثرت في الوقت الحاضر مثل هذه الحالات والحمد لله

المدير     الحمد لله على ماذا

أمين       الحمد لله على اليأس الذي غشي الناس هذه الأيام! يقولون أنه مرض العصر عصر الأمراض التي لا شفاء منها! أنه أنسأن العصر الدوار, هذه المريضة على سبيل المثال مستورة المستورة

طالب      أنها المرة الخامسة التي نزورها

المدير     لا أريد أحدا أن يقاطعني! (مواصلا) منذ سنتين أصيبت بشلل في ظهرها ورجليها شخصت الحالة على أنها ورم في الدماغ وبإشراف كبير الجراحين أجريت العملية في الدماغ ولدى فتح الجمجمة ومع الأسف الشديد لم يظهر هناك أي اثر لأي ورم (دهشة لدى الجميع) عليه اعتبرت إصابتها من الإصابات الغير القابلة للشفاء

الطالب     ولم نحن إذن لنعيد المحاولة ونشخص الحالة من جديد

المدير     أبدا! إياكم! ليس من المحبذ إعادة التشخيص فأية حركة منها قد يؤدي إلى حدوث نزف داخلي في دماغها...

الطالبة     هل أصبح الطب عاجزا عن الشفاء؟

المدير     بل السر يكمن في المرضى, في حالة مستورة هذه يقف الطب عاجزا عن شفاء الإنسان, اقصد هناك خلايا في بعض الناس لا تريد الشفاء فكيف يشفيها الدواء وكأني أرى أجساد بعض الناس لا تتقبل العلاج بتأثير من الدماغ.

أمين       ليس هنالك في قاموسي شيء مستحيل ليس في العالم داء بلا دواء أنا براوخلة المعجزة!

المدير     الطبيب الألماني الذين يتكلمون عنه سمعت كثيرا عنك وأنت هناك...

أمين       بل الدكتور أمين براوخلة النسخة العربية للطبيب الألماني صانع المعجزات براوخلة عفوا المختص في الحالات العصية...

المدير     أمين, عفوا الدكتور أمين سيكمل المشوار, أنه جاء من الخارج خصيصا ليعمل معنا يدا بيد مع أبناء بلده, جاء ليشفي مرضى بلده أبى إلا أن يترك مكانه هناك ليأتي إلى هنا حيث يشفي الناس الذين لا شفاء لهم (تأتي سعاد بيدها جهاز قياس الضغط والسماعة) وستكون معك الممرضة سعاد ساعدك الأيمن إلى النهاية (يخرجون المدير والطالب والطالبة)

سعاد      دكتور أنأ في خدمتك وسأرافقك منذ الآن

أمين       (يتمعن فيها) سعاد؟!! آووه! ما تزال تحمل نفس النشاط والصحة؟!

سعاد      (تنظر عميقا) أمين؟ الدكتور أمين!! سمعت بأن طبيبا جديدا عاد من الخارج والتحق هنا, يا للصدفة! هو أنت إذا؟ أين كنت كل هذه المدة الطويلة؟

أمين       كنت في ألمانيا كنت اعمل مع طبيب اسمه براوخلة وتخصصت بالتنويم المغناطيسي في عملي معه قدر ما كنت أكن له قدرا من الإعجاب لقد أطبقت شهرتنا الآفاق هناك كأن اسمي مرادفا لاسمه, أمين براوخلة .

سعاد      أنه لشيء عظيم أن نراك ثانية هنا

أمين       هذا ما جئت من اجله لأحقق أحلامي, لأصلح ما قد فسد, وستكون طفرة هائلة بالعلم أن أشفى مرضى بلدي العزيز....

سعاد      عسى أن تبقى هنا دوما...

أمين       سعاد ليس لدينا وقتا للكلام, اخبريني عن مرض مستورة الآن...

سعاد      مستورة مسكينة وحيدة تعرضت إلى ظروف قاسية ماتت أمها فكابدتها زوجة أبيها الوأن المرارة والمهانة والعذاب

أمين       لماذا؟ ووالدها؟

سعاد      بل كأن أسوأ منها, وعندما كانت تلوذ بابيها حين يعود بشبعها ضربا وركلا حتى تحولت حياتها إلى جحيم لا يطاق أصبح كل شيء حولها يخيفها, وأينما تولي وجهها تجد الأبواب مسدودة حتى من أقرباؤها حيث تركوهم لسوء أخلاق أبيها وسلوكه الحيواني, حينها أصابها الشلل وأدخلت المستشفى ولا يزورها احد لا من أهلها ولا من أقرباءها

أمين       آووه!! هذا لا يجوز, كيف يحصل هذا؟.. لكن كأن الواجب أن تلقى العطف من المستشفى إذن ليعوض ما فقدت من حنان..

سعاد      لقد عملنا معها المستحيل لكن لا جدوى من شفاءها هذا ما اجمع عليه الجميع وستتوصل أنت بنفسك كذلك إلى هذا الرأي

أمين       سعاد اسمعي الشك عندي فلسفة التفرد والتمرد عندي شجاعة كسر ما مألوف عندي مقدس

سعاد      لقد جربت كل الوسائل بلا جدوى لسنين وسنين

أمين       لا! سعاد لم تعالج لأنها ببساطة لم تشخص حالتها, كيف تعالج مريضا ما لم تشخص مرضه هذه بديهية وكما قيل لا علاج لداء دون تسميته, وعلي أنا أن ابدأ من نقطة الصفر, سعاد اجلبي لي عدة التنويم والمغناطيسي, المسند والمصباح واللوحة.

سعاد      بهذه السرعة؟! هل أنت جاد؟!

أمين       لم أكن جادا كهذه المرة (يتحرك بسرعة) يلبس الصدرية والسماعة ويستعد

سعاد      أنها مغامرة يا دكتور

أمين       واليوم سأثبت العكس.

سعاد      الم تسمع المدير يقول بأن كل حركة منها يؤدي إلى نزيف داخلي؟

أمين       حين تشير كل الطرق إلى الهزيمة في المعركة فليس أمام القائد العسكري إلا المغامرة, هكذا يقول القائد العسكري رومل...

سعاد      وهل نحن في معركة؟

أمين       كفى! دقت الآن ساعة العمل, إلي بالمسند (تذهب ويتجه نحو مستورة) كيف الحال يا مستورة؟ أرجو أن تكوني بخير!

مستورة   (بهدوء) أنشاء الله بخير

أمين       أنا الطبيب المشرف على علاجك منذ الآن وشفاؤك لا يكون إلا على يدي ولا تترددي بطلب أي شيء, أريد أن تقولي لي, هل يقلقك أي شيء يا مستورة؟!

مستورة   بعض الاحيأن يتركون النوافذ مفتوحة وأنا لا أطيق الضياء وتزعجني الأصوات خاصة في الليل أخاف النوافذ المفتوحة بالليل خاصة ....

أمين       سنقفل النوافذ كما تشائين (يتحرك يغلق النوافذ وتأتي سعاد بالأجهزة ويبدأ في تثبيتها أمام سريرها) هذه ستكون سعاد في خدمتك أيضا لا تتواني في طلب أي شيء....

مستورة   شكرا دكتور

أمين       أنها تحبك كثيرا... لقد بلغت الخامسة والعشرين أليس كذلك؟

مستورة   الرابعة والعشرين!

أمين       ستشفين على يدي أن شاء الله

مستورة   أن شاء الله

سعاد      (تهمس له) على رسلك يا دكتور معها فأنها لا تتحمل الألم!

أمين       (بصوت عال مشيرا إلى رأسه) في هذا الكهف المظلم دهاليزا لا نهاية لها, وكهوفا لم يسبر غورها بعد, ومجاهل ستبقى عصية على الفهم أجيالا أخرى, وسر الإنسان أن يكشف أغوار الطبيعة البشرية صراع الطبيعة والحياة قائم لا يهدا أبدا أنه سر الحياة...

سعاد      يبدو أنك فنان أيضا..

أمين       وبين ذرات العلم تتوزع ذرات الفن كل حركة في الحياة تنطلق بالقدرة والصورة والكيفية الفنية

سعاد      هذه هي العدة (المسند في أعلاه مصباحين الأول صغير والآخر كبير الصغير أسفل الكبير يضع لوحة 50 في 50 سوداء خلفية للمصباحين)

أمين       هل تعرفين ما هو العلاج الروحي يا مستورة؟

مستورة   لا!

أمين       سأريك سحره سأجعلك تنامين نوما مريحا متى ما أريد, هل أنت مستعدة؟

مستورة   كما تشاء..

أمين       (يعدل من ارتفاع رأسها وجذعها) ركزي نظرك على المصباح الصغير الأسفل هذا إنارة صفراء مع إشارة يدي ستعدين من الواحد إلى العشرة (بمصاحبة الإيقاع تصدر موسيقى بإيقاع سريع رتيب وضربات كضربات الطبل بإيقاع بطيء يغطي على الإيقاع السريع) ابدئي العد الآن, ستشعرين بثقل في عينيك, أغمضي عينيك سيهبط النعاس تدريجيا, الاسترخاء يسري الآن إلى جسدك, استمري بالعد مع إشارات يدي واحد اثنان ثلاثة أربعة, سيسيطر النوم عليك الآن, نامي استسلمي للنوم, أنك الآن في حالة نوم من الدرجة الأولى, إلى أن تصلين إلى درجة النوم العميق الدرجة الثالثة, درجة السبات العميق... خمسة ستة سبعة... أصبحنا الآن ذهنا واحدا (تتغير الإضاءة إلى أشبه بحلم) مستورة, أريدك الآن أن تعودي إلى طفولتك أنك طفلة صغيرة الآن... (فترة وتشهق بالبكاء) لم تبكين؟ مستورة!

مستورة   إنني خائفة ...

أمين       لماذا؟

مستورة   أنني وحيدة لقد ماتت أمي ولم يبق لي احد.

أمين       ومم تخافين؟

مستورة   زوجة أبي ستأتي بعد قليل وتضربني من دون سبب... آه اشعر بالبرد

أمين       ولم تشعرين بالبرد؟

مستورة   أنني نائمة خارج البيت برد الشتاء يدخل عظامي..

أمين       لماذا أنت في الخارج؟

مستورة   لقد طردتني...

أمين       سيأتي أبوك بعد قليل...

مستورة   لا أريده أن يأتي, ستحكي له عني كل سوء ويصدقها, وسيرض عظامي, سيغمى علي من شدة الضرب, أنني خائفة لا احد يرحمني... أصبحت امقت كل شيء حتى نفسي (تبكي يعلو صوت موسيقى)

أمين       حسنا كفى... مستورة أنك الآن في الخامسة عشرة من عمرك...

مستورة   أنني وحدي أيضا لقد انفصلنا عن بعضنا ولم يعد احد يطيق روية الأخر, اسكن الآن مع خالتي, الدنيا تضيق بي تخنقني (تبكي) كل الأولاد لهم أهل إلا أنا

أمين       نحن اهلك يا مستورة لا تخافي.... أنت الآن في الرابعة والعشرين مستورة أليس كذلك؟

مستورة   نعم آه

أمين       مستورة, من الآن سيسري دم جديد في قدميك, ستدب الحياة في أعضاءك وسيرتوي جسدك من الهدوء والراحة بعد عطش طويل, ستتحرك قدميك... الآن حاولي أن تحركي قدميك, حركي الآن رجليك, حركي في البداية الإصبع الكبيرة, ثم الركبة, أنها بدأت تتحرك, مستورة اثني ركبتيك بقوة, قدر ما تستطيعين, مستورة! حياتك مرهونة بهذه اللحظات.. أن تحركت رجليك ستشفين مستورة تحركي بقوة....

مستورة   لا استطيع!

أمين       بل يجب أن تحركيها حاولي أن تثني ركبتيك مستورة حاولي

مستورة   أحاول ولكن لا استطيع

أمين       يجب أن تحاولي وإلا سأضطر إلى استخدام معك الحرارة العالية لا تجبريني على استخدام أسلوب الكهرباء

مستورة   لا استطيع

أمين       يضغط الجرس قلت لك حاولي (تأتي سعاد) اجلبي لي جهاز فراداي (تتردد سعاد) بسرعة تحركي

سعاد      أمين! لا تخاطر!

أمين       لا مناص من ذلك تحركي (تذهب سعاد) مستورة ساعديني حتى تشفين

مستورة   آه لا استطيع

سعاد      (تأتي بالجهاز) من الخطر استخدامه على الأصحاء فكيف مع مستورة؟!

أمين       أنا أيضا لا أريد أن أبدا حياتي الطبية هنا بحالة وفاة ولكن ليس من بديل... مستورة! حركي الإصبع الكبيرة, اثني الركبة (يسلط نور احمر على رجليها) حركي هذه الصخرة أن رجلاك صخرتان

مستورة   آه أنك تؤلمني رجلي تحترقان اااااه

أمين       ها أنها تتحرك تحركي يا مستورة بدأتا تتحركان بقوة حركيها سيزول الألم بعد ذلك استمري أنها تتحرك عظيم اثنت الركبة استمري بالحركة, رائع! رائع! شفيت رجليك يا مستورة! استمري سأبعد الجهاز (يبعده) أنهما يتحركان! استمري! أنها تتحرك بدون جهاز, عظيم! لقد شفيت يا مستورة

مستورة   آه كم أنا اشعر بالتعب....

أمين       سأجعلك تستريحين ستنهضين بعد قليل سيذهب النعاس من عينيك ستستيقظين مرتاحة أنهضي (يرفع الأجهزة يطفئ المصباحين يرفع المسند) أنهضي يا مستورة (يمسد رجليها وجبينها) افتحي عينيك مستورة الآن يعود إليك وعيك (تفتح عينيها) اتركي السرير, تحركي, تقدمي, لا تخافي, عظيم! (مستورة فرحة تضحك) عظيم (يرقص من الفرح) هو العلم قاهر الظلام! أنا براوخلة! كانس العفونات! (يهرع إليها الجميع يعانقها)

سعاد      هل هذه مستورة حبيبتي؟!

المدير     أهنئك على نجاحك! (مستورة تمشي بآلية, فالصدر والرأس مقيدان وما يزال الرأس جامدا)

أمين       راسك هذا العنيد لي معه جولات وجولات...

سعاد      أنها إرادة الله

أمين       وسأكملها أنا.... (إظلام وإضاءة إشارة لمرور الوقت, سعاد والمدير)

سعاد      بعد أشهر من العمل المضني تعبت مع الأستاذ أمين أنه يحتاج إلى خمس ممرضات بدل الواحدة.

المدير     فعلا أنه عنيد!

سعاد      ومخيف أيضا! مرة من المرات استعان بممرضة أخرى وبنقالة متحركة وساق مستورة إلى الحمام, وخلعنا عنها ملابسها, وكم كانت دهشتنا حين أمرنا بوضعها في المغطس! فتح صنبور الماء وجعل رأسها يلامس القاع, فتح الماء الحار ثم البارد إلى أن أخذت تخرج فقاعات من جسدها, لقد تسمرنا وأصابنا رعب حقيقي أنه يحاول إغراقها ونحن نتفرج حتى تصورنا بأن أصابه مس...

المدير     ومستورة؟

سعاد      كانت أمام خطر الموت استوت جالسة في المغطس... هو في الحقيقة جعلها تمشي في الحمام, وفي صباح اليوم التالي كانت قد شفيت تقريبا, ولكن بعد يومين انتكست مرة أخرى ولعدة أشهر إلى اليوم..

المدير     كنت أقول له أن مسالة شفاء مستورة مسائلة مستحيلة لا يصدقني أنه مغرور بقابلياته

سعاد      الأخطر من هذا أن مستورة لم تعد تطيق أحدا يداوي جروحها ويا ويل من يمد يده لغسل جسدها أو جروحها

المدير     شكرا لو سمحت (تخرج سعاد, يمد يده إلى التلفون) دكتور أمين لو تفضلت دقائق معنا (يذهب ويجيء يدخل أمين)

أمين       صباح الخير

المدير     كيف الحال

أمين       في أدنى الأحوال وبأتفه الأحلام واسوا الآمال.

المدير     عجبا ليس من عادتك التشاؤم!

أمين       أنا لم ولن أتشاءم, ولكن في بعض الاحيأن يعجز المرء في تفسير هكذا أمور

المدير     قلت لك يجب أن ندع الأمر يجري بإرادة الله!

أمين       لم اعد افهم إرادة الله!

المدير     طبعا, فنحن بشر.

أمين       جعلتها تمشي وترفع رأسها, حصل تقدم كبير شفي رأسها لكن تنتكس في كل مرة, بعد هذه الجلسات لا اعرف أي سر يكمن في نفس هؤلاء المرضى...

المدير     أتعرف كم جلسة قضيت معها؟

أمين       أعيتني هذه المريضة لأول مرة في حياتي!....

المدير     بالضبط 355 جلسة وآثار السهر بادية على محياك...

أمين       وفقدت من وزني عشرة كيلوغرامات لكنني مصمم على العمل...

المدير     بإجراء المغامرات...

أمين       مغامرات؟

المدير     تجربة المغطس!

أمين       مغامرة قائد ميداني أمام معركة خاسرة! ونجحت حينها ولكن!....

المدير     قلت لك حين أصبحت خارج الحالة الاعتيادية لم نعد مسئولين عن شفائها...

أمين       هذه ليست حسابات نحن أمام مسالة إنسانية....

المدير     لا أن نضحي بنصف المستشفى من اجل مريض من المستحيل شفاؤه! دكتور أمين, لم تكن نيتي استفزازك لكن أقول لك كلمة واحدة فقط هنالك قوانين في البشر, في الفسلجة, يعجز الإنسان عن فهمها لقد أقدم غيرك ووصل إلى طريق مسدود لم تريد أن تسير بنفس الطريق؟! أنت رجل مثالي واعطف على جهودك تذهب هباء أن الخلايا إذا لا تتجاوب مع الشفاء لن يستطيع أي طبيب في الأرض أن يشفيها...

أمين       كلامك هذا لا يناسب مقامك...

المدير     (يضغط على الجرس) سأثبت لك بأن نواياك الطيبة غير منطقية (تدخل سعاد) سعاد! يقولون بأن مستورة يتراءى لها رؤى غريبة أليس كذلك.

سعاد      أخذت تتصور نفسها من الصالحين حتى أنها أصيبت بجروح مؤخرا تعتقد أنها جروح أيوب الصالح

أمين       بل هي بثور ظهرت على جسدها لبقائها مدة طويلة في الفراش وتخدشت فأصبحت كالجروح من جراء احتكاكها بالملابس..

المدير     وهلوساتها؟

أمين       نكوص إلى الطبيعة الطفولية, بل أصبحت تقدس جروحها وهي مؤمنة تمام الايمأن بأن الله قد ابتلاها بهذه الجروح من جراء ذنوبها ولا يحق لمخلوق أن يشفيها...

المدير     إذن قد وصلت إلى الطريق المسدود, حين أصبح المريض ضد الطبيب

أمين       بل الآن سأبدأ علاجي بنفس السلاح! لقد تحصنت بأسوار الدين وسأجعل من تحصيناتها دفاعات لي, سأحاربها بنفس السلاح! سأجعل خط ماجينو بدل أن يكون خط دفاعها سأجعله خط دفاعي, أن لديها حقد دفين لا تستطيع توجيهه ضد احد فوجهته ضد نفسها!...

المدير     مجرد أوهام!

أمين       أن عقلها الباطن الذي لا يريد لها الشفاء هو الشيطان, الشيطان هو عقلها الباطن سأحاول إخراج عقلها الباطن إلى عقلها الواعي حتى يبطل تأثيره, حين تعي العواطف المكبوتة نفسها يبطل تأثيرها

المدير     (قبل ان يغادر) عنيد وأرعن!

أمين       لنر من منا الأرعن!

           (إنارة حمراء في جلسة تنويم أمين يقابل مستورة وهي جالسة)

أمين       إن النور يطرد الظلمة تعالي يا مستورة نخرج الشيطان من عقلك من نفسك الواعية لنضعه أمامنا

مستورة   كما تريد

أمين       أقول لك أيها الشيطان اخرج من نفس مستورة وواجهني, بقوة الايمأن أخرجك الآن! قف أمام وجها لوجه! (تنهض مستورة وتقف قبالته لتأخذ هي دور الشيطان) أنهض! ها أيها الشيطان أنك الآن أمامي قل لي ماذا تريد مالذي ترجوه من أفعالك هذه مع مستورة

الشيطان   أنك تضايقني

أمين       كيف؟

الشيطان   كل يوم وفي كل مرة تأتيني بطريقة جديدة تزعجني بها, مرة بالعنف, مرة بالاستفزاز, تبحث, تنبش أشياء مخفية وتفضح أسرار...

أمين       لأنني أريد شفاءها

الشيطان   لن ادعك تشفيها!

أمين       لن تستطيع!

الشيطان   أنا الشيطان!

أمين       وأنا الإنسان! لا تحدني حدود ولا تمنعني قيود....

الشيطان   بل أنت تصنع قيودك وبنفسك تصنع الحدود

أمين       لكني مصمم هذه المرة لإزالة كل الم منها

الشيطان   بل الألم هو حياة البشر, لا وجو للبشر بلا آلام, الألم روح الإنسان وكينونته...

أمين       لم كل هذا الحقد على المسكينة؟!

الشيطان   انتقاما!

أمين       انتقاما من ماذا؟

الشيطان   من والدها! لقد حول حياتها إلى كتلة من الجحيم, انتقمت منه بشلها لأكشف قسوته وابرر تخلصها منه, لقد قاست وتحملت فوق  طاقة البشر بسبب أبيها وزوجة أبيها...

أمين       وما ذنب المسكينة بعد كل هذا الألم لتشلها؟!

الشيطان   هذا قدرها, كل إصلاح يؤدي إلى خراب جديد...

أمين       لو كلف ذلك نفسي سأشفيها

الشيطان   أنني خلقت لأخلد الألم! إزالة الألم إزالة لوجودي....

أمين       (مهادنا) اسمع! هل تريد عدم إزعاجك بعد اليوم؟

الشيطان   وليس لي غير ذلك...

أمين       إذن لنعقد رهانا بيننا وكل منا يتنازل للآخر عما يريد...

الشيطان   شرط أن لا تزعجني بالتنويم بعد الآن!

أمين       أنا أحررك من التنويم وأن تحرر الفتاة من الألم....

الشيطان   لفترة أم.....؟

أمين       بل لسبعة أيام, لأسبوع لنر بعدها ما سيكون...

الشيطان   اتفقنا

أمين       لنقسم اليمين (يأتي بشمعة) على هذه الشمعة

الشيطان   اقسم وليكن عهد بيننا

أمين       عد إلى مكانك في اللاوعي ولا تنسى العهد إذن (تتراجع لتسترخي) بعد قليل ستستيقظين وأنت في أتم الراحة, افتحي عينيك الآن! (تجلس على السرير) عظيم أنهضي (تنهض ثم تسير ببطء) أنظروا أنها تسير (يغمر الغرفة الضياء) أنها تطير! أنا براوخلة قاهر الظلام!! (يأتي الجميع) (إظلام وإضاءة, مرور زمن, صوت صراخ)

أمين       (أمين بمواجهة مستورة التي ستأخذ دور الشيطان) لم حنثت بالوعد؟ الم يكن الاتفاق أسبوعا؟ ولم تكمل ثلاثة أيام فتصيبها مرة أخرى وتخون العهد؟!...

الشيطان   اللعنة على كل الوعود!

أمين       قد أقسمت اليمين....

الشيطان   ولن يكون ما تريد. لا استطيع أن أتحمل أكثر من هذا, لقد بدأت أتقرح من الداخل...

أمين       لكنها كانت ستشفى...

الشيطان   بل كأن الانتحار!

أمين       وماذا بعد؟

الشيطان   كل في مكانه! لا صلح بيننا ولا عهود, انتهى كل ما بيننا, وعليك أن تدعها وكفى!

أمين       لكنها خطيئة مقيتة أن تقسو عليها هكذا....

الشيطان   الخطيئة أن تغسل أنت جروحها المقدسة....

أمين       مقدسة؟! وهل هناك جروحا مقدسة؟

الشيطان   قدر الله الألم لبني البشر..

أمين       أي ذنب جنت لتتعذب؟

الشيطان   دعها أنها تتلذذ بعذاباتها...

أمين       هذا تبرير للقسوة والجهل والدناءة!....

الشيطان   قلت لك اتركها وارحل من هنا....

أمين       ارحل؟ مستحيل المستحيلات!

الشيطان   ستندم حين لا ينفع الندم

أمين       (لقد اسقط في يده يتماسك من فرط غضبه, يفكر مع نفسه) يجب علي أن أتكلم مع عقلها الباطن, الشيطان هو عقلها الباطن, رغبة مكبوتة في الاستمرار بالمرض, الأفضل أن أخرجه من عقلها الباطن إلى عقلها الواعي (مع مستورة) حسنا! اخرج الآن أيها الشيطان من عقلها الباطن إلى عقلها الواعي! اخرج من الظلمة إلى النور سأجعلك تعي نفسك (مستورة ترتجف, تتحرك بجنون, تصرخ, تضرب رأسها بالحائط, تبعثر السرير, تهجم عليه, تسقطه أرضا) ستموت هذه المجنونه! مالذي تفعلينه؟ أنك تنتحرين! اهدئي! كفى! (مع نفسه) بل يجب إعادته إلى مكانه في العقل الباطن (مع مستورة) ابقي حيث كنا في البداية, أنني آمرك عد إلى عقلها الباطن (تهدأ)

الشيطان   ارايت؟ كانت حتما ستموت لو وعت إلى نفسها, لأن في وعيها إلى نفسها ستجد هول ما هي عليه من محنة. الأفضل أن تدعها جاهلة بما هي عليه لئلا يصابها الجنون! لا تجعلها تعي إلى نفسها ستقتلها حتما, عليك أن ترضخ لمشيئتها وترحل....

أمين       معقوله؟! أنها لا تريد أن تشفى؟! أهناك أنسأن لا يريد الشفاء من المرض؟! أنا ساجن!

الشيطان   أما وقد اكتشفت ذلك بنفسك...

أمين       هل اتركها مشلولة؟ هل أتخلى عن واجبي كطبيب أو أن أتخلى عن مهنتي؟!

الشيطان   هذا أفضل شيء لك ولها وهذا ما أثبته جميع الأطباء قبلك....

أمين       ها قد عدنا إلى نقطة الصفر وكأن شيئا لم يكن, وذهبت جهود أشهر وسنين هباء... هل فشلت تماما؟ إذن أصبحت حياتي بلا معنى..... لا لن ارضخ إما أنا أو هي! سأشفيها أو أموت! هل تحسبني ارضخ لإرادتك؟ سأجدد المحاولة ثانيا وثالثا ورابعا.....

الشيطان   حاول أن كنت رجلا

أمين       لا مهادنة في قاموسي, إما الحياة أو الموت! (يتخذ وضع المنوم) آمرك أيتها الآلام أن تسكني! آمرك أيتها الآلام أن تخضعي لأناملي! (يتقدم إليها) سيجري دم جديد في عروقك وخلايا خضراء تتفتح في شرايينك... (يمسد جسدها) ستزول الآلام...

الشيطان   (بلهجة المتوثب) ارفع يدك عن الفتاة

أمين       (متجاهلا) سوف يزول الألم... ستتخلل أحرف الأمل قساوة الألم....

الشيطان   لقد حذرتك!

أمين       لا بد للألم من نهاية! سترد عافيتك كل عضو فيك سيعود إلى عمله....

الشيطان   (متوثبا)  سأحطمك! سأمزق أعضاءك!

أمين       ستستردين صحتك....

الشيطان   (صارخة) بل سيبقى الألم المقدس أيها الأحمق! (تهجم عليه تريد خنقه يتصارعان بالأيدي والأظافر والاسنأن) قلت لك لا جدوى ستترك الفتاة والألم والجروح أو ستموت بدلا عنها (تضغط يديها على عنق الطبيب وهو ساقط على حافة السرير لا يستطيع النهوض وهو يرافس)

أمين       كفى! لقد اختنقت, يكفي! أنني أقول لك كفى! كفى أيها الشيطان! إليك عني, عد إلى مكانك ولا شأن لي بك بعد الآن! عد إلى مكمنك في اللاوعي, آمرك بأن تعود!.... (تتركه وتتراجع إلى الخلف, ينهض, يعدل من هندامه وشعره المنفوش, يبدو عليه الخوف والحزن بأقصى صورة) آه لقد انتهيت! كأن الشلل والموت لها أفضل من كل ما جرى لي (يصرخ بأعلى صوته) اااه قلبي (يسقط, إضاءة كاملة, يهرع الجميع فيرون مستورة على السرير وأمين ساقطا على الأرض يتلوى من الألم) أن قلبي يتمزق!

المدير     السرير بسرعة؟ أين العدة؟ ائتوني بالأجهزة!

سعاد      ماذا جرى؟

المدير     بسيطة, صدمة عصبية طارئة, ستزول بعد قليل .....

أمين       إلي بالهاتف...

سعاد       ماذا تريد من الهاتف؟ (تناوله الهاتف)

أمين       الو! مستشفى براوخلة للاستشفاء الروحي؟ نعم! أريد براوخلة الذي يعمل معكم في المستشفى, أريد أن اكلمه في مسألة عودتي ثانية, أريد أن أعود أدراجي واترك كل شيء هنا, ماذا تقول؟! يا الهي! أنتقل إلى مستشفى في بلد آخر؟ يا الهي!!! (يسقط رأسه يائسا) آآآآه (مستورة بنفس حركتها في بداية المسرحية تحاول رفع رأسها فلا تستطيع, تسنده على المخدة يائسة) دكتور؟!!!

- ستار-

  

*  عن مقال في كتاب التداوي بالإيحاء الروحي للدكتور أمين رويحة

 

مونودراما

لكن ليس الآن

إبراهيم كولان

 

 (مقبرة, شواهد منتشرة, بقايا توابيت متكسرة)

الشخص   (يدخل رجل خائف, يقف, ينظر خلفه) أللعنة عليكم جميعا! لن تنالوا مني هذه المرة! فمن منكم يستطيع أن يجتاز حدود الموت.... هنا أقف عند نهاية العالم (للشواهد) مرحبا أيها العالم الجديد! (ينظر إلى ألوراء) وداعا أيتها القذارة! (للشواهد) أيها الراقدون في مساكن الوداعة, فلتهنأوا في مجالسكم, يا من تركتكم هناك جلودكم المزخرفة بالعفن والدناءة والأنانية, لتخلدوا إلى هذا السكون المهيب, لتتركوا متطلبات الجسد وتركنوا إلى مهابة الروح... ها قد نزعتم ثورة الجسد وتنعمتم بثياب الصمت والسلام والخلود... قد قررت أخيرا أن انظم إليكم فهيا انهضوا ليكتمل اللقاء ونسعد بالصحبة معا, اشعر بجذلكم لهذا اللقاء, وفرح أنا أيضا بمسكني الجديد.. فمن ذا الذي لا يتوق إلى يوم يوقف فيه نزيف الأيام الممتد على طول الرصيف (يسحب احد التوابيت, يجلس فيه, ويستلقي على ظهره يجرب مقاساته على جسده فلا يجده مناسبا يتركه ليجرب آخر ثم آخر إلى أن يجد احده مناسبا) انه مريح, مريح جدا (فيستلقي براحة تامة يخرج مسدسا يوجهه إلى صدغه) وداعا!...  لا لن أقول وداعا بل أقول مرحبا في ألعالم الجديد (ينتبه إلى احد الشواهد ثم يقهقه ويرمي مسدسه) هذا بالضبط ما حاولت فعله قبل ثلاث سنوات, لكنني في اللحظة الأخيرة عدلت عن ذلك... لا اعرف لماذا, ربما قد تلبستني في تلك اللحظة (هازئا) ثياب الحكمة... قالها لي شيخ يمتلك كما هائلا من السنين, ويحمل من الحكمة ما تنوء به أكتافه النحيلة... قائلا (يقلد الشيخ) كل الحكمة, واشرب المنطق, ونم على حصير القناعة... (صارخا) لكن المتوحشين زاحموني حتى في مكاني هذا.. يا شيخنا الجليل تصرفت بلباقة الشيوخ وتعاطيت الصبر صباح مساء, لبست الحكمة وسرت في شوارع الفطنة, حذرا انحنيت أمام مطبات الأسواق, وتمهلت عند المنعطفات, قلت للشيخ في السنة التالية ها قد جمعت كل تاريخ البشر, منذ الزمن ألقردي إلى زمن الخنازير, فقذفوه في وجهي كتلة من الوحشية والقسوة, (يقلد الشيخ) هذه هي الحياة يا ولدي فما حيلتنا, هو القدر يا ولدي يتحكم فينا... (بهدوء) قررت هذه المرة أن أواجه القدر, فدخلنا اللعبة معا أنا والقدر, فقلت له لنرم أوراقنا معا لنعرف من الجاني ومن المجني عليه, توجهنا إلى ساحة القضاء هنا (مشيرا إلى المقبرة) وفتحنا معا ملفات التحقيق (يتكلم مع احد الشواهد) ما مت من شيخوخة, ولا على فراش المرض عزيزا مكرما برصاصة في ساحة المعركة (مع شاهد آخر) وأنت هل تذكرين؟. قولي لي كيف كانت النهاية؟ لا لا تخجلي فليس بيننا غريب, ماذا؟ ارفعي صوتك قليلا! ها, غسلا للعار! شكرا (مع شاهد آخر) وأنت (يضحك) مشكلة كبيرة أثارتها دجاجة صغيرة فهوى الفأس على راسك (يجلس عند احد الشواهد) نم قرير العين لا نامت عينا أمك, هل تذكر؟ وكيف لسنواتك الغضة أن تتذكر كل ما حدث... حينها صرخت رعونة عجلات السيارة فرسم جسدك الغض جريمة فوق إسفلت الشارع بلحضة فزع مريعة... (إلى الشواهد جميعا) وأنت؟ وأنت؟ وأنت؟ هل تذكروا جميعا ما قد حصل لكم قبل مجيئكم إلى هنا؟! فليذكر كل واحد مأساته الأخيرة... إن كان احد منكم له قدر من الشجاعة, فلينهض أو فلتنهضوا جميعا... ولكن لا, لا أريد أن اقلق راحتكم, وهنيئا لكم نومكم... أنا سأجيب عنكم, الإنسان أم القدر؟ ايهما الجاني وايهما المجني عليه؟ لم نرى الشيخوخة تمشي هنا, ولا زارنا طيف المرض, بل كان حادثا, رعونة, مكيدة, جهل, غباء, كسل, استهتار, جريمة... كل هذا لا يحرك ساكنا عند فقهاء اللغة, ويسجل ضد مجهول في سجلات الشرطة, أو يموت تحت ملفات القضاء لعدم ثبوت الأدلة, أو قد لا يبعث على اليأس في صوامع الرهبان.... لكنه يفتح في قلبي جرحا آخر, وخثرة دموية أخرى تنصب في شراييني (وقفة) يرحمه الله مات من مرض.... رحمه الله كان محبوبا من الجميع... يرحمه الله... وكفى... يغطون وجهه بكل هدوء, ويدحرجونه أسفل الحفرة.... أية نعمة تمتلكين أيتها البلادة!... أية قوة تمتلك أيها الغباء!... لقد سقط ابني ذات مرة وجرح إصبعه, إن هذا لا يكلف الآباء غير قطعة من الشاش, وقليلا من المكركروم, لكنه هذا الأبله الذي في رأسي, يظل يمزقني لأيام بلياليها... يا سيدي الغباء, كم اشتاق أن أغفو بين أحضانك ليلة نوم هانئة, بل لساعة واحدة....

          في كل ليلة حين ننام نشعر بخفة أجسادنا, وراحة شفيفة تحضننا, فلم لا نطيل هذا النوم مسافة أكثر, ليستمر هجوعا إلى الأبد (للشواهد) هل تشعرون بقلق؟ هل يطرق باب داركم احد؟ ها هو هناك, انه يجول بين المنعطفات والتلال والوديان حتى يلتقي بمعارفه, فيحييهم واحدا واحدا, ويبسط يديه إليهم, فيذوبون بين أحضانه... هو كالنسر يعلو ويجول وينظر إلى الأسفل, حتى يرى فريسته فيهبط إليها ملتقطا إياها, وطائرا بها, بلا لحظة وداع... إننا مسافرون في قطار ينتقل من محطة إلى أخرى وهدفنا المحطة الأخيرة, فلم لا نختصر كل هذه المحطات, ونختصر المسافات إلى المحطة الأخيرة... ثم أي سر غريب يمتلك هذا الجبار, انه لا ينسى أحدا, من أتفه عبد إلى أعتى فرعون.... ثم لم نجعله يفاجئنا؟!.... نتوسل إليه, سيدي! ما زال أمامي وترا اعزفه للمرة الأخيرة, طراوة لم يأت دورها, كلمة ندية نسيتها معي, أتمهلني يا سيدي لأسلم أمنية في داخلي لأصحابها؟ لكنه يمسح بيده الرشيقة عجرفة الملوك وابتسامات الصبيان, يخطف ما يريد ويبرح المكان هادئا كما جاء.... لكننا نخاف, هذا الخوف يجعلنا نخضع للرذيلة وأبناء الدناءة... لم ندع موت الفجأة يداهمنا؟ أليس بالأمكان أن انهي وصيتي وازرع آخر شتلة بيدي, وأودع أصدقائي, واختار اللحظة المناسبة لان اسند راسي ثم أطفيء المصباح؟! لماذا لا نتفاهم معه ونواجهه بالشجاعة ونختار موقع وزمن المبارزة ونوع السلاح؟ هل تخافون الموت؟ انه نوم طويل, اليس النوم لذيذ بعد نهار شاق؟ لكن ما الضير في أن يطول قليلا عندها فقط يسمونه الموت (حين صبوا على القبر ماء الوداع الأخير فكرت, لعبة الموت مضحكة وراحت تقارن ما بين موتها والسرير)* هذا الغول البشع الطافح بالألم نتشبث به تشبث ألطفل بثدي أمه, انه يضعنا بين فكين لا خلاص منهما, الذل أو الخنوع!...

          (يتلفت حوله) ها قد غابت الشمس ولف الظلام كل عين فلأتجه اختبئ بين أحضانه (يتحرك مستعدا بالمسير نحو التابوت, فيلتقط المسدس, يسمع صوت اطلاقة فيسقط ميتا) آه!... ولكن ليس الآن!...

 

النهاية

* يوسف الصائغ

 

الأبوة

أخذت تنشج بشهقات الموت.. لقد فقدت الشعور بالإحساس, فعندما شددتها من شعرها لم تستفق ولم تعد تحس بكفي المنطبقة على كتفها.. صرخت في وجهها من بين الدموع..

-      يكفي هذا!!

أخذت تندب وتتقيأ عبرات الكلمات من بين فكيها مريرة ملتاعة.. واتجهت تجمع ثيابها بدون وعي..

-      إلى أين؟!

- لن أبقى هنا حتى يذبحني!!

أمسكت بيدها بقوة, أوقفتها, وشفتاي ترتجفان هلعا..

-      لم فعلت هذا أيتها الغبية؟!

-      الكلب الحقير!!

-      لقد وعدك بالزواج!! المجرم! لن يفلت من وجه العدالة...

-      لقد هرب!!

وقفت أمامها وأنا الطم وجهي, فدفعتني واتجهت نحو الباب..

-      حطمت شرفه ولن يغفر لي!!

-      لكنه بمثابة أبيك..

-      ولهذا سيقتلني بدم بارد! فلن يكون له حنان الأب, دعيني اخرج!...

أمسكت مقبض الباب بكل قوتي سحبتها من ثيابها وهي تقاوم بشراسة المستميت, فما عساي اصنع حين يأتي...

وفجأة, وجها لوجه مع زوجي.. يا للكارثة!!

..................

وقفت أمام الباب انظر عينيها وهي تستعطفان الحياة, منسحقة النفس تأمل الموت خلاصا من الفضيحة, وأمها تنظر إلي نظرات غريق يستنجد..

................

كانت في الثانية من عمرها حين مات أبوها, وكانت أمها في غاية الجمال, لا اعرف كيف حضي هذا المتوحش بهذا الملاك.. حتى إنني كنت احسده عليها, وأنا الذي كنت أتلهف في أن احضى بنظرة من عينيها, لأتذوق هذا الجمال الشرس. ولكن تداعت الأيام لترتب هذا الحلم, تزوجتها ارملة والفتاة الصغيرة لم تكمل الثالثة, أحببت الصغيرة من كل قلبي, ألاعبها, أدللها اقبلها وهي في أحضاني, فأحبتني أكثر من أبيها الحقيقي, لما رأته مني من حنان الأبوة التي افقدها إياها أباها الجلف, ولكن يظهر بان القدر كان لي بالمرصاد هذه المرة.. أي عاصفة حمقاء تريد أن تعكر صفو الحياة في أبهج لحظاتها, ثم لم يقف القدر على قدم عرجاء؟. هي ليست من صلبي فلم أتحمل المأساة الآن؟.. إنني لا اشعر بالذنب او التقصير, فانا لم أربيها في السنوات الأولى, وهي أيضا لم تأخذ قسط التربية الكافي في طفولتها.. ولكن هل من تبريرات تخفف وقع الكارثة؟. أو يعفيني من المسؤولية؟.. أية قوة من بلازما العقل تقف امام العاطفة؟ أية كتلة من سمو النفس يجب ان تقف امام الكبرياء؟. وها هي امها تنظر إلي وتنتظر لما تنبس شفتاي من أمر.. والفتاة وهي تنشج بتشنجات ملتاعة.. انهما تنتظران حكمي.. أما تعض شفتيها ندما ومهانة وانسحاق.. وابنة تتمنى الموت خلاصا... دمعت عيناي بحجم الورطة المهينة والقاسية, وتمتمت بكلمات فارغة لم أحس بوقعها.. وكأنها تخرج من حنجرة أخرى!!

-      لن تخرج الفتاة من البيت حتى نتلافى الفضيحة وبعدها سنرى....

بدهشة مفاجئة, ودموع فرح احتضنتني أمها بقوة من بين الدموع...

حمدا لله انك أنت أباها الآن!!..

>>>>>><<<<<<

مسرحية

 

رثاء أور

 

المشهد الأول

 

            (موسيقى درامية تفتح الستارة عن مدينة أور, حركة دائبة, شابان قويا العضل يدفعان عجلة درس الحبوب بطريقة إدخال النير في الثقب الوسطي وربطه بالحبال ووضع نهايات النير على كاهلهما, اثنان ينقلان أكياس الحنطة على ظهريهما ويركنانها في زاوية, آخر يرمي شباك الصيد)

أصوات     (من خلف الكواليس) أيتها المدينة الجليلة.... أيتها المدينة ذات الأسوار العالية... انليل فوق معابد نيبور....

            (الشابان يلعبان بالهراوة بفنية ويستخدمانها كرياضة الزورخانة, ثم يستخدما جسديهما بحركات رياضية, ثم يتصارعان, حركة صعود وهبوط على السلالم)

أصوات     (من خلف الكواليس) البلاد شيدت منذ زمن قديم.... وعبد الشعب يا نانار دروبك بالقرابين.... الإله نيكال في معبد اينو سيد مدينة كنيرشاك فوق الأسوار....

            (عجلة ناعور يدفعها رجل رث أهبل يرصفها في زاوية, تدخل امرأة تركض خلف ولدها الصغير فتعيده إليها وتعود, صبيان يركضان خلف بعضهما, آخران يلعبان لعبة جر الحبل, في الزاوية يجري بناء السور, يدخل مجنون يركب العصى, ثم يلتحق بالمرأة التي تبني السور ليساعدها, احدهم يعرض حبال وجلود للبيع وأدوات الحصاد والبذار في السوق للبيع, تقاطع مسير الناس في السوق, آخر يصنع آلة لدرس الحبوب, السماكون والصيادون ينادون على بضائعهم)

السماك     والسماكون طفحت أنهارهم بالخير....

الصياد      والصيادون بالصيد الوفير.... ومياه أنهارك عامرة بمواكب السفن تروي حقول الزئبق والأقحوان.... (اثنان يدحرجان صخرة كبيرة, يتكلم الأخرس مع الأعمى بالإشارات... عازفين, مصفقين بالكف والإصبع)

الفلاح      حقولك تنتج القمح.... وحدائقك عامرة بالعسل والخمر.... وجنائنك طافحة باللذائذ....

الجوقة     (على أصوات الصنوج) أور الجليلة.... إن نظرتها تعيد الأمل في قلوب الجموع.... ويشفى شعاعها الأمل المرير.... وتحيا أزلية في القلوب.... 

المرأة

الأولى      (غناء بمصاحبة الناي والقيثارة) أيتها المدينة التي تتألق بالبهاء....

الثانية      (تنثر الرياحين) ضمخ الطيب الشعب ذي الرؤوس السوداء.... الذي يكن لك عميق الحب والاحترام.... معبدك ينعم بالرفاه.... أور المقدسة زاخرة بالأفراح تنعم بالضياء....

الأولى      شعبك ذوو الرؤوس السوداء ينعم بالخيرات أما أغانيك فهي طروبة تصدح في الآفاق....

            (أصوات السوق, أصوات مطارق, صراخ, طبل, ثغاء ماعز وخراف, نباح)

الثانية      والسيد الأعظم جذل لم يغادر الأسوار.... أور مدينة تشع بالضياء.... عامرة الأرجاء.... معبدها شامخ البناء....

الجوقة     أغنامك في حضائرها.... ويتنعم أهلها باللحم والأصواف.... وعمال الحضائر يقدمون العطاء.... والرعاة يجلبون رضائع الأغنام ....

الصبي      (يدخل ضاربا بالدف) شعبك ذوو الرؤوس السوداء ينعم بالخيرات.... أما أغانيك فهي طروبة تصدح في الآفاق....

            (مارش دخول الملك والملكة محمولان على محفتين على شكل كرسيين, ويظهران كتمثالين من الشمع ملتصقين بالكرسيين, يدخل معهم الحاشية بالثياب الزاهية وهم حاملي الصولجانات, حيث تظهر أيضا ملتصقة بأيديهم ومعهم حاملي الرايات وقد غرزت الرايات في ظهورهم وكان الصولجانات والرايات قطعة من أجسادهم لا تنتزع, والجميع يتحركون كالآلات)

الجوقة     (من أهل المدينة)   آه يا نانار العظيم.... مدينتك شيدت شامخة تلهج لك خاشعة بثناء الشكر والمديح....

رجل        (من العامة) أور مدينة تشع بالضياء.... عامرة الأرجاء.... معبدها شامخ البناء....

آخر        شعبك ذو الرؤوس السوداء لم يغسل الأدران كقيعان الأواني السوداء.... بل هو ينعم بالبريق والجمال ....(يتوزعون على الساحة بين العامة... ... ثم تجمد حركة الجميع كتماثيل في ساحة المدينة لفترة... ... بعدها يرفع حاشية الملك أياديهم عاليا بالسياط, فيخفض الناس رؤوسهم خوفا... ... يظلون جامدين لفترة حركات... أهل المدينة تشير إلى إنهم... ... في حين تسمع ضحكات هستيرية من خلف الكواليس)

ص امرأة   (بصوت مخنوق) سيدتي ستقيمين هنا كما يحلو لك المقام... ...

ص أخرى  (بصوت مخنوق) آه يا ننكال ستقيم هنا كما يحلو لك المقام...

ص رجل   (بصوت مخنوق) هذا هو معبدك فانعم بظليل الأرجاء...

            (ضربة موسيقية, يتصاعد فحيح الريح بالتدريج, موسيقى منذرة, صوت عاصفة تقترب)

الجوقة     (من خلف الكواليس) والعاصفة تزمجر عاتبة في المدارات.... والعاصفة تزمجر عاتبة في المدارات....

 

العرافة     (تركض بين الجميع بحركات حذرة وتحذير وهي تنثر الحصى والرمل والدخان على الجوقة وهي تردد) العاصفة تزمجر عاتبة في المدارات.... العاصفة تزمجر عاتبة في المدارات....

أصوات     (في أرجاء المكان) والعاصفة تزمجر عاتبة في المدارات.... (أصوات طبول تقترب, رعد وبرق وعصف ريح, الملك والملكة والحاشية يجفلون, يتجمدون, يتلفتون خائفين, يتراجعون)

الجوقة     والعاصفة تزمجر عاتبة في المدارات....

آخر        انليل من معابد نيبور المقدسة توارى (تنقسم الحاشية إلى فريقين, حركات إيمائية بالقتال فيما بينهم) واستحالت ضيعاتك فيما بينها أعداء.... تراكم الحزن على المدينة...

الجوقة     والعاصفة تزمجر عاتبة في المدارات (تتفرق الحاشية بخوف مع اقتراب صوت العاصفة)

المرأة      العاصفة تجثم في تخوم المعاقل تصخب هادرة في المدارات... ... البقرة التي تحس العاصفة هجرت حضيرتها ومنازل النبلاء مبعثرة في العراء (حركات تشير انفصالهم عن الملك والملكة)

الجوقة     والعاصفة تزمجر عاتبة في المدارات... ... (الحاشية تتنحى جانبا لينصرفوا من جهة اليسار خائفين.... تهرب الحاشية وفي مقدمتهم الملك والملكة, ولم يبق في الساحة إلا أهل المدينة)

الملكة      (وهي تهرب) تبعثرت حلي ومجوهراتي الثمينة... ...  آه يا قومي جهلة لا يعرفون نادر المعادن...

الملك       (وهو يهرب) أور فقدت الوجود وأضعت فيها سطوتي... ...  ضاعت مني سلطتي... ...  

اثنان       توارى الإله سن وراء معبد اكشنوكال والعاصفة تزمجر عاتبة في المدارات... ...  توارى زوجه الإله نيكال خلف الأسوار توارت...

امرأة       زوجه انليل خلف الأسوار توارت...

أول        (يحاور الثاني) الإله نيكال من معبد اينو نكرك توارى

الثاني       (مع الأول) سيد مدينة كنير شاك خلف الأسوار توارى

الثالث       (للاثنين) تموز خلف معبد كنيرشاك توارى... ...  وسيد مدينة كوابي توارى....

الثاني       (أصوات خائفة ومتشبثة وحزينة) الثور الوحشي خلف حضائره وأسواره توارى... ... والعاصفة تزمجر عاتبة في المدارات... ... 

صبي       توارى الإله... ...  عن أسوار معبدها كيور توارت... ...  نانار الأوري خلف الأسوار... ... 

الرجل      الذين القوا بفئوس القتال بعيدا أصبحوا كخرقة بالية... هربوا مثل غزال مصاب الساق... ...  الذين القوا بأسلحتهم جانبا لم ينالوا الرحمة ولا الطعام.... وقبل تجرع الثمالة سقطوا صرعى على الأرض... ... ضحايا السلاح هم الموتى العزل... ...  أما الرجال الأحياء فوقفوا بصمود شامخ ضد هدير العواصف الهوجاء... ...

الصبية     مدينتك تنتظر كأم حنون عودة ملكة التخوم... ...  أور تبحث في الأرجاء كطفل هائم يبحث عن أمه الحنون... ...

المرأة      (حركات تقاطع, مسير, دخول وخروج مقلق, حوارات متشنجة وخائفة) هربت سيدة المدينة مثل طائر أفاق... ... ننكال هربت من المدينة كطائر أفاق... ...  أشاحت الأم بوجهها عن الأطفال... ...  هرب الآباء عن الأبناء... ...  

آخر        معبدك يمد يديه إليك كلهفة رجل يحتضر... ...  أسوار المعبد تنادي أين أنت... ...  

امرأة       أين أنت سيدتي... ...  لقد شردت عن البيت والمعبد... ...  إلام الوقوف خارج الأسوار كعدو... ...  هل لا تواجهين المدينة كعدو حقود... ...  

أخرى      سيدتي لقد احبك شعبك هل تعتزمين الرحيل عن المدينة....

الجوقة     سيد البلدان عن معاقله وخلف أسواره توارى... ...   والعاصفة تزمجر عاتبة في المدارات.....

أصوات     العاصفة الشريرة تزمجر في السماء... ... تهدر في الفضاء... العاصفة الشريرة طردت رياح سومر الطيبة... ...  طردت روح البلاد... ... الرياح الشريرة لا يمكن صدها كموج عات... تهجم على سفينة المدينة لتدفع بها ممزقة بلا قرار... ...

            (دربكة خيول وطبول الحرب ... دربكة أحذية ثقيلة, يدخل الغزاة من اليمين صخب وطبول وصنوج وفوضى وضربات موسيقية, يجمد أهل المدينة, حركات تشير إلى الصراع والقتال, يتوزع الغزاة على احد من أهل المدينة...  مدججين بالرماح والنبال والسيوف وآلات القتال ولا يظهر من أجسادهم إلا السلاح وقد غطتها الصولجانات.... صهيل الخيل, يقاتل الصياد بشبكته فيربطونه بها ويجندلونه, صاحب الطبلة يقاتل بطبلته فيضربونها على رأسه, المجنون يأخذ السلم ويقاتل به فتندفع الشلة عليه ويجندلونه, يقلبون العجلة على الرجل الشيخ فيموت, بسياط يجلدون عجوزا, صبي يلتصق بالحائط ويضربونه حد الموت, أهبل رث يدفع العجلة يحتمي بها ثم يجندل تحتها, اخرس يحتمي بعجلة الناعور ويقتل تحتها, يسحق أهل المدينة من الحثالات سحقا)

الأعمى     صرخ انليل بالعاصفة آمرا... ...  أعطى لها صلاحية الدمار الرهيب... ...  العاصفة الشريرة نادت على الرياح المدمرة حملت بيدها المخطط الرهيب... ... يعصف في عواء الريح..... في أتونها اكتشفت الصراع والكفاح... ...   

الثمل       (يندفع بجسده ويخرقه سهم, قبل أن يسقط) لا ولن اسلم بلدي إلى الطغاة... ...

آخر        واأسفآه الهزال يهدني في مقارعة هبوب الرياح.... قلت لهم مدينتي لن يمسها الخراب, ولن يمسها الدمار... ...  شعبي لن تقهره الرياح... ..., لا قوة تسلبني إرادة النضال شردت من بلدي لكني ارفض التحلل... ...

             

امرأة       (يأخذون الطفل من المرأة فتقاتلهم بأظافرها وأسنانها ويجندلونها) شردني عويل العاصفة.... أنا التي يؤجج داخلي إعصار الرياح... ... الريح تعصف بوجهي طوال النهار... ... وفي الصحراء صرخت بها غضبى إلى الوراء أيتها العاصفة إلى الوراء... ...( اخرس يحمل عصا فيهجم فتسقطه الحراب.... مجنون يقاتل بالسلم فيسقطونه عليه, أعرج وكسيح يقاتلون بأيديهم فيقتلون, يدخل صاحبا الراية والصولجان ينظران بخوف, فيهربان من أمام الغزاة, سحل, ضرب, عري, ربط, قتل..... أنها حرب مجانين, يسقط أهل المدينة جميعهم صرعى)

أصوات     (تصدر خلال المعركة من خلف الكواليس) أواه يا معبدي, أواه يا أور أواه يا مدينتي الغنية...

 

            (تنفرج الساحة عن قتلى وجرحى مطروحين يئنون, جياع وعطاش وعرايا, يقضمون لحاء الشجر من الجوع عن مجانين يزحفون في كل الزوايا, جريح, أنين, كسير, متوحشين بهيئاتهم القذرة, ناي حزين, , تبكي المرأة على طفلها  صبيان يركبون العصا, يتحاور الأخرس والأعمى تحت كعوب الغزاة, يلعب الأطفال تحت كعوب الغزاة, عريان يقاوم البرد ينامون في البرد والمطر والعواصف والعواء والأنين)

الرجل

الأهبل      من اجل شربة ماء لكن انو لم يوقف الأخطار... ... ولم يستطيع انليل وآلهته أن يشفوا قلبي من الحزن المرير... ...

رجل        أواه أيتها المدينة.... .... أواه يا أسوار أور احزني وأهمري الدمع الغزير آه أيتها المدينة التي حملت اسم إلهها وانتزعت معه من الأرض...

امرأة       (تندب وهي تعزف الناي) ارثي نفسك مر الرثاء وأهمري الدمع بالبكاء.... مرير على خرائب المدن البكاء.... مرير على أور الدمار.... بكاؤك مرير.... الام يرثيك سيدك الحزين بمر البكاء.... الام يبكيك نانار الحزين عظيم البكاء .... أواه يا مدينتي أنت نعجة حزينة سلب حملها.... أواه يا أور الجليلة أنت نعجة انتزعوا جنينها من الأحشاء....

ص الجوقة (من خلف الكواليس) أواه أيتها المدينة تلك أسوارك التي حمتك طويلا ورفعت إلهك ها هي تنتزع من الأرض.... أواه أيتها المدينة تهاوت مقدساتك المتلألئة.... بكاؤك مرير الام يبكيك سيدك المفجوع أمر البكاء.... الام يبكيك نانار الحزين عظيم البكاء.... اليم البكاء ضارب على خرائب المدن.... فاجع البكاء ضارب على أور الدمار.... الخراب من نانار اغتصبت الأرض وعصف بأور الرثاء.... وسيدة المدن الشرعية ترثي أور الحبيبة.... الآلهة ننكال مضطربة البال.... ها هي ننكال تقترب من المدينة تبكيها مر البكاء.... وعند سيد المعبد الخرب تدفق نواحها المرير.... تبكي معبد مدينة الدمار....

الأولى      (امرأتان متقابلتان تندبان) شردني عويل العاصفة أنا التي يؤجج داخلي إعصار الرياح, الريح تعصف بوجهي طوال النهار,ارتجف خوفا مشلولة في قبضة الأيام....

الثانية      السيدة تضع آلة النواح الناي على الأرض وتأخذ في الصراخ.... عاصفة البؤس هذه حملت أسيادي الأحزان... ... يعصف في عواء الريح... ..., ارتعب خوفا من وحشة الليل... ...  مشلولة في قبضة الريح... ... الرياح طرحتني بعيدا في ليل المعسكرات فاقدة الحياة وفي اتونها اكتشفت الصراع الكفاح...

الأولى      قوى تسلبني إرادة النضال شردت من بلدي لكنني ارفض الانحلال الفقر والبؤس اجتاحا بلدي كطاعون وأنا أجهد كبقرة ترضع وليدها خلف الأسوار لا ولن اسلمن بلدي إلى الطغاة

الرجل      الفقر والبؤس اجتاحا وطني كطاعون... ...  وأنا كطائر فوق مدينتي يخفق في السماء... ...  وفي الصحراء صرخت بها غضبى... ...  إلى الوراء أيتها العاصفة إلى الوراء... ...  وا أسفاه... ...  الهزال يهدني في مقارعة هبوب الرياح... ...  أنا امرأة سيدها راعي معبد اينو المقدس الذي لم يعمر طويلا في الحكم... ...

الأعرج     (وهو يعرج عابرا من اليسار إلى اليمين) أغرقوني مع معبدي ومدينتي بالدموع والرثاء... ...  أين أنت... ...  أواه أيها الشعب ذو الرؤوس السوداء لقد قرعوك باحتفالات طافحة بالحزن والغضب... ...  أواه أيتها العاصفة الشريرة أنت تحرمينني من رؤية معبدي الشرعي الخرب... ...  وأججت في داخلي مرارة النوح... ... معبدي الشرعي الذي شاده السيد تهاوى... ...  نوكال بيتي الحقيقي بيتي الملكي غرق بالحزن والدمع... ...  استحال خرابا ورمادا وإعادة تشييده أمر عسير... ...  هكذا القدر أرغمني في هذا المصير... ...  

الكسيح     معبدي دفعته العواصف في برزخ قفر ككوخ هشيم تنهشه عواصف المطر... ...  أواه يا معبدي... ...  أواه يا أور يا مدينتي الغنية... ... أور ملكي رحابها تغرق... ...  نهبوا غلالها واكتسحت كحضيرة راع رميمة... ...

            (في الساحة حثالات الناس, صم بكم عري عرج, مجنون يصارع, كسيح يهاجم بقبضته, اثنان من الغزاة يتقدم إليهم أعرج ببلطة كبيرة فيقتلونه آما الآخر فيهرب يدخل من اليسار صيادا بشباكه وفلاحا بمنجله فيقتلون.... معركة مجانين ومعتوهين, اخرس يركض خلف مجنون, والمجنون يركب العصا وهم يقهقه, وأهبل يضرب الطبلة فرحا ورقصا, , أهل المدينة من الحثالات, مجانين كسيحين مكفوفين شحاذين, قتال من جديد, جنون المجانين... رقصات وحركات متشنجة)

صوت      (من خلف الكواليس) وخبا نور الشمس الغارب في اليوم السعيد... ...  لكنها لم تستطع إطفاء... ...  وميضها السرمدي يعلو شامخا كالسديم... ...  والليل بدد بيديه جهير الريح لكن الريح الجنونية مسخت البشر ذرى متناثرة... ... مدينتي لن يمسها الدمار... ...  

مجنون     (يركب على عصا فيقاتل بها) شعبي لن تقهره الرياح لكن انو لم يوقف الإعصار....

عجوز      (يقتل فيموت ثم ينهض من الموت) الشعب عند الأفق يجمع شتاته وأمام العاصفة يتناثر كالنيران... ...  والليل بدد بيديه جهير الريح لكن الريح الجنونية مسخت البشر ذرى متناثرة الريح تعصف بالشعب ذو الرؤوس السوداء وعلى سومر يهجمون بالعصي الغليظة حجزوا الشعب داخل الأسوار الشاهقة... ... (صبي يقتل, يموت, فينهض, يدخل بعض حاملي الصولجانات والرايات فيهربون خائفين من المواجهة)

ثمل        (بيده زجاجة الخمر يقاتل بها) في زاوية العاصفة البغيضة تهدر في الفضاء ... ...  العاصفة الشريرة طردت رياح سومر الطيبة طردت روح البلاد... ...  العاصفة الشريرة لا يطردها الرجاء...       (مجنون يركض خلف أهبل فيطرحه أرضا ويأخذ الحبل منه عنوة وهو يرقص, أبله يفتش بين الجرحى عن شيء, كسيح يزحف باحثا عن طعام, امرأة خلف ولدها لا تبالي بالضربات عليها)

الجوقة     ولم يستطع انليل وآلهته أن يشفوا قبلي من الحزن المرير وصدر للعواصف... ...   أمر الهي أوامر قاطعة لتهديم مدينتي أوامر قاطعة لتخريب أور ... ...  أوامر قاطعة لقتل شعبها الكبير... الرياح الشريرة لا يمكن صدها كموج عات تهجم سفينة المدينة انقضوا عليه يلتهمونه... ...   

            (الكل يقتلون يهجم المجانين بالفؤوس والمطارق والمناجل شحاذ جائع يدور في الساحة  مجنون يضرب بطبلة, الحثالات ترقص وهي تموت, لم يعد للغزاة حيلة فالقتل لا يميتهم, إلى أن يهرب الغزاة)

            (تنفرج الساحة عن خلفية عجلة كبيرة تدور تنكشف شيئا فشيئا عن الشمس خلفها ومدينة ذات أسوار في خلفية الصورة واثنين من الشباب الأبطال متقابلين في صدر المسرح في الوسط وأمامهما سندان يصل إلى منتصف ارتفاع قامتيهما وقد حمل كل منهما مطرقته بكلتا يديه متهيئا للضربة, وبقعة الضوء المتسلطة عليهما تعكس ضليهما على الخلفية, يبدأ احدهما برفع المطرقة عاليا ويسقطها فوق السندان, وحين ترتفع يبدأ الثاني ينهال بالمطرقة على السندان, وتستمر الضربات, بصورة رتيبة بطيئة بداية مع صدوح الموسيقى المناسبة, وتتوالى الضربات المتوالية بنسق وانسجام موسيقى متسارعة في الحركة مع تسارع الإيقاع, ثم تتدرج بالتسارع إلى يسرع الإيقاع بالضربات والموسيقى ويبلغ أشده, فتشرق الشمس من خلفية المشهد, أناس يأتون بالعجلات والنواعير امرأة تبني السور وأخرى تدرس الطين وحمل الأكياس كما في المشهد الأول ومن خلالها تتصاعد الألحان بأصوات من خلل المشهد)

أصوات     (تتخلل المشهد) آه أيتها العاصفة البغيضة لقد دحرك شعب البلاد..... عواصف السماء الهائلة زمجرت في ضروب الزمان وزرعت الألم في أرجاء البلاد, دحرها شعب البلاد.....  العواصف التي هدت المعابد والمدن دحرها شعب البلاد.....  العواصف دمرت شاهق الأسوار وأطلقت عباب المياه دحرها شعب البلاد.....  العواصف التي نهبت القوت والغلال دحرها شعب البلاد.....  العواصف التي شردت الشعب ذو الرؤوس السوداء دحرها شعب البلاد.....  العواصف التي تجهل قدسية الأمهات ومكانة الآباء ورابطة الأزواج وبراءة الأطفال  وحنان الأخوة والأخوات تجهل بؤس الفقراء وسمو العقلاء دحرها شعب البلاد.....  العواصف التي اجتثت الأطفال والأحياء دحرها شعب البلاد.....  العواصف التي زرعت بغيض الأفعال فجرت العنف في البلاد دحرها الشعب.....  أيها الرب, أيها الملك العظيم, يا من تحمل أقدار المدن, ها انذا أتحرر  طليقة من مرارة الحزن.....  

            ِآه يا مدينتي التي هدها الطوفان لكنها الآن تشع بالضياء.....  كانت غريبة أما الآن فهي عامرة الأرجاء..... هذا هو معبدك الذي اغرق بالدموع أما الآن فانه ينعم بضليل الأرجاء.....  مدينتي كانت غريبة واليوم تتألق بالبهاء.....  كانت ركاما وانتم مشردون في البراري والقفار أما الآن فانعموا بالراحة والاستقرار.....  معبدك الذي شيد من الحجارة شاهقا.....  جموع الشعب بحاجة إليه فامزحوا راقصين باحتفال.....          (يدخل رجال البلاط من جديد ولكن مشاة يختلطون بباقي الناس) لست بحاجة إلى مذبحة  كالتي وقع فيها شعب الرؤوس السوداء.....  لم تعودي بحاجة إلى المذبحة الشنعاء نضبت على الأرض الدموع والتوسلات.....   الأرض أنجزت الوعد وأخرست الأنين على الأفواه, مدينتك كانت أنقاضا والآن تتألق بالبهاء..... معبدك كان هشيما أما الآن فانه ينعم بالرفاه....

  

النهاية

 

 

*          الحوارات مأخوذة نصا من مرثية أور التي اكتشفها وترجمها إلى اللغة الألمانية مجموعة من الاثاريين الألمان وقام بترجمة النص إلى العربية الدكتور عوني كرومي....

 

 >>>>>><<<<<<

مونودراما

لكن ليس الآن

  (مقبرة, شواهد منتشرة, بقايا توابيت متكسرة)

الشخص   (يدخل رجل خائف, يقف, ينظر خلفه) أللعنة عليكم جميعا! لن تنالوا مني هذه المرة! فمن منكم يستطيع أن يجتاز حدود الموت.... هنا أقف عند نهاية العالم (للشواهد) مرحبا أيها العالم الجديد! (ينظر إلى ألوراء) وداعا أيتها القذارة! (للشواهد) أيها الراقدون في مساكن الوداعة, فلتهنأوا في مجالسكم, يا من تركتكم هناك جلودكم المزخرفة بالعفن والدناءة والأنانية, لتخلدوا إلى هذا السكون المهيب, لتتركوا متطلبات الجسد وتركنوا إلى مهابة الروح... ها قد نزعتم ثورة الجسد وتنعمتم بثياب الصمت والسلام والخلود... قد قررت أخيرا أن انظم إليكم فهيا انهضوا ليكتمل اللقاء ونسعد بالصحبة معا, اشعر بجذلكم لهذا اللقاء, وفرح أنا أيضا بمسكني الجديد.. فمن ذا الذي لا يتوق إلى يوم يوقف فيه نزيف الأيام الممتد على طول الرصيف (يسحب احد التوابيت, يجلس فيه, ويستلقي على ظهره يجرب مقاساته على جسده فلا يجده مناسبا يتركه ليجرب آخر ثم آخر إلى أن يجد احده مناسبا) انه مريح, مريح جدا (فيستلقي براحة تامة يخرج مسدسا يوجهه إلى صدغه) وداعا!...  لا لن أقول وداعا بل أقول مرحبا في ألعالم الجديد (ينتبه إلى احد الشواهد ثم يقهقه ويرمي مسدسه) هذا بالضبط ما حاولت فعله قبل ثلاث سنوات, لكنني في اللحظة الأخيرة عدلت عن ذلك... لا اعرف لماذا, ربما قد تلبستني في تلك اللحظة (هازئا) ثياب الحكمة... قالها لي شيخ يمتلك كما هائلا من السنين, ويحمل من الحكمة ما تنوء به أكتافه النحيلة... قائلا (يقلد الشيخ) كل الحكمة, واشرب المنطق, ونم على حصير القناعة... (صارخا) لكن المتوحشين زاحموني حتى في مكاني هذا.. يا شيخنا الجليل تصرفت بلباقة الشيوخ وتعاطيت الصبر صباح مساء, لبست الحكمة وسرت في شوارع الفطنة, حذرا انحنيت أمام مطبات الأسواق, وتمهلت عند المنعطفات, قلت للشيخ في السنة التالية ها قد جمعت كل تاريخ البشر, منذ الزمن ألقردي إلى زمن الخنازير, فقذفوه في وجهي كتلة من الوحشية والقسوة, (يقلد الشيخ) هذه هي الحياة يا ولدي فما حيلتنا, هو القدر يا ولدي يتحكم فينا... (بهدوء) قررت هذه المرة أن أواجه القدر, فدخلنا اللعبة معا أنا والقدر, فقلت له لنرم أوراقنا معا لنعرف من الجاني ومن المجني عليه, توجهنا إلى ساحة القضاء هنا (مشيرا إلى المقبرة) وفتحنا معا ملفات التحقيق (يتكلم مع احد الشواهد) ما مت من شيخوخة, ولا على فراش المرض عزيزا مكرما برصاصة في ساحة المعركة (مع شاهد آخر) وأنت هل تذكرين؟. قولي لي كيف كانت النهاية؟ لا لا تخجلي فليس بيننا غريب, ماذا؟ ارفعي صوتك قليلا! ها, غسلا للعار! شكرا (مع شاهد آخر) وأنت (يضحك) مشكلة كبيرة أثارتها دجاجة صغيرة فهوى الفأس على راسك (يجلس عند احد الشواهد) نم قرير العين لا نامت عينا أمك, هل تذكر؟ وكيف لسنواتك الغضة أن تتذكر كل ما حدث... حينها صرخت رعونة عجلات السيارة فرسم جسدك الغض جريمة فوق إسفلت الشارع بلحضة فزع مريعة... (إلى الشواهد جميعا) وأنت؟ وأنت؟ وأنت؟ هل تذكروا جميعا ما قد حصل لكم قبل مجيئكم إلى هنا؟! فليذكر كل واحد مأساته الأخيرة... إن كان احد منكم له قدر من الشجاعة, فلينهض أو فلتنهضوا جميعا... ولكن لا, لا أريد أن اقلق راحتكم, وهنيئا لكم نومكم... أنا سأجيب عنكم, الإنسان أم القدر؟ ايهما الجاني وايهما المجني عليه؟ لم نرى الشيخوخة تمشي هنا, ولا زارنا طيف المرض, بل كان حادثا, رعونة, مكيدة, جهل, غباء, كسل, استهتار, جريمة... كل هذا لا يحرك ساكنا عند فقهاء اللغة, ويسجل ضد مجهول في سجلات الشرطة, أو يموت تحت ملفات القضاء لعدم ثبوت الأدلة, أو قد لا يبعث على اليأس في صوامع الرهبان.... لكنه يفتح في قلبي جرحا آخر, وخثرة دموية أخرى تنصب في شراييني (وقفة) يرحمه الله مات من مرض.... رحمه الله كان محبوبا من الجميع... يرحمه الله... وكفى... يغطون وجهه بكل هدوء, ويدحرجونه أسفل الحفرة.... أية نعمة تمتلكين أيتها البلادة!... أية قوة تمتلك أيها الغباء!... لقد سقط ابني ذات مرة وجرح إصبعه, إن هذا لا يكلف الآباء غير قطعة من الشاش, وقليلا من المكركروم, لكنه هذا الأبله الذي في رأسي, يظل يمزقني لأيام بلياليها... يا سيدي الغباء, كم اشتاق أن أغفو بين أحضانك ليلة نوم هانئة, بل لساعة واحدة....

          في كل ليلة حين ننام نشعر بخفة أجسادنا, وراحة شفيفة تحضننا, فلم لا نطيل هذا النوم مسافة أكثر, ليستمر هجوعا إلى الأبد (للشواهد) هل تشعرون بقلق؟ هل يطرق باب داركم احد؟ ها هو هناك, انه يجول بين المنعطفات والتلال والوديان حتى يلتقي بمعارفه, فيحييهم واحدا واحدا, ويبسط يديه إليهم, فيذوبون بين أحضانه... هو كالنسر يعلو ويجول وينظر إلى الأسفل, حتى يرى فريسته فيهبط إليها ملتقطا إياها, وطائرا بها, بلا لحظة وداع... إننا مسافرون في قطار ينتقل من محطة إلى أخرى وهدفنا المحطة الأخيرة, فلم لا نختصر كل هذه المحطات, ونختصر المسافات إلى المحطة الأخيرة... ثم أي سر غريب يمتلك هذا الجبار, انه لا ينسى أحدا, من أتفه عبد إلى أعتى فرعون.... ثم لم نجعله يفاجئنا؟!.... نتوسل إليه, سيدي! ما زال أمامي وترا اعزفه للمرة الأخيرة, طراوة لم يأت دورها, كلمة ندية نسيتها معي, أتمهلني يا سيدي لأسلم أمنية في داخلي لأصحابها؟ لكنه يمسح بيده الرشيقة عجرفة الملوك وابتسامات الصبيان, يخطف ما يريد ويبرح المكان هادئا كما جاء.... لكننا نخاف, هذا الخوف يجعلنا نخضع للرذيلة وأبناء الدناءة... لم ندع موت الفجأة يداهمنا؟ أليس بالأمكان أن انهي وصيتي وازرع آخر شتلة بيدي, وأودع أصدقائي, واختار اللحظة المناسبة لان اسند راسي ثم أطفيء المصباح؟! لماذا لا نتفاهم معه ونواجهه بالشجاعة ونختار موقع وزمن المبارزة ونوع السلاح؟ هل تخافون الموت؟ انه نوم طويل, اليس النوم لذيذ بعد نهار شاق؟ لكن ما الضير في أن يطول قليلا عندها فقط يسمونه الموت (حين صبوا على القبر ماء الوداع الأخير فكرت, لعبة الموت مضحكة وراحت تقارن ما بين موتها والسرير)* هذا الغول البشع الطافح بالألم نتشبث به تشبث ألطفل بثدي أمه, انه يضعنا بين فكين لا خلاص منهما, الذل أو الخنوع!...

          (يتلفت حوله) ها قد غابت الشمس ولف الظلام كل عين فلأتجه اختبئ بين أحضانه (يتحرك مستعدا بالمسير نحو التابوت, فيلتقط المسدس, يسمع صوت اطلاقة فيسقط ميتا) آه!... ولكن ليس الآن!...

 

النهاية

* يوسف الصائغ

>>>>>><<<<<<

قصة قصيرة

من أوراق دجاجة

 

 

1

 

هل تكفي كلمة جهالة لوصف رجل بليد وزوجة عجفاء, أم ليست هنالك مفردة في اللغة تفي لوصف أمثال هؤلاء! إنهم خارج مفردات الوصف, خارج حدود اللغة والتاريخ, يعيشان هذه الحياة بتفاهاتهم بلا مبالاة, بلا إحساس, بلا شعور, بلا أي مبرر للحياة, يثرثران طوال الوقت بحماقات يسمو عليها إنسان العصر الحجري, لا نهاية لغدوهما ورواحهما في عجن وعلك نفس القذارات, يتخاصمان لوضاعة حياتهما بالكلام المقيت المكرر...

- اليوم سقيت الدجاجات ماء!

- اليوم وضعت لهم بقية من فتات الخبز!

- أمس رميت لهم حفنة من كسرات الشعير!...

تصوروا تفاهة هذين الخبيثين! تكرموا لنا ببضع حبات من الدخن أو العدس العفن!. ناكري الجميل!... نقضي عمرنا في تغذية أجسادهم المترهلة بالخواء, المتخمة بالأنانية, إنهم لا يرون أنفسهم, يتفاخرون حتى بأحط الخصال التي يمتلكونها, ويتباهون بأقذر الأفعال التي يقترفوها, وبعظام الأمور التي يتخيلون أنهم أبطالها وهي لا تشرف نملة صغيرة إن قامت بها....

هي خربة تفوح منها رائحة الروث الكريهة, مقيدين وضعونا فيها إلا بعض فسحة في الباحة الخارجية, ويا ويل من يكسر أعرافهم وقوانينهم! ويا ويل الويل من يتخطى هذه الزريبة الجحيم!....

 

2

 

في بعض الأحيان يشذ تفكيري بدروب شتى, متى تستمر أيامنا تمضغ هذه المعاناة؟! ترى ذنب من كان في كل الذي يجري؟! مدى التاريخ وعبر الأجيال والفصائل والأنواع التي توالت, تناوب علينا الطرد والضرب ونتف الريش والجوع والعطش والحرمان واللامبالاة والعبودية, وفي النهاية الذبح والقتل... هل القوة هي الفصل في كل أمر, أم هو قانون الحياة؟!! أيتها الطيور اللاطائرة تلوذين بالكسل والبلادة والاعتماد على الغير, مفضلة إياها على العيش بكرامة والموت بشرف, هذا الخوف من المجهول الذي يأتينا يجعلنا نرضخ للوضيعين, ننصاع لعسف الجاهلين, هذا الخيال الجامح بعبرات الخوف من الموت يجعلنا نجترح الهوان والمذلة....

هناك قصة ما زال يتذكرها الكبار منا..... قيل أن صقرا كان يسكن قمة تلة وعلى مساحة السفح انتشرت الغربان, كانت الغربان قد ابتليت بهذا الصقر فكلما أراد غراب أن يتخلص من هذا الجحيم وطار التهمه الصقر في اللحظة بشراسة, وهكذا ظلت الغربان رهينة السفح فمن يجرأ الطيران, وظلت أعين الصقر ترصدهم, كلما قفز احدهم كان طعاما للصقر, التهم منهم عشرات بل مئات من الغربان واحد اثر آخر, فخنع الجميع صاغرين مهانين, لكن احد الغربان النبيهين همس للبقية الباقية من الغربان... ماذا لو نطير كلنا سربا واحدا وقفزة واحدة في الفضاء, نطير سوية جمعا مجمعا واحدا, فجل ما يستطيع الصقر التهامه واحدا منا أو اثنين وينجو الباقي.... لكن الخوف كان قد حفر جذوره عميقا في رؤوس عفنة لا تقبل الجديد....

عجبي أنا أيضا على قومي! لقد الفت البؤس والذل والعبودية هي أيضا, ولم تعد تعي ابعد من ما بين قدميها.....

لم اعد اهتم لشيء, لكن ما يقززني هذه الكلمة المقيتة, التدجين!! في البداية لا يبرره احد, لكنه في نهاية الأمر يألفه ويعتاش معه, يلعب وينام ويصحو معه, ليأتلفان متوحدان كحقيقة أبدية... مرض يأتي هادئا, لينا, لعينا كسرطان ينخر جسدك ولا تشعر به في بادئ الأمر إلى أن يرميك جثة متفسخة... حتى لتشعر بالتقزز من كل خطوة تخطوها, بتسمم الهواء الذي تتنفسه, وكل ذرة تراب حولك, كل همسة, كل شهقة أو زفير تصبح جريمة, لقد هشم هذا المخلوق حتى قانون الخلق في الطبيعة, القتل جريمة بالمفرد, لكن التدجين تجارة الجملة..... يجعل الدجاج يكره الليل والنهار, الضوء والظلام, يجعله يكره حتى نفسه!...

كم أقدسك أيتها الذئاب!!... انك الوحيدة التي مرغت انف هذا الرجل في الوحل! لقد دجن الدجاج والغنم والكلاب والحمير, لكنه لم يجرؤ على تدجين الذئاب... .... لكن المأساة ليست مأساة الجميع إنها مأساة البعض بل مأساتي أنا! لم يعدم أجدادنا الحكمة حين قالوها! - من يفهم أكثر يتألم أكثر-* وعذرا على هذا الغرور, ولكن من يمتلكها لا يمتلك شجاعة القول....

 

 

3

 

بسرية بالغة تحدثت مع إحدى صديقاتي النبيهات التي أثق في رجاحة عقلها, قالت...

-       أنصحك بالتحدث مع الذئاب!....

-       الذئاب؟! إنهم أعداؤنا!

-       أليس الجميع أعداءنا؟! أليست الخليقة كلها ضدنا؟! فما بالك تخشين من الذئاب وحدهم؟! ..

ترى هل في جعبتهم ما يعينني على ذلك؟!... هل يفكرون مثلنا؟ ألا أجد جديدا في التحدث معهم؟ ألا ننتفع منهم بنصيحة ما؟... فكرت طويلا!... يجب تبني طريقة ما للاتصال بذئب ولكن بطريقة لا تسمح له بالانقضاض علي, على أية حال يجب أن تكون الخطة محكمة في تفادي التقرب من ذئب, علي أن اكلم شيخا أو عجوزا أو فرخا صغيرا لأكون في منأى عن شره....

صادف أن مر في يوم من الأيام ذئب عجوز من خلف الحائط, كان لا يقوى المسير, كلمته من فوق الحائط وأنا اردد بسرعة الكلمات التي قد انتقيتها كي لا تضيع مني هذه الفرصة.... هل تعرفون بماذا أجاب؟ اخذ يقهقه بصوت عال وهو يقول...

-       وهل تظنين نفسك نسرا؟

حينها بكيت طويلا... فكم من الوقت يمضي إلى أن أتحول إلى نسر.... لكنني لست من النوع الذي يرضخ بسهوله لمثل هذا الكلام, عقلي بات كداينمو يدور ويدور, لم لا نؤلب الدجاج كله؟! ربما يكون طريق الخلاص؟.. من يومها جرت محاولات لتعبئة التمرد, حاولنا مرارا إثارته هنا وهناك, لكن الإحباط كان نصيبنا في كل مرة... فالدجاج قد تعود هذه الحياة ولا يقبل التغيير... والغريب في الأمر انه حتى حين يحاول الرجل إصلاح بعضا من شاننا لغاية في نفس يعقوب, لا يتقبلها معشر القوم.. واذكر في صغري بأنه في إحدى المرات استخدم الرجل طريقة جديدة في تقوية قشرة البيوض التي تتكسر حين تقع على الأرض بحيث وضع الملح في الدخن الذي نتناوله  بدل الكلس الذي نحاول انتزاعه من الحائط, رفض جميع الدجاج هذا الأمر, واضرب عن الطعام! لقد تعود مذاق الكلس ولا يرغب في إبداله بمذاق الملح اللذيذ!...

 

4

كثيرة هي القصص التي دونتها في مذكراتي علني أنفس ما في داخلي من ماسي لا يشعر بها غيري هل كتب علي أن انوب بالتفكير عن الجميع؟! الكل غافلون عن ما يجري لكن الأبله الذي في راسي يظل يدور بلا توقف...

استيقظت في ليلة من ليالي الشتاء الباردة بسبب البرد القارص الذي كان يلسع جسدي ويجمد قدماي! فإذا بي غارقة في رطوبة عفنة وتبن رطب, من روث, وبراز, وذرق الدجاج, زحفت بهدوء إلى مكان جاف لأقضي بقية الليل ساهدة لا أنام, وكل دقيقة وأنا العن طريقة نوم الدجاج هذه, في الصباح الباكر نهضت بسرعة لأصارح صديقة لي بالمشكلة, حتى اتفقنا على أن نجمع البقية ونتكلم معهن بحل هذه المعضلة, فمن الأفضل التعاون جميعا في سحب التبن الجاف لصق الحائط وننام سوية اتقاء البرد طوال الشتاء...

بعد لقاء الجميع ودون مقدمات قلت لهن بصراحة بالغة, لنتعاون في حل المشكلة وأسهبت في شرح الطريقة الصحيحة, بعض الدجاجات انسحبن بهدوء وكان الشيء لا يعنيهن, وقالت أخرى إن مكاني فوق الرف مريح لا أريد تغييره, وأخرى قالت كل منا عليها أن تدبر نفسها... صدمت للأمر فصرخت

-       لكن الأمر يعني الجميع ربما تمرض إحدانا ألا يجب درء هذا الأمر ومساعدتها؟!..

كان ذلك درسا بليغا علمني أشياء لم أكن افقهها.... ألا تبا لك أيتها المخلوقات الأنانية الوضيعة!......

 

5

 

كنت مطرقة صامتة وإذا بإحدى الصديقات واقفة على راسي, لا تريد ايقاضي عن أحلامي, لقد اكتشفت أن لا احد يستطيع أن يحل مشكلتك إن كنت أنت عاجزا عن حلها, لكنها ألحت بان أفضفض عما بداخلي علني ارفه عن نفسي, وسرى الحديث مذاهب شتى, في النهاية قالت كصديقة نصوح....

-       هل تظنين بأنه لم يجر التفكير بهذا الأمر من قبل جداتنا الحكيمات؟ أما سمعت قصة تلك الجدة الذكية التي أرادت أن تتعلم الطيران لتقلد الحمام؟ المسكينة اخترعت طريقة حرية بالتفكير, طريقة نبيهة للتمرين, في كل يوم تقفز من حائط, ثم في اليوم التالي تنتقل إلى حائط أكثر ارتفاعا, وهكذا أخذت طيرانها يرتفع ويطول مرة بعد مرة, ولمسافات أطول! استمرت على هذا الحال لعدة أسابيع, وفي آخر المرات حين قفزت من سطح البيت العالي في ليلة ظلماء كانت قفزتها أطول مما يجب, لقد مرقت ابعد مما كان مخططا, فتلقفها فم ثعلب كان يشم رائحتها خارج الزريبة, فلا تعيدي هذه القصة أرجوك أنت أيضا.... فصمت طويلا لكلامها.....

أيكون الهروب حلا؟! ولكن ما زالت أوراق إحداهن عالقة في الأذهان إلى الآن! .....

- هجرنا أمس الزريبة البشعة كنا ثلاث دجاجات, لكننا مع الأسف نمنا ليلة مخيفة في العراء جعلتنا نعود إلى جحيمنا في الصباح التالي -..

آه من الأحلام اللذيذة المفجعة! وآه من قولة الآه.... كم تمنيت أن أكون نسرا!....

في صغري كنت أرى النسور تحلق, لم أكن بادئ الأمر احلم بالتحدث معها, لكن قبل ما يقرب من شهر, صادفني نسرا حط على سطح المنزل, استدرجته للكلام, تشعب الحديث بيننا, كان حديثا غريبا وشيقا, حقا إن الحديث شيق مع النسور, فمغامراتها عجيبة غريبة ملذة, في نهاية الحديث قال لي...

-   حتى وان كان في مقدوركن الطيران, لكنه سيكون على ارتفاع منخفض, ولمسافة قصيرة جدا, فلا تعقدي أمالا كبيرا بالمساواة بالنسور! فعبر التاريخ كانت النسور أكثر حكمة وأرقى الطيور جميعا....

سدت كل المنافذ أمامي, وكيف لي أن اهرب واصغر كلب سيمزقني! هل أتذمر فأكون أولى القرابين عقابا على إشهاري بحقي؟!....

6

توالت الأيام ثقيلة كئيبة, أفاقتني من كآبتي نظرات هذا الديك كان يسترق النظر ويتعمق في فضح نظراتي! اعتقد انه مزيج من الإعجاب أو الحب, لكن لحد الآن لم اعرف نواياه ربما هو إحساس بالحب, فالأنثى تحس بأية عاطفة يكنها الجنس الآخر,  ما كان يعجبني في هذا الديك انه كان زاهدا في علاقاته مع الآخرين ولهذا دفعت نفسي إليه لأعرف ما يدور بخلده, وما أدهشني أن مصارحته لي أتت بسهولة, انه ببسيط العبارة يريد الزواج مني إن أنا قبلت به... في هكذا موقف يستدعي التأني في التفكير! إنها قضية تطال العمر كله! ولكثرة ما أترصد مفاجآت من هذا النوع فقد أعددت لها حلولها وبدون تردد قلت له دون أية مقدمات...

-      الزواج يعني الشراكة!!

-      ماذا تعنين؟!

فقذفت بوجهه كلماتي دون توقف....

-      المعنى في اشد وضوحه, سنتناوب النوم على البيض حتى يفقس عن أفراخ, فليس من الإنصاف أن احرم نفسي واحد وعشرون يوما من الخروج والأكل بوجبات سريعة مقلقة والنوم على البيض في مختلف الظروف ثلاث وعشرون ساعة في اليوم ومع ذلك الريش المنفوش الذي يعيقني من اللعب والقفز والحركة والمرح والتمتع بأوقاتي....

كان يستمع إلى فاغرا فاه, وما أن انتهيت من كلامي حتى صرخ مصعوقا....

-       هل سمعتم يا معشر الدجاج بان ديكا نام على بيض؟ هذه منتهى الاهانة بل هدر لكرامة كل الديكة!!

-       لا تصرخ! لا تفضحنا! نحن نتحدث بهدوء وسرية فلا تجعلنا هزءا للآخرين, ليكن, وماذا في ذلك؟! وأردفت, إنها مساعدة شريك لشريك حياته... فقط أردت أن أصارحك بهذا...

ظل فاغرا فاه, لا يستوعب مالذي سأقوله, فانتهزت فرصة اندهاشه البليد حتى أردفت وبنفس النبرة وبلغة التحدي...

-  ليس هذا فقط بل أن نتقاسم تربية الأفراخ أيضا!!...

-       تربية الأفراخ؟!!

-       نعم يجب أن نطعمهم كلانا سوية وبالدور!!...

فعلا صراخه ...

-       ايا مجنونة! هل تريدين كسر كل القوانين والأعراف والتقاليد؟ أنا أسير أمام الأفراخ؟ أنا أتوسل إليك أن تنوبين الدور بعدي؟ أنا أسير خلفك؟! أنا.....

فتركني غاضبا لا يعرف موقع أقدامه وهو يدمدم!!...

-       دجاجة مجنونة مجنونة!!....

 

7

 

أحلامي أصبحت اكبر من حجمي, تحول التفكير إلى قلق واكتئاب, لم يعد بمقدوري حتى النوم فقد أصبح راسي مطحنة صاخبة... باتت الهموم تلاحقني من كل جانب, والأرق يعذبني ليالي طوال, أحلامي أضحت كوابيس خانقة... رحمك الله يا جدي العزيز حين كنت تقول ...**-  الوعي جرثومة ما أن تدخل راسك حتى تظل تنخر وتنخر إلى أن يحيلك جثة هامدة- ...

اللعنة على الوعي بالحال والأحوال, اللعنة على الأحياء والأموات! وعلى كل ذي جناح من الطيور والمدجنات... أخيرا قررت أن احفر أخدودا في جمجمتي! وليكتب على شاهد قبري بعد أن أموت....

أيتها الدجاجة! كوني بليدة لتعيشي سعيدة!....

 

-انتهت-

____________________________________

· كونفوشيوس

**  دستويفسكي