لأعزائنا الصغار رسامات

عيون بخديدا

Museum متحف

أرشيف الاخبار

فنانونا السريان أعلام

أرشيف الموضوعات

حبيب تومي

طلبة بغديدا في القلب والبركة بوحدتهم وقوة إرادتهم ولا لتسييس معاناتهم

حبيب تومي / اوسلو

habeebtomi@yahoo.no

 

بغديدا / قره قوش ،المدينة التي تتعطر دروبها بعبق التاريخ وتزهو بتراثها وملابسها وكنائسها وتاريخها ، ومع الصباحات يبزغ نور الشمس على حقولها ، وتصدح حناجر فتيانها وصباياها في ترانيم وصلوات ملائكية في اروقة الكنائس ، وهنالك حيث الحقول المترامية الخضراء حيث الفراشات تتراقص مع نسائم الورود ومع زقزقة العصافير المرفرفة من غصن الى آخر ، يوم الأحد الثاني من ايار انطلقت قافلة من سيارات تنقل نخبة من الطلبة من الفتيات والفتيان ، تشق طريقها الى مصادر المعرفة والعلم في جامعة الموصل ، هؤلاء الطلبة كان يحدوهم الأمل عبر دراستهم خدمة العراق والمساهمة في بنائه وتقدمه وتطوره

 

إنهم  بصفاء قلوبهم ونقاوة وجدانهم يسكبون كؤوس محبتهم ، ويرومون غرس الضوء في مشاتل الظلام وإنارة القلوب المعتمة الطافحة بالسحب الملوثة بالحقد والضغينة ، إنهم يسعون لإرساء دعائم وطن عراقي في قلوب وضمائر واحة مجتمعية متنوعة تزدهر فيها كل الألوان والأطياف الجميلة على تراب الوطن العراقي الحبيب وتحت سمائه الصافية .

لا مرية بأن طلبة بغديدة /قرة قوش حينما ركبوا سيارات النقل صباح ذلك اليوم في طريقهم الى الموصل ، لم تكن وجهتهم معسكر للتدريب على الأسلحة ، إنما كانوا في طريقهم الى مقاعد الدراسة في جامعة الموصل لتلقي شتى صنوف المعارف والعلوم والآداب . فالأرهابيون الذين استهدفوهم كانوا على اتم المعرفة بوجهة الطلبة النبيلة ، لكن إرادة الشر والظلام تذهب دائماً الى منابع الخير لردمها وتجفيفها .

لم تكن المرة الأولى التي استهدف هؤلاء الطلبة ، وفي ظل تهاون السلطات الأمنية على معاقبة الفاعلين وتقديمهم الى محاكمات عادلة سوف لن تكون المرة الأخيرة ما لم تلبى مطالب الطلبة بشكل جذري ودون تقاعس .

لقد استشهد المواطن رديف يوسف ، وأخيراً كان وفاة الشهيدة الطالبة ساندي شبيب هادي زهرة ، متأثرة بجراحها وستبقى روحهما خالدة في الضمائر الحية ، إن ملكوت السماء تحتضنهما ، ، فما اجمل تلك الجنة التي تزينها هذه الوجوه البريئة .

على الصعيد السياسي ينبغي الإشادة بموقف القيادة الكردية بنقل عدد من المصابين الى مستشفيات اربيل ، والعمل على نقل عدداً منهم الى مستشفيات تركيا ، وكان قيام الدكتور فؤاد حسين رئيس ديوان الرئاسة في اقليم كوردستان منيباً عن الأستاذ مسعود البارزاني بتفقد المصابين وتركيز العناية بهم ، ويدل ذلك على حرص قيادة الأقليم على السير بنهجه الإنساني والوقوف مع كل المكونات بما فيها شعبنا المسيحي من كلدان وسريان وآشوريين وأرمن .

في هذا الصدد ينبغي الأشارة الى مبادرة الأستاذ اثيل النجيفي محافظ الموصل وزيارته لمدينة بغديدا للوقوف على مطالب الطلبة . ولا بد من الأشادة بصراحته وشجاعته حينما يصرح لجريدة الشرق الأوسط اللندنية :

، «إن الحادث مأساوي ومؤلم جدا للمسؤولين في المحافظة، ونعتقد أن الحادث وقع بسبب التقصير الواضح من قبل الأجهزة الأمنية، فهم لم يؤدوا واجبهم بشكل كامل، خاصة أنه، أي الحادث، وقع في منطقة تقع ما بين نقطتي تفتيش، إحداها للجيش العراقي والأخرى للقوات المشتركة، وهذا يوضح مدى التقصير، ونحن نطالب بتحقيق جدي وعلى مستوى عال لتلافي مثل هذه الحوادث».

إن الأشرار كانوا يتوقعون ان يسبب هذا العمل الإجرامي بتوسع الهوة بين المكونات العراقية ،  وتهديم المودة بينهم لكن النتائج كانت معاكسة ، فالعرب والأكراد كانوا مهتمين بقدر متساوي بهذه المشكلة وهذا يدل على الأخلاص للوطن العراقي من الطرفين .

حينما دخلت موقع عنكاوا وكان هنالك في الواجهة استفتاءً إن كانت الحكومة ستلبي مطالب الطلبة المعتصمين في بغديدا ، وأشرت الى لفظة ( نعم ) بأن هذه المطالب ستلبى ، وحينما اطلعت على النتيجة حينها قرأت ان 11%  فقط أجابوا بنعم ، لقد اعتمدت في جوابي على قدرة الشباب ووحدتهم وإرادتهم ، وثانياً إن مطالبهم كانت تتعلق بمصيرهم وبالمخاطر المحيقة بحياتهم ، وهي مطالب عادلة بكل المقاييس ، وإن اي منصف سيلبي تلك المطالب ، وفعلاً كان هنالك قدر كبير من الشعور بالمسؤولية من قبل رئاسة جامعة الموصل ومن محافظ الموصل ومن المسوؤولين الذين تتعلق الأمور بقراراتهم .

إن ما تتعرض له كل مكونات الشعب العراقي من مآسي وأعتداءات من قتل وتمثيل وابتزاز وتهجير وخطف .. ما تعجز الكلمات عن وصف تلك البشاعة ، ومع مجافاتها لكل القيم الإنسانية ، كل ذلك معروف للعالم ، لكن يبقى ما يتعرض له شعبنا من الكلدان والسريان والآشوريين أمراً لا يطاق في ظل القتل على الهوية وفي عملية تمييزية عنصرية دينية مقيتة لا يقبل بها من له ذرة من الضمير .

إن وقع العملية كان مؤلماً لهؤلاء الطلبة حينما يقع امامهم 188 جريحاً وأودت بحياة شاب وشابة لم يقترفوا ذنباً سوى انهم مسيحيون ، وليس هنالك سبب آخر لهذه الجريمة .

إن المطالب التي رفعها الطلبة ، وكذلك المطالب المشابهة التي رفعها قبل ايام المطارنة الأجلاء في اجتماعهم الطارئ تعد مطالب عادلة وعلى المنصفين والمخلصين للعراق تلبيتها .

بقي ان اقول بارك الله بوحدة الطلبة وعزيمتهم وإرادتهم ، ونحن لا ننكر جهود احزاب شعبنا في تخفيف المعاناة .

لكن اقول :

((( من العار على اي حزب او تكوين سياسي لشعبنا تسويق هذه المأساة كنصر حزبي ومكسب سياسي له ، فليس من الأخلاقية بمكان تسييس المأساة وتجييرها لمكاسب حزبية ))).

بارك الله بكم اعزائنا الطلبة ونطلب لكم السلامة ومكانكم في القلب دائماً .

 

 

حبيب تومي / اوسلو في 14 / 05 / 10