لأعزائنا الصغار

رسامات

عيون بخديدا

Museum متحف

أرشيف الاخبار

فنانونا السريان أعلام

أرشيف الموضوعات

بشار الباغديدي

 

الجذور

 

الموضوع منشور في العدد(28) من مجلة النواطير

 

 

بغديدي... نبوءة المستقبل (القسم الأول)

 

- عُمر كارق قلولا...

الحياة هي كمن يسير على طريقٍ وعر فنحنُ وجدنا لنقطع رغماً عنّا المسافات الشاسعة ونشعر بقدوم عيدٍ أو سعادة ننتظرهما متيقنين من وجود شيء له نهاية، ولذا نسير بسرعة متشوقين لرؤية الرب، لكن لا أُطيق على حياة تذهب هدراً وكما يقول البعض "دُني لكطويا جومندي" هذا السلاح الضعيف الذي يتحمى به مَنْ لا يعرف معنى الحياة حينما تعصفه تجربة خفيفة.. الحياة تستحق منّا أن نعيش لها، فهي على جانب عظيم من الأهمية.. هي جميلة عندما تدعونا إلى مغارتها الولهانة بالحياة الإنسانية.. هي جميلة عندما تصرخ في عالمنا الباطني الراقد وتُفجّر فيه العطش المذيب وتدلنا إلى طريق الينبوع.. فالمهم إذن في حياتنا أن نظل متعطشين دائماً وبالجوع متحسّسين، فالإكتفاء هو موت الشخصية.. ومع هذا البعض يقول "لشانا ليبى كَرما" من الجنون وأحياناً نتأسف أن نطمر في التراب حبات القمح المذهبة التي تصلح لتكون خبزاً، هناك حيث يدبّ فيها الفساد ولكن من غير ذلك لا نجني شيئاً ولا تمتلئ عنابرنا..

فكيف إن عملنا من حياتنا جنوناً مماثلاً، إننا لا نبالغ بقولنا إن الأشياء حتى المُرّة فها تبان حلوة لفم النفس الجائعة.. هكذا تاقت نفسي وكما تعودّت للطين القديم ورائحة الدرابين المكتظة بذاكرة التصاوير الخديدية لرجالاتها الأوائل الذين نسجوا قاماتهم من مآسي زمانهم أن تسير بتلك الأماكن كي تشعر بهويتها الباغديدية التي يُحاول الزمن المتلوّن أن يسرقها عنوةً.. زمن النار والدّمار.. زمن المودة والموبايل.. زمن القرميد والسيراميك.. زمن الخدمة لا الخادم.. زمن السمع والطاعة..!

سيأتي يوم ونكون شبه أُناس في بلدتنا سنبحث عنها في مصباح علاء الدين السحري.. والمنجمين والعرافين.. سنتخلى عن الكثير من الكنوز الماضية التي أغنتنا وأصبحت لنا ميراثاً. نقوم اليوم بفرهدته (ئوبرن ليلى دزبونى وشمن رابيلي دبيونى) أحب الخديديون الأوائل أن يُحافظوا على تراثهم وعاداتهم وتلك المحبة كانت سبب وجود هذا الكم من البنايات الروحية الكبيرة التي شقت غيرتهم حجارتها ليدخلوها مؤمنين بقاماتهم في أعمدتها.. الذي من ذلك ما أود قوله شيئاً ما يجذبني كلّما سرت في تلك الطرق التي تتعذب البلدية الحزينة أن تصلها ويخجل المسؤول أن يدخل فيها بدون نظارات شمسية.. كأن أيادٍ تحاول مصافحتي وأُخرى تُحاول أن أفتح لها حاسة شمي لأشُم طيب العطر المار ههنا كارس[1] وهبرا ودلال المطران ويعقوب ومنصور ويوسف القسان والرجال العظام من بيت آل زاكي وقاشا ودديزا وياكو... الخ الذين وقفوا بوجه الطغيان، طاوعت نفسي ودخلت في جزيئات فكري الشارد هذا جالساً أمام هذه الوجوه الخشنة بعض الشيء والغيرة العبوسة تملأ تقاسيم وجوههم، كنتُ صغيراً بالنسبة لهم وكأنهم يقولون "يؤول بابي يؤول لتلن بيثواثا بَدَم لبواثا وروخاثا. كدودي كجيلي بليلي ويوما لطخومي وئورخاثا دماثا. دلئرقي ئروى دمرعيثا وتيهي بدشتاثا دخطياثا"..

المرأةُ .. الكنز

من العادة أن يخفي الإنسان كنزه عن الآخرين حتى من أولاده وورثته ماداموا صغارا،ً وينتظرون أن يكونوا ورثته الى أن يصبحوا راشدين يُميّزون بين الخير والشر حين يكشفون لهم كنوزهم... معي لنبحث عن بعض الكنوز الخفية التي أشرق سرها في بغديدا.. معي لنتفيأ في ظل مُعمّرتنا حنة بطرس بحو آل دعبول هذه الشجرة ٍ الطيبة الثمر يعود تاريخها لعام 1897 إستقت كما يستقي الأطفال الحليب من الألفباء السريانية لتنمو وتتفيأ في أفيائها طيور الحنونة التي سمتها المعمودية في جرن مار يعقوب (حنة) لأن مراحم الرب رأفت بوالدتها مجي سمعان ومنحتها النعمة، هذه الثمرة الإلهية تيمُّناً بدينة زوجة يوناخير والد العذراء مريم كما أخبرتنا مخطوطات كنائسنا.. أردتُ أن أكون طفلاً أمام هذه الخديدية المعمرة كما تقول وقائع الأيام بنقصان أو زيادة بعض السنين.. وبفراسة لم أكن أتوقعها حاورتني قبل أن أُحاورها متسلحة بما هو أقوى مني وما يُسكتني ماضٍ مجبول بأدبيات عَزف زماننا عنها. ولا أدري كيف تستقبل الوريقات البيض كلماتي بعد أن سَكَر القلم في أناملي الضعيفة وتراقصت الألّب.. بيث.. كمّل مع مجموعة أفكاري والدتها مجي سمعان من بيت آل ياكو إقترنت بالزيجة المسيحية ولبست في يسارها خاتم الرباط المقدّس لتقبل من بطرس بحو دعبول زوجاً لها مدى العمر.. كانت جميلة والقصة تخبرنا بذلك "عشاق من بيت آل ياكو وموما وحبش وأوفي أحبوني ووالدة أحدهم كانت تُسمع والدتي وتُسمعني بأنني عروستهم لكنني لم أكن أعرف معنى العروسة ولا الزواج ولا الحب فهذه الأشياء كان لها وقعٌ في نفسي  كنتُ آنذاك في التاسعة من عمري وتمت خطبتي من بيتٍ آخر غير هؤلاء.. النعم التي قُلتها في البراخ كانت لعزو من بيت آل دعبول (خلئتي ئسري ليرت) وكي لا يتم الرجوع عن الكلمة في هذه الخطبة لصغر سني (ئوذهن دستي مئخلآنى قرئى طورا ويبراغى وكوركور وآني جَلإي مكوسيي بكفية دميلا) ثلاث سنوات مخطوبة ولم أرَ الوحيد عزو، لكن في إحدى المرات ذهبتُ لمنطقة كيما (بقميثا ئثوا كيماثا كيذت) مع زوجة عمي (ئمد خلتوخ حبوكي) كنتُ أحملُ "خطورتا" التي كُنا نستعملها في غسل الملابس هناك فقالت لي ذاك خطيبكِ فرميتها وعُدت مسرعة كي لا يراني وصعدت للسطح.. ولما أكملت الثانية عشرة وتسعة أشهر تزوجت في عمرٍ تعترض عليه الكنيسة لكن القس منصور المغفور له رغم إعتراضه وافق في الأخير بعد إلحاح الوجهاء آنذاك، الشيخ باهي دديزا كون أهل زوجي من المساهمين في التبرعات واللميّات والحضور عند حُكم الساعة في الدفاع والحفاظ على البلدة. وعشيرة آل دعبول تفتخر بأنها إمتهنت وحافظت للآن على إحدى الحرف التي إشتهرت بها بغديدا وآهاليها وهي صناعة اللباد (كجّا- يانا) والتي تعتمد على الصوف (أمرا عمرُا) بعد ندفه أي (شذايا شديُا) وأحياناً يكون صوف جلد الفراوي المُسمى (جزة.. عك.. جزةا). وكم كانت جميلة دورنا آنذاك بالديوانخانة، نعم سوتي حنة (كم كانت جميلة دورِنا) عملت مع زوجها وإبنها الأكبر حبيب وكانوا يستفادون من مبيعاته فهو مُريحٌ للجلوس وللصحة (تقليل آلام الظهر) المناطق من حولنا كانت توصينا وكُنّا نضع نقشات خاصة لهم وبأسماء أصحابها في بعض الأحيان..


'

 

 

[1]- ينتمي المطران كارس إلى عائلة بيت يغمور العريقة المعزومة منذ منتصف القرن السابع عشر والتي إشتهرت بعدة شخصيات كنسية وللأسف اليوم لم تعد معروفة هذه العائلة في بغديدا، والده مربهنا وأُمه زيانه وإخوته يشوع وصليوا وأخواته هِلاني وسيده وكوسنو. أجمل ما قيل (خامس الإنجيليين) كان وفياً لبغديدا وأهاليها.. وشبهه الشاعر السرياني بنوح منقذ البشرية من طوفان الهلاك.

 

الموضوع منشور في العدد (29) من مجلة النواطير

 

(القسم الثاني)

بشار الباغديدي

- حينما كان القمح زرعاً أخضر في قلبي...

 ما إن سألتها عن (قيمتا) حتى سبقتني والشفاه تنطق لتلك الحياة التي مرت مسرعة كما يقول إبن سيراخ... عذراً لبعض الكلمات التي أتت بعفوية وشفافية أحببت أن أُدونها كما هي ببساطتها الحياتية ومن هذا السرد العذب "وول آوي ما قميثا حراثا كاتووا بدانا مسكينا مئسقتا دمساثا وزرائا داريوا علقتا دقنيانح وآهو آخلوا لخما وكوبتا وطاحن وبصلا... وإن عُدنا معها لذلك الزمن لقُلنا الكلام ذاته وتمنينا أن يعود لندخل في لحظاته ولو للحظاتِ قصار.. نعم كانوا الناس فقراء.. بسطاء.. يحبون العمل وإن كان شاقاً أكثر الأيام لكن الهناء كان أطيب.. كان الفكر مكرساً للطبيعة وجابلها.. والعمل الجماعي هيمن على تلك القلوب الكبيرة جسداً وروحاً وكأنهم واحد.. والوحدة بذاتها رأيناها مرسومة على محياهم العريضة بأني الكنائس كارس والهميمين الغيارى الذين شدوا الساعد وأعادوا الحق لبنيه وعمروا ما دمره الغربان وسيجوا عين الكنيسة السريانية (بغديدي) بقلاع لا تقوى عليها حتى شياطين السماء (الكنائس السبع). إيه يا بابي "مائثوا بزاقا كبازق ورئايا مجوكانتح وديورا وها.. ها.. ميكا كِذن بعد ما ئثوا.. جهوا وكبنا.. إيه بس بسمتياوا ليلى أخ دخا!".

اا

كانوا الناس قلة وبسببها كانوا يلتمون ويُعينون البعض آنذاك بيت آل مخوكا و|آل شا وآل مرقس وآل جرادا وآل عطالاوت وآل بقطر والكاتب وآل زاكي تواجدوا ههنا.

سوتي حنة تدعونا أن نتذكر الماضي معترفين بالجميل الذي خلّفه كي نعيش الحاضر بشغف وننفتح على المستقبل الضبابي أمامنا في زمن هذه الألفية الجديدة، ربما هي رنة العصرنة التي سنصغي إليها دائماً عبر (البلوتوث).. تُذكرنا كلما إتجهنا صوب (خزورتا دترئس بيثت دقاشا) ذاك العقار الذي وقع نصيبهم من ججي شيتو والقس يعقوب.. تداخلت كلماتي وإستعجلت أيُ قس..

لا أعرف بالضبط إسمه لكني سمعت من والدتي وأكدته حماتي، سكن الباهيكي[1] وعمل فيها تلك النقوش الجميلة والصلبان الزرقاء.. كان متزوجاً وله سبعة من الأبناء تزوجوا رويداً- رويداً وصار له الكثير من الأحفاد حتى كان يتوهم أحياناً في معرفتهم وحفظ أسمائهم عملوا بنيه في (معصارا)[2] أي عمل (الطاحن).. الراشي بالقرب من القنطرة التي للأسف تلاشت كما تلاشى أهلها الذين جعلوها كقلعة يحتمون بها من اللصوص ويحمون أولادهم من الأشرار ويدافعون عن الكنائس ومؤمنيها.. هجرها حتى الحمام الذي كان يغرد في (رزناتها) يوماً وفي السابق لم نكن نحسب السنين ونحفظ فيها من الأيام لكننا نتذكر القس الغريب (نخرايا مناشي طورا) التاريخ في بغديدا يذكر أيضاً ذلك ويؤرشف لنا بألم تلك الضائقة الروحانية التي مرت بها حيث أجتاح الريح الأصفر وقتل ما قتل ولم يسلم حتى القس والطفل والشماس فأصاب الملل الرهبان مما إضطر راعي الأبرشية آنذاك أن يرسل كل أسبوع قساً يُمارس طقوس الليتورجيا فيها لحين إنعام الرب. والحمد لله اليوم أصبحت مدينتنا واحدة من أكبر المدن في الإرساليات للعالم مبشرين ومكرسين.. نعم مدينتنا كما كانوا يسمونها في التاريخ الباغديدي لتضاهيها عن القرية وتشبهها المدينة بكبرها فسميت (القاسطرة) .

إننا مدعوون أن نُبشر من جديد كي ننعش فينا تلك الأنطلاقة التي ساروا فيها آباءنا وأجدادنا لا كذكرى لماضٍ بل كنبوءة للمستقبل، وأستطيع القول هنا أن بغديدا عاشت عصرها الذهبي في حلول القرن الثامن عشر فرغم السلب والنهب والحرق والقتل والتدمير إستطاع أهلها أن يكتبوا تاريخهم بحبر العرق والدم ويبنوا كنائسهم بالغيرة والإصرار ويرمموا تلك الديار.. هكذا خلقت الحياة الخير والشر.. لذة وألم.. فمن أرادها خيراً خالصاً ولذة خالصة فليُغادرها وليبحث عن حياة سواها.. تعودوا على تلك المعيشة التي كانوا يخزنون فيها لعامٍ كامل المؤن (كُنا نضع القسب في البُرما وتُحميّه التنور وفي الصباح نعصره ليستخرج الدبس (كعكي) وكم لذيذة تأتي هذه النصيلة كالعسل، هذا في الأيام العادية وفي الآحاد كان المتيسرون يأكلون اللحم ويبقون منه للأثنين مع الدهن الحر.

- زمورتا دشوبا دكُملاَ...

كنيسة مار يعقوب الجميلة بمقاماتها حيثُ البنات تُقدّمنَ الكوميديات فيها، لقربها منّا كانت كبيتنا في عيد القيامة كُنّا ننام فيها ونسمع في الفجر قوموا لصبرا وبأيام الصوم (شبثا دحاشا) مشي شيتو كان يدور على البيوت فنذهب لنتقدم السجود (ركعياثا) من (5 إلى 15) سجدة نسمع منها أحاديث ومواعظ القس يعقوب وموساكي وكم كانوا محبوبين تشتاق لهم الأعين.. كانوا يزورون المرضى ويحملون القرابين إليهم ويواسون الحزانى والأيتام ويصلون على رأس المرأة الحامل وعلى المولود، أُناس سجلهم التاريخ في أبجدياته الخديدية.. يا عزيزي أنا لم أَرَ قساً يجلب لي القربان.. شلت قدامي واستقبلني سريري (التخت) إثنا عشر عاماً..

دخلت سنة واحدة في مدرسة قلب يسوع كنيسة الطاهرة (الراهبات) لكني لم أتعلم واحد من إثنين وأتذكر من صديقاتي هدية بني بقطر وميو مخوكا وزريفة قريو ويوم علمنا بمقدم قاصد رسولي قالت الراهبة واجب أن نخرج لإستقباله وذهبنا هناك حيث الشارع الفرعي لكنيسة مارزينا الذي كانت القوافل تسير عبره واصطففنا ننتظرهُ حيث إستقبلنا  بسيارة حمراء ووقفنا وأنشدنّ له:

يا بابن يا رابن - بشينا ثيلُخ لكيبن
منح وردا بقخلى لبّنْ - بصوخو زورو يا مناثا
بئثثتى دمارن بابا - كوليخُن مناثا
زوري وروياثا - بشوطو ايداثا
طلوبو ماري دبرياثا - دمورخ خايي دبابن
كبيري شنى يوماثا - بابن لخزيثن ثيلي
وطاوا غدالن هلي - ئربا لبيثح مُديري
بذا كليلا دلشاني - اولي طالي روحاني
صلوثي دخلصخ مئوقاني - جميع دكرسياني

وقال إفتحوا أياديكم لكنني فتحت الشال فآبتسم وقال مُدوا أكفكم ففتح كيسه المملوء فلوس وعانى دكورتا وأتتنى قطعتين في يدي من عانى زورتا وكانت هناك أيضاً بيسا وهي عملة فيها صورة ملك تشبه الفلس الأحمر.

- خليط من دموع الماضي...

حينما تستولي علينا الدهشة أمام روائع عالم الطبيعة ننسى الأندهاش أمام ما هو أروع بكثير وهو يُنمي يوماً بعد يوم في سر القلوب ألاّ وهو عالم الأدم الذي يخلقه في كل لحظة ويعيد خلقه وإبداعه من خلال الإنسان ومعه.. من البنين أربعة والشقيقات السبع والرحمة للذين رقدوا أثمرت هذه الشجرة وآفترشوا غرساتها في رياضٍ تشبعت بالورود: (350) حفيداً سجلتها الذاكرة يترعرعون في حُبِّ هذه المعمرة تقول لحفيدها الصغير توما صباح توما موما ذو العام الواحد ولمريم عامر يوحنا ششاذو الأربعين يوماً وهي غير نادمة لساعة الفراق.

"زوري كراوي ورابي كساوي" أوي دزوري ودشقالى دخليا هم بدقشي يئنى دقشئهن وبدخبقي رخموثا بيداثا دخبقهن"

يستمرُ الحديث ويأتي مستمداً في سبحة العذراء التي لم تفارق يدها لتمطرنا بذلك الماضي قائلة "جاء العسكر وخيم الخيالة في (قورد نقرتو) وبغتةً جاءنا تنويهاً منه بأن يضرب بغديدي إن لم تعطِ فدية. فقام جدي سمعان ياكو ولبس الخاجية وأخذ ينتقل من دار الى دار يحث أهله أن يتبرعوا بالحلي والمال وما كان يتيسر لهم فجمع ما جمع وفي المساء أخذ معه الرجال وجهاء البلدة من بيت آل عموداي وججي زاكي وباهي دديزا ومن بيت آل قاشا وسلموا اللّمية للغازي وعندها فكوا البلدة ورحلوا إلى الموصل.. إبني الأكبر حبيب كان في المهد وعلى ذاك الصهيل والعويل نام هانئاً مع اللولاي المتموسق بالدمع الثخين "دي طوء هاي هاي ناطيروخ صليوا دحايي" وكرر الغزاة نوبتهم من طارف دير مار بهنام فآعتلى الصباح"

هورا هورا ملكا دآثور كبارا

لازديتون كلوّي دتخُن...

ورحلوا دون أن يدخلوا في المنطقة

يا بابي ما حكيايُخ...

في الأربعينات صار جوع بسبب أنقطاع المطر فأقاموا أهل بغديدا داعاً في الحضيرا أتذكر عمي بطرس ككي الذي كان يسمى قاشا دكالا شماساً متفنناً وهو يُخاطب الرب وكلماته تبكي حتى الحجارة فكان يبكينا وهو يُصلي والناس معه ويقول:

كيزيلا ئمد حراثا - مشوهيري بليلواثا
ما قملي بقدمياثا - خيري لكيمو ولمساثا

تشهد الأعجوبة قورنقرتو التي حلّ بها كلام الداعين مطراً عندما لَبَس القس الفردّه إلى الرقبة أثناء الداعة وصعد الغيم طائراً من هنا وهناك بينما هو يصلي ويبكي من أجل الأطفال والحواوين وتلبدت السماء كلها بالسحب الحزينة ونزل المطر... نعم يا بغديدا نزل المطر وقال القس أجلسوا والعجيب إننا لم نستطع أن نسير إلاّ بتشابك الأيدي من كثر المطر (ألآها هولى مطرا وقملا براتا مطيلاً ئما ومشومطلى وخصذلن...).

كانت بغديدي مستوردة برجالاتها الدينية والمدنية نفساً وجسداً في عمل واحد.

هكذا الإنسان في (بغديدا) بالذات ينمو بمقدار ما يواجه من عقبات متجاوزاً إياها الواحدة تلو الأخرى. ولولا تلك العقبات لَما كان رد فعلنا ينمي ويترقى كالأنتفاضة بد واخلنا.. هذا التحدي الذي ينعش طاقاتنا ويجبرنا اليوم أن نتجاوز هذه المحن والضائقات الكبرى التي يدعونا إليها الرب أن تكون بغديدتنا أيوبية كالصديق أيوب وكما قال بعض الراقدين (الإنسان إبن العقبات ولا يكشف ذاته إلاّ بمقدار ما يتصادم مع المقاومة. وشكراً ليسوع الذي أعطانا هذا السلاح المقاومة بالحب (محبة الآخر- بذل الذات عن الآخر- قبول الآخر- خدمة الآخر) لتصبح حياتنا كما ورثناها صلاة معاشة.


 

[1]. الباهيكي: طابق أرضي لخزن المونة وللسكن فيه صيفاً لبرودته وشتاءاً لدفئه ويُسمى هذا البيت بالدارج الموصلي (رهرة أو سرداب) ويقصد أيضاً (بالسرداب- القبر) وفي بغديدا قلّما يخلو دار منه ويُسمى (بائيكي).

[2]. لا بدمن الإشارة إلى أهمية المعصرة للسمسم في بغديدا لأن الراشي يعتبر من أهم الأغذية الشتوية لسكان بغديدا المشورة بصنعه في هذاه المنطقة يقول القس حبش/ كيف رمم المطران كارس هذه المعصرة سنة 2048 وبناها جديدة بالجص والحجر لأنها كانت مشيّدة من الطين.

الموضوع منشور في العدد (30) من مجلة النواطير

 

 

(القسم الثالث والأخير)

 

- بهيمنوثا كمخّثا خايي

كم تساوي حياة الإنسان إذا خلت من التأمل، أظُنها لا تُكاد تساوي شيئاً.

وأنت لا تستطيع أن تقول حياتي ما لم تأخذ من التأمل بشيء، ذلك لأنه الجدار الذي يَعزل عن حياتنا كافة الشركاء الذين ينازعوننا إياها ويحالون الأستيلاء عليها. صحيح أن التأمل يتطلب عزلة، ولكنها عزلة مفكرة وهي ضرورة من ضرورات كل حياة تُريد أن تكون مُعطية وعظيمة... وللأسف في مجتمعنا لا مكان لفضيلة التأمل وقد يُحسب الشخص ضعيف إن تأمل لوهلةِ في كمٍ من المناطق الخضراء ومثلها الخراسانات العازلة وغيرها من إبداعات وبراءات إختراع القتل والنهب والغش والتهجير. يقول الإنسان الحكيم "إن تأملناها صغيرة هي وإن تركناها كبيرة هي" وبين الهيّتين هوةٌ عميقة لا مفر منها (الإستسلام) للعيش تحت شعار السمع والطاعة. لقد كان المسنوّن دائماً ولا يزالون بكلامهم وصلواتهم ولكن أيضاً بالتضحيات والعذابات المرتبطة بسنهم المتقدمة شهوداً بلغاء وناقلي الإيمان إلى جماعاتهم المسيحية وعائلاتهم وذلك أحياناً في ظروف من الإضطهاد الحقيقي كما جرى ذلك في العهود السابقة ومن لم يسمع ليقرأ التاريخ الذي دونته الدماء البيضاء التي كانت تُقاتل بزهور النرجس وجميل عندما تكون الغلبة بأهتداء الآخر.. أتذكر بيت جميل يشفي ظمأي في هذا المجال.

كانت تردده جدتي:

ألماني.. ألماني

        سَيدْ صَار نصراني

عَمذوا بطرس هبرا     

        وسَمانو يوسُفاني"...

لنتأمل في ضوء الإيمان الذي كان يسكن في بغديدي في آنية الشيخوخة ونكتشف قيمة الطاقات التي بواسطتها ومن واجباها أن نقدمها للآخر في ظرفنا الحالي المُصاب بالشيخوخة هو الآخر.

 

ولنغني اليوم مع (سوتي حاني) غنوةً تتلمذت فينا وكبرنا معها عسى الرب يُزيل عنّا غيمة المطر الأسود وتنفتح أنفاس الحياة.. نعم بعد المطر وشمس كانون نهزج "بلطلا شمشا لكودانى... سوتا وساوا مصليانى" كانت جدتي ترسم في سبحة العذراء علامة الصليب تجاه المطر الشديد كي لا تتجمع المياه وتغرق المحلة المنخفضة (سمقو) بعد الضيافة مع البنين والبنات أردت أن يستريح السوفت من المطاولة الخيرية لمحلة مار يعقوب.. تمنيت تلفزة هذا اللقاء كي يبقى عنوان لشعب كيف عاش بالدمعة والعرق والحسرة ليبني العمر ويتجذر الحجر.. بقي الناس على هذه الحال يعيشون عيشاً سيئاً أمرّ من الموت، من الناس من هلك من الجوع والعطش والحر ومن الخوف ومات الكثير فضلاً عن الدواب لقلة التبن. وما يدعونا للإطمئنان تلك الإبتسامة ولطافة الكلمات "بسمتَياوا... مشخا حُر.. ئبشاثا... قسبى" التي صورتها عيون متي قبل عيون عدسته. نعم تصر مُعمرتنا الخديدية الأولى لجمالية العمر الأول في بغديدي 1800 رغماً عن الزمن القاسي فلا نكاد ننتهي من موضوع مؤلم لندخل في موضوع أليم.

 

- بهرا... وتعليلا

في الليالي "لا ئمرتلا.." شرائا دبزرا كوذيوالي مطينا" ومن كرمليس كان يجلب القطن جدي الزقار ويعمل شوبا (فتيلة) فتجلس البيتوثا على ذلك النهر (ضوء..  ) وبعد فترة ظهرت شرائا (دنك). كانوا الناس متحابين فيمسون عند بعضهم البعض، جميلة تلك الأيام حيث كُنا نمسي لدى حنا دعبول وإبنه كريم وبنونتا وججي حسنة وهم يقرأون لنا تلك القراءات الجميلة عن تلكيف والطوفان والزير فارس والفرسان ويستفاد الناس من تلك الحِكم والمآثر... ثم حلّ الفانوس واللوكس والبريمس... نعم يا بغديدي جميلة كانت تلك الأُماسي التي للأسف ردُمت هي الأُخرى كما رُدمت بيوتها ذاك التراث الباغديدي الأصيل الذي أزلناه بداعي التطور (آهيت ما ئتيقيت) نعم قد يقول البعض وله الحق إن كان لم يسمع بتلك المزامير التي كانوا ينشدوها في تذكار القديسين ووقت الساعة عندما تحين في الشدائد (عمي قريو بتق- متي شوشندي- رفو عطالله- بطرس قابو- بهنام جبو... الخ.

الصلاة كانت الطريق التي تؤدي بالمؤمنين وبالمسنين خاصة إلى فهم معنى الحياة في الروح في صلاة الخدمة.

واجبٌ يقع علينا لزيارة الحياة الطويلة كما علمتنا سنين شيختنا هذه، أنْ نتطوع في خدمة هذه الشريحة من العمر في إختيار مجاني لنستقي منه الثقة والنضوج ونكسب المعاني الغنية لتنبيه الآخرين مما يفيدهم طوال الحياة.

رغم (111) عام لكنني نشيطة كما ترى جسدياً أُعاني من بعض المشاكل ولكن روحياً أقوم بكل شيء، أما المشاكل الجسدية فلا أتكدر لها ولا أُصغي لها ولا أخاف من شيخوختي لأني لا أوليها أي أهمية.. فهي تسير قدماً وحدها وأما أنا فلي طريقتي الوحيدة وهي أن أعيش مع الله...! جذر آل موما والعنقود الأخير لا زال متأصلاً في عراقته الخديدية يجبرنا أن ننصت ونصغي لهذه البيتوثا الكبيرة. وكثيراً ما كانوا يقولون (عيفى مئالاها ئيلا).

ماذا لو يبقى نظرنا أكثر من كل وقت الآن محدقاً في وجه الرب... وتبقى هذه الكلمة ترن في آذاننا. كي لا نبقى بعيدين عن الله.

- شمشن دبهرا دتخون

للطبيعة الجميلة ونسيمها اللطيف وقع خاص في أهالي (بين الثدى)[1] وإن إعتصمت بعض السنين لكنها هي هي بغديدا التي يقصدها الكثير للإستشفاف النفسي الذي يسكن محيطها وبالطيبين من بنيها المشهورين بالضيافة والكرم والأخلاق السمحاء.. أتذكر ونحن صغار قبل أن ندعى للتناول الأول تأخذنا الراهبات للدير (مار قرياقوس) وحوله فنعمل (البيبون (اوبرا وبراتا.. برُا برةا) وكنا نسميه حينها (قرنكوس) وكان يستعمل للزكام في الشرب والتبخير.. قلت لجدتي حنة وفي الزمان الماضي كان الإنسان قوياً رغم البيئة البدائية والدليل هذا الجيل الذي لا زال يقاوم هذه الظروف الصعبة لا بل فوق طاقة الإنسان.

نعم يا ولدي... العمل كان يبعد المرض والصلاة والإيمان كانا سلاح النفس فالناس ملتهين كلٌ في حقله ومجاله هنا وهناك والذي كان يتمرض يُترك لينام أكثر الأحيان "ئي ئثوا دخ دميروخ أوبرا وبراتا وهل دها دنشلى وبسما وعيراق دبطرتا فطرةا دبراقا دخاصا ودكرما تويرا.. وسعدى سعدا وأوا دخايموا كميوالى طوء).

إستعمل الناس في إضفاء طعامهم أيضاً النباتات (الحميضة واللكنى والنعناع) (سثرى سيةإا) والسوداء (كومتا دليشا اوكمةا) والبرحليا (برحليا) وغيرها من الأعشاب النامية في المنطقة.. (آلاها ئيوا مبسمانا.. مائثوا) والدة عبو ششا وللي ريتو خديديات كن يقمن بالإستشارة والعلاج بعض الأحيان والحكيم آنذاك ساعجي (من أهل الموصل) نعم كان يسمى بالساعجي سكن في قطرتا دمر يعقوب ساعده آدم بوتا[2]... تبتسم لا بل تضحك بخجل إبتسمنا معها جميعاً (أذكر يعقوب شيتو مرةً ضربني بالخشبة "شبوطا" على رقبتي بينما كُنّا نقوم بعمل الكُبة نعم.. كان يرقص فرحاً وحماتي تلم على الجاوّن (الهاون) وكالفاتولا (المرجحة أو الدوران) وقعت الضربة على عيني ومع لحظة تورمت وغضبت حماتي وأخذتني إلى الطبيب فسألني ما هذه الضربة فقالت حماتي وقعت فأجابها لا... إنها ضربة ولأنه إبن أخيها لم تشأ أن تظهر الحديث فأخذ يداويني وما زلنا في باب المداواة للباغديدي ضربة أيضاً لكنها ضربة روحية أقوى من شبوطا دسطانا ألا وهي الساحة التي تحاذي كنيسة هذا القديس الذي يتقطع اليوم أيضاً. أُعاتبُ نفسي أولاً ثم أُعاتبُ العيون التي ودها السكوت عن الحديقة الزرقاء المطلّة على جانب كنيسة مر يعقوب نعم هذه الباحة التي شتلت بأنواع النفايات ربما قد تعجز الكلمات وتفطر عدسات الكاميرات... أبيت الرب الذي يتنسم عطر البتول هكذا ي.... ك؟ ماذا لو يقوم المؤمنون بعمل شعبي كما بنوا هذه الدار والديار بعمل شعبي... كفانا إنتظار نحن أهل الدار وبأيدينا القرار...

ةَقندُيوٌةُا دحَيًِا ... سيبوثا دخايي

لمن سأُشبه في الحياة الأُخرى، هل سيكون لي وجه طفولتي أم مراهقتي أم وأنا فوق المئة من عمري...؟ لا شيء من كل هذا... سيكون وجهي كما سأضعه بلمسات متتالية، وجه لا يعرف أحد ولا يَستطيع أن يتخيله سيكون مفاجأة ولادتنا الثانية.. نعم ما أجمل أن نولد كل يوم في حياةٍ جديدة في بغديدتنا الجديدة وإن أردنا تلك الولادة والحياة الطويلة يجب أن يكون قلبنا أرحب من مساحات العالم.. أن نهدم في أعماق الروح جميع الحدود الجغرافية واللغوية والدينية والإجتماعية التي شيدتها أنانية البشر..." أُترك كل شيء وآتبعني فأنا أكون لك طريقاً".

آذر ونيسن بسيما كبلطخوا صوب سركيس وباكوس لئاوا زرئا خليا وكمسقلخوا بسركلا بعزراني وفرنتيى.. وبحنّا دقوقا نطوبي..

أتذكر بين الخامسة والسادسة ركبت البيدر آنذاك كانت بغديدا في عرس فهو موسمها والناس تخرج للحضيرة (بودراثا) وكي لا أنام "لريشد دكركرا" كانت والدتي تعطيني (ترخينا)[3] ةَرحَينُا طرخون كشك وليست غير ذلك كما يدعي البعض.

فلم يكن ما يلهو به الصغار حينها إلاّ هذه القطع المصنوعة كفصوص صغيرة من مستخلص الحليب والبرغل (دوئي).

هذه رحلة أيامنا الخوالي التي دنت كغروب الشمس وتسترت معها الذكريات الجميلة لطفولة خمرّتا وقنديلا التي كنا نلعب بها (كتو بوسا) صديقتي ما أكثر ما غلبتي... أياماً لن تعود وإن أردنا اليوم أن نَستذكرها لروعة مفاتنها... شكراً لخالتي ليةّ حبش (ئمد حنا بنايا) التي تذكرت معنا هذه الجدة العملاقة وتقول "أية كم كانت حسينة ووجهها كالطبق الدائري.. سباقة في الهندام والحُلي والشال المزركش". وكي لا أتحسر على تلك الثواني أحببت أن أقول فيها بلسان باغديديتي الفصحى "شال منوقشاً وزنارا خلخالى وهبريا ئصارا وئينا لكسوءا مخيارا غديديثا ولكيبوخ ئمارا....

- ةَشعِة ... التاريخ عندما ينحت

(1897- 1974)..

(28 تموز 1974)..

(1959)...

(14 سنة و 120 يوم)..

(15- 16)..

منيانى ونيشانى ويوماثا ويومانى... نعم الدماغ والتاريخ يعاصران معادلة الفصول ويعيدان عيون ميزان ذلك الزمان.. سنين حطتها الأقواس لعل الباغديدي يًريد أن نصغي ونصوغ من أرقامه ألبوماً جديداً بالألوان.. هلم معي لنستريح من كان يا ماكان في قديم الزمان شجرة وأغصان ولنتفيأ في أحد ظلالها نأكل العنب والرمان.

(يازي عزو سمعان دعبول).. تقرأ تاريخ والدتها لتقول للكلمات عانقينا.. نعم كوالدتها هي الأُخرى ملكت الحُسن وهي السابعة بين شقيقاتها السبعة (خريثا معريثا) فأحبها الكثيرون ممن وقعت أعينهم في عينيها النرجسيتين.

وعلى قيلت (دار الزمان ودارا.. التاريخ يُعيد تذكارا) وبدأت القصة مع الود والأحباب والضاربي على الأبواب.. القسمة لبيت آل ددو هذه المرة الذين فكوا أقواس الأرقام... وبين الكاف والكيف الزمالة تحملت التكاليف فالشهيد شابا عزو دعبول (أحد شهداء معركة القادسية) كان رحمه الله في الدراسة والعمل صديقاً للسيد فرج باكوس الذي هو الآخر له من السمعة والأخلاق واللفظ الجميل... ليخفق قلب الصغيرة ذو الأربعة عشر عاماً والأشهر الست...

(أيُّها المسيح الختن الحق الذي خطب لنفسهِ البيعة المقدسة بارك بنعمتك خطبة هذين الساجدين لك... الخ) صلى الأب ككي (رحمه الله) القلبين لستة أشهر لا بل لأجمل تواريخ العمر حيث تكتمل شريكة الحياة المبنية بالحب والوفاق وبالخاتم الرباني هذا الرابط الوحيد الذي يجمع وحدويتنا في وحدة هذا السر (الزيجة.. زووجُا).

آنذاك كان العمر الذي تقبل به الكنيسة للزواج 16 سنة للشابة فتدخّل الأب يوسف ككي كاهن الرعية لدى المثلث الرحمة المطران عمانوئيل بني طالباً منه التسهيل نتيجة تلك الظروف وأناتها فأحتج بجملة جميلة لدى راعي الأبرشية.. "يا سيدنا خمشئسر شنّى ئتلا.. معقول... بس لناشت تشئا يرخى بكاسا دئمّح" وإبتسم صاحب الوجه الجميل في طلب الأب الجليل. فكان الفرح الكبير في كنيسة الطاهرة بالهلاهل ووضع الإكليل.. "آيا سميّريا ربثا بدرتا دبشموني ورقاذى منداخا لتاما" وإكتملت الغنوة "عالخدة الخدة...".

لتتجمع البيتوثا السعيدة بالوسيم والوسام والنسيم هذه الأركان التي وطدت هذا الحُبْ.. هكذا الله يُريدنا أن نستمتع بالشكل الذي أعطانا إياه، كلٌ كما صممه الرب فليس بإمكاني أن أكون أنتَ (شخصيتك) وليس بمقدور أحد على هذه الأرض أن يقوم بما خططه الخالق لي.. آن الأوان اليوم ولبغديدتنا بالذات أن نتغذى بالكلمة لكي نصبح فيها خدام الكلمة في رسالتنا وإن أُعتبر هذا الحديث شيئاً من الماضي (ئتقا) الشجاعة تتطلب منا أن نواجه هذا العصر المؤثر بين العولمة والفسيفساء الجديدة والمتقلبة بين العامة التي تطبعها بطابعها..

 

 

[1] - بيث الثدى:نظراً لإنخفاض بغديدي/ قره قوش وإحاطتها بتلال كانت تُسمى (بيث ديدا) وربما أتت التسمية مرادفة للبلدة الخصبة أيضاً كما يذكرها التاريخ في باب التسميات.

[2]- بوتا: هو آدم سمعان القس إسحق (1904- 1982) رضع من حليب بغديدا، والدته سارة كرو كانت جميلة المنظر وحسنة القوام وأخذ منها ذلك الحسن.. تعلم التمريض من خلال المستوصف البسيط الذي كان في إحدى غرف مار يعقوب على يد الحكيم أو الدكتور الموصلي ميخائيل فندي.. كان ماهراً في العلاج (سابا.. بليطا.. نقشتا دملخاوا... الخ)، فضلاً عن إنشقاق الثدي (الحلمة) يذكر بنية إنه كان يخلط عدة أدوية من العصارات والحبوب لعمل المراهم الخاصة بتلك العلاجات.. أما بالنسبة لبوتا فإنها تسمية لا يعرف أحد حكايتها الصحيحة فقالها البعض من باب المديح والآخر نسبها لكلمة كردية بمعنى الأنيق (منُقُنقا)...

[3]. ترخينا..   طرخون.. كشك وهي مفردة آرامية سريانية أصلية.