لأعزائنا الصغار

رسامات

عيون بخديدا

Museum متحف

أرشيف الاخبار

فنانونا السريان أعلام

أرشيف الموضوعات

هابيل يُقتَل من جديد

(مهداة إلى روح الشهيد عبد الخالق باكوس موسى قريو في الذكرى الأولى لانتقاله،
إثر اختطافه والغدر به بتاريخ 29 كانون الثاني 2007)

 

عذراً أيها الأخ الحبيب، فقد تأخرت عليك بهذه الكلمات، ولي في ذلك عذر وتبرير. أما العذر فعظيم مصابنا بفقدانك وشديد ألمنا لفراقك وهول فاجعتنا بما أصابك. وأما التبرير فهو تعمّدي التأخر في الكتابة لغاية في نفسي: أن اخذ كفايتي من الوقت لتنقية فكري وتصفية ذهني من الخواطر والعواطف الجامحة التي قد تعصف بفكر المرء في مثل هذه الأحوال.

وبعد . . . ماذا عساي أن أقول فيك وقد مرّ على فراق جسدك إيانا ما مر من الأيام والليالي والشهور؟ وكيف أبدأ نعيك (المتأخر) في قليل من السطور؟.

لعلي أقول أولاً: عذراً.

نعم أستمحيك عذراً يا أخي، فقد وتربينا وتعلمنا منذ صبانا، أن نتشارك في كل شيء، في الأفراح والمسرات ومجابهة الصعوبات وتحدي العقبات وتحمل الأعباء والمشقات، أما في ما واجهتَ بُعَيدَ اختطافك وحتى لقاء ربك، فما كان بإمكاني أن أشاركك فيه أو أن اخفف عنك شدة وطأته.

 وأقول أيضاً: شكراً. شكراً لك على رفقتك لي أيام الطفولة، بكل ما عشناه خلالها من لحظات النشوة البريئة في ألعابنا ومشاعر النغص والضجر في خصوماتنا. شكراً لك على الدروس القيمة في التضحية والإيثار والعطاء التي تعلمتها منك بعد أن كبرنا واشتد عودنا. لقد كنت سباقاً في بذل التضحيات ومعطاءً في تقديم المساعدات ومبادراً في إسداء الخدمات (حتى قبل أن تطلب منك). أما حينما يأتي دورك فتكون أنت المحتاج إلى مساعدة أو خدمة أو معونة فقد كنت تطلبها باستحياء. ألله . . . ما أروعك!. هكذا كانت حياتك: شهادة حية في البذل والعطاء.

ويشاء الله يا أخي أن يكللك أيضاً بشهادة أخرى وهي شهادة الموت حباً وحفاظاً على الحياة. فتحية لك يا صاحب الشهادتين: شهادة الحياة وشهادة الموت في سبيل الحياة. ومبروك عليك إذ نلت الشهادتين. وهنيئاً لك إذ وصلت بر الأمان ونحن ما زلنا نؤدي الإمتحان.

وآخر ما أقول: نم قرير العين أيها الأخ الحنون فلن تبعدك عنّا حتى هذه شوكة المنون، بل سنعيش ونحيا ما قدَر الله لنا من السنين، سنعيش حياتنا كلها ونحن لك ممتنون، سنعيشها لحظة بعد لحظة بكل ما تحمله لنا من أيام مشرقة وأخرى تكتنفها الغيوم، سنعيشها ونحن مؤمنون، بأنك وكل أحباءنا الراحلين، معنا في كل لحظة حاضرون، سنعيشها ونحن بصمت مرنَمون: كل ما يصيبنا هدية منك يا ألله.

إي نعم يا أخي، لقد ضاقت بنا الدنيا واشتدت علينا المصائب ولكن حاشانا أن نتباكى أو نشتكي فنقول: يا رب همَنا كبير، بل سنصرخ ملء حناجرنا: يا همَ ربنا كبير.

بقلم د. عبد المسيح قريو

  شباط 2007