لأعزائنا الصغار

رسامات

عيون بخديدا

Museum متحف

أرشيف الاخبار

فنانونا السريان أعلام

أرشيف الموضوعات

خالد داود يوسف

 

لؤلؤة الحياة

 

بعد ان تكلمنا عن جدي كاهن فلاح وثم سيامته كاهنا وخرج الزارع ليزرع في حقل الرب وهنا دار الحوار بين جدي وبين حفيد صغير له يعيش في جيل اخر يشعر ان جده لازال طفلا مثله فلا يخجل منه ولكن ينظر الى شفتيه بالعجب وهي تنثر كلمات فيها النقاوة فيستقبلها ببهجة وحبور لنقل صورة عن فكر تلك الايام بكلمات على لسان فلاح او زارع او راع كلمة من تلك التي عطرت بها ارض اجدادنا لعلنا نستشف منها فِهما كنا لانشعر به او لازلنا نشعر به ونتمنى تلك الحياة البسيطة لكي نحافظ على تلك القيم  رغم انها صارت عتيقة وقد يقول بعضهم ماتت منذ زمان جدك ايها الطفل.

 

جدي

 

ابني الصغير اعرف عنك انك تحب القصص ولهذا نبدأ كلامنا بحكاية مرت امامي ثم نتكلم سوية كنت شابا اذهب الى الحقل ومعي مجموعة من الفخاخ انصبها لاصطاد عصافير او طائر القطا

وفي احد الايام وانا اتفقد فخاخي لم اعثر الا على طائر قطا واحد قد مسكه الفخ من جناحه وهو لايزال حيا فقلت في نفسي اذا استطاع الطيران ساتركه يطير وارجع عائداً الى بيتي بدون صيد وجرى مثل ما اردت وفي اليوم الثاني كان صيدي خمسة طيور قطا وانا عائد الى البيت صادفني عجوزان جالسين امام باب دارهما فقالت الزوجة : ارى ان نصيبك كان جيدا اليوم ! فقلت لها شكرا للرب فلا ينسى احد كل واحد ينال نصيبه  وادخلت يدي في المخلاة (كيس) واخرجت طيرين وقلت لهما هذا نصيبكما، ففرحا جدا وهم متشكرين لي واخذت الثلاث نصيبنا انا ووالديَّ، ولكن في اليوم الثالث قررت ان ما اصيده سيكون للايتام  فاخذت جميع ماعندي من الفخخ وانا في الطريق صادفني صديق ذاهب الى الصيد فقال لي الى اين انت ذاهب؟ فقلت له الى الوادي التي في سفح الجبل فقال لا يا اخي! تعال معي الى جهة المغيب سيكون اليوم هناك الصيد وافرا، فقلت له ليكن الرب معك فاذهب في طريقك وانا اذهب على نيتي وذهبت ونصبت جميع الفخخ وكانت حوالي خمسين فخ وجلست في ظل صخرة كبيرة قد جرفتها السيول من اعالي الجبل وانا انتظر المغيب او قبله لياتي القطا الى مورد الماء عند الوادي وانا اطلب من الرازق ان يرزق الايتام مأكلا لهذا اليوم كما كان يرزق ابناء موسى النبي في صحراء سيناء من المن وطير السلوى واذا بسرب من الطيور يمر وكالبرق ينزل نحو الماء وبعد قليل طار السرب فذهبت اتفقد الصيد فكان وفيرا لان كل فخ قد مسك طيرا فجمعت نصيب اليتامى وانا مسرور بذلك  ولكن ياابني كانت مسرتي وبهجتي اعظم عندما وزعته بين من يستحقه

هذه قصة كان جميع اهالينا يفعلون مثلها واحسن منها ولتكن عبرة لك ولليتيم الذي غدا سيكون غنيا بالمال والجاه  ولا ينسى وليعلم ان الرب لاينسى احدا.

" سيأكل الوضعاء ويشبعون ، ويُسَبح الرب ملتمسوه، لتحيَّ قُلوبكم للابد" مز 22/27

 

حفيده

 

انها قصة جميلة ياجدي ولكن فيها معاني كثيرة تبحث عن الحكمة فهي كخطوة اولى في ممارسة الحكمة وحتما انك كنت مقتنع بواجب اكتسابها وبالتضحية من اجلها وكما يقول المثل " رأس الحكمة اكتسب الحكمة وبكل ما كسبت اكتسب الفطنة " مثل 4/7.

ماذا كنت تريد ان تكتشف من هذا عملك ؟ وهل كنت تتعلم طريق الحياة منتظرا من الرب ان يبن لك السبيل والطريق الصحيح للوصول اليه كما يقول المزمور16/ 11 " ستُبين لي سبيل الحياة "

 

 

جدي

 

يا ابني مهما فتشت وبحثت ستبقى حركتك محدودة ولكن لنا الكلمة التي يجب ان تُزرع في القلوب وتملأ النفوس والروح لتنير الافكار فتتحرك الاجساد بهدوء وباتضاع في دائرة اكتشاف الكنز الثمين المدفون في حقل الحياة فيكون الفرح عند معرفة قيمة الكنز واللؤلؤة الثمينة وكيف يتم الحصول عليه

" مثل ملكوت السموات كمثل كنز دُفن في حقل وجده رجل فأعاد دفنه ، ثم مضى لشدة فرحه فباع جميع ما يملك واشترى الحقل ، ومثل ملكوت السماوات كمثل تاجر كان يطلب اللؤلؤ الكريم ، فوجد لؤلؤة ثمينة فمضى وباع جميع ما يملك واشتراها ܀ متى 13/ 44ـ 46

قد تقول لي تفسيرك وشرحك للكلمة قديم  ولكني اقول لك ما قاله الملفان غريغوريوس الكبير في القرن السادس حين قال بان الكتاب المقدس يتطور بوجه من الوجوه مع الذين يقرأونه اي مع بقائه على ما هو يجد فائدته في تعاقب الازمنة والقراءات التي نقوم بها وبهذه الطريقة ينمو لا لانه يغير محتواه بل لانه بهذه الطريقة فقط يستطيع ان ينشر شيئا فشيئا مما يحتويه من كنوز ليتقبلوه .

وكل من يتتلمذ للمسيح يُمنح منزلة فريدة في التدبير الالهي يصير كاحدالانبياء او الحكماء او من كتبة الشريعة الجديدة وكلما تعمق في الايمان وسار في نفس الطريق الذي سلكه الاولون نال القداسة.

"لذلك كل كاتب تتلمذ لملكوت السموات يشبه رب بيتٍ يُخرج من كنزه كلَّ جديدٍ وقديم" ܀

متى 13/52

حفيده

 

نعم يا جدي وانك صرت كاهنا وزارعا للكلمة بعد ان كنت فلاح حقل فصار عملك وتفكيرك وواجباتك مختلفة وصعبة لانك الآن تذيب لياليك لتحضر طعاما للجائعين الى غذاء غير غذاء التراب الفاني فتهرق عمرك حتى الذوبان في خدمة من يتألم وتحنو على من ذله الزمان ، خدمة وعطاء لا تطلب منها ردودا واسترجاع بل خدمة الـلـه فانت تبغي كنزا في السماء كنزا حقيقيا لا يُفسده السوس والعث ولا سارق يسرقه.  "بل اكنزوا لانفسكم كنوزا في السماء حيث لا يُفسد السوس والعث، ولا ينقب السارقون فيسرقوا ، فحيث يكون كنزك يكون قلبك "܀متى 6/ 20

ولا يمنعك شئ من الخدمة والسير على الطريق الصاعد الى جلجلة الحياة ، فقلبك جلجلة يسمر عليها الصلبان ونفسك نوافذ مشرعة على الافاق الرحبة لا تنغلق بوجه البائس والمحروم.

والان بعد صرت كاهنا تدخل بيت الاقداس ورجل بيت اللـه كما يقول الكتاب " الكاهن رجل بيت اللـه يحل له الاقتراب من العليّ"܀ خر 28/43 . ماذا ترى ان يفعل الكاهن ؟

 

جدي

 

يا بني يستطيع كل انسان ان يصير كاهناً للانسانية يحمل افراحها واتراحها، يأسها وآمالها، جحيمها ونعيمها فيشعر اكثر من غيره بما يحث في نفس كل انسان فيخدم الانسانية ويصير صوته صدى لنداء الحب والمحبة وحب العطاء بلا حدودوالاتضاع والتسامح ومقاومة المظالم لاحقاق الحق.

"أما انتم فتُدعون كهنة الرب ويقال لكم خَدَمَةُ إلهِنا "    اشعيا  61/ 6

واني استشهد بقول للملفان يعقوب السروجي من القرن الخامس حيث يقول"

شرفني العالم يوم اجلسني في اول المتكئات وخدعني بانحناء الشباب  رسائل 40

ولكن اقول يجب على الانسان والكاهن خاصة ان يصير صديقا لله ويدخل في سر أُلفته ولا يتم ذلك الا بالمحبة المتجاوبة مع محبة المسيح وتُترجم في الواقع بخصبٍ ناتج عن حفظ وصاياه لانه بفعل دعوة الكاهن او الراهب او الراهبة هي دعوة ونذور الى حياة الصداقة مع الرب الذي فتح لنا قلبه بواسطة وحيده وكشف لناعن وجهه الصحيح عبر المسيح المتجسد " والكلمة صار بشراً فسكن بيننا ، فرأَينا مجده مجدا من لدن الاب ،لابن وحيد ملؤه النعمة والحق "܀يو 1 /14

لنسير نحن ايضا في طريق المسيح  كما سار الرسل والمسيحيين الاوائل وننال مجدا من الاب ايضا بثمارالمحبة التي تثمر بتمسكنا بالحب كما هو احبنا وقدم نفسه فداء وخلاص لاحبائه وقد اوصانا بالمحبة فقال:

"أحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم ، ليس لأحد حب اعظم من ان يبذل نفسه في سبيل أحبائه ،فإن عملتم بما اوصيتكم به كنتم أحبائي"܀  يو 15/ 12 ـ14

انها المحبة والتنازل عن كل شئ دنيوي من اجل لؤلؤة الحياة ملكوت السموات والسعي نحوها  فهي اغلى من المال فاذا اردنا ان نكون مسيحيين حقيقيين ان نعمل اعمال صالحة تليق بالمسيحي حسب ما اراده المسيح وان نتحمل الالم لكي نتعرف الى الحب ومعناه الحقيقي كما يقول الكاتب نوفاليس    " الذي يجهل الالم لن يتعرف الى الحب " لانه ما من احد يستطيع ان ينعم بشعاع اللـه ما لم يصعد الى قمة الالام حيث الجلجلة.  فعندما يرقى الى قمة الجلجلة ويسمر اهواءه هناك ويتناول الخل كعلقم ويشعر بالالام التي يعانيها الضعفاء والجياع واليتامى والمهمشين هناك يكون شعاع اللـه النابع من الصليب طريقا له طريق الحب والفداء وبذل النفس الى لؤلؤة الحياة.

"هناك رجال رحمة واعمال بِرهم لم تنس " سيراخ 44/ 10

ولقد اكد الملفان يعقوب السروجي على الفضائل الكهنوتية والرهبانية في الكنيسة  وانتقد محبة المال التي تغلغلت في زمانه في حياة الكهنة ونقطف هذا المقطع

 

( لنأت الآن ونتابع ما يجري في البيعة من قبل هولاء القابضين على مفاتيح سمعان ، لننظر الى التصرف والى اين وصل؟ نجد اليوم محبة الفضة استحوذت على التلاميذ وعلمتهم ان يحترسوا بما يملكون، ويركضوا وراء ما لايملكون، ويحرموا القوت عن فم الايتام، ويملاوا اكياسهم الواسعة ، ويودعوا فضتهم لدى الصيارفة ،ويفسدوا نفوسهم بالارباح الدنسة ... ان المال الذي يتعين ان يكون لسد عوز المحتاجين أُتلف في الولائم، وفُقد بالسرقات وأُعطي للاهل وتنال منه كل الارواح الاثيمة ، اما الذين خُصص لهم  فيموتون جوعا في الشوارع )  رسائل 152/153

"اذاتَخليتَ عن لُقمتكَ للجائع، واشبعت الحَلق المعذب، يشرق نوركَ في الظلمة ويكون ديجورك كالظهر،ويهديك الرب في كل حين ويشبع نفسك في الارض القاحلة " اشعيا 58/ 10 ـ11

ونعود بقول رائع للملفان يعقوب السروجي يعطينا مثالا على تجرده الشبيه بالتجرد الرهباني

"في العالم لم اقتنِ شيئا كما تَعلم انتَ ايضا ولا اتوخى ان اقتني" رسائل 230

 

حفيده

 

نعم ياجدي ان كلامك وشرحك مفيد جدا ولنختتم بمقطع  للشاعر طاغور الذي لم يخش عند ساعة الفراق ان يكون خالي اليدين ، فان في قلبه نور الامل

 

من عرشه الازلي

نزل المسيح الى الارض

وفي كاس الموت المرير

سكب حياته الابدية

للذين لبوا نداءه

وللذين ظلوا الى الوراء...

***

هذه ساعة الرحيل

ا

لا تسألوني عما احمل ،

اني ساسافر فارغ اليدين

طافح القلب بالآمل...

الطير يحلق في الفضاء،

لا ليذهب في تحليقه الى الخلاء

بل ليرجع ثانية الى ارضه العظمى

***

خلصهم ! انتَ يا ذا الحياة الابدية

وليسمعوا صوت الرجاء ، صوتك الازلي ...

 

***

 

خالد داود يوسف 15/10/ 2009

المراجع

الكتاب المقدس

الايام الستة يعقوب السروجي ـ الاب الدكتور بهنام سوني 1

 

اكبس هنا للانتقال الى الصفحة الرئيسية للاستاذ خالد