لأعزائنا الصغار

رسامات

عيون بخديدا

Museum متحف

أرشيف الاخبار

فنانونا السريان أعلام

أرشيف الموضوعات

إبراهيم كولان

 

مسرحية

كوركيس والتنين

إبراهيم كولان

 

الشخصيات

 

الملك/ ابنته/ القائد/ الحاكم/الوزير/ كوركيس/ الكورس (صوت الجماعة)/ حارسان/ آخرون..

 

الجزء الأول

القائد:       (الملك والحاشية والكورس -الذي يمثل الأهالي- الكل في حالة جثوم, يبدو على الجميع القلق والخوف والحيرة يتقدم القائد) مولاي! لم يعد شيء نقدمه إلى هذه الآفة....

الوزير:      لم يبق في المدينة أضحية لنقدمها, حيث انتهت كل قطعان الماشية والداجنات, لم يبق في المدينة شيئا نجود به لنتقي غضب هذا الطافح بالموت الذي يتربص بنا......

الملك:       هذا ما جئتم تخبروني به؟! ألا تبت القدرة والنباهة فيكم....

القائد:       علينا أن نتحلى بالشجاعة أمام مولانا لنقول ما يفيد المملكة, وما يخفف من وقع الكارثة المحدقة....

الملك:       وماذا بعد؟!

القائد:       سنين مرت ونحن نقاتل هذه الآفة, وما من جدوى, إنها كالخيال بل كالوباء طافح بالموت والقسوة, أكل نصف جندنا, وان توسلنا في مقاتلته سيأتي على البقية الباقية من الجند.

الملك:       وماذا تقول ايها الوزير؟

الوزير:      مولاي! لم يبق إلا أعجوبة تخلصنا من الكارثة المحدقة, لقد قطعت كل السبل أمامنا لم نترك طريقا إلا وسلكناه, لم يبق وسيلة إلا وجربناها, لكن القدر ضدنا بالمرصاد....

الملك:       أصبحت الحيرة تقض زوايا المدينة, ها نحن الآن في موسم الربيع وبدل الفرح نسكب الدموع, ما أن يقترب الربيع بنسمات الفرح حتى تهب علينا نسمات الحزن والقلق, دهور ونحن نقاتل هذا الآفة, أكلت زرعنا وضرعنا وأولادنا, في كل مرة في كل موسم, انه الموت بعينه يتربص بنا ساعة بعد ساعة....

الوزير:      لو كان الموت وحده كان أهون, لكن الذلة والخوف والخنوع تلازمنا كظلنا, يسير مع المرأة حين تذهب إلى العين, وبدل الماء تملا جودها بالدموع, يسير مع الصيادين ليعودوا بأذرع مبتورة وأجساد مشوهة, أما الشيوخ والفتيان فليس لهم سوى أن يتفرجوا كالنساء من فوق أسطح المنازل على نكبات كل من يخرج من المدينة (تصدر أصوات غريبة وقرعات منذرة).....

الكورس:    (الذي يمثل الشعب) لم تبق دمعة لم تسكب......

الكورس:    (احد من الكورس) لم تبق كرامة لم تهدر......

الكورس:    (كذا) لم يبق ضرع لم يجف......

الكورس:    نهارات مهانة وليالي تملؤها الكوابيس......

الكورس:    خوف في الليل وذل في النهار من هذا الوباء الذي افسد القلوب والأفئدة......

القائد:       ماذا نعمل ولا شيء تبقى لنا إلا إرادة الملك......

الملك:       (للحاشية) هذا ما تبقى لكم لتقولوه......

الوزير:      نحن رهن أوامرك سيدي......

الملك:       أرشدوني على رأي صائب ايها الوزير......

الوزير:      سيدي! لم يبق إلا الحاكم قد يعيننا برأي جديد نسترحمه برأي سديد.

الملك:       (فليدخل الحاكم, مع نفسه) أيكون غضب الآلهة يهبط علينا المرة تلو المرة! ......

الحاكم:      (يتقدم رجل كهل) لأي أمر دعاني مولاي؟

الملك:       لم يبق لدينا شيئا نضحي به لتذهب عنا هذه المحنة (أصوات عاصفة) هل تسمع؟! انه يمزق القلوب, جاء اليوم ليأخذ حصته, وما من بقية نقدمها......

الحكيم       (بعد تفكير) لم يبق إلا أن نقدم له أضحية بشرية! ......

الملك:       بشرية؟! ماذا تقصد من وراء هذا الكلام؟

الحكيم       أليس الأفضل أن يضحي احد بنفسه من اجل إنقاذ مدينة, هذا ما يجب أن يكون إذا أردتم أن يصون الملك, لا مناص من الضحية لتنقذ المدينة ......

الملك:       ومن عساه يكون؟

الحكيم:      فتاة حسناء تدفع شره!

الملك:       فتاة؟ مالذي حدا بك أن تفكر بفتاة؟

الحاكم:      أما يكفي ما خسرنا من شبابنا ورجالنا في المعارك والحروب....

الملك:       ما من بديل للصعب إلا أصعب منه......

الحاكم:      قضاء نفس أفضل من القضاء على جميع النفوس, يجب أن تفدى المملكة بأحد أبنائها......

الملك:       ومن تكون تلك الفتاة يا ترى؟

القائد:       لنختار من المدينة أفقر فتاة, فلتكن ابنة فقير, أو مسكين, حتى لا تثار مشكلة ما......

الحاكم:      محال! أن نختار بهذه الطريقة الواهية, بل بالقرعة! سنجري قرعة بين فتيات المدينة كلها, أليس هذا من العدل والإنصاف؟!

الملك:       فلتكن الآلهة في عوننا إذن! صلوا للآلهة, ولتكن قرعة إذن تحكم الجميع (يحضرون الصندوق).

الكورس:    ترى على أي تلة سيخيم العويل هذه الليلة؟

الكورس:    على أي بيت سيقع الاقتراع  وباب من ستطرق يد الفاجعة هذه الليلة؟

الكورس:    الى متى سيأخذ أبناؤنا هذا الوباء الجارف؟

الكورس:    ترى من سيكون الآتي ايها القدر؟

الكورس:    ومن ذا الذي سيقع اقتراع الفاجعة عليه غدا أو بعد غد أو بعد بعد غد......  

الملك:       (يفتحون الصندوق, تردد, حذر, نظرات خائفة) فلتسرعوا في إعلان القرعة لتعبر هذه المحنة عن أبصارنا (صمت) هل شدت ألسنتكم؟ تكلموا!

القائد:       هل سنعيد القرعة يا مولاي؟

الملك:       لماذا؟ اخبروني مالذي حصل؟

الحاكم:      (يقدمون له الورقة) ابنة الملك يا مولاي !! ......

الملك:       (حين يرى الورقة ينصعق) ابنتي أنا؟! هذا لا يعقل! الم يكن للقدر مهبطا آخر غير ابنتي الوحيدة؟! لا بد أن هنالك خطا ما, مستحيل أن افقد ابنتي بهذه البساطة؟!

الحكيم       أليس هذا ما أرشدتنا إليه يا مولاي؟!

الملك:       محال أن يكون هذا, أي حظ سيء أحاق بي هذه المرة! ابنتي؟! لا لا أبدلوا الصندوق بآخر... (صمت من الجميع) وماذا إذا أمرت أنا بذلك؟ إنني آمر بذلك, تستبدل القرعة! (أصوات وضوضاء وصراخ احتجاج يتطلع إلى الوراء) ما هذا؟

الحاكم:      انه صوت الشعب يا مولاي!

الكورس:    حين نموت نعرى نجوع يختفي كل ذكر لنا وتعمى كل بصيرة...

الكورس:    حين يكون الموت فاغرا فاه فنحن في الأمام......

الكورس:    حين تمتد الرقاب تحت المقصلة, يغطي العار الدم وتغطي الرذيلة الفضيلة......

الكورس:    حين يشتد عويل العاصفة, ستنهار سقوف المساكين أول الأمر......

القائد:       سيدي الشعب الهائج يتسلق الأسوار......

الملك:       أهذا فوق ما نحن عليه, الآن يقوم الشعب؟ أهذا وقت تذمر؟ ماذا يريد الشعب؟ ليس هذا وقت تمرد!

الكورس:    إنها الآفة تسد العقول والقلوب, فلتقطع كل آفة تقبض على أفئدتنا......

الكورس:    فلتزهق كل أمراض الحقد والأنانية والجهل في نفوسنا......

الكورس:    هي آفة العصر وكل العصور, الذلة داء ما من دواء غير التضحيات......

الكورس:    الهوان خيمة لا تمزقها غير السيوف......

الكورس:    كيلا نموت, نجوع, نعرى, نذل, نهان, أن نعدل....

الملك:       (صارخا) بابنتي ايها الرعاع؟!

الكورس:    إن سقطت المأساة على الشعب, يقدم قربانا رخيصا للتيجان......

الكورس:    حين يجيء دور أبناء الملوك, يقف القدر مع الملوك أيضا......

الكورس:    سنين ونحق نقدم قرابين الطاعة والخنوع......

الكورس:    أهذا حكما ايها الحاكمون؟ أهذا عدلا ايها العادلون؟!

الملك:       خاب ضنكم إذن! ما من احد يسلني ابنتي أنا الملك, وانتم الرعية, أنا الآمر وانتم المطاعون! اعيدوا القرعة من جديد (خوف وصمت, تدخل الفتاة ابنة الملك فجأة) مالذي أتى بك في هذه الساعة الرهيبة؟ أخفوها ريثما نجد لها بديلا...

الفتاة:       لا يا أبي! لن ابرح المكان إلا واكلل رأس أبي بأكاليل الغار والفخر!

الملك:       هل تعرفين مالذي يجري؟ أتعرفين مالذي سيكون؟

الفتاة:       اعرف بان أبي له الشرف أن يكون ملك الملوك! ستضفر له أكاليل المجد هذا اليوم!

الملك:       لكنها حياتك يا ابنتي هذه المرة! انك لا تدركين؟

الفتاة:       بلى أدرك يا أبي ومولاي......

الملك:       ليس هذا دورك الآن لتلعبيه!...

الفتاة:       بلى! لقد نهض دوري الآن, بل هو دوري هذه الساعة, سيلفظني الموت إن جاءني في غير هذه اللحظة! وان مت غدا سيجللنا العار ما حيينا...

الملك:       من أين دخلت إلي في هذه الساعة النحسة؟!

الفتاة:       الأبوة تأبى إلا أن تنهض في هذه الساعة! لا مكان لعواطفك النبيلة الآن يا أبي, لن أرضى لأبي إلا مصير المخلدين عبر الزمن...

الملك:       لكنه قلبي هذه المرة!

الفتاة:       مبارك نبل قلبك ابد الدهر, لبقاء الممالك يا مولاي, تكون العواطف أسرة الدمار والرعونة والجهل والذل والخنوع!  ولا أريد لأبي غير أكاليل والغار والجبروت والمجد! أم هل تريدنا أن نعيش تحت سياط نظرات الجبناء واستهجان كل عابر سبيل؟ لا أريد إلا أن يشار إلى أبي, هذا ملك تليق به كل التيجان على مدى العصور...

الملك:       ولكن ابنتي!....

الفتاة:       اعرف يا أبي إن صوتك الآن يشتعل بالأبوة المقدسة, وهذا بعض من حقك, لكني فقط هذه المرة, أتوسل إليك أن ألبسك بيدي قلائد الغار! استميحك العذر وأرجوك للمرة الأخيرة في حياتي أن تستجيب لندائي, لآخر مرة في حياتي أصغي إلى صوتي أنا...

الملك:       (يضع رأسه بين يديه) أيتها الآلهة!

الفتاة:       دعني يا أبي أتلذذ بآخر ساعة في حياتي, أن اكلل أبي بالعزة والشموخ والكبرياء! إن كنت تحبني يا أبي حقق لي رغبتي للمرة الأخيرة, لأذهب في اهدأ روح وأصفى بال, وأهنأ نوم في أحضان المجد...

الملك:       (متراجعا مستسلما) ألا تبت يد القدر!

الفتاة:       أبي! أرجوك أن تتقبل الأمر بشجاعة الملوك, ولترضى نفسك عن روحي في هذه اللحظة (يشير عليهم الملك فينسحب وينسحبون بحزن وهدوء, يتقدم حملة المشاعل فتحمل على محفة, ويكللونها بالإكليل والتاج الذهبي, ويلبسونها ثوب العرس الأبيض)

القاضي      (احدهم متسربل برداء القاضي, وبحماس وخطابية عالية) ها هي ابنتنا تلبس ثياب عرسها الخالد, نسير وتسير معنا بمهابة وخشوع, مشيعين ذبيحة إلهية إلى المجد والسؤدد والعرفان, وتتقدم هي بنفسها, سالكة بذلك طريق التضحية, باذلة ببذخ نفسها من اجل المدينة والناس والحياة, ذلك هو العهد الذي قطعته ابنتنا المنذرة نفسها قبل غيرها قربانا مجانيا لتهب الحياة للآخرين (نثر الزهور وضرب الصنوج) ها هو يسير موكب الفرح إلى السمو, والرفعة, والخلود, والزهو, والسعادة الأبدية, معطرة بالصفاء والإلوهية, هكذا تنجب المدينة الأبناء إلى المعالي والبر....

الكورس:    (بصوت جماعي)  المجد والطوبى للذين يموتون من اجل الآخرين..

الكورس:    بالفرح يموتون وبالمجد يحيون...

الكورس:    المجد والطوبى للورد والوفاء.... المجد للحب والعرفان والجميل....

الكورس:    منتصرين على الجبن والتخاذل والأنانية والخنوع....

الكورس:    والويل لمن يضعف أو ينكث أو يستغيث أو ينكص أو يحنث.... (تسمع أصوات كقصف الرعد, ينظر الجميع إلى بعضهم ويشيرون بالهروب, يختفي الجميع لتبقى وحيدة ساكنة, ثم تجلس تضع يديها على وجهها, وتركع منتظرة مصيرها بكل استسلام)

كوركيس:   (يسمع صهيل خيل مختلط بصوت عاصفة هوجاء, تنكمش الفتاة من خوفها, تنهار على الأرض لينكشف الغبار عن كوركيس الفارس الضخم, حاملا الصولجان والرمح, يقفز من عل إلى أسفل, ينظر حواليه, يعدل من هيئته كمن انتهى من معركة قاسية خاضها, يرى الفتاة, يقترب منها, يقف على رأسها طويلا, يريد لمس كتفيها فتستيقظ من غشيتها كأنها في حلم أو كابوس) أيتها الأميرة!

الفتاة:       (شاردة الذهن) من أنت؟ أين أنا؟ ماذا حصل؟ (تستذكر نفسها) محال! يجب أن أكمل المهمة! لم منعتني ايها الغريب من الذهاب؟

كوركيس:   (بهدوء) ملكة تبكي وعلى رأسها التاج؟

الفتاة:       اتركني بحالي!

كوركيس:   عروس تسير وحدها وما من عرس ولا ناس يسيرون في عرسها!

الفتاة:       اذهب عني ايها الغريب, لم تريد أن تموت معي!

كوركيس:   عروس تقيم عرسها لوحدها؟ لن اذهب حتى اعرف!

الفتاة:       اذهب أنت أيضا لئلا يطالك الهلاك! فاغرب عن وجهي ايها الفارس الغريب..

كوركيس:   هلاك؟! أميرة؟ وبكاء؟ وموت؟ لا بد أن أمرا غريبا يجري! ...

الفتاة:       وما من احد من المملكة استطاع أن يخلصنا من هذه الآفة الخبيثة!

كوركيس:   (يضحك) أكملي الحكاية أيتها الأميرة؟

الفتاة:       هل ترى تلك البحيرة يخرج منها تنينا هائلا, دمر مدينتنا واخذ أولادنا فاذهب عني, ابتعد يا سيدي قبل أن يخرج ويبتلعنا......

كوركيس:   انهضي يا فتاة واستبشري خيرا..

الفتاة:       (تبكي) الخير في موتي! لا تمنعني...

كوركيس:   لن تموتي ولن يمسك العفن بعد الآن! انه قد مات......

الفتاة:       مات؟!!!

كوركيس:   لقد قتلت النتانة والقذارة ولن تأخذ العفونة أحدا بعد الآن!....

الفتاة:       قتلته؟! لا اصدق!

كوركيس:   (يشير إلى الخلف) لقد قتلت الجبن والعار والرذيلة والحقد والخنوع والذل والأنانية...

الفتاة:       هل أنا احلم أم في حقيقة؟!

كوركيس:   بل أنت في الحقيقة! واذهبي إليه ترينه مذلولا مهانا مرميا على قارعة الطريق...

الفتاة:       من أنت؟!

كوركيس:   شفيع البؤساء والمساكين...... كوركيس!

الفتاة:       كوركيس, قاتل التنين؟! هذا الذي أطعمنا الهوان والذل وأشربنا من كاسات المر والعلقم والدم؟! أين هو أريد أن ارتوي من دمه......

كوركيس:   انه هناك خلف التلة! انه خلفنا مرذول من ذؤابات الدم التي تسير خلفه......

الفتاة:       (بغمرة الفرح تهرع إلى الأكمة وتغمر كفها في دمه وتعود فرحة رافعة كفها بالدم, لتضربها على ظهر كوركيس) عرفانا بالجميل ليرى أبي كف ابنته على ظهرك (تقبل يده ورمحه فيسحبها ويحملها على ذراعيه, يسرون معا) ......

القائد:       (تستقبلهم حاشية الملك) انظروا إليه هذا الغريب لقد منع الفتاة من التقدم بالأضحية......

الوزير:      من الذي دعاك ايها الغريب لتفسد فيه ما عزمت علية الفتاة؟! لتفسد فيه أمرنا من اجل إنقاذ المدينة.

الحاكم:      من أنت ايها الغريب حتى تتدخل بشؤون المملكة وتمنع الفتاة من أن تقدم نفسها أضحية للآلهة......

الفتاة:       بل أفسحوا عنا واخلوا الطريق ليتقدم البطل......

القائد:       ماذا جرى؟! هل تريدين تحنثي العهد؟ أما ذهبت بطوع إرادتك؟! مالذي أعادك أيتها الفتاة؟ أم هل أتيت لتنتقمين منا!

الفتاة:       بل قتله البطل كوركيس, قتل الذي دمر وافسد الهواء ومزج الدم بالتراب, وعبث بالخراب في نفوسنا وأولادنا! هذا الذي دمر قرانا وخرب مدينتنا واكل أبناءنا, بشراك أيتها المدينة! مات العفن والفساد والخسة والدناءة, قتلها كوركيس!...

الوزير:      قتل التنين؟

الفتاة:       أمثاله يجب أن تتغنى يهم كل العصور تذكرهم الأجيال عبر المدى والمسافات, أبي تعال انظر! بل تعالوا جميعا انظروا إلى المنقذ المخلص, طوبى للأبطال أمثالك, احملني إلى أبي ابشره البشرى المسرة, لقد قتل الحقد والأنانية والجهل والسوء في نفوسنا....

الملك:       (يتقدم الملك) لا اصدق عيني! ابنتي أمام ناظري كتبت لها الحياة من جديد؟!

الفتاة:       ذلك الذي ارهبنا انه يسير بذل خلفنا, تلك الدناءة والظلام والخطيئة تسير محتقرة خلفنا, نحن دحرناها إلى الأبد....وليذكر كل جيل وكل الأجيال شارة تمر عبر العصور تمسح بيدها كل رديء وسيء ودنيء ونجس, لا ينساها الزمن...

الملك:       أيتها الآلهه! لا اصدق عيني, من ذا الذي أنقذ ابنتي؟ دلوني عليه.....

الفتاة:       (مشيرة إليه) هذا الذي تحكي عنه الأجيال! هذا الذي سيكون حكاية الأجيال بالنصرة للمظلوم والإيثار من اجل الآخرين مدى الدهور, شارة لكل الشعوب والخيرين أن ينتصروا للحق, بلا منة أو خوف أو طمع أو خنوع...

الملك:       ابنتي! قرة عيني! إنها حياة جديدة نحياها, احملوه على الأكتاف انه البطل المنقذ المبجل, فليحمل على الهامات إجلالا وإكبارا! تعال قل لي ايها الشاب الغريب قص لي قصتك بالتمام..

كوركيس:   بعد أن حط حمل المعركة من على كاهلي, لأعدو إلى مدينتي مبشرا, وفي طريقي وأنا مار على أطراف مدينتكم, رأيت فتاة جميلة بثوب ابيض على رأسها التاج تسير بتثاقل وحزن, ولفت انتباهي الناس فوق الأسوار في غير هيئة, فرأيت مفسدة تلف المدينة بأربعين وباءا, ولم أجد نفسي إلا وأنا اغرز الرمح في جنبيه....

الملك:       بوركت اليد التي تزرع الحياة للآخرين, بوركت اليد التي تنتزع الحياة من كل فساد وعفن, فلنعطيه حقه من الإكرام والتبجيل والعرفان بالمعروف, وليحمل على الهامات تعظيما وتبجيلا هذا الذي مسح الذل عن جبهتنا.....

كوركيس:   كان هذا واجبا ملقى على أكتافي, فلا منة ولا شكر يا مولاي.....

الملك:       من الآن ستكون اقرب الناس إلى جانبي, وأنت أيتها الأميرة ابنتي ماذا تقولين عن العهد؟ (همسات وإشارات بين الحاشية, ويظهرون تبرمهم)

الفتاة:       القول في ما تقوله يا أبتي, إن هذا الأمير ليستحق منا كل خير وكل ما يطلب, والعهد عهد الملوك.....

الملك:       لك ايها الأمير وهبتك إياها, وكل ما تأمر به من مملكتي اقطعه لك وأوكله لذراعيك مالا وذهبا وأملاكا (يتراجع رجال البلاط متبرمين)..

كوركيس:   لكنني يا مولاي لا انتظر جزاء لعمل الخير أو شكرا على إنقاذ حياة آخرين, هكذا علمني إيماني, لا أرجو مقابلا عن فعل الخير, هذا ما يريده مني معلمي....

الملك:       باركتك الآلهة (يحضنه ويضعه على يمينه فتسري بين البلاط همهمة) كنت أتمنى أن يكون لي مثلك من القادة والأمراء كثيرون لأصلح شان المملكة.....

كوركيس:   (يتراجع رجال البلاط غاضبين) أنا لا اطمع في ملك ولا في مال, وابنتك تستطيع أن تجازي فيها ملكا جوارك, أو أمير, بل لا اطمع في شيء من مباهج الدنيا غير أن اثبت الدين الجديد راياته على التلال والأكمات..... 

القائد:       (يهمس للحاكم) البساط يسحب من تحت أقدامنا شبرا شبرا...

الوزير       سيأخذ مكاننا من حيث لا ندري...

الملك:       وليكن فرحا ثلاثة أيام تقيم بيننا, عسى أن ترضى علينا الآلهة (ضربة موسيقية)

رجال البلاط  (بصوت واحد تعقبه ضربة موسيقية) لا!!!!!

 

الجزء الثاني

القائد:       والآن لا يعرف أحدا من قتل التنين غيرنا, لا يجب أن يعرف العامة من هو هذا الغريب الذي يسمى كوركيس, كل ما يعلموه إننا قدمنا الفتاة أضحية لمعركة نحن أبطالها, فقتلناه وأنقذنا الفتاة...

القائد:       هذا ما يجب علينا قوله, لقد أرسلت عيونا بين الشعب لتقول لهم بان آلهتنا سحقت الآفة الكبرى, ويجب أن لا يسمح له أن يخرج ليعرف عنه الأهالي شيئا...

الوزير:      لقد حكمنا خطتنا ليخفى ذكره إلى الأبد....

القائد:       انه يتكلم كلاما غريبا عجيبا, لو سمعه الأهالي لما كان لنا في الأرض قائمة, أتذرع للآلهة أن نتجاوز ذيول هذه المحنة, لكننا سنقضي في أمره أمام الملك ونوقع به لئلا يصبح مثار فتنة في المملكة....

الحارس1    (يدخل الحارسان وهما يقودان شخصين مقيدين) سيدي هذان الشخصان كانا يتآمران...

الحارس2    سمعتهما يقولان بان من قتل التنين هو هذا الغريب الذي اسمه كوركيس....

الحارس1    لكننا حرصا على المملكة, واتينا بهما في اللحظة وهما يتكلمان بخير عن الوافد الجديد......

القائد:       (بدهشة مفاجئة) محال! من أين لكما هذا الكلام وقد سدت كل نوافذ الأخبار؟ من أين عرف هؤلاء الرعاع؟ أيشمون الأخبار أسرع من القطط ؟ ما العمل سيدي الوزير؟

الوزير:      هل سمع شخصا آخر غيركما هذا الكلام؟

الحارس1    ابدا! لقد أطبقنا عليهما في غفلة كما تطبق أرجل الصقر على الفريسة!....

الوزير:      ايها الحارسان إياكما أن تقولا لأحد هذا الكلام!

الحارس1    أمرك مطاع يا سيدي!

الوزير:      فليحجر على هذين الجروين, وأنتما انصرفا وشانكما ولكن توخيا الحذر, أن سمعت هذا الكلام من غيركما سيكون جزاؤه رأسيكما, هل فهمتما؟ واستمرا في مناوبتكما ولا تعطون المناوبة إلى النوبة التي بعدكم حتى نرى ما الأمر (يغادران مع المقيدين)...

القائد:       يجب أن نتدبر أمر هذا الغريب أولا...

الوزير:      يجب أن يرحل كوركيس اليوم, يجب أن نتصرف كما يجب أن يكون, وإلا ذهبنا في تهلكة (ينادي) فليدخل كوركيس! كان على الملك أن لا يعطي لهذا الغريب هذه المكانة التي في نفسه فيزوجه ابنته....

القائد:       يجب أن يقنع الملك بخطورة كوركيس, وعلينا إحاطته علما بما عليه أن يتكلم في حضرة مولاي الملك!.

القائد:       (يدخل كوركيس) الم تفهم بعد؟

كوركيس:   بلى قد فهمت!

القائد:       لست أنت قاتل التنين!

كوركيس:   أنا لم اقتله!

القائد:       بل نحن الذين قتلناه! أسمعت؟!

كوركيس:   ولا انتم ولا آلهتكم! إنها معجزة الخالق بعبده!

القائد:       دعك من هذا الكلام الذي يلوك به لسانك, وأصغ إلى ما نقوله نحن لك..

كوركيس:   بل أصغ إلى صوت الضمير والحق والنور, هكذا يقول معلمنا, أن ننصر المظلومين ونعطي المحتاجين...

القائد:       وهل أنت حاكم لتنصر المظلومين وتتكلم عن عطايا المحتاجين؟

كوركيس:   ليس المهم انا او غيري او من يكون, نحن لا يهمنا من أنار الظلام, بل يهمنا أن يسود النور...

القائد:       من تحسب نفسك لتكلمنا بهذا الكلام؟

كوركيس:   لست إلا حاملا لرسالة النور في قلبي, الخير والتسامح ومحبة الآخر, والأخوة والفرح والتعاون والتآزر جزء من كياني, هذا هو العهد الجديد الذي يجب أن  يسري في عروق البشر في هذا الزمن المبارك....

الوزير:      ألا رجعة عما يلوك به لسانك العنيد هذا؟!  سيحصل ما لا تحمد عقباه....

كوركيس:   ما ذنبي إن تشربت عروقي بدماء الإنسانية والصلاح؟ ما ذنبي إن كنت عبدا للحقيقة؟ ثم ألا يجب على الجميع أن يكونوا عبيدا للحقيقة؟ وعلى الكل الانصياع إلى صوت الضمير الحي؟..

القائد:       هذا كثير, ماذا ننتظر بعد أن أطلق لسانه بلا حدود, يجب أن نحمل الملك على ما يبصره  بخطورة الأمر! سيقود فتنة لا قرار لها, هل علينا أن نعطي له الحرية في الانجرار الى هذا الكلام لكي يلطخنا بالعار؟! انه يذهب أكثر من انهيار مملكة...

الوزير:      احجروا عليه إذن (يتلقفه الحرس)....

صوت الحاجب:         (ينادي بقدوم الملك) مولانا الملك!!

الملك:       (يدخل الملك يتراجع الجميع) مالذي يجري في الحال؟ أوجز ما أنت قائله...

القائد:       مولاي! قبل قليل أتوا باثنين من الغوغاء يتكلمون عن هرطقة جديدة! يظهر بان هناك تخرصات من بعض العامة حول ما يتفوه به هذا الغريب عن الدين الجديد والأفكار الوافدة من خارج المملكة, وقد ظهرت بين العامة هرطقات جديدة تلبست أذهان العامة, سببها هذا الذي يعتبر نفسه قائدا لهم, انه يريد أن يقود الجميع....

الملك:       (يرفع يده إشارة السكوت, يتوجه بالكلام مع كوركيس) كوركيس! ستهرب سرا! سنتدبر طريقة لهروبك من القصر ليلا, وتخرج من المدينة سرا دون أن يعلم بك احد....

كوركيس:   ما أنا بلص يا مولاي!

الملك:       أنت عملت شيئا خارقا لم يستطع العامة أن يدركوه, وأنت لم تدرك خطورة أقوالك في البداية ونحن أيضا لم ندرك تداعي الأمور بهذه السرعة, في بعض الأحيان لا نعرف قاع البركة إلى أن يجف ماؤها....

كوركيس:   وحبذا لو اعلم يا مولاي أي ذنب جنيت, ما كنت يوما أقول كلاما يسيء إلى الآخرين, دعني اشرح لكم مولاي, ليس صحيحا كل ما يتقولونه عني, حين لا يعرف مولاي الحقيقة لا يعني انها غير موجودة...

القائد        تذكر انك في حضرة مولاي الملك, هل تعلمنا حسن السلوك ايها الغريب؟!....

الملك:       (مشيرا إليه بالسكوت) لمكانتك عندي سأجعلك ترحل, لا نستطيع أن ندعك تضلل الناس بهذه الأفكار!... 

كوركيس:   هي ليست من عندي مولاي! هذا ما يغمر البلاد ويجتاح العباد من تغير في أفكار الناس والشعوب, إن الزمن يتجدد والأجيال الجديدة لا تحمل نفس الأفكار, إنها تلائم زمنها من حيث لا نعلم, وحيث الروح الجديدة تسبقنا دون أن نشعر...

الملك:       دعك من هذا الكلام الآن, يلفح المملكة هذه الأيام هواء غريب, وما يقال عن رياح صفراء لا اعرف من أين أتت إلينا  تجتاح المدينة, لهذا استقر رأينا لئلا يراك أحدا بعد الآن....

كوركيس:   لو ارحل من هذه الأنحاء مولاي فالأرض العطشى ليس لها إلا أن تحتضن قطرات المطر, ولئن  يفنى جسدي ستضل أعين الناس تفرق النور عن الظلمة, ليس بمستطاع كل الصولجانات حجب الأفكار, فالأفكار يا مولاي  تعبر المياه بلا مراكب....

القائد:       لست جديرا مولاي بسيفك هذا وصولجانك إن لم يتوقف مثل هذا الكلام إني أرى بان الأمور ستخرج من أيدينا....

الملك:       (مشيرا بالسكوت) ايها القائد!

القائد        أمرك مطاع مولاي!

الوزير:      ولكن لا أن يكون سببا آخر في خراب المملكة للفوضى العارمة التي ستنشأ مولاي لقد هاج العامة مولاي!

الملك:       (صخب وفوضى) ما هذا؟1

القائد:       الغوغاء يا مولاي في هياج (يدخل حارسان وهما يقودان ثلاثة مقيدين) من هؤلاء؟!

الحارس     سيدي تقدمت شلة إلى أسوار القصر فدفعتهم بالسيف بعيدا..

الملك:       هكذا قضت الأمور اذن؟!

الحارس:    كانوا ينادون بصوت واحد بكوركيس  قائدا...

الملك:       بأي سرعة تلقت الهشيم النار؟ بدأت تتسارع الأمور بسرعة كبيرة, أجهزوا عليهم جميعا لئلا تطال الفتنة آخرين...

كوركيس:   (يريد الحرس ضربهم لكن كوركيس يمنعهم بسيفه) هل نقتل الناس لمجرد فتح قلوبهم للنور الآتي من السماء؟ إنكم حتى لا تعلمون ما يريدون, أما كان عليكم بسؤالهم عن ما يريدون قوله؟ هل كتب على الناس أن يغمضوا عيونهم ويسدوا القلوب والأفئدة لعالم جديد؟.....

القائد        (يأخذ السيف منه ويدفعه) كنت قد أغمدته الآن بصدرك لولا وجودي في حضرة مولاي الملك...

كوركيس:   لا احد بمستطاعه أن يقف أمام شلال النور حين يحتوينا, بل علينا أن نسير مع الحق والعدل والتسامي الى نهاية الطريق... لن يكون بوسعكم أن تقفوا بوجه شرائع الخير انها كالضوء تخترق العيون والأفئدة والعقول..

القائد:       كفى من هذه الأكاذيب وإلا اسكت صوتك إلى الأبد!

كوركيس:   سامحكم الله؟!

القائد:       (بغضب) أيتها الآلهة! ها انه بدا يجدف! لا استطيع أن اسمع أكثر من هذا بعد!...

الملك:       كوركيس! لقد تماديت كثيرا ولو كان غيرك أمامي لجعلته طعاما للعقارب والأفاعي, لقد تعدى كلامك حدود الأدب واللياقة....

كوركيس:   ايها الملك لا استطيع أن أجاري الفساد والسوء..

الحاكم:      (يدخل بغضب) مولاي الطرقات تكدست بالغوغاء ولا معبر لفارس إلا بسيفه...

الملك:       كوركيس! لم يعد أمر بقاؤك ممكنا بعد الآن...

كوركيس:   مولاي! اتقاء لكم والمملكة مما سيحدث لم لا تتبعون كل جديد في حياتكم وتاخذوا بالجديد الآتي الذي سيجرف العفن... 

الملك        (بغضب) ستعود أنت تنينا آخر, فمن يخلصنا منه هذه المرة؟

كوركيس    مولاي! قبل أن يفوت الأوان أحذركم للمرة الأخيرة! لقد دارت العجلة ولن تقف إلا على ما كتب لها أن تكون....

الملك        (صارخا) أما وقد انتهت كل خطوة إلى الوراء, فليس أمامنا إلا السير كما رسم لنا أن نسير! احجروا عليه! (يهجمون عليه ويسحبونه إلى الوراء, فجأة يتذكر ابنته) وابنتي؟! (مع نفسه) كان علينا ان..... اخرجوا جميعا ولتدخل ابنتي على الفور!

الملك:       (تدخل الفتاة, ينظر إليها بتأمل مفكرا, وهي تتلفت بدهشة) ابنتي!

الفتاة:       نعم يا مولاي!

الملك:       اسمعي جيدا, وتمعني في كل ما أقوله ونحن في هذه الساعات الثقيلة, حين تخرجين من هذا المكان تذهبين إلى مخدعك فورا, لا تكلمي أحدا إلى الغد, إلى نتدبر أمر هؤلاء الرعاع ونجد لنا من هذه المحنة مخرجا, وعليك أن تنسي أمر هذا الغريب فقد قررنا الحجر عليه....

الفتاة:       أهذا ما تقدمونه له جزاء معروفه؟ لا تنس يا أبي انك مدين له بحياة ابنتك!

الملك:       بلى! ولكن سارت الأمور بطريقة مختلفة, الا تسمعين؟ الغوغاء في الساحات, إنهم يهددون أباك! هل ينام المرء والموت ينادي في الطرقات؟!

الفتاة:       ولم يقف أبي بوجه الجديد؟ كان علينا منذ البداية أن نجاري الجديد قبل فوات الأوان!....

الملك:       أما وقد فات الأوان فليس أمامنا إلا السير إلى أمام مهما كان الثمن! انها الآن تقف بوجهي أنا!

الفتاة:       بل بوجه القديم البالي المتعفن! سر معها تسير معك وترفعك إلى المعالي, تنقذ نفسك ومملكتك...

الملك:       أرى انك نسيت دورك في المملكة؟ 

الفتاة:       إنني أعي دوري, أبي أما كان عليكم أن تعوا الجديد لتسيروا معه وتحتضنوا من يريدون الجديد تفوزون بالمملكة شابة من جديد....

الملك:       انك ابنة الملوك وتعلمين كيف تسن الممالك شرائعها! فالملك لا يعرف غير المسير على شرائعه وياتي على كل ما يأتي في طريقه, هذه هي الشريعة نحن نسنها لأبناء الملوك أولا....

الفتاة:       نعم, ولكن أليس هذا ما تقوله الشريعة! أن نتطلع إلى الخير والإرشاد والصلاح...

الملك:       (صارخا) بل الى الامام! (ثم بنبرة مهادنة) لسعادتك وسعادتي يا ابنتي....

الفتاة        سعادتي؟! قرفت هذه السعادة! كل يوم ارى ما يشيب لهوله الصبيان في البلاط والطرقات, لكن كنت اقول دائما بانني صغيرة السن وربما انا المخطئة, الى ان كبرت ومن كثرة لومي نفسي اصبحت ارى غيري الذي عليه ان يلام! هذه الحياة الخانعة الخاضعة لكل ما هو دنيء وفاسد, الجميع راضون بما قسم لهم أما أنا فاني أرى إننا يجب أن نعيش الحياة كما هي, اننا نحياها لمرة واحدة فقط...

الملك:       ها انك تحفظين أقواله بالتمام والكمال! أنا ربيتك هكذا عصامية مقدامة صلبة الإرادة قوية الشكيمة, لكن لا أن تقفين بوجه اباك...

الفتاة:       شاكرة أبي حسن صنيعه في تربيتي, وليبارك الله أبي الآن ليرشده إلى الخير والصلاح...

الملك:       (مصعوقا) الله, الخير, الصلاح (يضع رأسه بين يديه) أيتها الآلهة لقد مسها الجذام أيضا بأية سرعة تتدهور الأمور إلى الهاوية؟...

الفتاة:       أريد لأبي الخير ولا يجرفه الجديد بل يسير معه...

الملك:       اسمعي! إنني لا استجدي منك القرار, فقط أريد أن أبلغك بان كوركيس هذا سنقتص منه ونتدبر طريقة للتخلص منه...

الفتاة:       إن كان عليكم أن تقتلوه اقتلوني معه!...

الملك:       ستدفعينني إلى حافة الجنون, عودي إلى ثوابك واعلمي إنني استطيع أن أدوس على قلبي وأسحق كل من ياتي في طريقي حتى وان كان ابنتي....

الفتاة:       هذا ما يجب ان يفعله الملوك دوما, أما أنا فلم يعد قلبي معي...

الكورس:    أما وقد وتر القوس للانطلاق فهيهات أن توقفه يد...

الكورس:    لم يبق إلا أن يرتشق السهم وتجري الأمور كما كتب لها حتى النهاية...

الكورس:    يسقط بعضا ثم ينهض والكل في الحياة ماضون...

الكورس:    بعد أن ينهض الشفق ما عاد للظلمة مكان......

القائد:       (صخب وفوضى ودخول الحرس, يدخل القائد منفوش الشعر والوزير في حالة غضب) دعني ألقن هؤلاء الغوغاء درسا في الأدب والطاعة يا مولاي....

الوزير:      ما من احد يعيد الأمور إلى نصابها غير القوة فوضى عارمة تدفع بالمملكة إلى الهاوية! فلنضرب قبل أن تبدأ المأساة...

القائد:       مولاي إما تعطيني الأوامر لدفعهم إلى الوراء أو حياتي تكون بيديك (يدخل الأهالي وهم يدفعون كوركيس إلى الأمام,يشير الملك فيهجم الحرس عليهم لقتالهم إلى أن يهرب من نجي, الفتاة تقف أمام السيف الموجه إلى كوركيس فتجندل الفتاة ويجندل كوركيس معها, فوضى المعركة, بعد قليل ينقشع الغبار عن قتلى مجندلين بينهم كوركيس)....

الكورس     (يتقدم الكورس)  موته أصبح قرحة في جنبنا لآخر الدهور....

الكورس     في كل جيل يظهر كوركيس جديدا معافى يبدد العفن والسواد والفساد....

الكورس     (ينهض كوركيس من بين القتلى) وينهض كوركيس من جديد, مع رمحه يتقدم ليقتل العقارب والأفاعي....

الكورس     يعود في كل مرة شابا ممتطيا صهوة الضياء والخير والإنسانية, نبراسا للحق والعدل والإيمان..

الكورس     وسيأتي ليقتل تنين البغض والحمق والقسوة والأنانية والجهالة...

الكورس     حين تحيط بكم اذرع تنين آخر, اذكروه تجدوه حاضرا بينكم فاستقبلوه.....

 

- انتهت-