هيثم بهنام بردى

لأعزائنا الصغار

رسامات

عيون بخديدا

Museum متحف

أرشيف بغديدا هذا اليوم

فنانونا السريان أعلام

أرشيف الموضوعات

القاص والروائي هيثم بهنام بردى

 

قصة قصيرة جداً            التماهي         هيثم بهنام بردى

 

غرفة مشّيدة من آجر وصلصال مسقفة بطابوق ، مرمية في زاوية الطوار صباح يوم شباطي مطير،  ثمة طفل يغادر السنة الأولى من العمر ويطرق بأنامله اللدنة حوله الثاني ..وأيضا عتبة الباب الخشبي المزين بأشكال معدنية : نسور ، أوراق تين ، أغصان زيتون ، حمائم .. يطرق بصوت يتماهى مع زقزقة الحساسين الهاربة من أعطاف الزيتونة السامقة في قلب الحوش .. ينتصب الطفل ويرتكز على يديه وينظر نحو أحشاء الغرفة المصّفدة بالعتمة التي تخنق بصيص الضوء الخارج من رحم ذبالة القنديل الموضوع على منضدة خشبية وسط الغرفة . يكركر الطفل إستجابة لنداء بنبرة محتضرة لإمرأة تجلس على تخت خشبي ، وإذ يرتد الضوء ويلطم الوجه الشائخ تبرز ملامحه جلية متلفعة بذلك التمازج النادر والتلاقي اللامعقول بين الضوء والعتمة المنفرش على تفاصيل الوجه : عجوز بملامح دقيقة شاحبة ولكن بها مسحة من جمال باهر مغادر ، وإبتسامة ساحرة تجعل الملامح مثل لوحة جميلة لفنان إكتوى بإلتقاط اللحظات التي لا يقتنصها إلا كائن مفعم بخيال جامح ، يهمس الوجه بصوت ناعم .

ـ تعال …

يقف الطفل على يديه ويرفع رأسه كحصان التقط إشارة نادرة تنبئ عن فعل قادم خارج المألوف، تقتحم النغمة أذنيه وتدخل وجدانه فينتشي ملبيا صدى هذا النداء الدافئ ، يرقى العتبة زاحفا على عجل ويدخل جوف الحوت ، يقف إزاء الساق العالية للمنضدة وينظر وفي شفتيه إبتسامة تحاكي إبتسامة العجوز المحاط بتلٍ باذخٍ من وسائد ريش الحمام ، تمد يديها الواهنتين ، تلتقط أنفاسها المتلاحقة  المتعبة عقب هذا الجهد اليسير ، تهش...

ـ هيا ياحبيبي .

يترك الدمية الملقاة على البلاط ويزحف نحوها ملبيا صدى الإشارات الغامضة التي تلتقطها ذاته الحيية ، يلتقط طرف الشرشف بكلتا يديه ثم ينهض جسده ، يشعر أن ثمة قوى على شكل بساط متشكل من أنفاس العجوز تدفعه كي يقف على قدميه وعيناه تعاينان أصابع العجوز الممدودة نحوه، يمد أصابعه ثم .. تلتحم الكفان ؛ كف طينية ناعمة إسفنجية بأصابع وكأنها زغب صغير لقثاء في أول تبرعمه ، وكف بيضاء بشرتها محببة متقشرة بأصابع وكأنها تكوين حبالٍ من قنب.. تلتقيان عند السبابة ، التقاء نخالة الطحين الناعمة بالبلورات الخشنة المتبقية فوق الغربال ، تقدح الدنيا خارج الغرفة بضوء باهر لبرق عاصف اومض فوق الكون ، وعند استقرار كل شئ في موقعه .. المطر ، الهواء ، البرد ، في الخارج .. والظلمة ، الأثاث ، الأنفاس، في الداخل.. كان الكيان الهش الناعم يجلس فوق التخت الخشبي مسّوراً بالوسائد ومن عينيه تمطر الحكمة والحنكة ، وعلى مقربة منه ، فوق  البلاط ، قرب ساق المنضدة يجلس كيان يسابق الدقائق نحو حتوفها ، يداعب بأصابعه الحبلية دمية صغيرة وفي عينيه براءة أطفال الكون .

****