قصة قصيرة                                                                                                                       هيثم بهنام بردى

النافذة

من خلال مصباح واهن يذرو أسياخ الضياء نحو اشياء الغرفة ، نظر الشاعر الى المواناليزا المصلوبة على الجدار أمامه ، وجدها تذرف دموعـاً صفراء فجاشت في صدره العواطف وامسك القلم ثانية وانشأ يكتب … ولكن بعد هينة أحس بعقم ما يكتب فألقى القلم بعصبية وارتكز مسندا ظهره على الحائط واغمض حدقيته وسافر الى داخله عله يرسو في محطة تهبه الصفاء والوحي وحين عاد أحس أن المحصلة كانت محطات ينبت فيها العاقول والصمت الاخرس . غسل أشياء غرفته بنظرة كليلة فوجد كل شيء يسبح داخل طوق الرقابة والجمود ، … ارتطمت نظراته في التفاتته الخاطفة صوب النافذة باللوحة التي تمثل صورة عجوز مكسيكي رث الثياب في جلسة منفردة وأنامله تعانق قدح النبيذ بلهفة فيما تطوقه من الداخل عتمة غامضة .

-        بماذا يفكر يا ترى … ؟

همس الشاعر لنفسه وغرق ثانية داخل أغوار النفس يستنبط ما تحمله هذه الجمجمة المكسيكية في داخلها ، ولوهلة وامضة قفز من مكانه صائحا ..

        - وجدتها .

وفي طريقه نحو الصورة ، تتالت أمامه صور الليل المخيم فوق القرية ، وقف أمام الظلفة اليمنى للنافذة المفتوحة يتأمل البيوت الواطئة المسقفة بـ ( البواري ) والحصران والطين ، ثم تسلقت نظراته اغصان الاشجار المتراصة على شكل هرم والتي تبدو كأشباح ضربها سيف الله فجمدت صاغرة في اماكنها تحت سماء أما تكون خيمة مطرزة  بعيون تتوهج ناراً ، أو غولا يخرج الزبد من شدقيه كثيفاً غضوباً ، وقف امام الصورة يرشقها بأحداق تتميز شوقا ، خيل اليه ان المكسيكي ابتسم له . ثم بيديه تتحركان وترفعان القدح وشفتيه تقولان .

-        خذ كأسا من الجعة .. ؟

-       Text Box: ( 1 )
  . . . . .

-       نخب صداقتنا اذن .

ويرفع المكسيكي الكأس الى شفتيه ، وبجرعة خاطفة استقر الكأس على المنضدة خاويا ثم انفرجت شفتاه القرمزيتان عن ضحكة مجلجلة تعملقت وغطت سماء الغرفة ، فأرتعدت فرائص الشاعر واخذ يفرك عينيه بدهشة واستغراب وسارع الى فتح النافذة فصفعته للتو ريح صرصر عاتية تجمد النار المستعرة وقطرات كبيرة من المطر المنهمر من سماء متوعدة فتطاير شعره الاكرت في حركات حلزونية رشيقة ، وفي أوج انغماره بهذا العزف الازلي للكون تناهى اليه صوت خيل انه انبعث من اعماق نفسه ، ولكن تكرار الصوت جعله ينتبه جيدا .

-        زيء  … زيء … زيء

وفي لمحة الضياء المحصورة بين ومض البرق وانطفائه لمح على حافة النافذة عصفورا مبللا يرسل اليه نظرات ضارعة فمد الشاعر يده والتقطه من حافة النافذة واخذ يمسد ريشه ويناغيه بصوت ناعم .

- انك تشبهني كثيرا يا عصفوري الصغير ، فأنت وحيد مع المطر والليل ،

 وانا كذلك ، وأنت شاعر ، وانا كذلك ، فكن صديقي …

داعبه بأصابع حنونة ووضعه على المنضدة امامه ، فجلس العصفور ينكث ريشه بمنقاره الصغير بينما جلس الشاعر على سريره ، وثمة في الاعماق قصيدة تتكون .

 

Text Box: ( 2 )