لأعزائنا الصغار

رسامات

عيون بخديدا

Museum متحف

أرشيف الاخبار

فنانونا السريان أعلام

أرشيف الموضوعات

       بغديدا هذا اليوم         الترميم الشامل:  كنيسة مار يوحنا     كنيسة مار يعقوب

 

هيثم بهنام بردي مازال يبحث عن كينونته في خضم جيل عاصف
لعبة الأجيال شماعة إخفاقاتنا النقدية

حوار:سامر الياس سعيد


شكل المنجز الإبداعي للقاص هيثم بهنام بردي تجربة غنية بالمشهد الثقافي الذي تنوعت محاوره بين القصة القصيرة جدا والتي أيقظ دورتها الحياتية بالبحث عن ثنايا هذا المنجز في خضم الأشكال والمحاولات الأدبية التي انطلقت في العصر الحديث لتلعب دورا محوريا هاما علي خارطة الأدب العراقي كما احتوي منجز بردي علي فصول أخري من الإبداع العراقي حيث سبر أغوار الرواية وأنجز محاولات روائية أثرت الوسط الأدبي ولكنه في مجموعته القصصية الأخيرة والتي حملت عنوان (التماهي ) اثر بردي ان يزور عالما طفوليا ليتناول من خلاله سكنات هذا العالم الثري بالمحاولات الراصدة لديمومة الحياة انطلاقا من ثغرها الباسم .. حواري مع الأديب هيثم بهنام بردي تناول اتجاهات ومسارات أدبية متشعبة حملت من محطاته الأدبية شيئا كثيرا اختزنته السطور القادمة بشيء من الموضوعية ورصد لرؤيته إزاء راهن النصوص الأدبية الحديثة :
û هل تخضع نصوصك التي تنوعت بين الرواية والقصة القصيرة إلي التحولات التي يعيشها النص الحديث والتقنية التي أصابته؟
ــ في التوطئة الأولية للإجابة علي السؤال لا بد من التوكيد أن هكذا حكم يكون خاضعاً للنقاد، وليس للمؤلف، فوظيفة النقد هو الكشف والغور واستشفاف ما وراء النص، من تفكيك الإشارة والاستدلال إلي الشفرة والدلالة، وما يخص واضع النص يمكن أن يتجلي في جهده الحثيث والدؤوب لمواكبة الطرائق الجديدة في القص الحديث، وهذا يتأتي من خلال جهده واستغواره لكينونة الكتابة الجديدة، وتأسيساً علي هذا أستطيع إن أشير جهدي وتمثلي للطرائق الجديدة أو التحولات التي يعيشها النص الحديث، حسب تعبيرك، في مجموعتي الأخيرة (تليباثي) الصادرة عام 2007 عن دار النعمان للثقافة في بيروت، ففي قصص هذه المجموعة لم أقم بمحاولة إصابة تقانات النص الحديث، من ناحية الوحدات الأرسطية وما آل ألينا من تراكم قرون من الكتابة من ميراث قصصي، بل حاولت، بعد أن أطلعت علي تجارب أدباء أمريكا اللاتينية وبالأخص (رولفو، بورخس، ماركيز، أليندي) فضلا عن التجربة الألمانية والفرنسية، إن اعزف، ولو علي استحياء علي أهم وتر يستقيم بنغمته النص القصصي الحديث، وأعني به اللغة وتشظياتها ومدلولاتها وقدرتها الفائقة علي تثوير ذائقة المتلقي.
وهذا ما جلب انتباه النقاد الذين تناولوا كتاباتي أذكر منهم: عمر الطالب، محمد صابر عبيد، ناديه هناوي سعدون، يوسف الحيدري، محمد الأحمد، ازدهار سلمان....وغيرهم..
û ما الذي تضيفه سخونة الأحداث التي تجري في البلد علي انصوص التي أنتجتها ؟
ــ قطعاً... شئنا هذا الأمر أم أبينا، ثمة إسقاطات وظلال وإحالات تتناوب الإنسان، أكان عادياًَ أم مبدعاً، وتؤثر علي منتجه، سواء العملي والعلمي والإبداعي، ولربما يكون وقع هذه المؤثرات أكثر تعبيراً وسطوة علي منتجي الإبداع، شعراء أم قصاصين أم روائيين، فنراها مبثوثة بين السطور... ولربما يكون ما تنتجه الذائقة الإبداعية عندما تكون في خضم الحالة خاضعة لسلطة الزمن الحاضر، فتراه ممسكاً بتلابيب النص ويجره إلي خانة الانفعال الآني والحماسي فيكون المنتج ذا جذوة مستعرة، ولكن بعد زمن يسير تخبو هذه الجذوة ويتحول النص إلي كائن منسي مهمل، وهذا ما حدث لأغلب النتاجات التي ظهرت في العقود الماضية، فعلي المبدع، أن ينتظر إن تتخمر الأحداث في إناء الزمن، مثلما يحدث للعجين تماماً، فحين نخبز قبل أن تفعل الخميرة فعلها يكون مذاقه حامضياً غير مستساغاً، ربما يؤكل لسخونته فقط ولرائحته أيضاً، النص.... أيّما نص، إن لم يأخذ وقته وتظهر كافة تفاصيله بجلاء يكون حاله حال ذاك الخبز،.... ومن هذا المنطلق، أحاول إن أدّون بعض الملاحظات العابرة حتي تكتمل ومن ثم لا بأس من المحاولة، وهنا فقط يكون النص متوفراً علي مواصفات النتاج الذي يتجه بكليته نحو النضوج، ولنا في روايات (صمت البحر) لفيركور، و(للحب وقت وللموت وقت) لريمارك، و(وداعاً للسلاح) لهمنغواي، خير مثال.
û كيف لك أن تترجم الحضور الإبداعي العربي إزاء ما تعيشه الرواية العراقية من ظهور متذبذب علي الساحة الأدبية العربية ؟
ــ قد لا أتفق معك في هذا الطرح، صحيح أن الإصدار العراقي الروائي قليل من ناحية الكم قياساً إلي الإصدار العربي، ولكن الفيصل ليس في الكم الصادر بل في نوعه.
عربيا، لو تناولنا أي بلد، وتأملنا إصداراته نجد الكثير من الروايات ولكن أين المنجز الإبداعي المتميز منه، ولو تصفحنا القائمة قبل النهائية لجائزة البوكر العربية للرواية لعام 2008، لوجدناها تحتوي علي خمس عشرة رواية بينها روايتان عراقيتان تتنافسان علي حيازة الجائزة، وهما لأنعام كجه جي وعلي بدر، قد تقول أنهما يعيشان خارج العراق، هذا صحيح، ولكن الروح العراقية الصرفة ترفرف علي فضائيهما.
ولو تأملنا ملياً الخطاب الإبداعي العراقي لوجدنا أن الرواية تجد حقها الوافر، وقد تحتل نسبة الربع من الإصدار الإبداعي مع الإشارة إلي الجودة التي تحوز عليها، وعليه يمكن أن نشير، وبلا تردد، إلي القيمة النوعية المتطورة التي تسبغها الرواية العراقية علي مجمل الإصدار الروائي العربي.
û ما هو موقفك إزاء النقد الأدبي والذي لك معه عدة مواقف اذكر منها (حبة الخردل) لخالص ايشوع بربر، وهل لتلك المحاولات النقدية اثر في تطوير اللمسات الأدبية؟
ــ (حبة الخردل) كتاب أصدره الأديب خالص إيشوع، وهو بمجمله دراسات نقدية منتخبة لنقاد وشعراء وقصاصين تناولوا تجربتي في كتابة القصة القصيرة جداً عبر ثلاثة عقود ونيّف من الكتابة وثلاثة إصدارات لي في هذا الجنس الأدبي وهي علي التوالي: (حب مع وقف التنفيذ ــ 1989)، (الليلة الثانية بعد الألف ــ 1996)، و (عزلة أنكيدو ــ 2000)، وكانت فكرته التي أفصح بها عبر تقديمه للكتاب، أن هذا الجنس الأدبي جديد، وكتابه اللذين تخصصوا فيه قلائل، وهيثم له بصمته واجتهاده الواضحين في الكتابة، ما جعل نقاداً مهمين لهم حضورهم المؤثر علي ساحة النقد القصصي يكتبون عن كتبه الثلاثة، ورغبة منه كمعد ومقدم للكتاب في تأطير الكتابة النقدية للقصة القصيرة جداً، وحمايتها من الضياع عبر توزعها في بطون الصحف ومناكب المجلات، ولتأصيل الكتابة النقدية عن هذا الفن الواعد، وخاصة الكتابة النقدية الممنهجة التي لا تجامل ولا تماري، ودخول أسماء مهمة في المشهد النقدي العراقي خانة نقد القصة القصيرة جداً، كل هذه المؤشرات دفعت به إلي (بروزة) هذه الدراسات داخل حنايا (حبة الخردل)، والحقيقة أن الذي أدهشني حقا ما أورده في تقديم الكتاب من أفكار بناءة وشيفرات يمكن أن ندخلها في خانة الدراسة النقدية الجادة، ومن الأسماء التي أدرجت في الكتاب: جاسم عاصي، سليمان البكري، ناجح المعموري، أنور عبد العزيز، صباح الأنباري، جمال نوري، ناظم السعود، وغيرهم.
ومن الطبيعي أن أية كتابة نقدية تنهج نحو تقويم النص وإضاءة الجوانب المشرقة منه، وتشخيص الثغرات والهنات، ان كانت في اللغة، أو في بنية النص، تدعو الكاتب إلي استغوار تلك الكتابات واستشراف مستقبل الكتابة، وهذا ما فعلته بالتأكيد حين انكشفت بعض الثغرات في كتابتي لهذا الجنس الصعب، وحاولت أن أنحت نصاً ينأي بالواهن ويعانق الجديد المعافي، في مجموعتي القصصية الجديدة (التماهي) التي صدرت قبل فترة وجيزة.
û هل تعيش علي قاعدة من الآراء بخصوص ما ينتجه يراعك وتحدد من خلالها مساراتك الأدبية ؟
ــ بالتأكيد، أن الكاتب الذي يصم أذنيه عن أي رأي في إبداعه، يكون أحادياً، فالتقاطع مطلوب، لأن الخطوط المتوازية بحاجة إلي أخري متعامدة ليتشكل بالتالي المعمار الظاهري الذي يعلن عن نفسه وعن ماهيته، وعندما تتقاطع الخطوط تنتج عنها دينامية ديالكتيكية تخضع النص الإبداعي للتحليل والتفكيك وينتج عنهما مجمل مؤشرات نقدية تسجل لصالح تطوير النص، ولكن هذا التماهي ينبغي أن يصافح النص ولا يصرعه، تماما مثل المعادلة الكيماوية التي تستدعي عاملاً مساعداً يجعلها متوازنة دون التدخل في ماهيتها، وتبعا لهذا ينبغي علي أي مبدع، وليس أنا فقط، إن يولي الآراء النقدية جلّ اهتمامه، دفعا للكتابة نحو آماد التطور والتقدم.
û إلي أي جيل تسير خطواتك وتتحدد بالانتماء أليه ؟
ــ الأجيال... شماعة علقت عليها إخفاقاتنا النقدية في الرؤيا والاستنباط والاستنتاج، أي أننا لم نمنهج أجيالنا كما فعل الغرب، فنحن لدينا الجيل الخمسيني والستيني والسبعيني والثمانيني .......الخ اعتماداً علي عقد الستين، وهنا الإشكالية، إذ أن الأديب الذي ينشر نتاجه الأول في مستهل العقد ، يبدأ تكوينه وصوته الخاص به ينضج ويتبلور في نهاية العقد، ثم يتألف خلال العقد التالي، يصير رمزاً في العقد الذي بعده، نقدياً، أين نضع هذا الاسم الذي صار خلال ثلاثة عقود من السنين اسماً مؤثراً وفاعلاً، هل ينتمي إلي بدايات كتابته، أم عند نضجه، أو عند اكتماله.
في أوربا مثلاً ، وعلي حد علمي، تصنف الأجيال القصصية استنادا علي مفاصل حياتية تاريخية مؤثرة، ليس علي بلد معين، بل علي العالم بأسره، مثل جيل ما بعد حرب العالمية الثانية،... أو علي ظاهرة أدبية معينة، مثل الرواية الجديدة، أو الواقعية السحرية...الخ، فما ضيرنا لو تم تصنيف أجيالنا إلي ما بعد حرب السويس، أو جيل ما بعد حرب حزيران أو الجيل الباحث عن ذاته في ما بين الحربين..... علي المستوي الشخصي، لا اعترف بالتصنيفات التي تعتمد علي عقد من السنيين، فمنذ نشر قصتي الأولي عام 1976 في مجلة الطليعة الأدبية، وحتي هذه السنة لا زلت ابحث، ورغم نشري لأكثر من تسعة كتب موزعة بين القصة والرواية، عن كينونتي، التي تحاول أن تجد نفسها في مسمي جيل عصف بالعراق وترك بصمته الواضحة علي النتاج الإبداعي، ولم أجد نفسي في أي جيل.
û هناك أدباء يصفون الوعي الروائي بأنه نحت النص وإيصاله درجة النضوج أو سن الرشد، فما هو مفهومك إزاء الوعي الروائي وهل بلغته نصوصك الروائية التي تذيلت قائمتها رواية (قديسو حدياب). ؟
ــ هناك غموض في استيعاب مفهوم الوعي الروائي، هل هو الوعي الخاضع للثيمة، أو اللغة أو طريقة السرد، أم هو تخطٍ لما هو سائد في الصنعة، والدخول إلي مناطق محرمة وبكر لم تطأها أعمال الروائيين الأسلاف، أم هو مجرد تعميم واسع يسع كل هذه المفردات والسمات والاصطلاحات.
من المتفق عليه تأريخياً، ومنذ فجر الرواية عندما تمرد سيرفانتس علي الأسس التي سبقته والتي كانت أسيرة سير وملاحم تتقصي حياة وأحداث خارقة لفرسان اقحاح شجعان ينبتون من أخيلة مسكونة بإجتراح بطولات خارقة لا يكتشف أبعادها الميتافيزيقية أكثر الناس تصديقاً للخوارق، وأسس لسرد جديد صادم للأخيلة المركونة إلي أحلام الأبطال الفرسان، يعتمد علي هدم كل الأسانيد الهشة التي كانت تسند البنيان المتقوض لذاكرات شعراء الملاحم والحكواتيين الجوالين بفرسانهم الخشبية التي ما عادت بالكاد تقوي علي حمل أسراجها، فكيف بالمتلقي الذي يطلب منها وصول أفقٍ جديدٍ فكانت رواية "دون كيخوته" بمثابة الهراوة التي قضت علي الجثة التي ما عادت تصلح سوي للدفن، وفتحت الآفاق واسعة رحبة أمام السرد الحديث ومنذ ذلك الزمن، مرت الرواية بمراحل عديدة وسمتها باسمها وبطريقة السرد فصرنا نقرأ الرواية الانكليزية والفرنسية والروسية والألمانية، وكل مدرسة من هذه المدارس قوّضت القديم وشّيدت جديداً سامقاً يطأ الشمس، وحتي جاءت الرواية الجديدة التي أدخلت النص الروائي في خانة خطيرة عبر مغامرة شجاعة، فكانت تنحت بدل أن تسّطر، من الآن روب غريية، ماركريت دورا، كلود سيمون .......الخ، اشارت لا يمكن نسيانها، وهكذا مدرسة تسّلم إلي أخري حتي جاء الفتح الجديد عبر سرد يشيده روائيو أمريكا اللاتينية، عبر مصطلح لم يطلقوه هم، بل ترصده النقاد وأسموه الواقعية السحرية وربما سنقرأ في قوادم السنين نحتاً جديداً ومصطلحاً جديداً.
وعلي المستوي الشخصي، وبكل تواضع أقول، أن الأديب العراقي والروائي تحديدا، يمكن، وبمراجعة ذاتية معمقة وصارمة، نستطيع أن نستلهم تلك الإشارة الخفية الأصيلة، واعني بها المحلية العراقية الثرة الضاربة في عمق التاريخ وصولا إلي أولي الملاحم التي تسّيدت السرد الأسطوري عبر الزمن الماضي والزمن الحاضر، ويقينا الزمن المستقبل، لو أولي العراقي هذه الإشارة اهتمامه وشّذبها مما علق بها من تقليد للوافد الذي يحمل أصالته في بيئته وليس في بيئتنا، لنحت نصه عبر أزميل أصيل يبقي عمله الروائي، مثلما منحوتاته الآتية من عمق التاريخ متأصلة متألقة تليدة، ويقينا أضع وبكل تواضع تجربتي، عبر روايتّي، "مار بهنام وأخته سارة ــ إصدار 2007"، و"قديسو حدياب ــ إصدار 2008"، ضمن تفاصيل هذه التجربة، رغم إدراكي لحجم جسامة مسؤولية من يتوشح بها، ضمن هذا المفهوم.