علاقة

هيثم بهنام بردى

نتفة من الثلج تتحرك حركة صغيرة جدا فوق القماش الخشن لسقف الخيمة ، تتماوع تدريجيا ، تتعلق بحافة باب الخيمة المخروطي ، ثم تهوى رفيعة طويلة وتعانق طيات الثلج المكدسة امام باب الخيمة … الخيمة بدون باب ، ضوء مصباحها يضرب بقوة على جدرانها الداخلية ثم ينعكس على المنضدة المنتصبة في وسطها وامام السريرالذي طويت بطانيته لتكشف عن وجه شرشف ناصع البياض . على المنضدة وفي وسطها تماما ثمة جهاز مذياع يصدح بأغنية تنساب من الخيمة الى الساحة الشاسعة التي تنتهي على بعد مرمى حجر بسفح تل صغير مكلل بطيات الثلج مثقل برؤوس أغصان اشجار تزينت اوراقها الخضراء بنتف الثلج فبدت على تناسق مرهف عجيب … الصوت المنبث من المذياع يتسلق الجبل ويطير ملامسا وجه القمر وبكر السحب البيضاء … الصوت يتطاول .

حبيتك بالصيف

الثلج ينهمر كالحواري فوق سطح الخيمة ثم تتحرج قطراته بصورة حلزونية لتغفو على الحافة الجانبية .

حبيتك بالشتي

قرب المنضدة استقرت مدفأة حديدية تلتهب نارا ، وقربها ثمة اغصان مبتورة لتغذية نارها .

خلف الصيف وخلف الشتي .

الثلج خارج الخيمة يزداد نثيثا ، والريح تصفر كأنها عاشق ذوته لظى الوجد والنوى ونار المدفأة من الداخل تتوهج كشمس آبية .

 *    *    *

من اعماق الجبل الثلجي ، من أغوار الليل الابيض ، بدا وسط ذاك البياض السرمدي كنقطة صغيرة ، اتى يرتدي ملابسا صوفية ، خطا بثبات نحو الخيمة … وجه وقور تجاوز العقد الخامس ، لحية كثة بيضاء تعلقت بها نتف الثلج فازدادت بياضاً . دخل الخيمة ، يداه تحملان حزمة طرية من الاغصان ، القاها قرب المدفأة ثم استدار وهو يدندن مع الاغنية نحو باب الخيمة واسدله ثم احكم اغلاقه وارتمى على السرير .

*    *    *

عبر الساقية الجانبية برشاقة ، قائمتاه الاماميتان تعلقتا بين طيات الثلج المعلقة في الفضاء السحيق وطيات الثلج المنبسطة أمامه لبرهة ثم اتبعهما بقائمتيه الخلفيتين، وعندما استقر في الجهة الثانية من الساقية طفق يهز ذيله ، اقترب من الخيمة ، دار حولها ، عيناه تدوران في محجريهما بدهشة واسنانه لاتنفك عن الصيد الرابض بين فكيه ، وقف امام باب الخيمة لبرهة ثم ، وبلمح البصر القاه من فمه امامه وداس عليه بقائمتيه الاماميتين ثم رفع رأسه ورفع عقيرته بالنباح .

*    *    *

- كدت أنساك .

كان الكلب مقعيا امام الرجل ينظر نحو الارنب المذبوح امام قدمي الرجل ، ولما رآه يرفع قطعة اللحم بين يديه ويقشطها بأسنانه فكر … ها هي ذي العظمة الشهية ما الذها .. يلقيها الرجل بتودد . جلس الكلب القرفصاء ووضع العظمة بين قائمتيه الاماميتين ثم طفق يعالجها بأسنانه.

*    *    *

… ولا تزال السماء بيضاء ، وأغصان الاشجار والخيمة الفريدة الازلية بيضاء ، ولحية الرجل بيضاء … ، والليل ابيض ، والكلب ابيض ، والثلج ابيض ، والدخان المنبث من فتحة صغيرة في سقف الخيمة ابيض .