لأعزائنا الصغار

رسامات

عيون بخديدا

Museum متحف

أرشيف الاخبار

فنانونا السريان أعلام

أرشيف الموضوعات

 

على هامش توصيات سينودس الشرق الأوسط

 

                    أيها الشباب ...نداء كنيستكم ... أن تكونوا لها وتكون لكم!!

 

وجّه قداسة البابا بندكتس السادس عشر رسالة إلى الشباب بمناسبة الاحتفال بالأيام العالمية للشبيبة التي ستعقد في مدريد بإسبانيا للفترة من الحادي عشر لغاية الحادي والعشرين من آب 2011. والرسالـة تُبرز جليّاً دور الشبيبة

في بناء المستقبل كونهم أمل الكنيسة، وما على الكنيسة إلا مساعدتهم في مسيرتهم داخل مجتمعاتهم وأوطانهم التي يعيشون فيها، واضعين مهاراتهم في خدمة الكنيسة وحمل رسالة المسيح. ومما قال قداسته في رسالته: إنه ينظر إلى الشباب كما نظر الرب يسوع إلى الشاب وأحبّه. فالشباب ثروة كنائسنا وما عليهم إلا أن يصونوا مشروع حياتهم تحت نظرة المسيح المُحِبّة، وأن يكونوا مبدعين وخلاّقين. لذا يجب تحطيم الأصنام التي تحجب الأنظار عن رؤية المسيح الفادي، كونها تؤدي في الأخير إلى طريق الضياع في المجهول.

نعم، الشباب هم بُناة مستقبل الكنيسة... وآباء السينودس من أجل كنائس الشرق الأوسط قالوا مخاطبين الشباب:"لا تهبط عزيمتكم، ولا تتخلّوا عن أحلامكم، وازرعوا في قلوبكم رغبات كبيرة، فالمستقبل هو بين أيدي الذين يبحثون عن المعاني القوية للحياة والرجاء، كونكم مرسَلون وشهود في مجتمعاتكم، وملتزمون بتعميق إيمانكم ومعرفتكم ليسوع المسيح" (الفقرة 36 من التوصيات).

نعم، إنّ المجمع الفاتيكاني الثاني يدعو الشباب "أمل الكنيسة"، كما دعاهم قداسة البابا بندكتس السادس عشر، فإنهم يحملون عهد الشباب الزاهر. والبابا يوحنا بولس الثاني يؤكد أن للكنيسة أموراً عديدة تقولها للشبيبة، كما أن للشبيبة العديد من الأمور التي تقولها للكنيسة. وفي خطابه إلى الكرادلة في 20 كانون الأول 1985، قال قداسته:"يجب أن يشعر الشباب جميعاً بأن الكنيسة تواكبهم، لهذا ينبغي أن تشعر الكنيسة بكاملها، وبالإتحاد مع خليفة بطرس، بالمزيد من التزامها على الصعيد العالمي حيال الشباب ومواضع قلقهم واهتمامهم وانفتاحهم ورجائهم كي تستجيب لانتظاراتهم، فيما تخاطبهم باليقين الذي هو المسيح، وبالحقيقة التي هي المسيح، وبالمحبة التي هي المسيح".

إننا اليوم في سباق إلى مفاهيم ومبادئ ونظريات جديدة، كما نعيش بتفاعل الأفكار المختلفة دينية كانت أم اقتصادية أو سياسية وحتى اجتماعية. كما نوظّف اليوم مصالحنا الشخصية والإستغلال والطمع وحب الظهور وغيرها من الدوافع الأنانية من أجل أن نكون عبيداً لمآربنا دون أن ندري. كما نعيش _ وكنيستنا في العراق _ صراعات عديدة المسارات ومتنوعة الأهداف، وكل منّا يحاصر أملاكه مستَعْبَداً أو مستَعْبِداً لقيمة الحياة التي مُنحت له، فيسكت تجاه ما يجري حوله أحياناً، وأحياناً أخرى لا يعنيه شيء ولا يهمه النتيجة والغاية وإنْ كانت ملتوية ويائسة وظالمة... ولكن أظنّ أنّ موقفنا من الشباب لا يجب أن يكون هكذا، فموقف مثل هذا لا يمكن أن يكون موقفاً إنجيلياً، ونحن نؤمن بأن الشباب مستقبل كنيستنا وهو مبني على هاماتهم، كما إن الكنيسة لا يمكن أن تحيا أو تفتخر إلا بسواعدهم التي يُحييها الروح، فينضجوا نضجاً مليئاً بالمحبة والتعاون والشهادة، ويحملون نعمة الإستشهاد برجاء الحياة والمسيرة عبر وحدتهم وغايتهم. فالشباب يحتاج إلى قوة المسيح ليتجذروا فيه، واكتنازهم لهذه القوة ما هو إلا من كنز الكنيسة، كما أن كنز الكنيسة يزداد غنى بكنز الشباب الدائم المتجدد. لذلك لابدّ للكنيسة التي تفكر في جوهرها، من أن تكتشف أنها مرسَلة ولا يسعها إلا إعلان الإنجيل. فالواجب الذي يرتبه علينا أرث المسيح إنما هو نشر الكلمة والتقدمة والبشارة وليس الدنيويات والماديات والجلوس على الطربيزات. وإن أكبر خدمة وأروعها التي يمكن أن تخص بها الكنيسة الشباب إنما هي أن تقدم لهم المسيح، كونه لا يمكن أن يكون لهم إلا عبر الروح والصلاة والرسالة... فشبابنا اليوم مؤتمنون على تراث عظيم ومسؤولية جسيمة.

نعم، اليوم شبابنا يسألون عن أنفسهم: أين مكاننا في الكنيسة؟، ما هي دعوتنا؟، هل الله ينادينا لتأسيس عائلة، أم أن أكون مرسَلاً في الكهنوت، أو معلِناً رسالته في أديرة؟، وكيف يعامل رجال الكنيسة علمانييهم، هل يقسون عليهم، أم يسيّرونهم حسب مشيئتهم، أم يلومونهم وإنْ كانوا أبرياء، أم يضطهدونهم ويطردونهم وإنْ قالوا الحقيقة؟، فتلك رسالة الله في المسيح يسوع.

إذن هناك التزام وقبول، والكنيسة الشابة والملتزمة ليست كنيسة تتباهى بأمجادها السالفة وتبكي على ما أخفقت فيه، إنما هذه من علامات الشيخوخة، ولكنها طاقة تتجدد يومياً لتكون شعلة نور في ظلام الحياة (يو5:1)، وخميرة حية في عجينة المؤمنين (لو 21:13)، وملحاً صالحاً لطعام الأرض (لو 34:14)، أينما كانت، لأن الكنيسة الشابة اكتشاف متواصل لعمل الله في الإنسان، والجميع مدعوون إلى المشاركة لتحمّل المسؤولية المشتركة خوفاً من أن نكون!... فالكنيسة بدون شبيبة تكون بلا مستقبل، ومحكوم عليها بالتصلب والجمود والضياع والشتات.

أقولها وبكل شجاعة: إن الشباب أمانة في أعناقنا، فعلينا أن نهتم بهم فنهيأهم ليكونوا خير مثال في حمل رسالة الكنيسة، ويكتشفوا بذلك مواهبهم قبل أن تحجزهم العولمة، وتسعى إلى تسويق أفكار مغايرة لتطلعات الكنيسة. كما أن هناك جمعيات مختلفة تزرع لهم سبل الضياع عبر بهرجة الحياة وباسم رب السماء الذي يطيعونه لنيل مآربهم وتسجيل انتمائهم. فهم العصب الفعّال وهم امتداد لرسالة المسيح الخلاصية للخير وبنيان الكنيسة حتى لو كانت حالة الكنيسة على غير ما يرام، فتلك ليست حالة يائسة بل حالة إيجابية ليعرف الشباب أين يكمن دورهم ولماذا؟. فهم يحملوا في ذلك الاستعداد للجواب دائماً كما يقول مار بطرس:"كل مَن يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم بوداعة وخوف" (1بط 15:3)، وعبر ذلك سيتأصّلوا بالمسيح تماماً كالشجرة المغروسة في الأرض بصلابة بفضل جذورها التي تثبّتها وتغذيها. فعليهم أن يكونوا دائماً في حالة ترقب وانتباه، لأن عروضاً كثيرة أسهل تقدَّم لهم بلا انقطاع، فيها الكثير من المغريات وعليهم أن يدركوا أن كلمة الله وحدها تدل على الطريق الصحيح من أجل الثبات في الإيمان، لمقاومة العولمة المفرطة التي تبغي إقصاء الله من حياة الأفراد والمجتمع، مقدمةً لهم بديلاً "فردوساً" بدون الله، ولكن عالماً بدون الله ما هو إلا جحيم تسود فيه الأنانية وتتفشى فيه الكراهية. فالله هو الذي خلقنا، وإننا نحمل اسمه، وله نكون حرّاساً لفجره الجديد، كما يقول البابا يوحنا بولس الثاني: إنكم أيها الشباب "حراساً للفجر".

إن الشبيبة تستمد قوتها من الروح القدس مانح المواهب، وما على المسيحي إلا أن يستثمرها، إذ لا يمكن للإنسان من دون الله أن يفهم ذاته، ولا يمكنه من دون الله أن يحقق ذاته. والبابا يوحنا بولس الثاني يقول:"كل شاب عليه أن يساهم بأي نمو من الإنماء في ثروة الجماعة. فأرضنا مهيأة خير تهيئة لعمل كنيسة مسيحية شابة، هدفها ملكوت الله لا ملكوت قيصر والمال والوجوه" (متى 21:22).

وفي الرسالة التي وجّهها قداسة البابا يوحنا بولس الثاني إلى الشبيبة في 31 آذار 1985، أكد على أن الإنسان إذا كان طريق الكنيسة، فالشبيبة لها أهمية كبرى للإنسانية بحد ذاتها ولمستقبلها، وهي أملها الأساسي.

من هنا أُدرك معكم أيها الشباب، أنّ إيمانكم المسيحي ليس هو مجرد إيمان بحقائق، بل هو لقاء بابن الله الذي يبعث في الحياة دينامية جديدة. فعند إقامة علاقة شخصية معه يكشف لكم هويته الذاتية، ومعه تنمو الحياة ويتحقق كمالها، إذ تكون المسيرة مشتركة، ويكون الإنسان هو هو في تحقيق، ليس الرغبات، بل مشيئته، وفي تحقيق الحق وليس الأنانيات وظلم الأبرياء، وفي الوقوف بكل صلابة إزاء المضلّين، وفي ذلك تكون الحياة في المسار الصحيح، وثابتة بديمومة في مؤسِّسها المسيح، كونها دعوة نابعة منه، ليس من أجل الرحيل بل اللقاء الشهيد.

نعم، كنيستنا اليوم بحاجة إلى شباب، والكنيسة الخالية من الشباب كنيسة يعتريها الصدأ، وكما يقول قداسة البابا يوحنا بولس الثاني:"كنيسة بلا شباب... كنيسة بلا مستقبل"، كون الكنيسة جماعة بشرية تحتاج إلى حيوية أعضائها للإستمرار في الحياة استمراراً فاعلاً، ولإتمام رسالتها التي تقوم على حمل البشارة الجديدة إلى الآخرين "أذهبوا وتلمذوا كل الأمم وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (متى 19:28). ففي الكنيسة مواهب كثيرة، والدعوات منتشرة فيها، ومجموعات الشبيبة تشكل اختياراً رائعاً للشابات والشبّان الذين يفخرون بانتسابهم البنوي إلى الكنيسة، فهم بذلك يخدمون بكل قوة أمّهم الكنيسة.

أيها الشباب، إنّ الكنيسة تعتمد عليكم، كونها مهدَّدة على الدوام من قِبَل الشيطان الذي لا يقبل بحضورها وسط جماعة حيّة، وهي بحاجة إلى إيمانكم وإلى محبتكم وإلى شهادتكم، لكي تحقق فيكم رجاءً قوياً بالذي آمنتم... فوجودكم في كنيستكم دعوة لكي تحيوا مخطط الله، ويريدكم الله فيها رسلاً لتعيدوا إليها شبابها إذا ما شاخت _ لا سمح الله _ كي تعطوا لها دفعاً جديداً لبنائها، وليس للرحيل عنها أو هجرتها خوفاً من الآتي. فأنتم وُلِدْتم في أرضنا ووطننا، وفيه يجب أن تفجّروا طاقاتكم وليس في وطن آخر أو في بلد التوطين، وإن كانت الدنيا تكلّمكم عن مهزلة العيش في الوطن... الكنيسة الأمينة للمسيح، والكهنة الأمناء لرسالتهم ودعوتهم، والأساقفة الخدّام الصالحين الذين مُلئت قلوبهم بِنِعَم الإيمان ومحبة الرسل وليس بعطاء الزمن وحياة الأنا، ستبقى دوماً إلى جانبكم، تدافع عنكم وعن حقوقكم، وتطال من أجلكم، كون طاقاتكم نِعَم من أجل بناء كنائسكم، كونكم صوتها وقلبها الذي ينبض دائماً بالأمل والرجاء... فقد قال الكاردينال راتزنغر يوماً:"كما إن مريم هي صورة ومثال الكنيسة، هكذا الشباب هم أمل الكنيسة". وكما قاسم المسيح تلميذي عماوس ألمهم وهمّهم وضياعهم ثم خبزهم فاكتشفوه حياً قائماً، هكذا كونوا أنتم معلني بشارة الحياة مهما أرادكم كبار الدنيا أنْ تُسكتوا أفواهكم كي لا تقولوا الحقيقة... فاعلموا جيداً أنّ الرب هو الحق، ويقول البابا بندكتس السادس عشر:"إن الحقيقة أقوى من الكذب، وإن الحب أقوى من البغض، وإن الله أقوى من جميع القِوى المناوئة له"، والتاريخ لا يكتبه إلا أنتم... إنه تاريخ الضمائر البشرية الحية التي إمّا أن تنتصر وإمّا أن تندحر. فأنتم قوة مسيحية قبل أن تكونوا ذراعاً دنيوياً، وأنتم طاقة روحية قبل أن تكونوا بأساً بعفوية... فلا تُحْزِنُوا أمّكم السماوية التي عَنصرت كنيستكم، فأنتم الرسالة والرسول.

فيا أعزائي الشباب ما هذا إلا نداء كنيستكم، فهي التي اشتراها المسيح بدمه، ولم يشترِ كنيسة ما، بل افتدى كنيسته وتلاميذها في كل زمان ومكان، فهي لكم ومن أجلكم، وعليكم أن تكونوا لها وتكون لكم، ولا تبالوا بترهات الزمن مهما عاثوا في الدنيا أنانياتٍ وكبرياءً لأجل غايات... ودمتم.

 

اكبس هنا للأنتقال الى الصفحة الرئيسية للمونسنيور بيوس قاشا