لأعزائنا الصغار

رسامات

عيون بخديدا

Museum متحف

أرشيف الاخبار

فنانونا السريان أعلام

أرشيف الموضوعات

مؤتمرات آبائنا المغبوطين .. أمنية ورجاء

                                            

 

                                           

 الخورأسقف بيوس قاشا

 

     المقدمــة ...

        إختتم مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك يوم الجمعة، 19 تشرين الأول 2007، مؤتمره السابع عشر الذي عُقد في المقر الصيفي لبطريركية الروم الملكيين الكاثوليك في بلدة عين تراز _ قضاء عالية _ لبنان. ومن الجميل أن ننقل بعض النقاط المهمة التي إحتواها البيان الختامي الذي تلاه غبطة أبينا البطريرك مار غريغوريوس الثالث لحام بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك. وبعد ذكر أسماء آبائنا البطاركة  المغبوطين والمشاركين في المؤتمر، جاء عنوان المؤتمر "طوبى لفاعلي السلام"، وهو إستكمال لموضوع المؤتمر السابق "الكنيسة ، وأرض الوطن والعدالة"، ومما جاء في هذا الصدد ...

          "أرض شرقنا مرويّة بدماء شهدائنا وعاش عليها آباء كنائسنا وقديسوها، وهي مهد الحضارات والأديان ومنبت الكنائس والأديار التي منها أخذنا هويتنا وإيماننا وحضارتنا".

          وفي ضوء هذه الرؤية، درس الآباء البطاركة موضوع الحضور المسيحي والصراعات السياسية التي تشهدها منطقتنا من الناحية الدينية _ المسيحية والإسلامية والسياسية والإقتصادية والإعلامية.

      من أسطر البيان الختامي  ...

          مما جاء في البيان: إن المؤتمر إستهلّ أعماله بصلاة إحتفالية في كنيسة المقرّ الصيفي لبطريركية الروم الملكيين الكاثوليك، كما أُلقيت كلمة الإفتتاح والتي فيها قُدِّمَ برنامج المؤتمر، ومما جاء في الكلمة:"إن يسوع المسيح قال: أنا نور العالم. وقال لكل مسيحي مؤمن به: أنتم نور العالم. محمِّلاً بذلك كل مؤمن صادق مسؤولية المساهمة في بناء المجتمع الذي يعيش فيه. والحضور المسيحي هو قضية تهمّ المسيحيين بجميع طوائفهم، كما تهمّ جميع المواطنين من كل المعتقدات الدينية في بلادنا العربية حيثما يتواجد المسيحيون والمسلمون معاً" ... ثم تتابعت جلسات المؤتمر والتي قُدِّمت فيها محاضرات عن الحضور المسيحي في الشرق والصراعات السياسية، وتقارير اللجان الشرق أوسطية العاملة تحت كنف المجلس وتحت إرشاده.

          وفي اليوم الثاني، خُصِّصَ للقاء مسكوني جَمَعَ بطاركة الكاثوليك مع الأرثوذكس لمناقشة بعض الأمور الراعوية. كما إنضمّ إلى المجتمعين أعضاء اللجنة المشتركة للحوار الإسلامي _ المسيحي في لبنان. ثم كانت الجلسة الختامية حيث نظر آباء المؤتمر في التوصيات والقرارات، وحدّدوا مكان المؤتمر القادم في دير الشرفة للفترة من 24-28 تشرين الثاني 2008، وموضوعه "بولس رسول المسيح لعالم اليوم"، بعنوان "صرتُ كلاًّ للكل" (1قو 22:9).

          ثم جاء النداء الختامي الذي تضمن إدراك آباء المؤتمر المخاطر الجسيمة التي يتعرض لها المسيحيون وسكان المنطقة وصعوبات الحياة والصمود أمام التحديات والصمود والصبر من أجل الأوطان وإيقاف نزيف الهجرة، ومن واجب الجميع البقاء من أجل إنشاء مجتمع أفضل للجميع، ودعم مساعي السلام والخير. وتمنوا أن تضع الآلام حداً لها في العراق، وفي لبنان أن ينظر المسؤولون إلى خير البلاد. وخُتم النداء بدعوة المؤمنين أن يكونوا أقوياء في الأوقات الصعبة. كما وجّهوا رسالة إلى الملوك والرؤساء العرب لكي يعملوا من أجل السلام والعيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين. وكانت كلمة مسك الختام أن آباء المؤتمر يرفعون صلاتهم لأجل رؤساء الدول للإهتمام بما جاء في الرسالة.

 


 

    

 

 

في الواقع ... إنني من الذين تابعوا أعمال المؤتمر وجلساته بكل إهتمام وعناية، كما تعمّقتُ جيداً بفحوى البيان الختامي والذي جاء من صميم الحياة، واعتبرتُه رسالة مقدسة من الآباء المغبوطين إلى المسيحيين المشرقيين والشرقيين منهم كما يقول يسوع:"إنهم نور العالم".

          نعم، جاء البيان حاملاً بيدٍ أملاً ورجاءً، وفي اليد  الأخرى ألماً ونداءً ... ففي الأمل والرجاء طالبَ الآباء أن  يكون المسيحي في بلده حضارةً وخيراً لبناء الوطن الجريح رغم ما يعانيه من ألم وصعوبات ... وفي الألم والنداء: فالنداء لا يموت وصداه سيبقى يرنّ في آذان الأجيال وفي أفق الشرق "أنتم رسل المسيح ... لا تخافوا" فالمسيح ليس هزيمة بل إنتصار. صحيح إن الموت قاسٍ، ولكنه أقسى حينما نرى الوطن يموت، والأرض يسكنها أبناء قائين، ويبقى الأخيار بعيدين عن الواقع الذي يجب أن يعملوا فيه كأبناءٍ للخير ... كأبناءٍ لهابيل ... لأنه لا يجوز أن نخاف، فمسحة الميرون على جباهنا والصلاة في قلوبنا ... أليستا سلاحين أمينين لا يُريان! أنخاف مِمّن يقتل الجسد (متى 28:10) ... خوفنا هو إننا نترك أبناء قائين يفعلون ما يشاءون، ليس إلا!، لأننا تركنا حتى الصلاة رغم إنها أعتى سلاح، ولا نعرف بعد كيف نصلي. وإذا صلّينا ليس إلا لسويعات قليلة، فَنَمِلّ ويموت فينا الحدس الإيماني قليلاً فقليلاً، فيأتي ربّ الشرق والغرب ويطلب ثمرة ولن يجد. أيجوز أن يكون المسيحي شجرة حاملة للأوراق وبلا ثمر. فالأوراق الخضراء هي أفكارنا وأعمالنا ونيّاتنا، نحملها وكأنها ثابتة في الكرمة الحقيقية، ولكن في الحقيقة هي ثابتة في ماديّتنا وأنانيّتنا وكبريائنا، ولهذا نبقى بلا ثمرة، وتبقى أرضنا قاحلة لأننا فضّلنا لفة الهمبركر وعلبة الكوكاكولا على مداواة جريح طريق الإنجيل، واضعفنا قوة إخوتنا بهجرتنا من أجل هموم الحياة.

          أيها المسيحيين 00 إن بيان آبائنا المغبوطين دعوة ضمنية لنا في أن نكون رسلاً حيث نحن ... أنظروا قليلاً إلى الوراء، وتأمّلوا في ما حصل في الربع ألأول من القرن الماضي، ما حصل بآبائنا وأجدادنا وكيف أصبحت أديرتهم وكنائسهم أحجاراً تنطق بما فعله أبناء قائين بهم، وحتى قبورهم نُبشت. أين انتم يا شبابنا؟ هل تعلمون إن كنائسنا قد أُقفلت؟ وهل يجوز ذلك أن نرحل بسهولة لأن حواء لا زالت ترسل تأشيرات من أجل لمّ الشمل على الأرض الفانية؟ ألا يكون لمّ الشمل في السماء حيث القديسين أصفياء الله؟ 00 إلى متى سنكون أغنياء بالله وليس لأننا أغنياء الدنيا، فلنا قطعة أرض أو شقة في مجال الله الواسع، وفي بلاد البلدان المجاورة؟ 00 إلى متى يبقى الفقراء يفتشون عن لقمة العيش وينسون أن الصحيح هو أن يفتشوا عن الطعام الباقي (يو 27:6)؟ 000 إلى متى يبقى الأغنياء يُحسنون للأغنياء وينسون أن أموالهم ليست مُلْكاً لهم بل للرسل (أعمال 32:4-36)؟.

 

     رجاءٌ وأمنية

          إنتهت جلسات المؤتمر، وقُرء البيان، وحُفظ في سجل محاضر الإجتماعات والمؤتمرات كسابقيه، وأُسدل الستار عن الصورة الجماعية لغبطة آبائنا التي أُلتُقطت بالمناسبة ... كل هذا جميل، ولكن الأجمل:

          أولاً: أن تُوزَّع نسخ البيان على الأبرشيات لكل رئاسة كنسية، ويقوم أسقف الأبرشية بتشكيل لجنة مصغرة تتكون من كاهن الرعية وربما راهب أو راهبة وعلماني، وتُعقد ندوات لإفهام المؤمنين فحوى البيان الختامي، وما جاء فيه من أمور تتعلق بإيماننا المسيحي وحياتنا العائلية ورسالتنا في هذا المجتمع الذي أصبح بلا راعٍ (يو 12:10) وخاصة في هذه الظروف القاسية التي نحياها في شرقنا المبتلي بالحروب والإرهاب والقتل والدمار، خوفاً من أن تبقى البيانات حبراً على ورق، وتنسى القلوبُ ما حملته البيانات من مبادئ وقيم سامية كرسالة من أجل الحياة.

ثانياً: أن تتكفل جميع القنوات الإعلامية المسيحية  المرئية والمسموعة والمكتوبة في تحملها مسؤوليتها الإرسالية وقيامها بعقد ندوات من أجل شرح نصّ البيان وما علاقته بحياة المؤمنين، بدلاً من أن تبقى فنُحفَظ على رفوف المكاتب ثم تُنسى، كما هو الحال في الكثير من مكاتب الدوائر الرسمية وشبه الرسمية..

ثالثاً: نقولها للحقيقة كلنا ... قُرء البيان وهناك مَن أعطى أذناً للسماع، أُذناً صاغية (متى 14:11)، وهناك مَن لم يسمع. لا أظن أننا كلنا حملنا الرسالة وأوصلنا كلمات آبائنا المغبوطين إلى مسامع المؤمنين، وهذا ما يؤلمني. لأننا اليوم لسنا بحاجة إلى مؤمنين غير مبالين بمسيرة إيمانهم ورسالة كنيستهم وآبائهم وكهنتهم، ولسنا بحاجة إلى مؤمنين يأكلون ويشربون (لو 26:17) وكأن الدنيا هي الملكوت، فينظرون إلى البعيد عبر البحار والمحيطات من أجل غاية الدنيا ليس إلاّ. فاليوم نحن بحاجة إلى تضامن روحي مسيحي أكيد ليس إلا، ولا أجمل من أن يكون تضامننا هو إيماننا برسالتنا بالمسيح يسوع، فالكبير فينا خادم (لو 26:22)، والخادم فينا حبيب "دعوتُكم أحبائي" (يو 15:15).

رابعاً: ما المانع أن يقوم المؤمنون برفع صلاة خاصة من أجل إنجاح المؤتمر وإتفاق الآباء في المناقشات، وهل هناك أجمل معين وأقوى سلاح من الصلاة. فيوم تدخل الصلاةُ قلوبَنا يكون الله غايتنا، وما هذا إلا نداء يوجَّه في الكنائس عامة ليكون في منظور جميع المؤمنين الأعزاء.

خامساً: لقد جاء البيان راسماً لنا مسيرة الإنسان والمؤمن المسيحي للعيش المشترك مع أصحاب الأديان الأخرى، كما أفهمنا البيان رسالتنا المسيحية عبر أسطر حياتنا ... رسالتنا تجاه الله وتجاه الكنيسة وتجاه العائلة وتجاه الآخر ... رسالتنا تجاه ذواتنا ... رسالتنا تجاه أرضنا وحضارتنا وثقافتنا.

فشكراً للآباء البطاركة المغبوطين الذين حملونا في بؤبؤة عيونهم، وفي شرايين قلوبهم، وفي عمق إيمانهم ... وهذا ما عبّرت عنه كلمات بيانهم الختامي... فشكراً للرب على نِعَمِه ... وصلاتي ودعوتي أن يطيل الرب في أعمار أحبار الكنيسة المغبوطين والأجلاء ... إنهم رعاة الحياة ... والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف (يو 11:10).

 

     الختــام ...

          رجائي الوحيد أن يقرأ المؤمنون جيداً ما جاء في البيان، ويُدركوا عمق الكلمات التي صِيغَ فيها، وما هي الرسالة السامية التي يحملها ... إن البيانَ دعوةٌ لنا للرجوع إلى ينابيع الإيمان لنرتوي من ماء الحياة _ يسوع المسيح المخلّص ... فنحن رسلٌ ووكلاء، وعلى الوكيل أن يكون أميناً (      ) ... وما نملكه ليس مُلكنا بل مُلك الله ... فلا يجوز أن نكون على هامش المسيرة كما كان اليهود والذين رافقوا مسيرة الآلام، بل نحن من أبناء المسيرة ومن أهلها. فمدرسة تحت أقدام الصليب تنتظرنا جميعاً لنكون فيها طلاّباً ممتلئين بشجاعة الإيمان وتعاضد الحياة، وأمنيتي أن لايبقى المسيحيون على هامش المسيرة الأبمانية مدعين أن ذلك لا يخصهم .. كلا ثم كلا .. فآباؤنا مرجعياتنا وبياناتهم أنجيل لمسيرة زمننا ، لذا علينا أن نعمل لنكون شهوداً وشهداء ... وسيقولون نحبّ مسيحهم ونحب مسيحيتهم أيضاً، وليس نحب مسيحهم ولا نحب مسيحيتهم  نعم  وآميـن  وشكـراً.