رفع الصليب الكريم المحيّ في العالم

14 أيلول 2005

القس يوسف عبا .. تورنتو ـ كندا

يخبرنا التاريخ الكنسي ( من كتاب سنكسار ) أن القديسة هيلانة والدة الأمبراطور قسطنطين الكبير  وجدت بالقرب من الجلجلة ، الصلبان الثلاثة التي مات عليها المسيح الفادي واللّصان رفيقاه . وأن الأسقف مكاريوس الأورشليمي اهتدى الى تمييز صليب المخلّص عن الصليبين الآخرين بفضل اعجوبة تمّت على يده ، إذ إنه أدنى الصلبان الواحد تلو الآخر من إمرأة كانت قد أشرفت على الموت ، فلم تشفى إلا عندما لمست صليب المسيح .

بقي العود الكريم في كنيسة القيامة حتى 4 أيار سنة 614 حيث أخذه الفرس بعد احتلالهم المدينة المقدسة وهدمهم كنيسة القيامة ، وفي سنة 628 انتصر الامبراطور هرقليوس على كسرى ملك فارس وأرجع على كتفه العود الكريم وسار به في حفاوة الى الجلجلة ، فسجد المؤمنون الى الأرض وهم يرنّمون : لصليبك يا رب نسجد ، ولقيامتك المقدسة نمجّد .

في كنيسة القيامة اليوم يكرّم الموضع الذي وجدت فيه القديسة هيلانة الصليب الكريم ، وهذا الموضع كان في عهد المسيح حفرة كبيرة في الأرض ردمها مهندسو قسطنطين الملك وأدخلوها في صميم الكنيسة الكبرى بمثابة معبد . هو في الواقع مغارة كبيرة تحت سطح الأرض .

في القرن السابع نقل جزء من الصليب الى روما وقد أمر بعرضه في كنيسة المخلّص ليكون موضوع إكرام المؤمنين البابا الشرقي سرجيوس الأول ( 687 ـ 701 ) .

إن لعيد الصليب الأهمية الكبرى والمحل الممتاز في سلسلة الأعياد على مرّ السنة الطقسية ، سواء ذلك في الشرق والغرب . هو تجديد ليوم الجمعة العظيمة في أسبوع الآلام ، غير أنه بينما يعيش المؤمنون في يوم الجمعة العظيمة ذكرى الفداء بدم المسيح وموته على الصليب ، بوصفه حدثا تاريخيا ، ينظر المؤمنون اليوم الى الصليب محاطا بهالة المجد والغلبة ، مجد المسيح  والمسيحية  وغلبتهما عبر التاريخ على قوى الشر .

الصليب ... والصليبيون !

ينعتنا البعض بشتى النعوت ويصفوننا بمختلف الصفات ، وهم يعتقدون انهم باستعمالها أوالقائها علينا ، انما يحاولون ( اذلالنا ) أو الإنتقاص منا ، فالبعض يسمينا ( كفارا ومشركين وزنادقة وعبّاد الصليب ) وآخرون يطلقون علينا تسمية ( صليبيون) كم كنت أتمنى أن يفهم الآخرون معنى الصليب ، وما يعنيه لمليارين من البشر . صليب المسيح هو فخر الكنيسة المسيحية منذ أن وجدت وعبر كل عصورها!. فكنيسة المسيح على تنوع فروعها ومسمياتها ، ومع امتداد التاريخ كله كان لها الصليب وما زال رمزَ فخرٍ واعتزاز وإجلال ... قبل صلب المسيح كان الصليب أداةً قتل وتعذيب .. ولكن عجباً كيف حوَّلَ المسيحُ أداة القتل والتعذيب إلى رمز حبٍ وعطاءٍ وفداء !.. فبعد صلبه اعتلى الصليب بفخر قباب الكنائس ومناراتها .. وأخذ الملوك يزينون تيجانهم بعلامة الصليب باعتزاز ، وفي العديد من دول العالم اليوم يتصدر الصليب أبواب صيدلياتهم ينادي المريض عن بعد أن تعال / لدينا الدواء لمشكلتك !... وهناك مجموعة لا بأس بها من أعلام الدول التي تعتز بحضارتها ورقيها ويوشحها الصليب ..ثم مع بدايات القرن العشرين برز الصليب الأحمر كمؤسسة إنسانية عالمية لا تحدها حدود .. استمدت رسالتها الإنسانية من رسالة المسيح فرفعت شعار الصليب بلون دم المسيح كشعارٍ للرحمة بجرحى الحروب / والأسرى / والسجناء السياسيين في الأرض  . ومن هذا المبدأ انبثقت جمعيات أخرى تحمل شعارات متنوعة ولها نفس الرسالة ، وهذا يعني أن نظرة العالم كله أخذت تدرك معنى رسالة الصليب وما يوحيه الصليب من خدمةٍ ورحمةٍ انسانية للبشرية المعذبة ، نحن عندما نُنوّه بكل هذه الحيثيات لا نقولها تعصباً ولا تحدياً لأحد ، بل نُذَكّر بأن الصليب وُجِدَ لخير البشرية ولمنفعةِ كلِّ انسان من أي عقيدةٍ كان ، فالصليب يحمل رحمةً وخلاصا للجميع .

 لذلك سجل بولس الرسول افتخاره بالصليب حين قال : حاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح ، الذي به قد صلب العالم لي وأنا للعالم ،  وبولس الرسول كان قبلاً عدواً للمسيح ولأتباع المسيح إلى أن تراءى له المسيح على طريق الشام برؤيا معجزية غيّرت حياته وغيَّرت نظرته للمسيح فلم يعاند الرؤيا وما حملته له من نورٍ وحق ، فآمن وأصبح في طليعة رسل المسيح  . ولم تأت عقيدة الصلب من فراغ ، ولا جاءت من خيال الناس لتنهي قصة حياة شخصٍ اسمه يسوع المسيح ولد وعاش ومات ، حسب المقولة : تعددت الأسباب والموت واحد  فاخترعوا له سبباً للوفاة  فقالوا ( صلب ) ..

 ولنفترض جدلاً أن الصلب لم يحدث أبداً للمسيح ، ألا ترى حينها ، أننا مع هكذا فرضية نقف أمام فراغٍ مبهم في تاريخ حياة يسوع المسيح لا تفسير له ؟.. فكيف انتهت إذاً حياتُه ؟.. ولماذا يَغْفَلُ الوحيُ  ( الانجيل ) من ذكر ذلك بتفاصيله الدقيقة ؟.. ألم يحدثنا الوحي عن تفاصيل ميلاده بكل دقةٍ ووضوح ؟ وهل يعقل أن تبقى هناك فترةٌ مبهمة في تاريخ حياة المسيح ، فكيف كانت نهايةِ هذاالرجل العظيم  ؟ أيُعْقَلُ أن نعرف عن أفلاطون وارخميدس وامرؤ القيس وجبران خليل جبران كيف ماتوا وكيف انتهت حياتهم ، ثم عندما نأتي إلى سيرة حياة سيدٍ فاق مجداً كالمسيح لا نعرف شيئاً عن تفاصيل نهاية حياته ؟  أيُعقل هذا ؟ أما الحقيقة .. فالرواية الوحيدة الواضحة التي بقيت لوحدها في الميدان على مرِّ الزمن بلا منافسٍ ولا جدال وهي مبنية على علمٍ صحيح بخصوص نهاية حياة المسيح على الأرض هي رواية الصليب كما دوّنها الوحي في الإنجيل ..وفوق هذا وذاك للرواية شهود كثيرون ، منهم قديسون مؤمنون هم أتباع للمسيح الذين شاهدوا الحدث وهم بكامل وعيهم ، وحاشا لله أن يضلّهم أو يخادعهم في ما رأوه . فهؤلاء ممن قيل عنهم : وآمنت فئة  ولم يكونوا من الكافرين  وهناك شهود آخرون من أعداء المسيح الذين نادوا بصلبه فحرصوا على أن يشاهدوا تنفيذ المهمة بكل دقة … ومعهم أيضاً كان الجنود الرومان الذين نفذوا عملية الصلب . وكان غيرهم جموعٌ أخرى حملتهم الأقدار أن يمروا في الطريق المحاذي لساحة الصلب ، وهناك غيرهم ممن تَتَبَّعوا الأخبارِ فجاؤا يدفعهم حب الاستطلاع وشاهدوا ما جرى … فأي حاكم أو قاضٍ عادل يُسْقط شهادة كلِّ هؤلاء الشهود ويأمر بغلق القضية بسبب عدم توفر الأدلة !

إن الصليب هو حضن الكنيسة وفخر المؤمنين ، وإن نظر إليه غير المؤمنين كالى أقصى الجهالة . بعد الصليب لم يعد الألم في حياة المسيحيين ذلك القدر الغاشم الذي يسحقنا ويثيرنا ، بعد الصليب أصبح الألم محنة الحب وتشبها بالفادي وتنقية من الخطيئة واشتراكا بفداء البشر وسبيل الانسان الى قمة مجد السماء .

 تشمشت عيد الصليب

14 أيلول 2005

ترجمها عن السريانية من كتاب الاشحيم ص 578 : الدكتور أمير حرّاق

-------

بك ننطــح أعداءنــا               هاليلويا                 ومن أجل اسمك ندوس مبغضينا

لا نتّكل علـى أقواسنـا                هاليلويا                 ولا نخلص بسبب سلاحنـــا

أنت خلّصتنا من مبغضينا               هاليلويا                 وأخزيــت أعداءنـــــا

نمجّدك يا الله كل يــوم               هاليلويا                 وباسمك نعترف كلّ الدهـــر

الشمامسة : بارخمور ... الكاهن : شوبحو لابو ...

الشمامسة : من عولام وعذام لعولام عولمين آمين .

صليبوو زخو صليبو زوخي ، صليبو زخوي لبعيلدارو ، وصليبو نهوي شورو ، لكول من داودي بصليبو .

سطومين قالوس قورياليسون ...

فروميون : الكاهن :

لذلك الذي جعل من صليبه سورا حصينا لكنيسته وجعل عار الصليب فخرا لخطيبته ، له يليق المجد والوقار في هذا الوقت وفي كل وقت وحين الى أبد الابدين . آمين .

سدرو ... الشماس

أيها المسيح الاهنا يا من رايت الجنس البشري وقد هلك في نجاسة الخطيئة ، فعلّقت على خشبة الصليب برحمتك كي تخلّصنا وتنجينا نحن الخطأة الضعفاء . ولأجل ذلك نسجد لصليبك ونحن قائلين : الصليب سلاح لا ينكسر ، الصليب سور لا ينهار ، الصليب شتّت الشعب اليهودي ، الصليب جمع الشعوب ، الصليب أخزى الكفّار ، الصليب كلّل الشهداء ، الصليب صالح السماويين مع الأرضيين . لذلك يا ربنا ، بصليبك اغفر خطايانا ، بصليبك تغاضى عن زلاتنا ، بصليبك احفظ كنائسنا ، بصليبك عظّم أديرتنا وأهلنا نحن وأمواتنا كي نسجد لك في يوم ظهورك الثاني ، ونحتمي في كنف صليبك ، فنصعد لك المجد والشكر ولأبيك ولروحك القدوس الآن وكل أوان والى أبد الآبدين . آمين .

 القالات

في الساعة الثالثة وفي كل وقت نسجد للصليب الحي ونصّلب على وجوهنا به لأنه هو رجاؤنا وهو اتكالنا فهو الذي يخلّصنا من الشرير وقواته ويورث لنا ملكوت العلا .

في الساعة الثالثة أكل آدم الثمرة في عدن فخالف الوصية ، وفي الساعةالثالثة صعد على الصليب سيّد عدن عوضا عن عبده الذي أذنب ، وفي الساعة الثالثة كتب قرار عتقه بالصليب فأعاده الى موضع ميراثه .

بارخمور ... شقّ موسى البحر بعصاه فأجتاز الشعب وغرق المصريون ، وربّنا يسوع فتح الجحيم بصليب النور وأقام الأموات ، مبارك المسيح الذي مهّد لنا طريق الحياة من القبور الى بطن الفردوس .

من عولام ... الصليب نور ، يوشّح ساجديه بالنور وشاح المجد . من عمق الأعماق ينشل من ينظر اليه ، فيلتجأ اليه في كل وقت . صليبك صالح السماويين مع الأرضيين وزرع السلام في المسكونة .

 الختام

 رأيت ثلاث صلبان لا يشبه الواحد الآخر ، ذاك الذي على اليمين حيّ وغير مائت ، والذي على اليسار مائت وغير حيّ ، أما الذي في الوسط فقد أذهلني ، يشبه المائت وهو حي ، ويشبه الحي وهو مائت ، إنه يشبه الانسان وهو الله .