لأعزائنا الصغار

رسامات

عيون بخديدا

Museum متحف

أرشيف الاخبار

فنانونا السريان أعلام

أرشيف الموضوعات

القس باسل يلدو

 

من هو الانسان الغني والانسان الفقير؟

الغنى ليس فقط بالمال والاملاك ولكن الغنى بالله. والفقير هو بالروح.

ممكن اكون غني بالظاهر وامام الناس ولكنني فقير من الداخل (فارغ)، ليس لدي شيء اقدمه للقريب او المجتمع الذي اعيش فيه! والعكس ايضاً ممكن اكون فقير بالظاهر ولكن مملوء من الداخل بالله، بالعطاء، بالخدمة للانسان القريب مني وللمجتمع.

 

من هم الفقراء في الكتاب المقدس:

العهد القديم:

لا يُغفل الكتاب المقدس الفقراء بل يُعطيهم مكانة هامّة في كلمة الله. الفقير هو أولاً الذي لا يملك شيئاً، حتى ما يكفيه للقوت والكسوة. وتختلف المواقف من الفقير في الكتاب المقدس. يتّهمون الفقير بالكسل بالتراخي، باللهو... لذا هو فقير، وبالتالي هو متبهدل (كتب الحكمة) والفقير يُعتبر من الذين لم يُرضوا الرّب. لأنّ خيرات الدنيا هي علامة بركة الرّب. وهذه الفكرة تنبع من كون وحي العهد القديم لم يعرف حياة ما بعد الموت إلاّ متأخّراً.

 

أمّا موقف الأنبياء فيختلف عن هذين الموقفين اللّذين يحتقران الفقير. النبيُّ يرى الفقر كنتيجة لخطيئة المجتمع الفاسد ولظلم وجشع التاجر والحاكم والغني.. فالغنى لم يعد علامة بركة الرّب، لا بل إنّ الأغنياء هم الّذين جنَوا على الفقير وأغرقوه في بؤسه. ألم يظلم فرعون الغني شعب العهد القديم في مصر؟ أليس بؤسهم هو نتيجة ترف فرعون واستغلالهم. الفقر هو علامة من علامات خطيئة الشعب فالفقير يفضح خطيئة الإنسانيّة أو المجتمع.

 

مع الأنبياء وفي المزامير وفي كتب الشريعة الخمسة وخاصة في تثنية الإشتراع كلام عن صرخة الفقير التي يسمعها الرّب. فالرّب يسمع صرخة الفقير كما سمع صرخة »دم هابيل«. فهو يلفت نظر الغني كي لا يترك قميص الفقير عنده الى غروب الشمس لأنّ صوت يصل الى مسمعي الرّب. فقد تكون أنت سبب فقره. هو مظلوم. قد تكون أنت الظالم وقد يكون مجتمعك.

بدأنا هنا نلمس أنّ ملجأ الفقير هو الرّب وليس الإنسان. فصرخة الفقير هي للرّب. فهل يطلب أحد الإنصاف من ظالمه أو ينصّب ظالمه ليقضي له.

 

إنطلاقاً من هذا الكلام نصل الى موضوع ثانٍ هو موضوع "فقراء الرّب". هؤلاء هم الجماعة الّذين اختاروا الفقر، اكتشفوا أنه "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان". ففقراء الرّب هم الذين اكتشفوا أنّهم أغنى بكثير من أن يستغنوا؟ الغنى بالنسبة هو في العلاقة. ومن خلال العلاقة مع الرّب يكتشفون أهميّة تضامنهم مع إخوتهم الّذين حرّرهم الرّب بذراع قويّة.

 

العهد الجديد:

يبدأ إنجيل متى بتطويب المساكين بالروح في العظة على الجبل، في أوّل عظة رسميّة ليسوع. جاء يسوع يطوّب "المساكين بالروح" أي فقراء الرّب. فهؤلاء الفقراء هم أوّل من تكلّم عنهم يسوع ولم يتعامل معهم بقساوة، بل احبهم. فهو مثلهم ليس له موضع يسند إليه رأسه. وقد فعل بطرس ويوحنّا ما فعله يسوع. أعطوا المخلّع ما أعطاه يسوع ولم يُعطوه فضّة.

كثيرة الأمثلة حول الفقراء، سنأخذ ثلاثة امثلة من الانجيل على تصرف الانسان الغني:

 

الغني ولعازر .... انجيل لوقا 16: 19-31

لمّا صرخ الغني "أرسل لعازر الى بيت أبي..." ألا يقول لنا أنّ لعازر كان مطروح امام باب الغني، يراه كلما يدخل ويخرج، دون ان يترحم عليه؟ ماذا قال موسى والأنبياء؟ ومن سمع لهم أليس لعازر يسوع الجائع والعطشان والغريب والعريان والمريض والمحبوس الذي ينتظر افتقادنا له؟ تعالوا نبحث على كلّ جوعان وعطشان؟ نقول لكلّ واحد: "إذا لم تشبع فأنا جائع، وإذا لم أشبع فأنت جائع، إذا لم ترتوِ فأنا عطشان، وإذا لم أرتوِ فأنت عطشان. ..."

 

الشاب الغني .... انجيل لوقا 18 : 18-25

عندما سأل الشاب الغني يسوع: ماذا افعل لكي ارث الحياة الابدية؟ اجابه يسوع: طبق الوصايا، فقال له الغني "هذه حفظتها منذ صغري" وعندها نظر إليه يسوع وأحبّه وهذا يعني انت يا يهوديّ إنسان جيد جداً فانا سأزيد من قيمتك اكثر ولا اريد ان أجعلك يهودي فقط انما مسيحي. أنت تتبع وصايا موسى، أنا اريد منك ان تتبع وصيتي وهي: "اذهب وبع كل ما تملك واعطه للمساكين واتبعني".

نرى بان الشاب الغني هو انسان جيد يخاف الله ويحفظ الوصايا، ولكن عنده مشكلة واحدة وهي انه متعلق كثيراً بامواله (حزن كثيراُ) ولهذا يقول يسوع: دخول الجمل من ثقب الابرة اسهل من دخول الغني الى ملكوت الله.

 

الغني الجاهل .... انجيل لوقا 12: 16- 34

يتكلم الانجيل عن الغني الجاهل الذي لا يعرف اين يخبئ امواله: يا ناقص الرأي (غشيم) قبل الاستمتاع بهذه الاموال، هذه الليلة تؤخذ نفسك منك، فلمن تبقى كل هذه الاموال؟ اكيد التخطيط للمستقبل امر جيد! وتامين الحياة قبل الموت امر حكيم! ولكن اهمال (نسيان) الحياة ما بعد الموت هو كارثة (مصيبة)، لانه لو جمعنا الاموال لنستمتع ونفرح بها نحنُ فقط دون مساعدة الاخرين، فسوف ندخل الملكوت بايدي فارغة!

لذلك يقول لنا يسوع: الا نقلق بما نأكل او نشرب لانه هو الذي يعتني بنا ويدبرنا! يجب ان نفكر كيف نسعد انفسنا والاخرين معنا، يجب ان نعطي فرصة لاموالنا كي تعيين الاخرين (المحتاجين)، فحينئذ نخزن كنوزاً في السماء. ولهذا يقول يسوع: "حيثما يكون كنزكم هناك يكون قلبكم".

 

قصة ذات مغزى:

أرادَ رجل غني أن يكافئ أحد عماله المخلصين، فدعاه وقال له: كل الأرض التي تستطيع ان تحرثها يوم غد تكون لك. يمكنك ان تعمل من الفجر حتى غروب الشمس.

نهض العامل باكراً وبدأ يعمل بكل جدية في الأرض. شعر بالتعب نحو الساعة العاشرة صباحاً، لكنه لم يستريح وتابع عمله كي لا يخسر متراً واحداً من الأرض الموعودة له.

ثم أتى وقت تناول طعام الغذاء، فقال في نفسه أنه لا يريد ان يأكل، فالعمل أهم وسيأكل مضاعفاً يوم غد. بقي يعمل دون توقف حتى غابت الشمس. ثم توقف وقال: هذه الأرض كلها ستكون لي ولأولدي من بعدي ... وما ان قال ذلك حتى وقع على الأرض ميتاً من التعب.

وفي اليوم التالي، دُفن في قطعة أرض مساحتها مترٌ مربع. تلك كانت حصته من الأرض؟

 

اخوتي واخواتي، الغنى المادي ليس مقياس الانسان، ممكن اي واحد يصبح غني بيوم وليلة، بل الغنى الحقيقي هو بالايمان بالله، مدى حبي وخدمتي وعطائي للمجتمع، غني بمؤلفاتي، غني بافكاري، غني بقدرتي على منح السعادة للبأئس، غني بفقري الانجيلي، غني بالحب، غني بالناس الذين حولي ويحبونني. هذا هو الغنى الحقيقي!

 

اكبس هنا للانتقال الى الصفحة الرئيسية للاب باسل يلدو