لأعزائنا الصغار

رسامات

عيون بخديدا

Museum متحف

أرشيف الاخبار

فنانونا السريان أعلام

أرشيف الموضوعات

الاب باسل يلدو

كل ما يتعلق بصلاة مسبحة الوردية

نظراً لمكانة مريم العذراء الكبيرة في حياة المؤمنين المسيحيين فقد خصصت الكنيسة الكاثوليكية شهراً كاملاً لاكرامها (الشهر الخامس/ ايار)، كما خصصت شهراً آخر للعذراء مريم سلطانة الوردية (الشهر العاشر/ تشرين الاول)... وبما انه نحن الان في الشهر المخصص لمسبحة الوردية فسوف نشرح هذه الصلاة من كل جوانبها.

 التسمية: المسبحة او السبحة تأتي من كلمة التسبيح (الدعاء والصلاة) يعني قول المؤمن سبحان الله او سبحانك اللهم.

والمسبحة هي عادة مجموعة من الخرز متساوية بالحجم والشكل واللون، انتظمت الى بعضها في خيط او سلك من خلال ثقوب في وسطها.

 

شكلها: كانت المسبحة من الخرز او نوع من نوى الثمار كالتمر في العراق، والزيتون في فلسطين، وحبة الخضراء (البطمه) في الشمال، كما تفنن بعضهم فاستعملوا الاحجار الكريمة كالزمرد في الهند، والفضة والذهب في الغرب.

 

تكوينها: استعملت الديانات المختلفة المسبحة في عباداتها الدينية على اشكالها المختلفة فعند البراهمة الهنود كانت السبحة مكونة من 50 خرزة على عدد حروف اللغة السنسكريتية، وعند البوذيين من 108 خرزة، فهذا عدد مقدس في تراثهم الديني وعند اليهود 100 خرزة ولهذا سموها "ما بركوت" أي "المئة بركة" وعند المسلمين من 99 خرزة بعدد أسماء الله الحسنى.

بالنسبة الى المسيحيين الكاثوليك تتكون المسبحة من 150 خرزة بعدد المزامير وهي التي نطلق عليها "وردية العذراء" لانها أشبه بباقة ورد، فالوردة بلونها البهي ورائحتها الزكية، هي انسب ما يكون للتعبير عن جمال مريم وطهارتها وعظمتها وعذوبة رحمتها ومحبتها. فكما في الورد الجمال والشوك والرائحة، كذلك في المسبحة اسرار الفرح والحزن والمجد.

 

رموزها: صلاة الوردية لم تكن في اول نشأتها تدعى بهذا الاسم! بل كانت تدعى تارة بصلاة "الابانا" وتارة "بالمزامير المريمية"، تشبيهاً لها بالمزامير الداودية لاشتمالها على 150 من السلام الملائكي بعدد المزامير... ثم دُعيت "مسبحة" لارتباطها بسلسلة معقودة من الحبات، وقال بعضهم "سلسلة الوردية" لارتباط كل حبة من حبات المسبحة بأختها، مشيراً الى ارتباط الاخوة الذين يشتركون بها مع بعضهم.

 

تقسيمها: تقسم هذه الصلاة الى ثلاث مراحل على اعتبار ان حياة يسوع المسيح وأمه العذراء، قد مرت بثلاث مراحل: الفرح، الحزن والمجد.. مؤخراً اضاف البابا الراحل يوحنا بولص الثاني مرحلة رابعة (اسرار النور) وكل مرحلة مقسمة الى خمس اسرار وكل سر يتلى فيه 10 مرات السلام الملائكي وبين كل سر وآخر، يضاف حبة كبيرة لتلاوة أبانا الذي... الا انه نبدأ الصلاة باشارة الصليب، لان كل مسيحي يبدأ أعماله وصلاته به، بعد ذلك يتلى قانون الايمان، حيث كان الزامي تلاوته قبل كل صلاة او رتبة دينية... وثم هنالك 5 حبات بعد الصليب: الاولى والاخيرة مخصصة للصلاة الربية والثلاث بالوسط هي للتامل بالصفات الثلاثة التي تتمتع بها العذراء دون سواها وهي: ابنة الاب/ ام الابن/ عروسة الروح القدس. وبعدها يوجد ايقونة مثلثة الزوايا، التي كانت تحملها العذراء عند ظهورها للقديس عبد الاحد.

 

مكانتها: هذه المسبحة أخذت مكانة كبيرة في حياة المؤمنين المسيحيين، فنرى أغلبية الناس لا تفارق جيوبهم هذه المسبحة، فقد امتدحها القديسيين واباء الكنيسة والبابوات،  فقد قال عنها البابا الراحل يوحنا بولس الثاني:

"إنها صلاتي المفضلة، إنها صلاة رائعة في بساطتها وعمقها، إنها تعرض لنا أهم وقائع حياة المسيح التي إذ جمعت في أسرار ثلاثة تربطنا بالمسيح من خلال قلب أمه إذ صح القول، ويسعنا في الوقت نفسه أن نضم إلى أسرار الوردية كل ما يحدث لنا شخصياً وعائلياً وكنائسياً وإنسانياً... وهكذا تجري صلاة الوردية منتظمة مع الحياة البشرية".

 

تاريخها: هذه الصلاة تطورت عبر الزمن، فقد كانوا المسيحيون في القرون الأولى يستخدمون إثناء صلاتهم كمية من الحبوب أو الأحجار الصغيرة ويضعونها في جيوبهم ويحاولون نقلها من الجيب الأيمن إلى الجيب الأيسر... ثم استخدموا قطعة صغيرة من الحبل فيها عقد كثيرة يتلمسونها بأصابعهم أثناء الصلاة...فينقلون ابهامهم، على العقدة تلو الاخرى.

 

 وعندما تأسست الأديرة والرهبانيات في مطلع القرن الرابع، كانوا الرهبان يصلون الفرض مجتمعاً (أبانا الذي والسلام لك مع تلاوة 150 مزمور)، وكان الرهبان الاميين الموكلين للعمل في الحقل والذين لم يكونوا بمستطاعهم القراءة والكتابة، معفين من تلاوة المزامير، اذ كانوا يستعيضون عنها، بتلاوة الصلاة الربية، ثم 150 مرة السلام الملائكي.

 

ولما زحفت الجيوش الصليبية الى الشرق، في مطلع القرن الحادي عشر، كان لابد من ايجاد صلاة سهلة وبسيطة بمتناول الجنود الاميين. فأوصى اليهم قائدهم ومرشدهم بطرس الناسك، باستعمال الحبل المعقود 150 عقدة الذي استعمله الرهبان.

 

وفي القرن الثاني عشر كان القديس عبد الاحد الدومنيكي (اسباني)، مؤسس الرهبنة الدومنيكية، مشهور جداً بتعبده لمريم العذراء، فعندما ظهرت جماعة في جنوب فرنسا انحرفت عن الدين المسيحي، أرسلته الكنيسة لإيقافهم! فظهرت له العذراء وقالت له: أنه لن ينجح إلا في تلاوة المسبحة، ومنذُ ذلك الوقت 1217م علم الرهبان على تلاوة المسبحة بشكلها الحالي.

حيث يتلى في كل سر مرة أبانا الذي و10 مرات السلام لكِ!

هذه الصلاة (السلام الملائكي) تعتبر من أجمل الصلوات بعد الصلاة الربية التي علمنا اياها الرب يسوع، فهي الصلاة التي يوجهها المسيحيين إلى الملكة السماوية وقد انتشرت انتشاراً سريعاً لما تحويه من معنى وذكر لأمجاد مريم وسمو مقامها وسلطان شفاعتها واحتياجنا إلى عونها.

 

دعيت صلاة (السلام عليكِ يا مريم)، بهذا الاسم لأنها تبتدئ بالعبارة التي سلم بها الملاك على العذراء مريم عندما بشرها بان الله اختارها أماً لمخلص البشر (يسوع المسيح).

إنها صلاة بفم الملاك جبرائيل والقديسة اليصابات والكنيسة. فهي مركبة من ثلاث أقسام :

1. من كلام الملاك الموجه إلى البتول : "السلام عليك يا مريم، يا ممتلئة نعمة، الرب معك".

2. ومن كلام القديسة اليصابات : "مباركة أنت في النساء ومباركٌ ثمرة بطنكِ يسوع".

3. ومن كلام الكنيسة: "يا مريم القديسة، يا والدة الله صلي لأجلنا نحن الخطأة ......".

 

لقد اصبحت مسبحة الوردية واسطة للتأمل والصلاة، لانها صلاة بسيطة مفهومة ممكن ان يصليها الجميع الصغار والكبار؟ كما اتخذها بعض الرهبان ضمن مكملات الزي الخاص بهم كالدومنيكان والفرنسيسكان وراهبات بنات مريم الكلدانيات، انهم يعتزون بها ويتلونها بشوق ولذة وترافقهم في رواحهم ومجيئهم، وايضاً في رحلتهم الاخيرة اذ تدفن معهم.

 

بعض الملاحظات حول صلاة المسبحة

بعض الناس يتشكون من التشتت والملل في تلاوتها وتكرارها؟ أكيد السبب الأول هو عدم التركيز إثناء تلاوتها، ثم إن ترديد نفس الصلوات هو مدعاة إلى التشتت والملل، وهم على حق في قولهم هذا، إن كانت الصلاة مجرد ألفاظ تتلوها الشفاه، ولا يشترك فيها القلب، ولكن هي صلاة تأملية اكثر من لفظية.

قصة واقعية: ذات يوم تقدمت فتاة شابة الى المطران (فيلتون شين) واعترفت بان تلاوة المسبحة تجلب لها الضجر والملل! فقال لها المطران: أسائلكِ فأجيبيني: هل يحبكِ خطيبكِ؟ اجابته: طبعاً! انه يحبني كثيراً، فقال لها وهل يصرح لكِ بانه يحبكِ؟ فقالت مرات عديدة رددَ على مسامعي انه يحبني! فقال لها ولكن الا يزعجكِ ويضجركِ ان يُردد لكِ دائماً انه يحبكِ؟ فأجابت هذا مستحيل! بل انه يزيدني غبطة وسعادة. فقال لها: اذاً لماذا تقولين بان ترديد صلاة (الوردية) لامكِ مريم تزعجكِ؟

والشيء نفسه يُقال عن كل والدة مع طفلها، فلا هي تشبع من سماعها لكلمة احبك ياماما وفي الوقت عينه لا يتضايق هو من تدليلها وقبلاتها، والسبب في المحبة التي تربط بين قلبيهم! وليس شفتيهم فقط. فالسلام الملائكي هي من اجمل الصلاوات التي ترضي العذراء وتوليها غبطة! اذ تذكرها باسرار حياتها المؤثرة، من افراح والام وامجاد، نكررها على مسامعها بلا انقطاع ولا ملل، مؤكدين محبتنا لها باستمرار. وما دامت هذه اجمل صلاة عند أمنا العذراء، فكيف لا تكون كذلك بالنسبة لنا ان كنا حقيقة ً ابناءٌ لها.

 

كما ان لاختصار في صلاة الوردية، أمراً غير مرغوباً فيه! ستقولون لماذا؟ لان الصلاة الحقيقية، هي تواصل وكفاح، ان لم أُقل الالحاح في قرع الباب والتوق لان تكون مستجابةً، فمن صممَ على الرغبة في تحقيق شيء طلبه بلا انقطاع، مئة مرة اذا لزم الامر... يقول متى في انجيله: " وذهب يسوع ثانية يصلي ... ورجع الى التلاميذ، فوجدهم نائمين ... فتركهم، وعاد يصلي مرةً ثالثة، ورددَ الكلام نفسه" (متى 26: 42-45).

أما بخصوص تلاوتها اثناء القداس، فهو أمراً غير محبذ، لان الناس ينشغلون بتلاوة مسبحة الوردية، في حين يجري الاحتفال بالافخارستيا، غير مكترثين لحضور يسوع في الذبيحة الالهية، وغير مُهتمين باداء السجود له وبالاختلاء معه والمشاركة مع الكاهن في هذا السر العظيم، وكأنَ ممارستهم التقوية الخاصة هي اهم من ذبيحة المسيح الخلاصية! فالموضع الاول في حياتنا الروحية يجب ان يعطى للمسيح، المخلص الحقيقي والوسيط الاوحد الذي اليه ينبغي ان تنتهي جميع الوساطات الاخرى، حتى وساطة مريم. لان مريم لا تمنحنا شيئاً ما لم تنله من الله بصلاتها وشفاعتها لنا. فنحن لا ننكر قوة صلاتها وتشفعها لنا ولكن لا يمكن ان نعتبرها المصدر الرئيسي للنعم والخيرات السماوية، لانها هي نفسها تستقي كل هذه النعم والمواهب من ينبوعها الحقيقي الذي هو الله، وتقوم بتوزيعها على ابنائها البشر.

 

مع كل هذا تبقى صلاة الوردية حاضرة بشكل فعال في صلوات المؤمنين وفي تقواهم، وتبقى مريم العذراء حاضرة ايضاً في حياتهم وفي ظروفهم الصعبة، كما كانت ماثلة في حياة يسوع وحياة الرسل الاوائل. فنسألها ان تنظر الينا دوماً بعين الرافة والحنان وان تقودنا الى ابنها الحبيب يسوع المسيح... أمين.