الدعوة الكهنوتية

بقلم الاب: باسل يلدو

 

بمناسبة السنة الكهنوتية التي اطلقها البابا بندكتوس السادس عشر يوم الجمعة 19 حزيران 2009 والتي تزامنت مع الاحتفال بعيد قلب يسوع الأقدس والذكرى الخمسين بعد المائة لوفاة خوري آرس، القديس جان ماري فيانيي.

....................................................................................................................

 

         لكل انسان في الحياة دعوة مدعو الى تحقيقها، وهذه الدعوة تختلف من شخص الى اخر، فمثلاً أنا مدعو الى خدمة الفقراء والاخر مدعو الى التبشير بالانجيل والاخر الى المحبة وهكذا. لان المسيحي الصادق هو العضو الفعال في جسد المسيح والذي يطيع وصايا الله والكنيسة ويجعل يسوع محور حياته فيخدمه ويخدم قريبه بكل محبة وامانة واخلاص.

 

        هذه هي اذن دعوة المسيحي، وهكذا يجب ان تكون تلبيته الصادقة لدعوته السامية بحيث انه يسمع ويفهم ويطبق في حياته وصية معلمه الالهي : "اطلبوا اولاً ملكوت الله وبره" (متى 6: 33) لكيما يستحق بالنهاية سماع كلمات المعلم نفسه يخاطبه قائلاً : "هلم ايها العبد الصالح ادخل فرح سيدك" (متى 25: 21).

        ولكن هنلك دعوة خاصة لا تشمل جميع المسيحيين بل عدداً قليلاً منهم حيثُ يدعوهم الله الى الكمال، وهذه هي الدعوة الى (الكهنوت المقدس) فما معنى هذه الدعوة ؟

 

الدعوة الكهنوتية قبل كل شيء هي دعوة الهية، حسب قول الرب: " لستم أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم" (يوحنا 15: 16) فالشاب المدعو الى الكهنوت يشعر بصوت الرب يدوي في اعماقه " تعال اتبعني" وهذا النداء الالهي هو جوهر الدعوة الكهنوتية، فالكاهن يدعى ويرسل الى العالم لا من قبل ذاته فقط او من قبل الناس، بل من قبل الله الذي يختار من يريد.

 

         المسيح في الليلة الأخيرة قبل موته، قد وهبنا أثنين من أعظم النعم وهما:

أعطاء ذاته من خلال الافخارستيا (العشاء الاخير مع تلاميذه).

أعطاء نعمة الكهنوت لتكميل حضوره الدائم في الأفخارستيا، لذلك:

بدون كهنة لا يوجد يسوع أثناء القداس الالهي.

بدون كهنة لا يوجد غفران عند الاعتراف بالخطايا.

بدون كهنة لا يمكننا الحصول على التناول المقدس.

       الكهنة هم معاوني المسيح، الذين قالوا "نعم" ليسوع بكل حريتهم ورغبتهم، وبقولهم كلمة "نعم" في بداية اختيارهم، يوضح عظمة فقرهم ليسوع، لان الله لا يستطيع ان يملئ ما هو ممتلئ، وانما يفيض ويغمر بنعمه على كل من يعبر له عن احتياجه، لذا عليه أن يشعر دائماً في أحتياج وعوز للأمتلاء من الله، لان الخطر يأتي عندما يشعر الكاهن أنه ممتلئ من كل شيء، لان المسيح الذي بداخلنا يريد أن نعمل كل شيء معه، وبمحبة خاصة لله الأب، فيصبح لدى الكاهن القدرة على حمل وتوصيل المسيح للآخرين، وهذا من خلال اتحاده الوثيق به في حياته اليومية وبكل ما فيها من نشاطات وخصوصاً في سر الافخارستيا.

 

       الكاهن عليه أن يكون شيئاً واحداً مع يسوع، لانه يتخذ مكانه، واسمه، ويردد كلماته، ليتمم عمله، ويغفر الخطايا، ويحول الخبز والخمر في شكلهم البسيط الى جسد ودم المسيح، انه الوسيط بين الله والانسان، بل بالاحرى مثل يسوع في محو الخطايا. لقد دخل الله في حياة الانسان من خلال تقديم أبنه الوحيد فداء للجميع، لذلك عند الخطيئة يأتي الغفران بدم المسيح عن طريق الكاهن، الذي يعيد علاقة الشخص مع الله. هذه العلاقة (الرحمة) تأتي من كلمات الكاهن المستمدة من نعمة الله له، فهو ينقل حب الأب الرحوم الى كل انسان، لهذا السبب يدعونه الناس (أب ، ابونا) لانه يهب حب المسيح للجميع.

 

       اليوم نجد العديد من الكهنة بالعالم، انشغلوا تماماً بالاعمال الاجتماعية، والتجارية، وأهملوا حياتهم الكهنوتية، مع العلم أنه يوجد العديد من الاشخاص الذين يستطيعون ان يقوموا بأدارة هذه الاعمال أفضل من الكهنة، لانهم ذوي خبرة فيها، وهذا لا يعني ان يترك الكاهن او لا يهتم بالاعمال الاجتماعية الانسانية. أنما اليوم يحتاج الناس أن يروا في الكاهن، رجل مقدس، منقاد من الله، يرون فيه حضور المسيح بحضوره معهم وبزيارته لهم، يرون فيه رجل الخلاص، بما لديه من سلطة مقدسة من خلال الاسرار.

 

       بالنهاية لا يمكن ان ننسى دور العذراء مريم في الدعوة، فهي اول من قال "نعم" للرب، لذلك أصبحت نموذج لنا، وشاهدة ومدعمة لكهنوت الرسل، بوصفها أم لهم وللكنيسة، وما زال حبها حتى يومنا هذا يتدفق بغزارة نحو كل الكهنة الذين هم مدعوون لحمل المسيح وتوصيله الى الاخرين كما هي حملته