لأعزائنا الصغار

رسامات

عيون بخديدا

Museum متحف

أرشيف الاخبار

فنانونا السريان أعلام

أرشيف الموضوعات

 

هل تستقبلُ طفلَ المغارة في قلبكَ وعائِلتكَ؟

 

الاب انور زومايا

                                                                                                     

في ليلة العيد، تعلو البسمة على شفاه الجميع، وتتلألأ المدينة بانوارها ونشراتها الساطعة، وبشوارعها المكتظة بالناس، ابتهاجاً واستعداداً لاستقبال طفل المغارة، في القلب وفي البيوت، ونظراً لتهيئة وتحضير كل مستلزمات العيد، قرر الطفل يسوع ان يقوم بزيارة لهذه العوائل التي مهدت لاستقباله، وتلبية لرغباتهم وامنياتهم اضافة الى محبته لهم.

 

          كي يبدأ بالزيارة لم يعين دار معين لذلك، فقد جاء ووقف عند احد ابواب المنازل. وكان مرتدياً ملابس شبه ممزقة ووجهه نحيف، يعاني من الام عديدة، فمد يده وقرع الباب ولاكثر من مرة ولكن دون جدوى من ذلك، فلم يسمع صوت طرقاته، لان صوت جهاز التلفاز كان اعلى بكثير من صوت قرعه الباب، وبعد ان وقف طويلاً ينتظر خارجاً، بدأ المطر يتساقط والرياح تهب مع نسمة هواء باردة فقرر ان ينصرف الى منزل اخر.

 

          وبينما هو سائر بأتجاه منزل اخر، سمع صوتاً عالياً تتحاور فيه العائلة عن العلم والنظريات، فكان الحوار في اوجه والموضوع ساخناً ولهذا لم يسمع صوت دقاته، فقال مع نفسه لعل هذه العائلة منهمكة في موضوع هام جداً وقد يستفاد منه كثيرون ولهذا فلا تستطيع ان تصغي لطرقاتي، فقرر الذهاب، بعد أن بدأ المطر يشتد ويتساقط عليه، والرياح تميل يميناً ثم شمالاً وتصطدم بجسده، في حين لم تكن ملابسه كافية لمواجهة ذلك.

 

          فبدأ يتجول في هذه المدينة الى ان استقر امام احد المنازل وكالمعتاد طرق بابه لغرض الزيارة، وفي هذه الاثناء وهو واقف خارجاً سمعا صوتاً مزدوجاً عالياً داخل العائلة، صوت تعلو فيه اهازيج وهلاهل الاطفال بالهداية المقدمة لهم من الوالدين بمناسبة العيد، وصوت اخر تعلو فيه الصيحات والخصام وتتطاول ايادي الكبار الواحد على الاخر. فطرق بصوت اعلى واعلى ولكن دون جدوى. وهنا اشتد البرق والمطر بدأ يتساقط بغزارة والرياح الباردة تعصف بوجهه بقوة حتى الاشجار كانت تميل بسببها شمالاً وجنوباً.

 

          فقال الطفل مع ذاته. ان حالة الجو بدت تسوء والناس منهمكون بذواتهم وبمشاكلهم، لابد ان اشق طريقي لاعود الى حيث كنت وفيما هو سائر في طريقه لمحت عيناه فوق احد الابواب، نشرة ضوئية تتوسطها مغارة الميلاد، فوقف وقال: لاشك ان هذه العائلة بانتظاري، واني واثق انها تسمع طرقاتي، فمدَّ يده وطرق الباب فما من مجيب، واعاد ذلك ثانية ولمرات عديدة فلم يسمع ايضاً صوت طرقاته لان العائلة كانت قد خلدت الى النوم ولم تتمكن من سماع الصوت في حين ان يسوع كان بأمس الحاجة ان يسمع فيها صوته، لان غزارة المطر وشدة الرياح والبرد القارص، بدأت تضعف من قواه وتفرض تأثيراتها السلبية على صحته، فقال مع ذاته، لابد ان اغادر هذه المدينة بسرعة مادمت استطيع السير قبل ان يصرعني هذا البرد ويرميني جانباً. فواصل سيره وقبل وصوله الى حيث كان، مرَّ بمدينة اخرى تعتبر جارة للاولى فما ان وضع قدمه فيها حتى سمع اسمه في احد المنازل، فقال هنا بالتأكيد يسمع صوت دقاتي ويستقبلونني، فاجلس واستدفأ فيه وقاسم فرحة العيد معهم، وايضاً اتغلب على ما اراد ان يفتك ويهيمن على جسدي ويضعفه. فشرع يقرع الباب ويقرع لمرات عديدة الى ان سمعوا الصوت وفتحوا الباب، فبدأت علامة الفرح والانشراح على طفل المغارة.

فاستقبله شاب وسيم حين رآه سأله: ماذا تريد؟ اجابه الطفل جئت ازوركم فاجابه الشاب: نحن لا نعرف شخصاً مثلك، بالتأكيد انت مخطيء بالعنوان، ثم اغلق الباب بوجهه وتركه خارجاً وفي هذه الاثناء سمع اسمه على لسانهم يحلفون به كذباً من اجل مآربهم، في الوقت الذي كانوا ملتفين حول المائدة المملوءة بالكحول و... وينطقون بالكلمات البذيئة والجارحة ويوجهونها للآخرين فقال الطفل، ظننت بأنه لم يخيب ظني في هذه العائلة، ولكنها زادت من الامي اكثر مما كانت.  

لذلك ينبغي ان اغادر،لانه لا مكان لي في هذا العالم، فبدأ يشق طريقه، وبينما هو سائر تزامن وقت سيره هذا مع دقات النواقيس التي تدعو المؤمنين للصلاة والمشاركة بقداس الميلاد. فقال لقد عزمت على ترك العالم، ولكن ينبغي ان اتريث ولا اكون قاسياً واترك الناس لوحدهم بالرغم من آلامي التي تزداد لحظة بعد اخرى بسبب قساوة المطر والبرد والسعال الذي انتابني ويفرض ألمه عليَّ.

وبهذه الاثناء التي كان يتحدث مع نفسه وهو يسير، راى ذاته امام باب الكنيسة الملوكي، فوقف والقى نظره داخل الكنيسة، فشاهد الاكليروس والشمامسة والمؤمنين صفاً واحداً جنباً الى جنب وهم حاملين طفل المغارة والشموع، متوجهين الى المغاره كي يضعوه فيها، وهم يرتلون بأصواتهم الشجية قصة ولادته في بيت لحم.

فقال الطفل في نفسه، هنا اجد مكاني دون شك، وهنا يسمع صوتي وهنا يستقبلونني، وانا جئت من اجلهم لأزورهم. وعندما انتهى حديثه، توجه الى المقاعد القريبة من مكان تقدمه الذبيحة بهدوء وصمت، مرتدياً ملابسه شبه الممزقة والمبللة من غزارة المطر المتساقط عليها، ووجهه النحيف والبارزة عليه الالام، وهو يرتجف من شدة البرد القارص الذي ادى به الى اخفاء صوته. فما ان جلس حتى استقرت عيون الكاهن، مقدم الذبيحة عليه فنادى احد الخدم وامرَّ بطرده خارجاً لان المكان كان مهيّأً لشخص اخر ذو منصب رفيع وله مكانة مرموقة في المجتمع، فحزن جداً جداً، وقال للخادم الذي طرده لماذا تطردني بهذه القساوة؟

اجابه الخادم: لان المكان ليس لك.

قال الطفل: بل كل مكان هو مكاني

حينئذ توقف الخادم وقال له: ماذا تعني بذلك؟

أجابه الطفل: بأمكانك أنْ تعرفَ ماذا أعني، ألست حكيماً، أليس هذا الجيل، جيل الحكماء والفهماء والعلماء؟!.

قال الخادم: مَنْ انت؟

قال له الطفل: "انا الحاضر الغائب"، ثم انصرف وبدأت كلماته ترنُّ في اذان الخادم فوقع في حيرة وقلق من هذا القول.

ثم غادر طفل المغارة الكنيسة، منتصف الليل، والامطار والرياح تعصف به، وقال مع نفسه. عليَّ ان ابحث عن مكان لي، لان قواي بدأت تخور، فالمطر والبرد زادا من قساوتهما حتى صوتي لم اعد اسمعه عندما اخاطب ذاتي "فان هذا الشعب يُكرمني بشفتيه واما قلبه فبعيد عني" وبدأ يسير وفي هذه الاثناء، الخادم الذي طرده كان يسير خلف خطواته من بعيد، ليرى اين يصل واين يستقر، كي يصل الى ما قصده بالعبارة "انا الحاضر الغائب" وبينما كان يواصل سيره، حتى رأى كوخاً صغيراً من بعيد، فتوجه اليه، ولكن الساكن في الكوخ خرج كي يفحص حالة الجو ومدى تحمل كوخه هذه الامطار والرياح، وفجأةً لمحت عيناه شخصاً قادماً باتجاهه فبادرّ وذهب مسرعاً اليه، وما ان رآه حتى حمله على ذراعيه وجاء به الى كوخه فوضع عليه رداءً جديداً ومسح شعره ووجهه بمنشفة وأجلسهُ امام موقد النار. فلم يستطع التكلم بسبب المسيرة الشاقة التي قطعها والامطار والبرد القارص الذي ضرب جسده بقساوة لا ترحم.

فجلس الطفل صامتاً يستدفيء، وهو ينظر الى الرجل الذي استقبله، بقلب يتألم ويتأمل، لان جسده كان مملوءاً بالبرص، فتركوه المؤمنين ومَنْ كان يصلي ويشارك قداس الميلاد لوحده في هذا الكوخ. وفي هذا الوقت كان الخادم الذي طرده خارجاً يتلصص على طفل المغارة والرجل الذي استقبله متلهفاً لمعرفة مَنْ هو صاحب القول "انا الحاضر الغائب" وما ان استدفأ الطفل وقبل ان ينطق بكلمة، القى الرجل الأبرص نفسه على طفل المغارة وقال له "ربّي وإلهي"

آنذاك عرف الخادم مَنْ هو طفل المغارة، فدخل هو ايضاً والقى بنفسه عليه ثم سجدوا معاً امامه وقالوا:" المجد لله في العلى وعلى الارض هل تستطيع أن تجعل الآخرين يتعرّفون على طفل المغارة على غرار الأبرص؟

 

ما هو موقفك من طفل المغارة: هل هو موقف الذين لم يسمعوا صوت دقاته الباب وطردوه خارجاً، أمْ موقف

العارف والمتهيّء لزيارة ولولادة طفل المغارة في قلبك وعائلتك؟